عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 02:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين (51) فترى الّذين في قلوبهم مرضٌ يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين (52) ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين (53)}
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنّصارى، الّذين هم أعداء الإسلام وأهله، قاتلهم اللّه، ثمّ أخبر أنّ بعضهم أولياء بعضٍ، ثمّ تهدّد وتوعّد من يتعاطى ذلك فقال: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم [إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين]}
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا كثير بن شهابٍ، حدّثنا محمّدٌ -يعني ابن سعيد بن سابقٍ-حدّثنا عمرو بن أبي قيسٍ، عن سماك بن حرب، عن عياض: أنّ عمر أمر أبا موسى الأشعريّ أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديمٍ واحدٍ، وكان له كاتبٌ نصرانيٌّ، فرفع إليه ذلك، فعجب عمر [رضي اللّه عنه] وقال: إنّ هذا لحفيظٌ، هل أنت قارئٌ لنا كتابًا في المسجد جاء من الشّام؟ فقال: إنّه لا يستطيع [أن يدخل المسجد] فقال عمر: أجنبٌ هو؟ قال: لا بل نصرانيٌّ. قال: فانتهرني وضرب فخذي، ثمّ قال: أخرجوه، ثمّ قرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء [بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم إنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين]}
ثمّ قال الحسن بن محمّد بن الصّبّاح: حدّثنا عثمان بن عمر، أنبأنا ابن عون، عن محمّد بن سيرين قال: قال عبد اللّه بن عتبة: ليتّق أحدكم أن يكون يهوديًّا أو نصرانيًّا، وهو لا يشعر. قال: فظننّاه يريد هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء [بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم]} الآية. وحدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا ابن فضيلٍ، عن عاصمٍ، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب، فقال: كل، قال اللّه تعالى: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}
وروي عن أبي الزّناد، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 3/132]

تفسير قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فترى الّذين في قلوبهم مرضٌ} أي: شكٌّ، وريبٌ، ونفاقٌ {يسارعون فيهم} أي: يبادرون إلى موالاتهم ومودّتهم في الباطن والظّاهر، {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرةٌ} أي: يتأوّلون في مودّتهم وموالاتهم أنّهم يخشون أن يقع أمرٌ من ظفر الكفّار بالمسلمين، فتكون لهم أيادٍ عند اليهود والنّصارى، فينفعهم ذلك، عند ذلك قال اللّه تعالى: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح} قال السّدّي: يعني فتح مكّة. وقال غيره: يعني القضاء والفصل {أو أمرٍ من عنده} قال السّدّي: يعني ضرب الجزية على اليهود والنّصارى {فيصبحوا} يعني: الّذين والوا اليهود والنّصارى من المنافقين {على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين} من الموالاة {نادمين} أي: على ما كان منهم، ممّا لمّ يجد عنهم شيئًا، ولا دفع عنهم محذورًا، بل كان عين المفسدة، فإنّهم فضحوا، وأظهر اللّه أمرهم في الدّنيا لعباده المؤمنين، بعد أن كانوا مستورين لا يدرى كيف حالهم. فلمّا انعقدت الأسباب الفاضحة لهم، تبيّن أمرهم لعباد اللّه المؤمنين، فتعجّبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنّهم من المؤمنين، ويحلفون على ذلك ويتأوّلون، فبان كذبهم وافتراؤهم؛ ولهذا قال تعالى: {ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/132-133]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقد اختلف القرّاء في هذا الحرف، فقرأه الجمهور بإثبات الواو في قوله: {ويقول الّذين} ثمّ منهم من رفع {ويقول} على الابتداء، ومنهم من نصب عطفًا على قوله: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده} تقديره "أن يأتي" "وأن يقول"، وقرأ أهل المدينة: {يقول الّذين آمنوا} بغير واوٍ، وكذلك هو في مصاحفهم على ما ذكره ابن جريرٍ، قال ابن جريج، عن مجاهدٍ: {فعسى اللّه أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده} حينئذٍ {ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين}
واختلف المفسّرون في سببٍ نزول هذه الآيات الكريمات، فذكر السّدّي أنّها نزلت في رجلين، قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحدٍ: أمّا أنا فإنّي ذاهبٌ إلى ذلك اليهوديّ، فآوي إليه وأتهوّد معه، لعلّه ينفعني إذا وقع أمرٌ أو حدث حادثٌ! وقال الآخر: وأمّا أنا فأذهب إلى فلانٍ النّصرانيّ بالشّام، فآوي إليه وأتنصّر معه، فأنزل اللّه [عزّ وجلّ] {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء} الآيات.
وقال عكرمة: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، حين بعثه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بني قريظة، فسألوه: ماذا هو صانعٌ بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه، أي: إنّه الذّبح. رواه ابن جريرٍ.
وقيل: نزلت في عبد اللّه بن أبيّ بن سلول، كما قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا ابن إدريس قال: سمعت أبي، عن عطيّة بن سعدٍ قال: جاء عبادة بن الصّامت، من بني الخزرج، إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّ لي موالي من يهودٍ كثيرٌ عددهم، وإنّي أبرأ إلى اللّه ورسوله من ولاية يهودٍ، وأتولّى اللّه ورسوله. فقال عبد اللّه بن أبيٍّ: إنّي رجلٌ أخاف الدّوائر، لا أبرأ من ولاية موالي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعبد اللّه بن أبيٍّ: "يا أبا الحباب، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصّامت فهو لك دونه". قال: قد قبلت! فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء [بعضهم أولياء بعضٍ]} إلى قوله: {فترى الّذين في قلوبهم مرضٌ}.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا هنّاد، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا عثمان بن عبد الرّحمن، عن الزّهريّ قال: لمّا انهزم أهل بدرٍ قال المسلمون لأوليائهم من يهود: آمنوا قبل أن يصيبكم اللّه بيومٍ مثل يوم بدرٍ! فقال مالك بن الصّيف: أغرّكم أن أصبتم رهطًا من قريشٍ لا علم لهم بالقتال!! أما لو أمررنا العزيمة أن نستجمع عليكم، لم يكن لكم يدٌ بقتالنا فقال عبادة: يا رسول اللّه، إنّ أوليائي من اليهود كانت شديدةً أنفسهم، كثيرًا سلاحهم، شديدةً شوكتهم، وإنّي أبرأ إلى اللّه [تعالى] وإلى رسوله من ولاية يهود، ولا مولى لي إلّا اللّه ورسوله. فقال عبد اللّه بن أبيٍّ: لكنّي لا أبرأ من ولاء يهودٍ أنا رجلٌ لا بدّ لي منهم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا أبا الحباب أرأيت الّذي نفّست به من ولاء يهود على عبادة بن الصّامت، فهو لك دونه؟ " فقال: إذًا أقبل! قال: فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء [بعضهم أولياء بعضٍ]} إلى قوله: {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67].
وقال محمّد بن إسحاق: فكانت أوّل قبيلةٍ من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنو قينقاع. فحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: فحاصرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد اللّه بن أبي بن سلول، حين أمكنه اللّه منهم، فقال: يا محمّد، أحسن في موالي. وكانوا حلفاء الخزرج، قال: فأبطأ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا محمّد، أحسن في موالي. قال: فأعرض عنه. فأدخل يده في جيب درع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. "أرسلني". وغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى رئي لوجهه ظللًا ثمّ قال: "ويحك أرسلني". قال: لا واللّه لا أرسلك حتّى تحسن في موالي، أربعمائة حاسرٍ، وثلاثمائة دارعٍ، قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداةٍ واحدةٍ؟! إنّي امرؤٌ أخشى الدّوائر، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هم لك."
قال محمّد بن إسحاق: فحدّثني أبو إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت قال: لمّا حاربت بنو قينقاع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، تشبّث بأمرهم عبد اللّه بن أبيٍّ، وقام دونهم، ومشى عبادة بن الصّامت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان أحد بني عوف بن الخزرج، له من حلفهم مثل الّذي لعبد اللّه بن أبيٍّ، فجعلهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتبرّأ إلى اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم من حلفهم، وقال: يا رسول اللّه، أتبرّأ إلى اللّه وإلى رسوله من حلفهم، وأتولّى اللّه ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفّار وولايتهم. ففيه وفي عبد اللّه بن أبيٍّ نزلت الآيات في المائدة: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ} إلى قوله: {ومن يتولّ اللّه ورسوله والّذين آمنوا فإنّ حزب اللّه هم الغالبون} [المائدة: 56].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، عن محمد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عروة، عن أسامة بن زيدٍ قال: دخلت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على عبد اللّه بن أبيٍّ نعوده، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "قد كنت أنهاك عن حبّ يهود". فقال عبد اللّه: فقد أبغضهم أسعد بن زرارة، فمات.
وكذا رواه أبو داود، من حديث محمّد بن إسحاق). [تفسير القرآن العظيم: 3/133-135]

رد مع اقتباس