عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م, 07:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ق والقرآن المجيد * بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب * أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد * قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ * بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج * أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: [ق] اسم من أسماء القرآن، وقال أيضا: اسم من أسماء الله تعالى، وقال قتادة والشعبي: هو اسم السورة، وقال ابن زيد، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك: هم اسم الجبل المحيط بالدنيا، وهو فيما يزعمون من زمردة خضراء، منها خضرة السماء وخضرة البحر. و"المجيد": الكريم في أوصافه الذي جمع كل علي، و[ق] -على هذه الأقوال- مقسم به وبالقرآن المجيد، وجواب القسم منتظر، واختلف الناس فيه، فقال ابن كيسان: جوابه ما يلفظ من قول، وقيل: الجواب إن في ذلك لذكرى، وقال الزهراوي، عن سعيد الأخفش: الجواب قد علمنا ما تنقص الأرض منهم، وضعفه النحاس، وقال الكوفيون من النحاة: الجواب "بل عجبوا"، والمعنى: لقد عجبوا قال منذر بن سعيد: وقد قيل: إن جواب القسم في قوله تعالى: {ما يبدل القول لدي}، وفي هذه الأقوال تكلف وتحكم على اللسان، وقال الزجاج، والمبرد، والأخفش: الجواب مقدر، تقديره: "ق والقرآن المجيد لتبعثن"، وهذا قول حسن، وأحسن منه أن يكون الجواب الذي يقع عنه الإضراب بـ "بل"،كأنه تعالى قال: والقرآن المجيد ما ردوا أمرك بحجة، أو ما كذبوك ببرهان، ونحو هذا مما لا بد لك من تقديره بعد الذي قدر الزجاج؛ لأنك إذا قلت "الجواب "لتبعثن" فلا بد بعد ذلك أن تقدر خبرا عنه يقع الإضراب، وهذا الذي جعلناه جوابا وجاء في المقدر أخصر.
وقال جماعة من المفسرين في قوله تعالى: {[ق]}: إنه حرف دال على الكلمة نحو قول الشاعر:
قلت لها قفي فقالت قاف ... ... ... ... ...
واختلفوا بعد، فقال القرطبي: هو دال على أسماء الله تعالى هي: قادر وقاهر وقريب وقاض وقابض. وقيل: المعنى: قضي الأمر من رسالتك ونحوه. "والقرآن المجيد"، فجواب القسم في الكلام الذي يدل عليه [ق]، وقال قوم: المعنى: قف عند أمرنا، وقيل: المعنى: قهر هؤلاء الكفرة، وهذا أيضا وقع عليه القسم، ويحتمل أن يكون المعنى: قيامهم من القبور حق "والقرآن المجيد"، فيكون أول السورة من المعنى الذي اطرد بعد، وعلى هذه الأقوال، فثم كلام مضمر وقع عنه الإضراب، وهو خبر عنهم، كأنه تعالى قال: ما كذبوك ببرهان، أونحو هذا مما يليق مظهرا.
وقرأ جمهور من القراء: "ق" بسكون الفاء، قال أبو حاتم: ولا يجوز غيرها إلا جواز سوء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه القراءة تحسن مع أن تكون [ق] حرفا دالا على كلمة. وقرأ الثقفي، وعيسى: "قاف" بفتح الفاء، وهذه تحسن مع القول بأنها اسم للقرآن أو لله تعالى، وكذلك قرأ الحسن وابن أبي إسحاق: "قاف" بكسر الفاء، وهي في رتبة التي قبلها في أن الحركة للالتقاء، وفي أنها اسم للقرآن، و"المجيد" الكريم الأوصاف الكثير الخير). [المحرر الوجيز: 8/ 30-32]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في الضمير في "عجبوا"، لمن هو؟ فقال جمهور المتأولين: هو لجميع الناس، مؤمنهم وكافرهم; لأن كل مفطور عجب من بعثة بشر رسولا لله، لكن المؤمنين نظروا واهتدوا، والكافرون بقوا في عمايتهم وصموا وحاجوا بذلك العجب، ولذلك قال تعالى: {فقال الكافرون هذا شيء عجيب}، وقال آخرون: بل الضمير في "عجبوا" للكافرين، كرر الكلام تأكيدا ومبالغة، والإشارة بـ "هذا" يحتمل أن تكون إلى نفس مجيء البشر، ويحتمل أن تكون إلى القول الذي يتضمنه الإنذار وهو الخبر بالبعث، ويؤيد هذا القول ما يأتي بعد.
وقرأ الجمهور: "أئذا"، وقرأ الأعرج، وشيبة، وأبو جعفر: "إذا" على الخبر دون استفهام، والعامل في "إذا" فعل مضمر، كأنه تعالى قال: أنبعث إذا؟ وإلى هذا الفعل وقعت الإشارة بقولهم: "ذلك رجع بعيد"، قال ابن جني: ويحتمل أن يكون المعنى: أإذا متنا بعد رجعنا، فيدل ذلك "رجع بعيد" على هذا الفعل الذي هو "بعد" ويحل محل الجواب لقولهم: "إذا".
و"الرجع" مصدر رجعته، وقولهم: "بعيد" معناه: بعيد في الأفهام والفكر كونه،
فأخبر الله تعالى -ردا على قولهم- بأنه تعالى يعلم ما تأكل الأرض من ابن آدم وما تبقي منه، وإن ذلك في الكتاب، وكذلك يعود في الحشر معلوما ذلك كله، و"الحفيظ": الجامع الذي لم يفته شيء، وقال الرماني: حفيظ: منيع من أن يذهب ببلى ودروس، وروي في الخبر الثابت أن الأرض تأكل ابن آدم إلا عجب الذنب وهو عظم كالخردلة فمنه يركب ابن آدم، وحفظ ما تنقص الأرض إنما هو ليعود بعينه يوم القيامة، وهذا هو الحق، وذهب بعض الأصوليين إلى أن الأجساد المبعوثة يجوز أن تكون غير هذه، وهذا عندي خلاف لظاهر كتاب الله تعالى، ولو كانت غيرها فكيف كانت تشهد الجلود والأيدي والأرجل على الكفرة إلى غير ذلك مما يقتضي أن أجساد الدنيا هي التي تعود؟ وقال ابن عباس، ومجاهد، والجمهور: المعنى: ما تنقص من لحومهم وأبشارهم وعظامهم، وقال السدي: معنى قوله تعالى: "قد علمنا ما تنقص الأرض منهم" أي: ما يحصل في بطن الأرض من موتاهم، وهذا قول حسن مضمنه الوعيد، قال ابن عباس رضي الله عنه أيضا -فيما حكى الثعلبي -: معناه: قد علمنا ما تنقص الأرض بالإيمان من الكفرة الذين يدخلون في الإيمان، وهذا قول أجنبي من المعنى الذي قبل وبعد). [المحرر الوجيز: 8/ 32-33]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقبل قوله تعالى: "بل كذبوا" مضمر عنه وقع الإضراب، تقديره: ما أجادوا النظر، أو نحو هذا، والذي يقع عنه الإضراب بـ "بل" الأغلب فيه أنه منفي تقضي "بل" بفساده، وقد يكون أمرا موجبا تقضي "بل" بترك القول فيه لا بفساده، وقرأ الجمهور: "لما" بفتح اللام وشد الميم، وقرأ الجحدري: "لما" بكسر اللام وتخفيف الميم، قال أبو الفتح: هي كقولهم: "أعطيته لما سأل"، وكما في التاريخ "لخمس خلون"، ومنه قوله تعالى: {لا يجليها لوقتها إلا هو}، ومنه قول الشاعر:
... ... ... ... .... إذا هبت لقاربها الرياح
و"المريج" معناه: المختلط، قاله ابن زيد، أي: بعضهم يقول ساحر، وبعضهم يقول كاهن، وبعضهم شاعر، إلى غير ذلك من تخليطهم، وكذلك عادت فكرة كل واحد منهم مختلطة في نفسها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: المريج: المنكر، وقال مجاهد: الملتبس، والمريج: المضطرب أيضا، وهو قريب من الأول، ومنه في الحديث: "مرجت عهودهم، ومن الأول: "مرج البحرين"، وقال الشاعر:
مرج الدين فأعددت له ... مشرف الحارك محبوك الكتد
).[المحرر الوجيز: 8/ 33-34]

رد مع اقتباس