عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 4 ربيع الأول 1440هـ/12-11-2018م, 05:43 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال قرينه هذا ما لديّ عتيدٌ (23) ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ (24) منّاعٍ للخير معتدٍ مريبٍ (25) الّذي جعل مع اللّه إلهًا آخر فألقياه في العذاب الشّديد (26) قال قرينه ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ (27) قال لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد (28) ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّامٍ للعبيد (29) }
يقول تعالى مخبرًا عن الملك الموكّل بعمل ابن آدم: أنّه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: {هذا ما لديّ عتيدٌ} أي: معتدٍ محضرٌ بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ.
وقال مجاهدٌ: هذا كلام الملك السّائق يقول: هذا ابن آدم الّذي وكّلتني به، قد أحضرته.
وقد اختار ابن جريرٍ أن يعمّ السّائق والشّهيد، وله اتّجاهٌ وقوّةٌ.
فعند ذلك يحكم اللّه، سبحانه تعالى، في الخليقة بالعدل فيقول: {ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ}
وقد اختلف النّحاة في قوله: {ألقيا} فقال بعضهم: هي لغةٌ لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتّثنية، كما روي عن الحجّاج أنّه كان يقول: يا حرسيّ، اضربا عنقه، وممّا أنشد ابن جريرٍ على هذه اللغة قول الشاعر:
فإن تزجراني -يا ابن عفّان- أنزجر = وإن تتركاني أحم عرضًا ممنّعًا
وقيل: بل هي نون التّأكيد، سهّلت إلى الألف. وهذا بعيدٌ؛ لأنّ هذا إنّما يكون في الوقف، والظّاهر أنّها مخاطبةٌ مع السّائق والشّهيد، فالسّائق أحضره إلى عرصة الحساب، فلمّا أدّى الشّهيد عليه، أمرهما اللّه تعالى بإلقائه في نار جهنّم وبئس المصير.
{ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ} أي: كثير الكفر والتّكذيب بالحقّ، {عنيدٌ}: معاندٌ للحقّ، معارضٌ له بالباطل مع علمه بذلك). [تفسير ابن كثير: 7/ 402]

تفسير قوله تعالى: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({منّاعٍ للخير} أي: لا يؤدّي ما عليه من الحقوق، ولا برّ فيه ولا صلة ولا صدقة، {معتدٍ} أي: فيما ينفقه ويصرفه، يتجاوز فيه الحدّ.
وقال قتادة: معتدٍ في منطقه وسيرته وأمره.
{مريبٍ} أي: شاكٌّ في أمره، مريبٌ لمن نظر في أمره). [تفسير ابن كثير: 7/ 402]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذي جعل مع اللّه إلهًا آخر} أي: أشرك باللّه فعبد معه غيره، {فألقياه في العذاب الشّديد}. وقد تقدّم في الحديث: أنّ عنقًا من النّار يبرز للخلائق فينادي بصوتٍ يسمع الخلائق: إنّي وكّلت بثلاثةٍ، بكلّ جبّارٍ، ومن جعل مع اللّه إلهًا آخر، وبالمصوّرين ثمّ تلوى عليهم.
قال الإمام أحمد: حدّثنا معاوية -هو ابن هشامٍ- حدّثنا شيبان، عن فراس عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "يخرج عنقٌ من النّار يتكلّم، يقول: وكّلت اليوم بثلاثةٍ: بكلّ جبّارٍ، ومن جعل مع اللّه إلهًا آخر، ومن قتل نفسًا بغير نفسٍ. فتنطوي عليهم، فتقذفهم في غمرات جهنّم"). [تفسير ابن كثير: 7/ 402-403]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال قرينه}: قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، وغيرهم: هو الشّيطان الّذي وكّل به: {ربّنا ما أطغيته} أي: يقول عن الإنسان الّذي قد وافى القيامة كافرًا، يتبرّأ منه شيطانه، فيقول: {ربّنا ما أطغيته} أي: ما أضللته، {ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} أي: بل كان هو في نفسه ضالًّا قابلًا للباطل معاندًا للحقّ. كما أخبر تعالى في الآية الأخرى في قوله: {وقال الشّيطان لـمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتموني من قبل إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} [إبراهيم: 22].
وقوله: {قال لا تختصموا لديّ} يقول الرّبّ عزّ وجلّ للإنسيّ وقرينه من الجنّ، وذلك أنّهما يختصمان بين يدي الحقّ فيقول الإنسيّ: يا ربّ، هذا أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني. ويقول الشّيطان: {ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} أي: عن منهج الحقّ. فيقول الرّبّ عزّ وجلّ لهما: {لا تختصموا لديّ} أي: عندي، {وقد قدّمت إليكم بالوعيد} أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرّسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبيّنات والبراهين). [تفسير ابن كثير: 7/ 403]

تفسير قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({ما يبدّل القول لديّ} قال مجاهدٌ: يعني قد قضيت ما أنا قاضٍ، {وما أنا بظلامٍ للعبيد} أي: لست أعذّب أحدًا بذنب أحدٍ، ولكن لا أعذّب أحدًا إلّا بذنبه، بعد قيام الحجّة عليه). [تفسير ابن كثير: 7/ 403]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ (30) وأزلفت الجنّة للمتّقين غير بعيدٍ (31) هذا ما توعدون لكلّ أوّابٍ حفيظٍ (32) من خشي الرّحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ (33) ادخلوها بسلامٍ ذلك يوم الخلود (34) لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيدٌ (35)}
يخبر تعالى أنّه يقول لجهنّم يوم القيامة: هل امتلأت؟ وذلك أنّه وعدها أن سيملؤها من الجنّة والنّاس أجمعين، فهو سبحانه يأمر بمن يأمر به إليها، ويلقى وهي تقول: {هل من مزيدٍ} أي: هل بقي شيءٌ تزيدوني؟ هذا هو الظّاهر من سياق الآية، وعليه تدلّ الأحاديث:
قال البخاريّ عند تفسير هذه الآية: حدّثنا عبد اللّه بن أبي الأسود، حدّثنا حرمي بن عمارة حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يلقى في النّار، وتقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه فيها، فتقول قط قط".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الوهّاب، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تزال جهنّم يلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعضٍ، وتقول: قطّ قطّ، وعزّتك وكرمك ولا يزال في الجنّة فضلٌ حتّى ينشئ اللّه لها خلقًا آخر فيسكنهم في فضول الجنّة".
ثمّ رواه مسلمٌ من حديث قتادة، بنحوه. ورواه أبان العطّار وسليمان التّيميّ، عن قتادة، بنحوه.
حديثٌ آخر: قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن موسى القطّان، حدّثنا أبو سفيان الحميريّ سعيد بن يحيى بن مهديٍّ، حدّثنا عوف، عن محمّدٍ عن أبي هريرة -رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان-: "يقال لجهنّم: هل امتلأت، وتقول: هل من مزيدٍ، فيضع الرّبّ، عزّ وجلّ، قدمه عليها، فتقول: قطّ قطّ".
رواه أيّوب وهشام بن حسّان عن محمّد بن سيرين، به.
طريقٌ أخرى: قال البخاريّ: وحدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ عن همّامٍ عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم. قال اللّه، عزّ وجلّ، للجنّة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنّار: إنّما أنت عذابي، أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأمّا النّار فلا تمتلئ حتّى يضع رجله، فتقول: قطٍ قطٍ، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعضٍ ولا يظلم اللّه من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة فإنّ اللّه ينشئ لها خلقًا آخر".
حديثٌ آخر: قال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "احتجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: فيّ الجبّارون والمتكبّرون. وقالت الجنّة: فيّ ضعفاء النّاس ومساكينهم. فقضى بينهما، فقال للجنّة: إنّما أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنّار: إنّما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها" انفرد به مسلمٌ دون البخاريّ من هذا الوجه. واللّه، سبحانه وتعالى، أعلم.
وقد رواه الإمام أحمد من طريقٍ أخرى، عن أبي سعيدٍ بأبسط من هذا السّياق فقال:
حدّثنا حسنٌ وروحٌ قالا حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "افتخرت الجنّة والنّار، فقالت النّار: يا ربّ، يدخلني الجبابرة والمتكبّرون والملوك والأشراف. وقالت الجنّة: أي ربّ، يدخلني الضّعفاء والفقراء والمساكين. فيقول اللّه، عزّ وجلّ، للنّار: أنت عذابي، أصيب بك من أشاء. وقال للجنّة: أنت رحمتي، وسعت كلّ شيءٍ، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها، فيلقى في النّار أهلها فتقول: هل من مزيدٍ؟ قال: ويلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ ويلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يأتيها عزّ وجلّ، فيضع قدمه عليها، فتزوى وتقول: قدني، قدني. وأمّا الجنّة فيبقى فيها ما شاء اللّه أن يبقى، فينشئ اللّه لها خلقًا ما يشاء".
حديثٌ آخر: وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدّثنا عقبة بن مكرم، حدّثنا يونس، حدّثنا عبد الغفّار بن القاسم، عن عدي بن ثابتٍ، عن زرّ بن حبيش، عن أبيّ بن كعبٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يعرّفني اللّه، عزّ وجلّ، نفسه يوم القيامة، فأسجد سجدةً يرضى بها عنّي، ثمّ أمدحه مدحةً يرضى بها عنّي، ثمّ يؤذن لي في الكلام، ثمّ تمرّ أمّتي على الصّراط -مضروبٍ بين ظهراني جهنّم-فيمرّون أسرع من الطّرف والسّهم، وأسرع من أجود الخيل، حتّى يخرج الرّجل منها يحبو، وهي الأعمال. وجهنّم تسأل المزيد، حتّى يضع فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعضٍ وتقول: قطّ قطّ! وأنا على الحوض". قيل: وما الحوض يا رسول اللّه؟ قال: "والّذي نفسي بيده، إنّ شرابه أبيض من اللّبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثّلج، وأطيب ريحًا من المسك. وآنيته أكثر من عدد النّجوم، لا يشرب منه إنسانٌ فيظمأ أبدًا، ولا يصرف فيروى أبدًا". وهذا القول هو اختيار ابن جريرٍ.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو يحيى الحمّاني عن نضرٍ الخزّاز، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ} قال: ما امتلأت، قال: تقول: وهل فيّ من مكانٍ يزاد فيّ.
وكذا روى الحكم بن أبانٍ عن عكرمة: {وتقول هل من مزيدٍ}: وهل في مدخل واحد، قد امتلأت.
[و] قال الوليد بن مسلمٍ، عن يزيد بن أبي مريم أنّه سمع مجاهدًا يقول: لا يزال يقذف فيها حتّى تقول: قد امتلأت فتقول: هل [فيّ] من مزيدٍ؟ وعن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا.
فعند هؤلاء أنّ قوله تعالى: {هل امتلأت}، إنّما هو بعد ما يضع عليها قدمه، فتنزوي وتقول حينئذٍ: هل بقي فيّ [من] مزيدٍ؟ يسع شيئًا.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: وذلك حين لا يبقى فيها موضعٌ [يسع] إبرةً. فاللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 403-406]

رد مع اقتباس