عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: ما كان اللّه ليذر فقال مجاهد وابن جريج وابن إسحاق وغيرهم: الخطاب للمؤمنين، والمعنى: ما كان الله ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين مشكلا أمرهم، يجري المنافق مجرى المؤمن، ولكنهم ميز بعضهم من بعض، بما ظهر من هؤلاء وهؤلاء في أحد من الأفعال والأقوال، وقال قتادة والسدي: الخطاب للكفار، والمعنى: حتى يميز المؤمنين من الكافرين بالإيمان والهجرة، وقال السدي وغيره: قال الكفار في بعض جدلهم: أنت يا محمد تزعم في الرجل منا أنه من أهل النار، وأنه إذا اتبعك من أهل الجنة، فكيف يصح هذا؟ ولكن أخبرنا بمن يؤمن منا وبمن يبقى على كفره، فنزلت الآية، فقيل لهم: لا بد من التمييز وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب فيمن يؤمن ولا فيمن يبقى كافرا ولكن هذا رسول مجتبى فآمنوا به. فإن آمنتم نجوتم وكان لكم أجر، وأما مجاهد وابن جريج وأهل القول، فقولهم في تأويل قوله تعالى: وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب أنه في أمر «أحد» أي ما كان الله ليطلعكم على أنكم تهزمون، فكنتم تكعون عن هذا. وأيضا فما كان ليطلعكم على المنافقين تصريحا بهم وتسمية لهم، ولكن هذا بقرائن أفعالهم وأقوالهم في مثل هذا الموطن، وحتى- في قوله: حتّى يميز غاية مجردة، لأن الكلام قبلها معناه: الله يخلص ما بينكم بابتلائه وامتحانه حتى يميز، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: «حتى يميز» - بفتح الياء وكسر الميم وتخفيف الياء، وكذلك «ليميز»، وقرأ حمزة والكسائي: «حتى يميّز» و «ليميز الله» بضم الياء والتشديد، قال يعقوب بن السكيت: مزت وميزت، لغتان بمعنى واحد، قال أبو علي: وليس ميزت بمنقول من مزت، بدليل أن ميزت لا يتعدى إلى مفعولين وإنما يتعدى إلى مفعول واحد كمزت، كما أن «ألقيت» ليس بمنقول من لقي، إنما هو بمعنى أسقطت، والغيب هنا: ما غاب عن البشر مما هو في علم الله من الحوادث التي تحدث ومن الأسرار التي في قلوب المنافقين، ومن الأقوال التي يقولونها إذا غابوا عن الناس، قال الزجّاج وغيره: روي أن بعض الكفار قال: لم لا يكون جميعنا أنبياء؟ فنزلت هذه الآية، ويجتبي- معناه: يختار ويصطفي، وهي من جبيت الماء والمال، وباقي الآية بين والله المستعان). [المحرر الوجيز: 2/429-430]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ (180) لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق (181)
لّقد سمع الله قول الّذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء القراءات في قوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون كالتي تقدمت آنفا في قوله ولا يحسبنّ الّذين كفروا سواء، وقال السدي وجماعة من المتأولين: الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله وأداء الزكاة المفروضة ونحو ذلك، قالوا: ومعنى: سيطوّقون ما بخلوا هو الذي ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله عن فضل ما عنده فيبخل به عليه إلا خرج له يوم القيامة شجاع أقرع من الناس يتلمظ حتى يطوقه. والأحاديث في مثل هذا من منع الزكاة واكتناز المال كثيرة صحيحة. وقال ابن عباس: الآية إنما نزلت في أهل الكتاب وبخلهم ببيان ما علمهم الله من أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ذلك مجاهد وجماعة من أهل التفسير، وقوله تعالى سيطوّقون على هذا التأويل معناه سيحملون عقاب ما بخلوا به، فهو من الطاقة كما قال تعالى: وعلى الّذين يطيقونه [البقرة: 184] وليس من التطويق، وقال إبراهيم النخعي: سيطوّقون سيجعل لهم يوم القيامة طوق من نار، وهذا يجري مع التأويل الأول الذي ذكرته للسدي وغيره، وقال مجاهد: سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به يوم القيامة، وهذا يضرب مع قوله: إن البخل هو بالعلم الذي تفضل الله عليهم بأن علمهم إياه وإعراب قوله تعالى: الّذين يبخلون رفع في قراءة من قرأ «يحسبن» بالياء من أسفل والمفعول الأول مقدر بالصلة تقديره «ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم من فضله بخلهم هو خيرا»، والمفعول الثاني خيرا، وهو فاصلة وهي العماد عند الكوفيين، ودل قوله: يبخلون على هذا البخل المقدر كما دل السفيه على السفه في قول الشاعر: [الوافر]
إذ نهي السّفيه جرى إليه = وخالف، والسّفيه إلى خلاف
فالمعنى جرى إلى السفه، وأما من قرأ «تحسبن» بالتاء من فوق ففي الكلام حذف مضاف هو المفعول الأول، تقديره ولا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون خيرا لهم، قال الزّجاج: وهي مثل وسئل القرية [يوسف: 82] وقوله تعالى: وللّه ميراث السّماوات خطاب على ما يفعله البشر دال على فناء الجميع وأنه لا يبقى مالك إلا الله تعالى وإن كان ملكه تعالى على كل شيء لم يزل، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «والله بما يعملون» بالياء من أسفل على ذكر الذين يبخلون ويطوقون، وقرأ الباقون بالتاء من فوق، وذلك على الرجوع من الغيبة إلى المخاطبة لأنه قد تقدم وإن تؤمنوا وتتّقوا [آل عمران: 179]). [المحرر الوجيز: 2/430-432]

رد مع اقتباس