عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:38 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إنّ كثيرًا من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ (34) يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون (35)}
قال السّدّيّ: الأحبار من اليهود، والرّهبان من النّصارى.
وهو كما قال، فإنّ الأحبار هم علماء اليهود، كما قال تعالى: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السّحت} [المائدة: 63]
والرّهبان: عبّاد النّصارى، والقسّيسون: علماؤهم، كما قال تعالى: {ذلك بأنّ منهم قسّيسين ورهبانًا وأنّهم لا يستكبرون} [المائدة: 82]
والمقصود: التّحذير من علماء السّوء وعبّاد الضّلال كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبهٌ من اليهود، ومن فسد من عبّادنا كان فيه شبهٌ من النّصارى. وفي الحديث الصّحيح: "لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة". قالوا: اليهود والنّصارى؟ قال: "فمن؟ ". وفي روايةٍ: فارس والرّوم؟ قال: "ومن النّاس إلّا هؤلاء؟ "
والحاصل التّحذير من التّشبّه بهم في أحوالهم وأقوالهم؛ ولهذا قال تعالى: {ليأكلون أموال النّاس بالباطل} وذلك أنّهم يأكلون الدّنيا بالدّين ومناصبهم ورياستهم في النّاس، يأكلون أموالهم بذلك، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهليّة شرفٌ، ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم، فلمّا بعث اللّه رسوله، صلوات اللّه وسلامه عليه استمرّوا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم، طمعًا منهم أن تبقى لهم تلك الرّياسات، فأطفأها اللّه بنور النّبوّة، وسلبهم إيّاها، وعوّضهم بالذّلّة والمسكنة، وباءوا بغضبٍ من اللّه.
وقوله تعالى: {ويصدّون عن سبيل اللّه} أي: وهم مع أكلهم الحرام يصدّون النّاس عن اتّباع الحقّ، ويلبسون الحقّ بالباطل، ويظهرون لمن اتّبعهم من الجهلة أنّهم يدعون إلى الخير، وليسوا كما يزعمون، بل هم دعاةٌ إلى النّار، ويوم القيامة لا ينصرون.
وقوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} هؤلاء هم القسم الثّالث من رءوس النّاس، فإنّ النّاس عالةٌ على العلماء، وعلى العبّاد، وعلى أرباب الأموال، فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال النّاس، كما قال بعضهم
وهل أفسد الدّين إلّا الملوك = وأحبار سوءٍ ورهبانها?
وأمّا الكنز فقال مالكٌ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر أنّه قال: هو المال الّذي لا تؤدّى منه الزّكاة.
وروى الثّوريّ وغيره عن عبيد اللّه عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: ما أدّي زكاته فليس بكنزٍ وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهرًا لا تؤدّى زكاته فهو كنزٌ وقد روي هذا عن ابن عبّاسٍ، وجابرٍ، وأبي هريرة موقوفًا ومرفوعًا وعمر بن الخطّاب، نحوه، رضي اللّه عنهم: "أيّما مالٍ أدّيت زكاته فليس بكنزٍ وإن كان مدفونًا في الأرض، وأيّما مالٍ لم تؤدّ زكاته فهو كنزٌ يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض".
وروى البخاريّ من حديث الزّهريّ، عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد اللّه بن عمر، فقال: هذا قبل أن تنزل الزّكاة، فلمّا نزلت جعلها اللّه طهرًا للأموال
وكذا قال عمر بن عبد العزيز، وعراك بن مالكٍ: نسخها قوله تعالى: {خذ من أموالهم} [التّوبة: 103]
وقال سعيد بن محمّد بن زيادٍ، عن أبي أمامة أنّه قال: حلية السّيوف من الكنز ما أحدّثكم إلّا ما سمعت.
وقال الثّوريّ، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن جعدة بن هبيرة، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: أربعة آلافٍ فما دونها نفقةٌ، فما كان أكثر منه فهو كنزٌ.
وهذا غريبٌ. وقد جاء في مدح التّقلّل من الذّهب والفضّة وذمّ التّكثّر منهما، أحاديث كثيرةٌ؛ ولنورد منها هنا طرفًا يدلّ على الباقي، فقال عبد الرازق: أخبرنا الثّوريّ، أخبرني أبو حصينٍ، عن أبي الضحى، بن جعدة بن هبيرة، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، في قوله: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "تبّا للذّهب، تبّا للفضّة" يقولها ثلاثًا، قال: فشقّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وقالوا: فأيّ مالٍ نتّخذ؟ فقال: عمر، رضي اللّه عنه، أنا أعلم لكم ذلك فقال: يا رسول اللّه، إنّ أصحابك قد شقّ عليهم [و] قالوا: فأيّ مالٍ نتّخذ؟ قال: "لسانًا ذاكرًا، وقلبًا شاكرًا وزوجةً تعين أحدكم على دينه"
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، حدّثني سالمٌ، حدّثني عبد اللّه بن أبي الهذيل، حدّثني صاحبٌ لي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "تبًّا للذّهب والفضّة". قال: فحدّثني صاحبي أنّه انطلق مع عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول اللّه، قولك: "تبًّا للذّهب والفضّة"، ماذا ندّخر؟. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لسانًا ذاكرًا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين على الآخرة"
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا عبد اللّه بن عمرو بن مرّة، عن أبيه، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان قال: لمّا نزل في الفضّة والذّهب ما نزل قالوا: فأيّ المال نتّخذ؟ قال [عمر: أنا أعلم ذلك لكم فأوضع على بعيرٍ فأدركه، وأنا في أثره، فقال: يا رسول اللّه، أيّ المال نتّخذ؟ قال] ليتّخذ أحدكم قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا وزوجةً تعين أحدكم في أمر الآخرة ".
ورواه التّرمذيّ، وابن ماجه، من غير وجهٍ، عن سالم بن أبي الجعد وقال التّرمذيّ: حسنٌ، وحكي عن البخاريّ أنّ سالمًا لم يسمعه من ثوبان.
قلت: ولهذا رواه بعضهم عنه مرسلًا واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا حميد بن مالكٍ، حدّثنا يحيى بن يعلى المحاربيّ، حدّثنا أبي، حدّثنا غيلان بن جامعٍ المحاربيّ، عن عثمان أبي اليقظان، عن جعفر بن إياسٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة} الآية، كبر ذلك على المسلمين، وقالوا: ما يستطيع أحدٌ منّا أن يترك لولده ما لا يبقى بعده. فقال عمر: أنا أفرّج عنكم. فانطلق عمر واتّبعه ثوبان، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا نبيّ اللّه، إنّه قد كبر على أصحابك هذه الآية. فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه لم يفرض الزّكاة إلّا ليطيّب بها ما بقي من أموالكم، وإنّما فرض المواريث من أموالٍ تبقى بعدكم". قال: فكبّر عمر، ثمّ قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصّالحة الّتي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته".
ورواه أبو داود، والحاكم في مستدركه، وابن مردويه من حديث يحيى بن يعلى، به وقال الحاكم: صحيحٌ على شرطهما، ولم يخرجاه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا روحٌ، حدّثنا الأوزاعيّ، عن حسّان بن عطيّة قال: كان شدّاد بن أوسٍ، رضي اللّه عنه، في سفرٍ، فنزل منزلًا فقال لغلامه: ائتنا بالشّفرة نعبث بها. فأنكرت عليه، فقال: ما تكلّمت بكلمةٍ منذ أسلمت إلّا وأنا أخطمها وأزمّها غير كلمتي هذه، فلا تحفظونها عليّ، واحفظوا ما أقول لكم: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إذا كنز النّاس الذّهب والفضّة فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللّهمّ، إنّي أسألك الثّبات في الأمر، والعزيمة على الرّشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك قلبًا سليمًا، وأسألك لسانًا صادقًا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 137-140]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} أي: يقال لهم هذا الكلام تبكيتًا وتقريعًا وتهكّمًا، كما في قوله: {ثمّ صبّوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنّك أنت العزيز الكريم} [الدّخان: 48، 49] أي: هذا بذاك، وهو الّذي كنتم تكنزون لأنفسكم؛ ولهذا يقال: من أحبّ شيئًا وقدّمه على طاعة اللّه، عذّب به. وهؤلاء لمّا كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا اللّه عنهم، عذّبوا بها، كما كان أبو لهبٍ، لعنه اللّه، جاهدًا في عداوة الرّسول، صلوات اللّه [وسلامه] عليه وامرأته تعينه في ذلك، كانت يوم القيامة عونًا على عذابه أيضًا {في جيدها} أي: [في] عنقها {حبلٌ من مسدٍ} [المسد: 5] أي: تجمع من الحطب في النّار وتلقي عليه، ليكون ذلك أبلغ في عذابه ممّن هو أشفق عليه -كان -في الدّنيا، كما أنّ هذه الأموال لمّا كانت أعزّ الأشياء على أربابها، كانت أضرّ الأشياء عليهم في الدّار الآخرة، فيحمى عليها في نار جهنّم، وناهيك بحرّها، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.
قال سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: واللّه الّذي لا إله غيره، لا يكوى عبدٌ بكنزٍ فيمسّ دينارٌ دينارًا، ولا درهمٌ درهمًا، ولكن يوسّع جلده، فيوضع كلّ دينارٍ ودرهمٍ على حدته
وقد رواه ابن مردويه، عن أبي هريرة مرفوعًا، ولا يصحّ رفعه، واللّه أعلم.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: بلغني أنّ الكنز يتحوّل يوم القيامة شجاعًا يتبع صاحبه، وهو يفرّ منه ويقول: أنا كنزك! لا يدرك منه شيئًا إلّا أخذه.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "من ترك بعده كنزًا مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، يتبعه، يقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الّذي تركته بعدك! ولا يزال يتبعه حتّى يلقمه يده فيقصقصها ثمّ يتبعها سائر جسده".
ورواه ابن حبّان في صحيحه، من حديث يزيد، عن سعيدٍ به وأصل هذا الحديث في الصّحيحين من رواية أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه
وفي صحيح مسلمٍ، من حديث سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "ما من رجلٍ لا يؤدّي زكاة ماله إلّا جعل يوم القيامة صفائح من نارٍ يكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ، حتّى يقضى بين النّاس، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار" وذكر تمام الحديث
وقال البخاريّ في تفسير هذه الآية: حدّثنا قتيبة، حدّثنا جريرٌ، عن حصين، عن زيد بن وهبٍ قال: مررت على أبي ذرٍّ بالرّبذة، فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض، قال كنّا بالشّام، فقرأت: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} فقال معاوية: ما هذه فينا ما هذه إلّا في أهل الكتاب. قال: قلت: إنّها لفينا وفيهم
ورواه ابن جريرٍ من حديث عبثر بن القاسم، عن حصينٍ، عن زيد بن وهبٍ، عن أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، فذكره وزاد: فارتفع في ذلك بيني وبينه القول، فكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليّ عثمان أن أقبل إليه، قال: فأقبلت، فلمّا قدمت المدينة ركبني النّاس كأنّهم لم يروني قبل يومئذٍ، فشكوت ذلك إلى عثمان، فقال لي: تنحّ قريبًا. قلت: واللّه لن أدع ما كنت أقول
قلت: كان من مذهب أبي ذرٍّ، رضي اللّه عنه، تحريم ادّخار ما زاد على نفقة العيال، وكان يفتي [النّاس] بذلك، ويحثّهم عليه، ويأمرهم به، ويغلظ في خلافه، فنهاه معاوية فلم ينته، فخشي أنّ يضرّ بالنّاس في هذا، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان، وأن يأخذه إليه، فاستقدمه عثمان إلى المدينة، وأنزله بالرّبذة وحده، وبها مات، رضي اللّه عنه، في خلافة عثمان. وقد اختبره معاوية، رضي اللّه عنه وهو عنده، هل يوافق عمله قوله؟ فبعث إليه بألف دينارٍ، ففرّقها من يومه، ثمّ بعث إليه الّذي أتاه بها فقال: إنّ معاوية إنّما بعثني إلى غيرك فأخطأت، فهات الذّهب! فقال: ويحك! إنّها خرجت، ولكن إذا جاء مالي حاسبناك به.
وهكذا روى عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أنّها عامّةٌ
وقال السّدّيّ: هي في أهل القبلة.
وقال الأحنف بن قيسٍ: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقةٍ فيها ملأ من قريشٍ، إذ جاء رجلٌ أخشن الثّياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم فقال: بشّر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنّم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتّى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتّى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل -قال: فوضع القوم رءوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا -قال: وأدبر فاتّبعته حتّى جلس إلى ساريةٍ، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلّا كرهوا ما قلت لهم. فقال: إنّ هؤلاء لا يعلمون شيئًا.
وفي الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لأبي ذرّ: "ما يسرّني أنّ عندي مثل أحدٍ ذهبًا يمرّ عليه ثالثةً وعندي منه شيءٌ إلّا دينارٌ أرصده لدينٍ"
فهذا -واللّه أعلم-هو الّذي حدا أبا ذرٍّ على القول بهذا.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا همّامٌ، حدّثنا قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن عبد اللّه بن الصّامت، رضي اللّه عنه، أنّه كان مع أبي ذرٍّ، فخرج عطاؤه ومعه جاريةٌ له، فجعلت تقضي حوائجه، ففضلت معها سبعةٌ، فأمرها أن تشتري به فلوسًا. قال: قلت: لو ادّخرته للحاجّة تنوبك وللضّيف ينزل بك! قال: إنّ خليلي عهد إليّ أن أيّما ذهبٍ أو فضّةٍ أوكي عليه، فهو جمرٌ على صاحبه، حتّى يفرغه في سبيل اللّه، عزّ وجلّ
ورواه عن يزيد، عن همّامٍ، به وزاد: إفراغًا
وقال الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكرٍ الشّبليّ في ترجمته، عن محمّد بن مهديٍّ: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد اللّه، عن طلحة بن زيدٍ، عن أبي فروة الرّهاويّ، عن عطاءٍ، عن أبي سعيدٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الق اللّه فقيرًا ولا تلقه غنيًّا". قال: يا رسول اللّه، كيف لي بذلك؟ قال: "ما سئلت فلا تمنع، وما رزقت فلا تخبأ"، قال: يا رسول اللّه، كيف لي بذلك؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هو ذاك وإلّا فالنّار" إسناده ضعيفٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدّثنا عتيبة، عن بريد بن أصرم قال: سمعت عليًّا، رضي اللّه عنه، يقول: مات رجلٌ من أهل الصّفّة، وترك دينارين -أو: درهمين -فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيّتان، صلوا على صاحبكم"
وقد روي هذا من طرف أخر
وقال قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة صدي بن عجلان قال: مات رجلٌ من أهل الصّفّة، فوجد في مئزره دينارٌ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيّة". ثمّ توفي رجلٌ آخر فوجد في مئزره ديناران، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيّتان"
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو النّضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسيّ، حدّثنا معاوية بن يحيى الأطرابلسيّ، حدّثني أرطاة، حدّثني أبو عامرٍ الهوزني، سمعت ثوبان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما من رجلٍ يموت وعنده أحمر أو أبيض، إلّا جعل اللّه بكلّ قيراطٍ صفحةً من نارٍ يكوى بها من قدمه إلى ذقنه.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا محمّد بن خداشٍ، حدّثنا سيف بن محمّدٍ الثّوريّ، حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يوضع الدّينار على الدّينار، ولا الدّرهم على الدّرهم، ولكن يوسّع جلده فيكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" سيفٌ -هذا -كذّابٌ، متروكٌ).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 141-144]


رد مع اقتباس