الموضوع: غير مصنف
عرض مشاركة واحدة
  #77  
قديم 29 صفر 1436هـ/21-12-2014م, 11:43 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

الحلف بالمصحف والحلف عليه | غير مصنف

الكلام على هذه المسألة ينتظم أمورا عدة:
أحدها: الحلف بالمصحف حكمه وانعقاده يمينا مكفرة، ومقدار الكفارة الواجبة بالحنث فيه.
والأمر الثاني: الحلف على المصحف وحكم ذلك وكيفيته.
الأمر الثالث: من حلف بحق المصحف ومدى انعقاد ذلك يمينا.
الأمر الرابع: الحلف بالبراءة من المصحف، وتكييف هذا اليمين من الناحية الفقهية.
الأمر الخامس: الحلف بقوله محوت المصحف ومدى انعقاد ذلك يمينا ووجه انعقاده.
أولا الحلف بالمصحف:
لأهل العلم في مسألة الحلف بالمصحف وكونه يمينا منعقدة قولان في الجملة:
أحدهما: أن الحلف بالمصحف جائز ويكون يمينا منعقدة والحنث فيها موجبا للكفارة، لأن الحالف بالمصحف إنما قصد المكتوب فيه وهو القرآن، فإنه عبارة عما بين الدفتين بالإجماع، والقرآن كلام الله وهو صفة من صفاته تعالى الذاتية، والحلف بصفاته تعالى جائز كالحلف بأسمائه تعالى، وهذا مذهب جمهور أهل العلم؛ بل إن عبد البر في التمهيد، والوزير ابن هبيرة في الإفصاح ، وقد ذهبا إلى
[568]
القول بأن جواز الحلف بالمصحف واعتباره يمينا منعقدة محل إجماع بين علماء المسلمين ، وأنه لم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد بقوله..
قال الوزير: (قلت إن من خالف هذا لا يعتد بقوله لكوني أعلم أنه ليس بقول صحيح، لكن لم أعلم أني سبقت إليه حتى رأيت بعد ذلك في كتاب " التمهيد" لابن عبد البر هذه المسألة بعينها، وقد حكى فيها أقوال الصحابة والتابعين واختلافهم في قدر الكفارة مع اتفاقهم على إيجابها، ثم قال: ولا مخالف في هذا الأمر إلا من لا يعتد بقوله. وذكر كلاما كثيرا على عادته في البسط، وأشار إلى توهين المخالفين لذلك بما هو مسطور في كتابه، لمن آثر الوقوف عليه فالحمد لله على التوفيق).
والقول بجواز الحلف بالمصحف هو مشهور مذهب الإمام مالك، وهو مذهب الشافعية
[569]
والحنابلة ومتأخري فقهاء الحنفية.
وذهب فريق من أهل العلم إلى القول بأنه لا يجوز الحلف بالمصحف، وأن الحلف به لا ينعقد يمينا، وهذا مذهب أبي حنيفة ومتقدمي أصحابه، وهو رواية عن الإمام مالك نقله عنه علي ابن زياد، وشذذها ابن رشد في موضع من كتبه، وحملها على جسم المصحف ومادته وما لا يجوز الحلف به.
[570]
لكن القرافي قد منع رواية منع الحلف بالمصحف عن الإمام مالك على إطلاقها، وصرح بموافقة مالك لأبي حنيفة في هذه الرواية واختارها وانتصر لها.
وقد حكى ابن حزم في المحلى القول بعدم جواز الحلف بالمصحف عن عطاء وأبي حنيفة واختاره وانتصر له.
[573]
وقد اختلف تعليل المنع من الحلف بالمصحف عند القائلين به، فمنهم من علله بكونه حلفا بمخلوق، والحلف بالمخلوق لا يجوزن وفرق بين الحلف بالمصحف والحلف بالقرآن هو تعليل ابن رشد لرواية المنع.
ومنهم من سوى بينهما ولم يسلم بكون القرآن المكتوب في المصاحف صفة ذاتية لله عزوجل، وقصر ذلك على المعنى القائم في نفسه تعالى، وهذا مذهب القائلين بخلق القرآن.
ومنهم من علل عدم جواز الحلف بالمصحف بعدم ورود النص في جوازه، وأن الحلف لا يجوز إلا بما ورد به النص، وهذا هو الذي صرح به ابن حزم في المحلى.
ومنهم من علل منع الحلف بالمصحف بكونه غير متعارف، وهذا هو الذي تناقله متأخرو الحنفية.
مقدار الكفارة :
ثم إن الجمهور حين قالوا بجواز الحلف بالمصحف وكونه يمينا منعقدة موجبة
[574]
للكفارة حال الحنث فيها قد اختلفوا في مقدار تلك الكفارة. قال الوزير ابن هبيرة في إفصاحه: (واختلفوا فيما إذا حلف بالمصحف. فقال مالك وأحمد: تنعقد يمينه، فإن حنث فعليه الكفارة. وهو مذهب الشافعي أيضا). وأشار إلى حكاية ابن عبد البر في التمهيد لأقوال الصحابة والتابعين واختلافهم في قدر الكفارة مع اتفاقهم على إيجابها. قال الوزير: (واختلف مالك وأحمد في قدر الكفارة إذا حنث، وكان حالفا بالمصحف، فقال مالك: كفارة واحدة، وهو كمذهب الشافعي. وعن أحمد روايتان: إحداهما كمذهب مالك في إيجاب كفارة واحدة، والأخرى يلزمه بكل آية كفارة).
قال ابن مفلح في الفروع: (وإن حلف بكلام الله أو المصحف أو القرآن أو آية فكفارة، ومنصوصة: بكل آية إن قدر. وعنه: أولا. وفي الفصول وجه: بكل حرف. وفي الروضة: أما بالمصحف فكفارته واحدة، رواية واحدة).
وذكر المرداوي في الإنصاف قول المقنع: (وإن حلف بكلام الله أو بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة، وكذا لو حلف بسورة منه أو آية، هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب. وعنه: وعليه بكل آية كفارة).
قال الزركشي:( نص عليه في رواية حرب وغيره، وحمله الموفق على الاستحباب). قال الزركشي: (وقول أحمد للوجوب أقرب، لأن أحمد رحمه الله إنما نقله لكفارة واحدة عند العجز انتهى. وعنه عليه بكل آية كفارة، وإن لم يقدر. وذكر في الفصول وجها: عليه بكل حرف كفارة. وقال في الروضة: أما إذا حلف بالمصحف فعليه كفارة واحدة، رواية واحدة).
ووجه إيجاب كفارة واحدة على من حلف بالمصحف ثم حنث أن الحلف بالمصحف حلف بما تضمنه من قرآن، وهو صفة من صفاته تعالى الذاتية، ولأنه لو
[575]
تكررت اليمين بصفة من صفاته تعالى وجبت كفارة واحدة، فإذا كانت اليمين واحدة كان أولى.
ووجه القول بإيجاب كفارات بعدد الآيات ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "عليه بكل آية يمين"، وبه قال الحسن البصري وابن المبارك.
وقال أحمد: ما أعلم شيئا يدفعه
[576[
ثانيا: الحلف على المصحف:
وقد يعمد بعض القضاة إلى شخص توجهت عليه يمين رام تغليظها فيحلفه على المصحف كوجه من وجوه تغليظ اليمين وتأكيدها، وقد اختلف أهل العلم في مشروعية ذلك، وحكى الإمام الشافعي التحليف على المصحف على سبيل التغليظ عن بعض حكام الآفاق واستحسنه، وذكر أنه رأى قضاة اليمن يحلفون على المصحف وسمى منهم قاضي صنعاء في زمانه مطرف بن مازن الصنعاني، وكان
[577]
مطرف يحلف على المصحف ويحكي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير، بيد أن ابن العربي لم يسلم صحة الرواية عن ابن عباس.
والقول بمشروعية التحليف على المصحف هو مقتضى صنيع كعب بن سور الأزدي قاضي البصرة في عهد عمر حيث كان كعب يحلف أهل الذمة بحضرة كتبهم التي يعظمونها. وحكى ابن المنذر مشروعية التحليف على المصحف عن قتادة
[578]
والحسن البصري وأحمد وإسحاق، وذكر ابن العربي أن التغليظ في اليمين عند المالكية يكون بستة أوجه الثالث منها بالمصحف.
قال ابن فرحون في التبصرة: ( وكان ابن لبابة يفتي في المريضة تجب عليها اليمين في مقطع الحق أنها تحلف في بيتها على المصحف).
غير أن جمهور أهل العلم بما فيهم الحنفية والمالكية لا يقولون بمشروعية الحلف على المصحف، وقال ابن المنذر: (وأجمعوا على أنه لا ينبغي للحاكم أن يستحلف بالطلاق والعتاق والمصحف).
[579]
ووصف ابن العربي في تفسيره التغليظ بالتحليف على المصحف بكونه بدعة ما ذكرها أحد قط من الصحابة وذكر ابن قدامة في المغني عن ابن المنذر أنه قال لم نجد أحدا يوجب اليمين بالمصحف قال: وقال الشافعي رأيتهم يؤكدون بالمصحف، ورأيت ابن مازن وهو قاضي بصنعاء يغلظ اليمين بالمصحف قال أصحابه: فيغلظ عليه بإحضار المصحف لأنه يشتمل على كلام الله تعالى وأسمائه وهذه زيادة على ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين وفعله الخلفاء الراشدون وقضاتهم من غير دليل ولا حجة يستند إليها ولا يترك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لفعل ابن مازن ولا غيره.. وقد مضى ذكر كيفية التحليف على المصحف عند القائلين به.
الحلف بحق المصحف:
واختلف أهل العلم أيضا في قول الحالف وحق المصحف، فاعتبره جمهور المالكية يمينا، وهو ظاهر كلام أصحابنا الحنابلة، وذهب أكثر أهل العلم إلى عدم اعتباره يمينا، وهو مذهب القائلين بمنع الحلف بالمصحف قاطبة كجمهور الحنفية.
[580]
وذهب أكثر أهل العلم إلى اعتباره يمينا وهو مذهب القائلين بمنع الحلف بالمصحف قاطبة كجمهور الحنفية، وهو اختيار أبي علي الطبري من فقهاء الشافعية، وهو الذي نصره ابن حزم في المحلى.
الحلف بالبراءة من المصحف:
ذهب فريق من أهل العلم إلى القول باعتبار قول الحالف أنا بريء من المصحف يمينا موجبا للكفارة، لأنه ضرب من الإلزامات، وهو مقتضى أشهر الروايتين عن الإمام أحمد في من قال أنا بريء من القرآن على سبيل الحلف، وأن ذلك يكون منه يمينا تجب الكفارة في الحنث فيه، وفرق بعض فقهاء الحنفية بين قول الحالف أنا بريء من المصحف وبين أنا بريء مما في المصحف، فاعتبروا الثانية يمينا دون الأولى، وروي عن الإمام أحمد أن ذلك لا يعتبر يمينا، وحكى عنه رواية ثالثة بالتوقف.
الحلف بمحو المصحف:
قال أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي في تذكرته: (قال أصحابنا: فإن قال محوت المصحف لم يكن يمينا، وروي عن أحمد مثله. وعندي أنه يمين، لأن الحالف لم يقصد بقوله محوته إلا لإسقاط الحرمة والإهانة فصار يمينا كقوله هو يهودي، لأن من
[581]
أسقط حرمته كان كافرا).
وقد ذكر بعض الأصحاب أيضا أن أبا الوفاء قد أجرى الروايتين في قوله: محوت المصحف لإسقاط حرمته، وعصيت الله في كل ما أمرني به، واختار وجوب الكفارة في قوله محوت المصحف كذا في الإنصاف، بيد أن عبارة الفروع تشعر بأن أبا الوفاء قد تفرد باعتبار ذلك يمينا، حيث قال ابن مفلح: (وكذا عند ابن عقيل وحده "محوت المصحف لإسقاط حرمته").
[582]


رد مع اقتباس