عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 12:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار} الآية تذكير بآلاء الله، وتنبيه على قدرته التي فيها إحسان إلى البشر; لتقوم الحجة من وجهين، و"الله" مبتدأ، و"الذي" خبره. ومن أخبر بهذه الجملة وتقررت في نفسه آمن وصلى وأنفق. و"السماوات" هي الأرقعة السبعة، وقوله: {وأنزل من السماء} يريد: السحاب. وقوله: {من الثمرات} يجوز أن تكون "من" للتبعيض، فيكون المراد بعض جني الأشجار، ويسقط ما كان منها سما أو مجردا للمضرات، ويجوز أن تكون "من" لبيان الجنس كأنه قال: فأخرج به رزقا لكم من الثمرات، وقال بعض الناس: "من" زائدة، وهذا لا يجوز عند سيبويه لكونها في الجواب، ويجوز عند الأخفش. و"الفلك" جمع فلك، وقد تقدم القول فيه مرارا.
وقوله: "بأمره" مصدر من أمر يأمر، وهذا راجع إلى الكلام القائم بالذات، كقول الله تعالى للبحار والأرض وسائر الأشياء: "كن" عند الإيجاد، إنما معناه: كن بحال كذا، وعلى وتيرة كذا، وفي هذا تدريج دوران الفلك ينطوي تسخير البحر وتسخير الرياح، وأما تسخير الأنهار فتفجرها في كل بلد وانقيادها للسقي وسائر المنافع). [المحرر الوجيز: 5/251]

تفسير قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"دائبين" معناه: متماديين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الجمل الذي بكى
[المحرر الوجيز: 5/251]
وأجهش إليه: (إن هذا الجمل شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه) أي تديمه في الخدمة والعمل، وظاهر الآية أن معناه: دائبين في الطلوع والغروب وما بينهما من المنافع للناس التي لا تحصى كثرة، وحكى الطبري عن مقاتل بن حيان -يرفعه عن ابن عباس أنه قال: معناه: دائبين في طاعة الله، وهذا قول إن كان يراد به أن الطاعة انقياد منهما في التسخير فذلك موجود في قوله: "سخر"، وإن كان يراد أنها طاعة مقصودة كطاعة العباد من البشر فهذا بعيد، والله أعلم). [المحرر الوجيز: 5/252]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وآتاكم من كل ما سألتموه} للجنس من البشر، أي إن الإنسان بجملته قد أوتي من كل ما شأنه أن يسأل وينتفع به، ولا يطرد هذا في واحد من الناس، وإنما تفرقت هذه النعم في البشر، فيقال بحسب هذا للجميع: "أوتيتم كذا" على جهة التعديد للنعمة، وقيل المعنى: وآتاكم من كل ما سألتموه أن لو سألتموه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قريب من الأول، و"ما" في قوله سبحانه: {ما سألتموه} يصح أن تكون مصدرية، ويكون الضمير في قوله: "سألتموه" عائدا على الله تبارك وتعالى، ويصح أن تكون "ما" بمعنى "الذي"، ويكون الضمير عائدا على "الذي"، وقرأ الضحاك بن مزاحم، وابن عباس: "من كل ما سألتموه" بتنوين "كل"، وهي قراءة الحسن، وقتادة، وسلام، ورويت عن نافع، والمعنى: وآتاكم من كل هذه المخلوقات المذكورات قبل ما شأنه أن يسأل لمعنى الانتفاع به، فـ "ما" في قوله: {ما سألتموه} مفعول ثان بـ "آتاكم". وقال بعض الناس: "ما" نافية على هذه القراءة، أي: أعطاكم من كل شيئا، ما سألتموه، والمفعول الثاني هو قولنا: "شيئا"، فعدد على هذه-
[المحرر الوجيز: 5/252]
النعمة في تفضيله بما لم يسأله البشر من النعم، وكان ما سألوه لم يعرض له.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا تفسير الضحاك. وأما القراءة الأولى بإضافة "كل" إلى "ما" فلا بد من تقدير المفعول الثاني: جزءا أو شيئا أو نحو هذا.
وقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} أي: لكثرتها وعظمها في الحواس والقوى والإيجاد من العدم إلى الهداية إلى لإيمان وغير ذلك. وقال طلق بن حبيب: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، ونعمه أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا توابين وأمسوا توابين. وقال أبو الدرداء: من لم ير نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل علمه وحضر عذابه.
وقوله تعالى: {إن الإنسان} يريد به النوع والجنس، المعنى: توجد فيه هذه الخلال، وهي الظلم والكفر، فإن كانت هذه الخلال من جاحد فهي بصفة، وإن كانت من عاص فهي بصفة أخرى). [المحرر الوجيز: 5/253]

رد مع اقتباس