عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 7 ربيع الأول 1440هـ/15-11-2018م, 01:21 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون} قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: أي مكذّبون غير مصدّقين. وكذا قال الضّحّاك، وأبو حزرة، والسّدّيّ.
وقال مجاهدٌ: {مدهنون} أي: تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم.
{وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون} قال بعضهم: يعني: وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنّكم تكذّبون، أي: تكذّبون بدل الشّكر.
وقد روي عن عليٍّ، وابن عبّاسٍ أنّهما قرآها: "وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون" كما سيأتي.
وقال ابن جريرٍ: وقد ذكر عن الهيثم بن عديٍّ: أنّ من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلانٌ بمعنى: ما شكر فلانٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرّحمن، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وتجعلون رزقكم}، يقول: "شكركم {أنّكم تكذّبون}، تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، بنجم كذا وكذا".
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن مخوّل بن إبراهيم النّهديّ -وابن جريرٍ، عن محمّد بن المثنّى، عن عبيد اللّه بن موسى، وعن يعقوب بن إبراهيم، عن يحيى بن أبي بكير، ثلاثتهم عن إسرائيل، به مرفوعًا. وكذا رواه التّرمذيّ، عن أحمد بن منيع، عن حسين بن محمّدٍ -وهو المروزيّ- به. وقال: "حسنٌ غريبٌ". وقد رواه سفيان، عن عبد الأعلى، ولم يرفعه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: ما مطر قومٌ قطّ إلّا أصبح بعضهم كافرًا يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا. وقرأ ابن عبّاسٍ: "وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون".
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عبّاسٍ.
وقال مالكٌ في الموطّأ، عن صالح بن كيسان، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن زيد بن خالدٍ الجهنّي أنّه قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم صلاة الصّبح بالحديبية في أثر سماءٍ كانت من اللّيل، فلمّا انصرف أقبل على النّاس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربّكم؟ " قالوا: اللّه ورسوله أعلم. "قال: أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافرٌ، فأمّا من قال: مطرنا بفضل اللّه ورحمته، فذلك مؤمنٌ بي كافرٌ بالكواكب. وأمّا من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا. فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكواكب".
أخرجاه في الصّحيحين، وأبو داود، والنّسائيّ، كلّهم من حديث مالكٍ، به.
وقال مسلمٌ: حدّثنا محمّد بن سلمة المراديّ، وعمرو بن سوّاد، حدّثنا عبد اللّه بن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث؛ أنّ أبا يونس حدّثه، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "ما أنزل اللّه من السّماء من بركةٍ إلّا أصبح فريقٌ من النّاس بها كافرين، ينزل الغيث، فيقولون: بكوكب كذا وكذا".
تفرّد به مسلمٌ من هذا الوجه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا سفيان، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التّيميّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ اللّه ليصبح القوم بالنّعمة أو يمسيهم بها فيصبح بها قومٌ كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا".
قال محمّدٌ -هو ابن إبراهيم-: فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيّب، فقال: ونحن قد سمعنا من أبي هريرة، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، وهو يستسقي، فلمّا استسقى التفت إلى العبّاس فقال: يا عبّاس، يا عمّ رسول اللّه، كم بقي من نوء الثّريّا؟ فقال: العلماء يزعمون أنّها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعًا. قال: فما مضت سابعةٌ حتّى مطروا.
وهذا محمول على السّؤال عن الوقت الّذي أجرى اللّه فيه العادة بإنزال المطر، لا أنّ ذلك النّوء يؤثّر بنفسه في نزول المطر؛ فإنّ هذا هو المنهيّ عن اعتقاده. وقد تقدّم شيءٌ من هذه الأحاديث عند قوله: {ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها} [فاطرٍ:2].
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا سفيان، عن إسماعيل بن أميّة -أحسبه أو غيره-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سمع رجلًا -ومطروا-يقول: مطرنا ببعض عشانين الأسد. فقال: "كذبت! بل هو رزق اللّه".
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثني أبو صالحٍ الصّراريّ، حدّثنا أبو جابرٍ محمّد بن عبد الملك الأزديّ، حدّثنا جعفر بن الزّبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما مطر قومٌ من ليلةٍ إلّا أصبح قومٌ بها كافرين". ثمّ قال: " {وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون}، يقول قائلٌ: مطرنا بنجم كذا وكذا".
وفي حديثٍ عن أبي سعيدٍ مرفوعًا: "لو قحط النّاس سبع سنين ثمّ مطروا لقالوا: مطرنا بنوء المجدح".
وقال مجاهدٌ: {وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون} قال: قولهم في الأنواء: مطرنا بنوء كذا، وبنوء كذا، يقول: قولوا: هو من عند اللّه، وهو رزقه. وهكذا قال الضّحّاك وغير واحدٍ.
وقال قتادة: أمّا الحسن فكان يقول: بئس ما أخذ قومٌ لأنفسهم، لم يرزقوا من كتاب اللّه إلّا التّكذيب. فمعنى قول الحسن هذا: وتجعلون حظّكم من كتاب اللّه أنّكم تكذّبون به؛ ولهذا قال قبله: {أفبهذا الحديث أنتم مدهنون. وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون}). [تفسير ابن كثير: 7/ 545-547]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلولا إذا بلغت الحلقوم (83) وأنتم حينئذٍ تنظرون (84) ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون (85) فلولا إن كنتم غير مدينين (86) ترجعونها إن كنتم صادقين (87)}.
يقول تعالى: {فلولا إذا بلغت} أي: الرّوح {الحلقوم} أي: الحلق، وذلك حين الاحتضار كما قال: {كلا إذا بلغت التّراقي. وقيل من راقٍ. وظنّ أنّه الفراق. والتفّت السّاق بالسّاق. إلى ربّك يومئذٍ المساق} [القيامة: 26، 30]؛ ولهذا قال هاهنا: {وأنتم حينئذٍ تنظرون} أي: إلى المحتضر وما يكابده من سكرات الموت.
{ونحن أقرب إليه منكم} أي: بملائكتنا {ولكن لا تبصرون} أي: ولكن لا ترونهم. كما قال في الآية الأخرى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتّى إذا جاء أحدكم الموت توفّته رسلنا وهم لا يفرّطون. ثمّ ردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين} [الأنعام: 61، 62]). [تفسير ابن كثير: 7/ 547-548]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها}: معناه: فهلّا ترجعون هذه النّفس الّتي قد بلغت الحلقوم إلى مكانها الأوّل، ومقرّها في الجسد إن كنتم غير مدينين.
قال ابن عبّاسٍ: يعني محاسبين. وروي عن مجاهدٍ، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، والسّدّيّ، وأبي حزرة، مثله.
وقال سعيد بن جبير، والحسن البصري: {فلولا إن كنتم غير مدينين} غير مصدّقين أنّكم تدانون وتبعثون وتجزون، فردّوا هذه النّفس.
وعن مجاهدٍ: {غير مدينين} غير موقنين.
وقال ميمون بن مهران: غير معذّبين مقهورين). [تفسير ابن كثير: 7/ 548]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فأمّا إن كان من المقرّبين (88) فروحٌ وريحانٌ وجنّة نعيمٍ (89) وأمّا إن كان من أصحاب اليمين (90) فسلامٌ لك من أصحاب اليمين (91) وأمّا إن كان من المكذّبين الضّالّين (92) فنزلٌ من حميمٍ (93) وتصلية جحيمٍ (94) إنّ هذا لهو حقّ اليقين (95) فسبّح باسم ربّك العظيم (96)}.
هذه الأحوال الثّلاثة هي أحوال النّاس عند احتضارهم: إمّا أن يكون من المقرّبين، أو يكون ممّن دونهم من أصحاب اليمين. وإمّا أن يكون من المكذّبين الضّالّين عن الهدى، الجاهلين بأمر اللّه؛ ولهذا قال تعالى: {فأمّا إن كان} أي: المحتضر، {من المقرّبين}، وهم الّذين فعلوا الواجبات والمستحبّات، وتركوا المحرّمات والمكروهات وبعض المباحات،
{فروحٌ وريحانٌ وجنّة نعيمٍ} أي: فلهم روحٌ وريحانٌ، وتبشّرهم الملائكة بذلك عند الموت، كما تقدّم في حديث البراء: أنّ ملائكة الرّحمة تقول: "أيّتها الرّوح الطّيّبة في الجسد الطّيّب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روحٍ وريحانٍ، وربٍّ غير غضبان".
قال عليّ بن طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فروحٌ} يقول: راحة وريحان، يقول: مستراحة.
وكذا قال مجاهدٌ: إنّ الرّوح: الاستراحة.
وقال أبو حزرة: الرّاحة من الدّنيا. وقال سعيد بن جبير، والسّدّيّ: الرّوح: الفرح. وعن مجاهدٍ: {فروحٌ وريحانٌ}: جنّةٌ ورخاءٌ. وقال قتادة: فروحٌ ورحمةٌ. وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ: {وريحانٌ}: ورزقٌ.
وكلّ هذه الأقوال متقاربةٌ صحيحةٌ، فإنّ من مات مقرّبًا حصل له جميع ذلك من الرّحمة والرّاحة والاستراحة، والفرح والسّرور والرّزق الحسن، {وجنّة نعيمٍ}.
وقال أبو العالية: لا يفارق أحدٌ من المقرّبين حتّى يؤتى بغصنٍ من ريحان الجنّة، فيقبض روحه فيه.
وقال محمّد بن كعبٍ: لا يموت أحدٌ من النّاس حتّى يعلم: أمن أهل الجنّة هو أم [من] أهل النّار؟
وقد قدّمنا أحاديث الاحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيم: {يثبّت اللّه الّذين آمنوا بالقول الثّابت [في الحياة الدّنيا وفي الآخرة]} [إبراهيم: 27]، ولو كتبت هاهنا لكان حسنًا! ومن جملتها حديث تميمٍ الدّاريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "يقول اللّه لملك الموت: انطلق إلى فلانٍ فأتني به، فإنّه قد جرّبته بالسّرّاء والضّرّاء فوجدته حيث أحبّ، ائتني به فلأريحنّه. قال: فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائةٍ من الملائكة، معهم أكفانٌ وحنوط من الجنّة، ومعهم ضبائر الرّيحان، أصل الرّيحانة واحدٌ وفي رأسها عشرون لونًا، لكلّ لونٍ منها ريحٌ سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك".
وذكر تمام الحديث بطوله كما تقدّم، وقد وردت أحاديث تتعلّق بهذه الآية: قال الإمام أحمد:
حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا هارون، عن بديل بن ميسرة، عن عبد اللّه بن شقيق، عن عائشة أنّها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ: {فروحٌ وريحانٌ} برفع الرّاء.
وكذا رواه أبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ، من حديث هارون -وهو ابن موسى الأعور-به، وقال التّرمذيّ: لا نعرفه إلّا من حديثه.
وهذه القراءة هي قراءة يعقوب وحده، وخالفه الباقون فقرؤوا: {فروحٌ} بفتح الراء.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا أبو الأسود محمّد بن عبد الرّحمن بن نوفلٍ: أنّه سمع درّة بنت معاذٍ تحدّث عن أمّ هانئٍ: أنّها سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضًا؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "تكون النسم طيرًا يعلق بالشّجر، حتّى إذا كان يوم القيامة دخلت كلّ نفسٍ في جسدها".
هذا الحديث فيه بشارةٌ لكلّ مؤمنٍ، ومعنى "يعلق": يأكل، ويشهد له بالصّحّة أيضًا ما رواه الإمام أحمد، عن الإمام محمّد بن إدريس الشّافعيّ، عن الإمام مالك بن أنسٍ، عن الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن كعب بن مالكٍ، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّما نسمة المؤمن طائرٌ يعلق في شجر الجنّة حتّى يرجعه اللّه إلى جسده يوم يبعثه". وهذا إسنادٌ عظيمٌ، ومتنٌ قويمٌ.
وفي الصّحيح: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ أرواح الشّهداء في حواصل طيرٍ خضرٍ تسرح في الجنّة حيث شاءت، ثمّ تأوي إلى قناديل معلّقةٍ بالعرش" الحديث.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا همّامٌ، حدّثنا عطاء بن السّائب قال: كان أوّل يومٍ عرفت فيه عبد الرّحمن بن أبي ليلى: رأيت شيخًا أبيض الرّأس واللّحية على حمارٍ، وهو يتبع جنازةً، فسمعته يقول: حدّثني فلان بن فلانٍ، سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه، ومن كره لقاء اللّه كره اللّه لقاءه". قال: فأكبّ القوم يبكون فقال: "ما يبكيكم؟ " فقالوا: إنّا نكره الموت. قال: "ليس ذاك، ولكنّه إذا حضر {فأمّا إن كان من المقرّبين. فروحٌ وريحانٌ وجنّة نعيمٍ}، فإذا بشّر بذلك أحبّ لقاء اللّه عزّ وجلّ، واللّه، عزّ وجلّ، للقائه أحبّ {وأمّا إن كان من المكذّبين الضّالّين. فنزلٌ من حميمٍ [وتصلية جحيمٍ]} فإذا بشّر بذلك كره لقاء الله، والله للقاءه أكره.
هكذا رواه الإمام أحمد، وفي الصّحيح عن عائشة -رضي اللّه عنها- شاهدٌ لمعناه). [تفسير ابن كثير: 7/ 548-550]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأمّا إن كان من أصحاب اليمين} أي: وأمّا إن كان المحتضر من أصحاب اليمين، {فسلامٌ لك من أصحاب اليمين} أي: تبشّرهم الملائكة بذلك، تقول لأحدهم: سلامٌ لك، أي: لا بأس عليك، أنت إلى سلامةٍ، أنت من أصحاب اليمين.
وقال قتادة وابن زيدٍ: سلم من عذاب اللّه، وسلّمت عليه ملائكة اللّه. كما قال عكرمة تسلّم عليه الملائكة، وتخبره أنه من أصحاب اليمين.
وهذا معنًى حسنٌ ويكون ذلك كقوله تعالى: {إنّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة الّتي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدّنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون. نزلًا من غفورٍ رحيمٍ} [فصّلت: 30-32].
وقال البخاريّ: {فسلامٌ لك} أي: مسلم لك، أنّك من أصحاب اليمين. وألغيت "إنّ" وهو: معناها، كما تقول: أنت مصدق مسافرٌ عن قليلٍ. إذا كان قد قال: إنّي مسافرٌ عن قليلٍ. وقد يكون كالدّعاء له، كقولك: سقيًا لك من الرّجال، إن رفعت "السّلام" فهو من الدّعاء.
وقد حكاه ابن جريرٍ هكذا عن بعض أهل العربيّة، ومال إليه، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 550-551]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وأمّا إن كان من المكذّبين الضّالّين. فنزلٌ من حميمٍ وتصلية جحيمٍ} أي: وأمّا إن كان المحتضر من المكذّبين بالحقّ، الضّالّين عن الهدى، {فنزلٌ} أي: فضيافةٌ {من حميمٍ} وهو المذاب الّذي يصهر به ما في بطونهم والجلود، {وتصلية جحيمٍ} أي: وتقريرٌ له في النّار الّتي تغمره من جميع جهاته). [تفسير ابن كثير: 7/ 551]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال تعالى: {إنّ هذا لهو حقّ اليقين} أي: إنّ هذا الخبر لهو حقّ اليقين الّذي لا مرية فيه، ولا محيد لأحدٍ عنه).[تفسير ابن كثير: 7/ 551]

تفسير قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({فسبّح باسم ربّك العظيم} قال أحمد:
حدّثنا أبو عبد الرّحمن، حدّثنا موسى بن أيّوب الغافقيّ، حدّثني عمّي إياس بن عامرٍ، عن عقبة بن عامرٍ الجهنيّ قال: لـمّا نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فسبّح باسم ربّك العظيم} قال: "اجعلوها في ركوعكم" ولـمّا نزلت: {سبّح اسم ربّك الأعلى} [الأعلى:1]، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اجعلوها في سجودكم".
وكذا رواه أبو داود، وابن ماجه من حديث عبد اللّه بن المبارك، عن موسى بن أيّوب، به.
وقال روح بن عبادة: حدّثنا حجّاج الصّواف، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من قال: سبحان اللّه العظيم وبحمده، غرست له نخلةٌ في الجنّة".
هكذا رواه التّرمذيّ من حديث روحٍ، ورواه هو والنّسائيّ أيضًا من حديث حمّاد بن سلمة، من حديث أبي الزّبير، عن جابرٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلّا من حديث أبي الزبير.
وقال البخاريّ في آخر كتابه: حدّثنا أحمد بن إشكاب، حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، حدّثنا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرّحمن: سبحان اللّه وبحمده، سبحان اللّه العظيم".
ورواه بقيّة الجماعة إلّا أبا داود، من حديث محمّد بن فضيل، بإسناده، مثله). [تفسير ابن كثير: 7/ 551-552]

رد مع اقتباس