عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 06:10 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

مقتل أحمد بن نصر الخزاعي

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مقتل أحمد بن نصر الخزاعي
وفي آخر شعبان من تلك السنة أُحضر أحمد بن نصر الخزاعي إلى مجلس الواثق؛ وكان شيخاً أبيض الرأس واللحية، فأُوقف على النطع مقيّداً؛ وامتحنه الواثق بنفسه، قال له: ما تقول في القرآن؟

قال: كلام الله.
قال: أفمخلوق هو؟
قال: كلام الله.
قال: فترى ربك في القيامة؟
قال: كذا جاءت الرواية.
قال الواثق: ويحك! يُرى كما يُرى المحدود المتجسم، ويحويه مكان، ويحصره ناظر! أنا كفرت بمن هذه صفته.
ثمّ قال لمن حضره من قضاة المعتزلة: ما تقولون فيه؟
فقال عبد الرحمن بن إسحاق: يا أمير المؤمنين هو حلال الدم.
وقال أبو عبد الله الأرمني: اسقني دمه يا أمير المؤمنين.
وقال ابن أبي دؤاد: هو كافر يستتاب، لعلّ به عاهةً أو نقصَ عقل.
فقال الواثق: إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي.
ثم نهض إليه بالصمصامة -وكانت سيفا لعمرو بن معد يكرب الزبيدي أهدي لموسى الهادي ثم صار إليه؛ فلما انتهى إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع، ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط على النطع صريعا رحمه الله وتقبّله في الشهداء.
قال جعفر بن محمد الصائغ: رأيت أحمد بن نصر حيث ضربت عنقه قال رأسه: لا إله إلا الله.
وذكر السرّاج عن إبراهيم بن الحسن أنه قال: رأى بعض أصحابنا أحمد بن نصر في النوم فقال: ما فعل بك ربك؟ قال: ما كانت إلا غفوةٌ حتى لقيتُ الله، فضحك إلي.
ثم عُلّق رأسه رحمه الله في بغداد، وربطوا في أذنه ورقة كتبوا فيها: (هذا رأس أحمدَ بنِ نصر بن مالك، دعاه عبد الله الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه، فأبى إلا المعاندة، فعجله الله إلى ناره).
وصُلب جسده في سامرا، وبقي مصلوباً ستّ سنين ؛ ثمّ جمع رأسه وجسده ودفع إلى أهله فدفنوه، واجتمع لتشييعه ودفنه ما لا يحصى من العامّة.
وذُكر عند الإمام أحمد فقال: (رحمه الله ما كان أسخاه، لقد جاد بنفسه).
وقال أيضا: (ما دخل على الخليفة أحد يصدقه سواه).
وكان جدّه مالك بن الهيثم أحد نقباء الدولة العباسية، وأخوه أميراً من أمراء الجيوش مات سنة 208هـ، ولم يشفع له ذلك عندهم.
وممن أوذي في هذه المحنة من المحدّثين: فضل بن نوح الأنماطي؛ فإنّه ضُرب، ثمّ فرّقوا بينه وبين امرأته.

وفي آخر زمن الواثق جيء بشيخ من أهل الشام من بلدة يقال لها "أذنه" ليُمتحن في مسألة خلق القرآن بحضرة الواثق؛ وكان الواثق إذا أراد أن يقتل أحداً أحضر ابنه المهتدي ليشهد قتله.
قال المهتدي بن الواثق: (فأدخل الشيخ على الواثق مقيدا، وهو جميل الوجه تام القامة، حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيا منه، ورقّ له، فما زال يدنيه ويقربه، حتى قرب منه، فسلم الشيخ فأحسن السلام، ودعا فأبلغ الدعاء، وأوجز، فقال له الواثق: اجلس.
ثم قال له: يا شيخ، ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه).
ثمّ حكى المناظرة التي جرت بينهما، وخلاصتها أن هذا الشيخ قال لابن أبي دؤاد: يا أحمد بن أبي دؤاد! إلى ما دعوت الناس ودعوتني إليه؟
فقال ابن أبي دؤاد: إلى أن تقول: القرآن مخلوق؛ لأن كل شيء دون الله مخلوق.
قال الشيخ: أخبرني يا أحمد عن مقالتك هذه، أواجبة داخلة في عقد الدين، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه ما قلت؟
قال ابن أبي دؤاد: نعم
قال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله تعالى إلى عباده، هل ستر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مما أمر الله تعالى به في دينه؟
قال ابن أبي دؤاد: لا
قال الشيخ: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه؟
فسكت ابن أبي دؤاد.
فقال الشيخ: تكلم؛ فسكت.
فالتفت الشيخ إلى الواثق، فقال: يا أمير المؤمنين، واحدة.
فقال الواثق: واحدة.
فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن الله تعالى حين أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} أكان الله تعالى الصادقَ في إكمال دينه، أم أنت الصادقُ في نقصانه، فلا يكون الدين كاملا حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟
فسكت ابن أبي دؤاد.
فقال الشيخ: أجب يا أحمد، فلم يجبه.
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، اثنتان.
فقال الواثق: اثنتان.
فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه، أَعَلِمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها؟
قال ابن أبي دؤاد: علمها
قال الشيخ: فدعا الناس إليها؟
فسكت ابن أبي دؤاد.
فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، ثلاث.
فقال الواثق: ثلاث).
وفي رواية أنه قال له: ما تقول في القرآن؟
قال ابن أبي دؤاد: مخلوقٌ.
قال الشيخ: هذا شيءٌ عَلِمَه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكرٍ وعمر والخلفاء الرّاشدون، أم شيءٌ لم يعلموه؟
قال: شيءٌ لم يعلموه.
فقال: سبحان الله! شيءٌ لم يعلمه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم علمته أنت؟
فخجل، فقال: أقلني.
قال الشيخ: المسألة بحالها.
قال ابن أبي دؤاد: نعم، علموه.
فقال: علموه، ولم يدعوا النّاس إليه؟
قال: نعم.
قال: أفلا وسعك ما وسعهم؟).

ثم أعرض الشيخ عن ابن أبي دؤاد، وأقبل على الواثق، فقال: يا أمير المؤمنين..إن لم يتسّع لك الإمساك عن هذه المقالة ما اتّسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، فلا وسَّع الله على من لم يتسع له ما اتّسع لهم من ذلك.
فقال الواثق: نعم إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، فلا وسع الله علينا، اقطعوا قيد الشيخ.
وفي رواية أخرى أن الواثق دخل مجلساً وأخذ يردّد ما دار في المناظرة؛ ثم أمر بقطع قيود الشيخ، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحن بعدها أحداً.
قال المهتدي بن الواثق: (فرجعت عن هذه المقالة - القول بخلق القرآن - منذ ذلك اليوم، وأظن الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت).
قال الحافظ أحمد بن عبد الرّحمن الشّيرازيّ : (هذا الأذنيّ هو أبو عبد الرّحمن عبد الله بن محمّد بن إسحاق الأذرميّ).
وتوفّي الواثق لستٍّ بقين من ذي الحجّة سنة 232هـ ، وبويع بعده أخوه جعفر المتوكّل، وكان شابّا في السادسة والعشرين من عمره لمّا تولّى الخلافة، وكان كارهاً لأمر المحنة). [الإيمان بالقرآن:79 - 85]


رد مع اقتباس