عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 12:28 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون}
قرأ الجمهور: "إلا" على الاستثناء، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "ألا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام، واختلف المفسرون في المراد بهذه الآية.
فقال ابن زيد: معناها: لا تجادلوا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، فكأنه قال: "أهل الكتاب المؤمنين"، إلا بالتي هي أحسن أي بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أوائلهم، وغير ذلك، وقوله تعالى -على هذا التأويل-: {إلا الذين ظلموا} يريد به من بقي على كفره منهم، كمن كفر وغدر من بني قريظة والنضير وغيرهم، فالآية -على هذا- محكمة غير منسوخة.
وقال مجاهد: المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى الباقون على دينهم. أمر الله تعالى المؤمنين ألا يجادلوهم إلا بالأحسن: من الدعاء إلى الله تعالى، والتنبيه على آياته; رجاء إجابتهم إلى الإيمان، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة، وقوله -على هذا التأويل-: {إلا الذين ظلموا منهم} معناه: ظلموكم، وإلا فكلهم ظلمة على الإطلاق، فيراد بهم من لم يؤد جزية، ونصب الحرب، ومن قال وصرح بأن لله ولدا، أو له شريك، أو يده مغلولة، فالآية -على هذا- منسوخة في مهادنة من لم يحارب، قال قتادة: هي منسوخة بقول الله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يتوجه في معنى الآية إنما يتضح في معرفة الحال في وقت نزول الآية، وذلك أن السورة مكية من بعد الآيات العشر الأول، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض، ولا طلب جزية ولا غير ذلك، وكانت اليهود بمكة وفيما جاورها، فربما وقع بينهم وبين المؤمنين جدال واحتجاج في أمر الدين وتكذيب، فأمر الله تعالى المؤمنين ألا يجادلوهم بالمحاجة إلا بالحسنى دعاء إلى الله تعالى وملاينة، ثم استثنى من ظلم منهم المؤمنين، إما بفعل وإما بقول، وإما بإذاية محمد صلى الله عليه وسلم، وإما بإعلان كفر فاحش، كقول بعضهم: عزير ابن الله، ونحو هذا، فإن هذه الصفة استثني لأهل الإسلام معارضتها بالخروج معها عن التي هي أحسن، ثم نسخ هذا بعد بآية القتال والجزية. وهذا قول قتادة.
وقوله تعالى: {وقولوا }آمنا الآية. قال أبو هريرة: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، فيفسرونها بالعربية للمسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} ". وروى عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق وإما أن تصدقوا بباطل).[المحرر الوجيز: 6/ 650-652]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون * وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون * بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون}
تقدم القول في الآية التي قبل هذه ما يتضمن نزول شرع وكتاب من عند الله على أنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم، فحسن لذلك عطف " كذلك أنزلنا إليك الكتاب " على ما في الضمن، أي: وكإنزالنا على من تقدمك أنزلنا إليك الكتاب، و"الكتاب": القرآن.
وقوله: {فالذين آتيناهم الكتاب} يريد التوراة والإنجيل، أي: فالذين كانوا في عصر نزول الكتاب وأوتوه حينئذ يؤمنون به، أي: كانوا مصدقين بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليك، فالضمير في "به" عائد على القرآن. ثم أخبر عن معاصري محمد صلى الله عليه وسلم أن منهم أيضا من يؤمن به. ولم يكونوا آمنوا بعد، ففي هذا الإخبار بغيب بينه الوجود بعد ذلك، ثم أنحى على الجاحدين من أمة قد آمن سلفها في القديم وبعضها في الحديث، وحصل الجاحدون منهم في أحسن رتبة من الضلال، ويشبه أن يراد أيضا في هذا الإنحاء كفار قريش مع كفار بني إسرائيل). [المحرر الوجيز: 6/ 652]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم بين تعالى الحجة على المبطلين المرتابين، وأوضح أن مما يقوي نزول هذا القرآن من عند الله تبارك وتعالى أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء به في غاية الإعجاز والطول والتضمن للغيوب وغير ذلك، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا يتلو كتابا، ولا يخط حرفا، ولا سبيل له إلى التعلم، فإنه لو كان ممن يقرأ لارتاب المبطلون، ولكان لهم في ارتيابهم تعلق، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده. وقال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخط ولا يقرأ كتابا فنزلت هذه الآية، وذكر النقاش في تفسير هذه الآية عن الشعبي أنه قال: ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب، وأسند أيضا حديثا لأبي كبشة السلولي، مضمنه أنه عليه الصلاة والسلام قرأ صحيفة لعيينة بن حصن، وأخبر بمعناها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله ضعيف. وقول الباجي رحمه الله منه.
وقوله تعالى: {بل هو آيات بينات} إضراب عن مقدر من الكلام يقتضي ما تقدم، كأنه قال: "ليس الأمر كما حسبوا، بل هو ..."، وهذا الضمير يحتمل أن يعود على القرآن، ويؤيده أن في قراءة ابن مسعود: "بل هي آيات"، ويحتمل أن يعود على محمد -صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قراءة من قرأ: "بل هو آية بينة" على الإفراد، وقال: المراد النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يعود على أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يتل ولا خط، وبكل احتمال قالت فرقة، وكون هذا كله آيات -أي علامات في صدور العلماء من المؤمنين في أمر محمد صلى الله عليه وسلم- يراد به مع النظر والاعتبار.
و "الظالمون" و"المبطلون" قيل: يعم لفظهما كل مكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكن معظم الإشارة بهما إلى قريش لأنهم الأهم، قاله مجاهد. وقال قتادة: "المبطلون": اليهود).[المحرر الوجيز: 6/ 652-654]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون * قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون}
الضمير في "قالوا" لقريش ولبعض اليهود؛ لأنهم كانوا يعلمون قريشا مثل هذه الحجة: لم يأتكم بمثل ما جاء به موسى من العصا وغيرها. وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وعلي بن نصر عن أبي عمرو: "آية من ربه"، وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: "آيات"، فأمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام أن يعلمهم أن هذا الأمر بيد الله تبارك وتعالى ولا يستنزله الاقتراح والتمني، وأنه بعث نذيرا، ولم يؤمر بغير ذلك. وفي مصحف أبي: "لو ما يأتينا بآيات من ربه قل إنما الآيات").[المحرر الوجيز: 6/ 654]

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم احتج عليهم في طلبهم آية بأمر القرآن الذي هو أعظم الآيات، ومعجز للجن والإنس، فقال: {أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب}، ثم قرر ما فيه من الرحمة والذكرى للمؤمنين، فقوله: {أولم يكفهم} جواب لمن قال: {لولا أنزل}.
وحكى الطبري أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من المؤمنين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود الذين أخبروهم بشيء من التوراة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قال: كفى بهذا ضلالة، قوم رغبوا عما أتاهم به نبيهم إلى ما أتى به غيره، ونزلت الآية بسببه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والتأويل الأول أجرى مع نسق الآيات). [المحرر الوجيز: 6/ 654]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) :(ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستناد إلى أمر الله تبارك وتعالى، وأن يجعله حسبه شهيدا وحاكما بينه وبينهم بعلمه وتحصيله جميع أمورهم، وقوله: "بالباطل" يريد: بالأصنام والأوثان وما يتبع أمرها من المعتقدات، والباطل هو أن يفعل فعل يراد به أمر ما، وذلك الأمر لا يكون عن ذلك الفعل، والأصنام أريد بأمرها الأكمل والأنجح في زعم عبادها، وليس الأكمل والأرجح إلا رفضها، فهي إذا باطل، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 6/ 655]

رد مع اقتباس