الموضوع: غير مصنف
عرض مشاركة واحدة
  #85  
قديم 1 ربيع الأول 1436هـ/22-12-2014م, 12:49 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

سرقة المصحف والقطع بسرقته | غير مصنف
قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا تخلو سرقة المصحف من أن تكون من مسلم أو كافر، وإن كان السارق مسلما فلا يخلو من أن يكون قارئا أو غير قاريء، ثم لا يخلو المصحف المسروق من أن يكون طلقا أو وقفا، وأن يكون ساذجا أو محلى،فلكل حل مما ذكر نصيب من النظر.
والمستقريء لأقوال أهل العلم يلحظ أن القول بتحريم سرقة المصحف محل وفاق بينهم، بيد أنهم قد اختلفوا في كون سرقة المصحف موجبة لقطع يد سارقه أم- لا؟. فذهب الجمهور وفيهم الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد في رواية عنه، وأبو يوسف، وأبو ثور، وابن المنذر، إلى القول بأن سارق المصحف يقطع بسرقته إذا بلغت قيمته نصابا مطلقا لعموم قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء...)، فالآية عامة في كل سارق، ولأن
[625]
المصحف متقوم تبلغ قيمته نصابا فوجب القطع بسرقته ككتب الفقه والحديث وسائر العلوم الشرعية والعلوم المباحة، ولأن سارق المصحف قد سرق مالا متقوما من حرز لا شبهة فيه، فإن الجلد والبياض مال متقوم قبل أن يكتب فيه القرآن يجب القطع بسرقته، فكذلك بعد ما كتب فيه.. ألا ترى أنه يجوز بيعه وشراؤه، وأنه لو كان المكتوب فيه شيئا آخر لم تنتقض ماليته، فإذا كتب فيه القرآن أولى، لأن ثمنه أزيد والرغبة فيه آكد، فلا يجوز أن يقطع فيه قبل الزيادة ويسقط القطع مع الزيادة، ولأن القطع يجب في الأموال المرغوب فيها لينزجر عن سرقتها فتحفظ على مالكها. وقد تكون ارغبة في المصاحف والكتب أكثر فكانت بوجوب القطع أحق.
وهب فريق من أهل العلم إلى القول بأنه لا يقطع بسرقة المصحف مطلقا، ثم اختلفوا في تعليل منع القطع، فمنهم من علل المنع بكون المصحف مما لا يجوز بيعه ولا أخذ العوض عليه، لأن المقصود منه ما فيه من كلام الله، وهو مما لا يجوز أخذ العوض عنه. ومنهم من علل قوله لا يقطع بسرقة المصحف بأن له فيه حق النظر لاستخراج أحكام الشرع إذا خفيت عليه، وعلى صاحبه بذله لذلك، ولأن المصحف الكريم يدخر لا للتمول بل للقراءة والوقوف على ما يتعلق به مصلحة الدين والدنيا والعمل به. فقامت شبهة تأول أن له الأخذ درائة لحد القطع عنه إذ الناس لا يظنون ببذل المصاحف الشريفة لقراءة القرآن العظيم عادة فأخذه الآخذ متأولا.
الوا ولا يقطع بسرقة مصحف عليه حلي لأنه تابع لما لا قطع فيه، ولأن المقصود ما في المصحف من القرآن دون ما على جلده من الحلي، وإذا لم يمكن إيجاب القطع باعتبار ما هو المقصود يعتبر ذلك شبهة في درء الحد، كمن سرق ثوبا خلقا قد ر في الثوب دينار ولم يعلم السارق لا يلزمه القطع، لأن ما هو المقصود ليس بنصاب فلا يلزمه القطع باعتبار غيره.
وقد ذهب إلى القول بنفي وجوب القطع بسرقة المصحف الإمام أبو حنيفة،
وجماهير أصحابه خلافا لأبي يوسف في رواية عنه، وهو قول لأصحابنا الحنابلة
[626]
اختاره أبو بكر الخلال والقاضي أبو يعلى وطائفة من أصحابه، وذكره في الإنصاف وجها للأصحاب، وجعله في مقابل المذهب، لكن ابن هبيرة في الإفصاح قد حكى القول بعدم القطع عن الإمام أحمد وأبي حنيفة، ولم يذكر فيه عن أحمد خلافا، في حين أن أبا الخطاب قد اعتبر القول بوجوب القطع ظاهر كلام الإمام أحمد على ما نقله عنه الموفق وغيره.
وقال فريق ثالث بوجوب القطع في سرقة المصحف إذا كان عليه حلية تبلغ قيمتها نصابا، لأن ما عليه من الجلد ليس من المصحف في شيء فهو كالمنفصل يتعلق القطع بسرقته، وهو رواية عن أبي يوسف، ووجه عند أصحابنا الحنابلة.
قال في الإنصاف: (وإن كان عليه حلية قطع في أحد الوجهين. صححه الناظم. قال في الفصول: وهو قول أصحابنا).
وقد صرح غير واحد من أهل العلم بوجوب قطع الكافر بسرقة المصحف مطلقا لانتفاء الشبهة فيه وعدم حقه بالنظر فيه.
كما صرحت طائفة من أهل العلم بكون إطلاق النصوص المقتضية لقطع السارق تتناول سرقة المصحف الموقوف للقراءة فيه في المسجد مثلا، وتتناول أيضا من لم يكن قارئا على أحد الاحتمالين..
[627]
وقد سئل الهيتمي عمن سرق من مسجد مصحفا موقوفا للقراءة فيه؟ فأجاب بأنه لا يقطع قياسا على قول الأصحاب في عدم قطع سارق القنديل. ولابن العماد احتمالان في المصحف الموقوف في المسجد:"أحدهما" يقطع إن لم يكن قارئا إذ لا حق له. "والثاني" لا لأنه قد يدفعه إلى من يقرأ فيه أو يتعلم ويقرأ، والذي يظهر الثاني وإن كان للأول وجه وجيه لأنهم قالوا يقطع الذمي بذلك، واحتمال تعلم هذا كأحتمال إسلام ذاك، لكن الفرق على الثاني أن للمسلم في حال عدم قراءته حقا بخلاف الذمي فإنه حال كفره لا حق له في ذلك البتة، ولو وقف على من يقرأ فيه لإسماع الحاضرين لم يقطع قطعا، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وقال الهيتمي أيضا في التحفة: (وتردد الزركشي في سرقة مصحف موقوف للقراءة فيه في المسجد، والأوجه عدم القطع ولو غير قاريء لشبهة الانتفاع به بالاستماع للقاريء).
وفي فتاوى الرملي بهامش الكبرى بأن الأقرب عدم قطع المسلم مطلقا بسرقة المصحف كان موقوفا أو طلقا وقف على قراء أو غيرهم، وهو ما رجحه الهيتمي آنفا. بيد أن ابن عابدين في حاشيته على الدر قد قال: (والإطلاق يشمل الكافر وغير القاريء). والله أعلم بالصواب.
[628]


رد مع اقتباس