عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27 ذو القعدة 1439هـ/8-08-2018م, 09:10 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظّالمون إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار (42) مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتدّ إليهم طرفهم وأفئدتهم هواءٌ (43) وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب}
يقول [تعالى شأنه] {ولا تحسبنّ اللّه} يا محمّد {غافلا عمّا يعمل الظّالمون} أي: لا تحسبه إذ أنظرهم وأجّلهم أنّه غافلٌ عنهم مهملٌ لهم، لا يعاقبهم على صنعهم بل هو يحصي ذلك عليهم ويعدّه عدًّا، أي: {إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار} أي: من شدّة الأهوال يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 515]

تفسير قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر تعالى كيفيّة قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر فقال: {مهطعين} أي: مسرعين، كما قال تعالى: {مهطعين إلى الدّاع [يقول الكافرون هذا يومٌ عسرٌ]} [القمر: 8]، وقال تعالى: {يومئذٍ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلا همسًا} إلى قوله: {وعنت الوجوه للحيّ القيّوم وقد خاب من حمل ظلمًا} [طه: 198 -111]، وقال تعالى: {يوم يخرجون من الأجداث سراعًا كأنّهم إلى نصبٍ يوفضون} [المعارج: 43].
وقوله: {مقنعي رءوسهم} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ وغير واحدٍ: رافعي رءوسهم.
{لا يرتدّ إليهم طرفهم} أي: [بل] أبصارهم طائرةٌ شاخصةٌ، يديمون النّظر لا يطرفون لحظةً لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحلّ بهم، عياذًا باللّه العظيم من ذلك؛ ولهذا قال: {وأفئدتهم هواءٌ} أي: وقلوبهم خاويةٌ خاليةٌ ليس فيها شيءٌ لكثرة [الفزع و] الوجل والخوف. ولهذا قال قتادة وجماعةٌ: إنّ أمكنة أفئدتهم خاليةٌ لأنّ القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدّة الخوف. وقال بعضهم: {هواءٌ} خرابٌ لا تعي شيئًا.
ولشدّة ما أخبر اللّه تعالى [به] عنهم، قال لرسوله: {وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 515]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ولشدّة ما أخبر اللّه تعالى [به] عنهم، قال لرسوله: {وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب فيقول الّذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجلٍ قريبٍ نجب دعوتك ونتّبع الرّسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ (44) وسكنتم في مساكن الّذين ظلموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال (45) وقد مكروا مكرهم وعند اللّه مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (46)}
يقول تعالى مخبرًا عن قيل الّذين ظلموا أنفسهم، عند معاينة العذاب: {ربّنا أخّرنا إلى أجلٍ قريبٍ نجب دعوتك ونتّبع الرّسل} كما قال تعالى: {حتّى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون لعلّي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنّها كلمةٌ هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون} [المؤمنون: 99، 100]، وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر اللّه ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخّرتني إلى أجلٍ قريبٍ فأصّدّق وأكن من الصّالحين} [المنافقون: 9، 10]، وقال تعالى مخبرًا عنهم في حال محشرهم: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنّا موقنون} [السّجدة: 12]، وقال تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام: 27، 28]، وقال تعالى: {وهم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الّذي كنّا نعمل أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظّالمين من نصيرٍ} [فاطرٍ: 37].
وقال تعالى رادًّا عليهم في قولهم هذا: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ} أي: أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحال: أنّه لا زوال لكم عمّا أنتم فيه، وأنّه لا معاد ولا جزاء، فذوقوا هذا بذاك.
قال مجاهدٌ وغيره: {ما لكم من زوالٍ} أي: ما لكم من انتقالٍ من الدّنيا إلى الآخرة، كما أخبر عنهم تعالى: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت بلى وعدًا عليه حقًّا} [النّحل: 38]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 515-516]

تفسير قوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وسكنتم في مساكن الّذين ظلموا أنفسهم وتبيّن لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} أي: قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذّبة قبلكم، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبرٌ، ولم يكن فيما أوقعنا بهم مزدجرٌ لكم {حكمةٌ بالغةٌ فما تغن النّذر} [القمر: 5]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 516]

تفسير قوله تعالى: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد روى شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن [بن دابيل] أنّ عليًّا، رضي اللّه عنه، قال في هذه الآية: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} قال: أخذ ذاك الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه نسرين صغيرين، فربّاهما حتّى استغلظا واستعلجا وشبّا.
قال: فأوثق رجل كلّ واحدٍ منهما بوتدٍ إلى تابوتٍ، وجوّعهما، وقعد هو ورجلٌ آخر في التّابوت قال:-ورفع في التّابوت عصًا على رأسه اللّحم -قال: فطارا [قال] وجعل يقول لصاحبه: انظر، ما ترى؟ قال: أرى كذا وكذا، حتّى قال: أرى الدّنيا كلّها كأنّها ذباب. قال: فقال: صوب العصا، فصوّبها، فهبطا. قال: فهو قول اللّه، عزّ وجلّ: "وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال". قال أبو إسحاق: وكذلك هي في قراءة عبد اللّه: "وإن كاد مكرهم".
قلت: وكذا روي عن أبيّ بن كعبٍ، وعمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنهما، أنّهما قرآ: "وإن كاد"، كما قرأ عليٌّ. وكذا رواه سفيان الثّوريّ، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرّحمن بن أذنان عن عليٍّ، فذكر نحوه.
وكذا روي عن عكرمة أنّ سياق هذه القصّة لنمرود ملك كنعان: أنّه رام أسباب السّماء بهذه الحيلة والمكر، كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط في بناء الصّرح، فعجزا وضعفا. وهما أقلّ وأحقر، وأصغر وأدحر.
وذكر مجاهدٌ هذه القصّة عن بختنصّر، وأنّه لمّا انقطع بصره عن الأرض وأهلها، نودي أيّها الطّاغية: أين تريد؟ ففرق، ثمّ سمع الصّوت فوقه فصوّب الرّماح، فصوبت النّسور، ففزعت الجبال من هدّتها، وكادت الجبال أن تزول من حسّ ذلك، فذلك قوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}
ونقل ابن جريج عن مجاهدٍ أنّه قرأها: "لتزول منه الجبال"، بفتح اللّام الأولى، وضمّ الثّانية.
وروى العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} يقول: ما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وكذا قال الحسن البصريّ، ووجّهه ابن جريرٍ بأنّ هذا الّذي فعلوه بأنفسهم من كفرهم باللّه وشركهم به، ما ضرّ ذلك شيئًا من الجبال ولا غيرها، وإنّما عاد وبال ذلك على أنفسهم.
قلت: ويشبه هذا إذًا قوله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحًا إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} [الإسراء: 37].
والقول الثّاني في تفسيرها: ما رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} يقول شركهم، كقوله: {تكاد السّماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض وتخرّ الجبال هدّاً أن دعوا للرّحمن ولدًا} [مريم: 90 -91]، وهكذا قال الضحاك وقتادة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 516-517]

رد مع اقتباس