عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 20 جمادى الآخرة 1440هـ/25-02-2019م, 11:32 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

النقص في المصحف

قال صَالِحٌ بْنُ مُحَمَّدِ الرَّشيدِ(م): (لا يخلو النقص في المصحف من أن يكون متعمدا أو أن يكون غير متعمد، فإن كان النقص متعمدا فقد حكى القاضي عياض في كتابه الشفا إجماع أهل العلم على القول بكفر فاعله وقد مضى كلام القاضي في غير موضع من هذا البحث مستوفي وأما إن كان النقص الحاصل في المصحف نتيجة سهو من الناسخ وعدم شعور منه فقد صرح غير واحد من أهل العلم بعدم تأثيمه بذلك لكن يتعين
[729]
حينئذ استدراك القدر الناقص وإصلاح الخلل الحادث إن كان ذلك ممكنا فإن تعذر لكثرة السقط وتفشي الخلل تعين المصير إلى إتلافه درءا للمفاسد التي قد تترتب على استبقائه في الحال أو المآل على ما مضى بيانه في موضعه من مسألة إتلاف المصاحف ومتى يكون ذلك متعينا هذا في النقص من نظمه وأما النقص في حجمه فقد مضى في مسألتي أجزاء المصحف وتصغيره.
استشكال وجوابه:
ولما كان النقص في المصحف بهذه المثابة، استشكل البعض ما روي من إسقاط ابن مسعود من مصحفه سورة الفاتحة والمعوذتين فقد أخرج عبد بن حميد، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين (أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن).
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: (كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف، وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء وأخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق. قال السيوطي: صحيحة (عن ابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين في المصحف يقول: (لا تخلطوا القرآن بما ليس منه إنهما ليستا من كتاب الله، إنما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتعوذ بهما، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما) قال البزار: (لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة) وأثبتتا في المصحف.
[730]
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن زر بن حبيش قال: (أتيت المدينة فلقيت أبي ابن كعب، فقلت له أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فقال: أما والذي بعث محمدا بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سأله غيرك، قال: (قيل لي قل. فقلت: فقولوا).فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن هاتين السورتين فقال: قيل لي، فقلت فقولوا كما قلت").
ثبوت قرآنية المعوذتين:
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنزلت على الليلة آيات لم أر مثلهن قط (قل أعوذ برب
[731]
الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) وقد رويت قرآنية المعوذتين عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من حديث جابر وأبي حابس الجهمي، وأبي سعيد الخدري، وزيد بن أرقم، وأم سلمة، وعائشة.. رضي الله عنهم أجمعين.
رجوع ابن مسعود عن القول بعدم قرآنية المعوذتين:
قال ابن كثير بعد حكايته المروي عن ابن مسعود آنفا من عدم قرآنية المعوذتين:
(ثم قد رجع عن قوله إلى قول الجماعة).
الجواب عن الاستشكال:
أ) من أهل العلم من بنى جوابه عن الاستشكال المذكور على تقدير صحة المروي عن ابن مسعود وثبوته فقال في شأن المعوذتين وإنكار ابن مسعود لقرآنيتهما أنه قد ظن أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين، فأقام على ظنه، ولا نقول: إنه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والأنصار، وبمثل هذا أجاب ابن قتيبة في غير موضع من كتبه. ثم قال: (وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من
[732]
القرآن – معاذ الله- ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أن ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد.
ب) ومن أهل العلم من لم يرتض هذا الجواب أو يسلم بهذا الاعتذار بل ذهب إلى رد هذه الآثار لكونها أخبار آحاد لا تقوى على معارضة المتواتر ولا تقاوم بها قواطع الشرع وما انعقد عليه إجماع الأمة وقد سلك هذا المسلك في الجواب غير واحد من أهل العلم كابن الأنباري والقاضي الباقلاني وأبي عبد الله القرطبي فقد جاء في تفسيره ما نصه [وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به، وليستا من القرآن، خالف به الإجماع من الصاحبة وأهل البيت. قال ابن قتيبة: لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين، لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين – رضي الله عنهما- بهما، فقدر أنهما بمنزلة: [أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة]. قال أبو بكر الأنباري: وهذا مردود على ابن قتيبة، لأن المعوذتين من كلام رب العالمين، المعجز لجميع المخلوقين. " وأعيذكما بكلمات الله التامة" من قول البشر بين. وكلام الخالق الذي هو آية لمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وحجة له باقية على جميع الكافرين، لا يلتبس بكلام الآدميين، على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح اللسان، العالم باللغة، العارف بأجناس الكلام، وأفانين القول قال القرطبي " وقال بعض الناس:
[733]
لم يكتب عبد الله المعوذتين لأنه أمن عليهما من النسيان، فأسقطهما وهو يحفظهما، كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه وما يشك في حفظه وإتقانه لها. فرد هذا القول على قائله، واحتج عليه بأنه قد كتب: (إذا جاء نصر الله والفتح) و (إنا أعطيناك الكوثر) و (قل هو الله أحد) وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال، والحفظ إليهن أسرع، ونسيانهن مأمون، وكلهن يخالف فاتحة الكتاب، إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها، فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف، على معنى الثقة ببقاء حفظها، والأمن من نسيانها، صحيح، وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها، ولا يسلك به طريقها... وقد مضى هذا المعنى في سورة "الفاتحة" والحمد لله.
جواب القاضي الباقلاني:
وقد أجاب أبو بكر الباقلاني في غير موضع من كتابه "الانتصار لنقل القرآن" عن دعوى عدم قرآنية المعوذتين لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بين ذلك، ولأجل خلاف ابن مسعود في ذلك وجحده أن تكونا من القرآن. أجاب بأن هذا باطل وزور ولا ينبغي لمسلم أن يثبته على عبد الله بن مسعود بأخبار آحاد معارضة بما هو أقوى منها عن رجال عبد الله في إثباتها قرآنا وقال في موضع من الانتصار.
[734]
أيضا [وأما المعوذتان فكل من ادعى معارضة أن عبد الله بن مسعود أنكر أن تكونا من القرآن فقد جهل وبعد عن التحصيل، لأن سبيل نقلهما سبيل نقل القرآن ظاهرا ومشهورا وفيهما الإيجاز الذي لا خفاء لذي فهم عنه، فكيف يحمل على ابن مسعود إنكار كونهما قرآنا مع ما ذكرنا من النقل والإعجاز، هذا غاية الغباوة من مضيفه إليه وكيف ينكر كونها قرآنا منزلا ولا ينكر عليه الصحابة، وقد أنكرت عليه أقل من هذا وكرهته من قوله حيث قال: [معشر المسلمين، أعزل عن كتابة المصحف، والله لقد أسلمت وإن زيدا لفي صلب رجل كافر].
قال ابن شهاب وغيره: لقد كره مقالته هذه الأماثل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكيف يصح ذلك قد كان مشهورا بإتقان القراءة منتصبا للإقراء فلو أنكرها لم يستبعد ممن قرأ عليه أن يروي ذلك عنه ويذكره، فلما لم يرو عنه ولا نقل مع جريان العادة دل على بطلانه وفساده. فإن قيل فلعلهم لم يرووا عنه هذا لشناعته وبشاعته وخروج فاعله عن مذهب الأمة. قيل: فقد كانوا مع هذا خيارا وأبرارا، فكان يجب انحرافهم عنه وتفنيدهم له.
وفي إطباق أهل السيرة والرواية على أنه لا شيء يروى عن أصحاب عبد الله في هذا دليل على بطلانه. وهذا سبيل القول عندنا في كل أمر يروى عن الصحبة أو عن أحدهم يوجب تفسيقه أو تضليله، لا يجب قبوله ولا العمل به، لأنهم قد تثبت عدالتهم بالنقل الموجب للعلم القاطع للعذر فلا يثبت جرحهم بخبر واحد مطعون]. ثم مضى في ذكر الروايات المثبتة لقرآنية المعوذتين كما ذكر بعض أوجه التأويل للمروي عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وقد مر أن جمعا من أهل العلم قد سلكوا مسلك الباقلاني في إبطال المروي عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فمنهم الطحاوي وابن الأنباري
[735]
وابن حزم في المحلى والقاضي عياض والفخر الرازي في تفسيره والنووي في مجموعه وغيرهم. لكن الحافظ في الفتح لم يسلم ما ذهبوا إليه من القول بعدم صحة المروي عن ابن مسعود ومال إلى الجواب القائل باحتمال أن نقل الفاتحة والمعوذتين أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود قال: [فانحلت العقدة بعون الله تعالى].
[736]

رد مع اقتباس