عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم...}
خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأخبرهم أن الله تبارك وتعالى قد فرض عليهم الحّج، فقام رجل فقال: يا رسول الله (أوفي) كلّ عام فأعرض عنه. ثم عاد (فقال: أفي كل عام فأعرض عنه، ثم عاد) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يؤمنك أن أقول (نعم) فيجب عليكم ثم لا تفعلوا فتكفروا اتركوني ما تركتكم".
و(أشياء) في موضع خفض لا تجرى. وقد قال فيها بعض النحويين: إنما كثرت في الكلام وهي (أفعال) فأشبهت فعلاء فلم تصرف؛ كما لم تصرف حمراء، وجمعها أشاوي - كما جمعوا عذراء عذارى، وصحراء صحاري - وأشياوات؛ كما قيل: حمراوات. ولو كانت على التوهّم لكان أملك الوجهين بها أن تجرى؛ لأن الحرف إذا كثر به الكلام خفّ؛ كما كثرت التسمية بيزيد فأجروه وفيه ياء زائدة تمنع من الإجراء. ولكنا نرى أن أشياء جمعت على أفعلاء، كما جمع ليّن وأليناء، فحذف من وسط أشياء همزة، كان ينبغي لها أن تكون (أشيئاء) فحذفت الهمزة لكثرتها. وقد قالت العرب: هذا من أبناوات سعد، وأعيذك بأسماوات الله، وواحدها أسماء وأبناء تجرى، فلو منعت أشياء الجري لجمعهم إياها أشياوات لم أجر أسماء ولا أبناء؛ لأنهما جمعتا أسماوات وأبناوات). [معاني القرآن: 1/321]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفور حليم (101)
(تبد لكم) - تظهر لكم، يقال بدا لي الشيء يبدو إذا ظهر.
جاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم الحج، فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول اللّه أفي كل عام؟
فأعرض عنه - صلى الله عليه وسلم - فعاد الرجل ثانية، فأعرض عنه، ثم عاد ثالثة فقال - صلى الله عليه وسلم - ما يؤمنك أن أقول نعم فتجب فلا تقومون بها فتكفرون.
تأويل " تكفرون "، - واللّه أعلم - ههنا أنكم تدفعون لثقلها وجوبها فتكفرون.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: " اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة اختلافهم على أنبيائهم ".
وسأله - صلى الله عليه وسلم - رجل كان يتنازعه اثنان يدّعي كل واحد منهما أنّه أبوه فأخبر - صلى الله عليه وسلم - بأبيه منهما، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن السؤال عن مثل هذا الجنس لا ينبغي أن يقع.
فإنه إذا ظهر منه الجواب ساء ذلك. وخاصّة في وقت سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جهة تبيين الآيات، فنهى الله عن ذلك، وأعلم أنّه قد عفا عنها، ولا وجه عن مسألة ما نهى اللّه عنه، وفيه فضيحة على السائل إن ظهر.
و(أشياء) في موضع جر إلا أنها فتحت لأنها لا تنصرف.
وقال الكسائي أشبه آخرها آخر حمراء، ووزنها عنده أفعال، وكثر استعمالهم فلم تصرف.
وقد أجمع البصريون وأكثر الكوفيين على أن قول الكسائي خطأ في هذا، وألزموه ألا يصرف أبناء وأسماء.
وقال الأخفش - سعيد بن مسعدة - والفراء: أصلها أفعلاء كما تقول هين وأهوناء إلا إنّه كان الأصل أشيئاء على وزن " أشبعاع، فاجتمعت همزتان بينهما ألف، فحذفت الهمزة الأولى.
وهذا غلط أيضا؛ لأن شيئا فعل، وفعل لا يجمع على أفعلا " فأما هين.
فأصله أهين، فجمع على أفعلاء، كما يجمع فعيل على أفعلاء مثل نصيب وأنصباء.
وقال الخليل: أشياء اسم للجميع كان أصله فعلاء – شيئاء فاستثقلت الهمزتان فقلبت الأولى إلى أول الكلمة فجعلت لفعاء كما قالوا أنوق فقلبوا أينق، كما قلبوا قووس فقالوا قسيّ.
ويصدق قول الخليل جمعهم أشياء على أشاوى، وأشاياه وقول الخليل هو مذهب سيبويه وأبي عثمان المازني وجميع البصريين إلا الزيادى منهم، فإنه كان يميل إلى قول الأخفش.
وذكروا أن المازني ناظر الأخفش في هذا فقطع المازني الأخفش.
وذلك أنه سأله: كيف تصغر أشياء فقال: أشيّاء، فاعلم.
ولو كانت أفعلاء لردّت في التصغير إلى واحدها، فقيل شييئات، وإجماع البصريين أن تصغير أصدقاء إذا كان للمؤنثات صديّقات وإن كان للمذكرين صديّقون). [معاني القرآن: 2/211-213]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} معنى إن تبد لكم إن تظهر قال شعبة أخبرني موسى بن أنس بن مالك أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبي فقال أبوك فلان فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} روى إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أفرض الحج في كل سنة فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها لكفرتم وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يسألني إنسان في مجلسي هذا عن شيء إلا أنبأته به فقال رجل يا رسول الله من أبي فأخبره ونزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} وأن لا يكلفهم طلب حقائق الأشياء من عنده جل وعز وقيل إنما ينهى عن هذا لأن الله جل وعز أحب الستر على عباده رحمة منه لهم وأحب أن لا يقترحوا المسائل وقال النبي صلى الله عليه وسلم اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وروى عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال نزلت {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ألا ترى أن بعده ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام قلت أحسن هذه الأقوال الثاني وأن الله جل وعز أحب الستر على عباده ورد أحكامهم إلى الظاهر الذي يقدرون عليه). [معاني القرآن: 2/367-369]

تفسير قوله تعالى: (قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ودل على أن هذا الصحيح قوله جل وعز: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين} قال مقسم فيما سألت الأمم أنبياءهم صلى الله عليهم وسلم من الآيات أي فأروهم إياها ثم كفر قومهم بها بعد واختلف أهل التفسير في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام قال أبو جعفر ونذكر من قولهم ما وافقه قول أهل اللغة وهو معنى قول ابن عباس والضحاك البحيرة الناقة إذ نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا يركبها أحد وفي رواية ابن عباس وعمدوا إلى الخامس فنحروه وكان لحمه للرجال دون النساء وإن كانت أنثى استحيوها وتركوها ترعى مع أمها بعد شقهم أذن الأم وتركهم الانتفاع بها وإن كانت ميتة اشترك فيها الرجال والنساء وفي اشتقاقه قولان: أحدهما أن يقال بحره إذا شقه والقول الآخر أنه من الاتساع في الشيء مشبه بالبحر والسائبة أن ينذر أحدهم إن برأ من مرضه ليسيبن ناقة أو ما أشبه ذلك وإذا أعتق عبدا فقال هو سائبة لم يكن عليه ولاء وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن لحيي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب والوصيلة في الغنم خاصة إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء وإذا ولدت أنثى لم يذبحوها وقالوا وصلت أخاها وفي الرواية عن ابن عباس قالوا وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها إلا الذكور خاصة وإن كانت ميتة أكلها الرجال والنساء وتلا ابن عباس {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} الآية والحامي البعير إذا ولد له من صلبة عشرة أولاد قالوا قد حمى ظهره فلم يركب وخلي وكان بمنزلة البحيرة وفي الرواية عن ابن عباس أنه البعير إذا ركب أولاد أولاده قالوا قد حمى ظهره فأعلم الله أن هذا افتراء منهم فقال ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون قال الشعبي الذين لا يعقلون الاتباع والذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا). [معاني القرآن: 2/370-373]

تفسير قوله تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ...}
قد اختلف في السائبة. فقيل: كان الرجل يسيّب من ماله ما شاء، يذهب به إلى الذين يقومون على خدمة آلهتهم. قال بعضهم: السائبة إذا ولدت الناقة عشرة أبطن كلهنّ إناث سيّبت فلم تركب ولم يجزّ لها وبر، ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو ضيف حتى تموت، فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وبحرت أذن ابن ابنتها - يريد: خرقت - فالبحيرة ابنة السائبة، وهي بمنزلة أمّها. وأمّا الوصيلة فمن الشاء. إذا ولدت الشاة سبعة أبطن عناقين عناقين فولدت في سابعها عناقا وجديا قيل: وصلت أخاها، فلا يشرب لبنها النساء وكان للرجال، وجرت مجرى السائبة. وأما الحامي فالفحل من الإبل؛ كان إذا لقح ولد ولده حمى ظهره، فلا يركب ولا يجزّ له وبر، ولا يمنع من مرعىً، وأيّ إبل ضرب فيها لم يمنع.
فقال الله تبارك وتعالى: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} هذا أنتم جعلتموه كذلك. قال الله تبارك وتعالى: {ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون}). [معاني القرآن: 1/322]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ما جعل الله من بحيرةٍ ولا سائبةٍ) (103) أي: ما حرّم الله البحيرة التي كان أهل الجاهلية يحرّمونها، وكانوا يحرّمون وبرها وظهرها ولحمها ولبنها على النساء، ويحلّونها للرجال، وما ولدت من ذكر أو أثنى فهو بمنزلتها، وإن ماتت البحيرة اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها، وإذا ضرب جملٌ من ولد البحيرة فهو عندهم حام، وهو اسمٌ له.
والسائبة من النّعم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولدٍ بينها وبين ستة أولاد فعلى هيئة أمها وبمنزلتها، فإذا ولدت السابع ذكراً أو ذكرين، ونحوه، فأكله الرجال دون النساء، وإن أتأمت بذكرٍ أو أنثى، فهو (وصيلة) (103)؛ فلا يذبح الذكر، يترك ذبحه من أجل أخته؛ وإن كانتا اثنتين تركتا، فلم تذبحا؛ وإذا ولدت سبعة أبطن، كلّ بطن ذكراً وأنثى، قالوا: قد وصلت أخاها؛ وإذا وضعت بعد سبعة أبطنٍ ذكراً أو أنثى قالوا: وصلت أخاها، فأحموها وتركوها ترعى ولا يمسّها أحد؛ فإن وضعت أنثى حيّةً بعد البطن السابع كانت مع أمها كسائر النّعم لم تحم لا هي ولا أمّها؛ وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النّساء دون الرجال؛ فإن وضعت ذكراً حيّاً بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وكذلك إن وضعت ذكراً ميّتاً بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وإن وضعت ذكراً وأنثى ميتين بعد البطن السابع، أكلهما الرجال والنساء جميعاً بالتسوية؛ وإن وضعت ذكراً وأنثى حيين بعد البطن السابع، أكل الذكر منها الرجال دون النساء، وجعلوا الأنثى مع أمها كسائر النّعم.
قال أبو الحسن الأثرم: والسائبة من العبيد، تعتقه سائبة، فلا ترثه؛ أي سيبّته، ولا عقل عليه.
والسائبة من جملة الأنعام: تكون من النذور، يجعلونها لأصنامهم، فتسيّب ولا تحبس عن رعىٍ، ولا عن ماءٍ ولا يركبها أحد.
(حامٍ) (103)، والحام من فحول الإبل خاصةً، إذا نتجوا منه عشرة أبطن، قالوا: قد حمى ظهره، فأحموا ظهره ووبره، وكل شيء منه، فلم يمسّ، ولم يركب، ولم يطرق.
والبحيرة: جعلها قوم من الشاة خاصة إذا ولدت خمسة أبطن بحّروا أذنها وتركت، فلا يمسّها أحد ولا شيئاً منها يبحّرون أذنها؛ أي يخرمونها.
والفرع من الإبل أول ولد تضعه الناقة، يفرع لأصنامهم؛ أي يذبح، يقال: أفرعنا أي ذبحنا تلك. وقال آخرون: بل البحيرة أنّها إذ انتجت الناقة خمسة أبطن فكان آخرها سقباً، أي ذكراً بحّروا أذن الناقة، أي شقوها وخلّوا عنها، فلم تركب ولم يضر بها فحلٌ، ولم تدفع عن ماءٍ، ولا عن مرعى، وحرّموا ذلك منها، فتلقى الجائع، فلا ينحرها، ولا يركبها المعيى تحرّجاً.
وقالوا: السائبة لا تكون إلاّ من الإبل، إن مرض الرّجل نذر؛ إن برىء ليسيبنّ بعيراً، أو إن قدم من سفر، أو غزوة، أو شكر رفع بلاءٍ أو نقمةٍ سيّب بعيراً، فكان بمنزلة البحيرة؛ وكذلك المعتق السائبة في الإسلام، لا يرثه الذي يعتقه.
وقالوا: الوصيلة من الغنم خاصةً إذا ولّدوها ذكراً جعلوها لأصنامهم فتقرّبوا به، وإذا ولّدوها أنثى؛ قالوا: هذه لنا خاصةً دون آلهتنا، وإذا ولّدوها ذكراً أو أنثى؛ قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لإلهتهم لمكانها.
وقالوا: بل (الحام) هو كما وصف في أول هذا الوجه، إلاّ أنهم يجعلونه لأصنامهم وآلهتهم، فلا يهاج.
(يفترون على الله الكذب) (103) أي يختلقون الكذب على الله). [مجاز القرآن: 1/177-181]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}، فالبحيرة قالوا: فيها بحرت أذن الشاة، وبحرتها تبحيرًا؛ شققت أذنها؛ وكأن البحر من ذلك لانشقاقه وانفتاحه.
[معاني القرآن لقطرب: 499]
وقالوا: أول من وصل الوصيلة، وبحر البحيرة، وسيب السائبة، وحمى الحامي، وغير دين إبراهيم عليه السلام، عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف.
وقال آخرون: البحيرة إذا نتجت الناقة خمسة أبطن، فكان آخرها سبقًا ذكرًا بحروا أذن الناقة؛ أي شقوها، وخلوا عنها، فلا تدفع عن ماء ولا مرعى، ولا يضربها فحل، ويلقاها المعيي فلا يركبها تحرجا.
وقالوا أيضًا: البحيرة في الشاء خاصة، إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها، وتركت فلا يمسها أحد.
وأما السائبة فهي ما جعلوا لآلهتهم من جزور أو غيرها.
وقال بعضهم كانت السائبة إذا آلفت إبل الرجل - صارت ألفا - سيب واحدة من إبله؛ فلا ترعى ولا تؤوى.
[وقال] بعضهم: السائبة من الإبل، كان الرجل إذا مرض، أو قدم من سفر، أو شكر دفع بلاء أو نعمة سيب بعيرًا، فكان بمنزلة البحيرة.
وقالوا: السائبة أيضًا من جميع النعم، تكون من النذور لأصنامهم، تسيب ولا تحبس عن رعي ولا ماء، ولا يركبها أحد.
وقالوا كانت العرب إذا بلغت إبل الرجل ألفًا فقأ عين بعير من خيارها ثم تعرى وسطها؛ يريد رد العين.
[معاني القرآن لقطرب: 500]
وأما الوصيلة من الشاء فالتي تلد سبعة أبطن، فإذا كان في السابع ذكر وأنثى؛ قالوا: أوصلت، فجعلوا الأنثى للآهلة؛ وكذلك الإبل إذا ولدت خمسة أبطن فكان الخامس أنثى شقوا أذنها، وسموها بحيرة.
وقال آخرون: الوصيلة إذا ولدت جديًا وعناقًا، قالوا أوصلت أخاها؛ فتحرم لحومها، فلا تؤكل.
وقالوا أيضًا: كانت العرب إذا ولدوا الشاة ذكرًا جعلوه لأصنامهم، فتقربوا به؛ فإذا ولدوها أنثى قالوا: هذه لنا خاصة دون آلهتنا؛ فإذا ولدوا ذكرًا وأنثى قالوا: أوصلت أخاها فلم يذبحوا أخاها لآلهتهم لمكانها؛ وقالوا: لا تكون وصيلة ميت يدعى له؛ أي لا توصل به، وقالوا: هذا وصيل هذا؛ إذا كان به متصلاً.
قال الشاعر:
كملقى عقيل أو كمهلك مالك = ولست لميت هالك بوصيل
وأما قوله عز وجل {ولا حام} فكان البعير ينتج عشرة أبطن فيحمى ظهره فلا يركب؛ وقالوا: حمي ظهره، ويرعى ويسقى حيث توجه؛ وقالوا: احموا ظهره ووبره وكل شيء منه؛ فلم يركب ولم يطرق.
وقد قال بعضهم: يدعونه لآلهتهم؛ وقالوا أيضًا: إذا ركب بن ابنه قال: حامي ظهره.
وقد قال آخرون في هذه الأشياء: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون البحيرة ولبنها ووبرها وظهرها ولحمها على النساء، ويحلونها للرجال؛ وما ولدت من ذكر أو أنثى فهو بمنزلتها؛ وإن ماتت البحيرة اشترك النساء والرجال في لحمها؛ وإذا ضرب جمل من ولد البحيرة فهو عندهم حام، وهو اسم له.
والسائبة من النعم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد فعلى هيئة أمها وبمنزلتها، فإذا ولدت السابع ذكرًا أو ذكرين؛ ذبحوه فأكله الرجال دون النساء؛ وإن أتأمت بذكر وأنثى فهي وصيلة، فلا يذبح الذكر، يترك من أجل أخته؛ وإن كانتا اثنتين تركتا فلم تذبحا؛ وإذا ولدت سبعة أبطن كل بطن ذكر وأنثى؛ قالوا: قد وصلت أخاها؛ وإذا وضعت بعد سبعة أبطن ذكرًا وأنثى حيين قالوا: وصلت أخاها فأحموها وتركوها ترعى، ولا يمسها أحد؛
[معاني القرآن لقطرب: 501]
فإن وضعت أنثى حية بعد البطن السابع كانت مع أمها كسائر النعم، لم تحم هي ولا أمها؛ وإن ولدت أنثى ميتة بعد البطن السابع أكلتها النساء دون الرجال؛ وإن وضعت ذكرًا حيًا بعد البطن السابع أكله الرجال دون النساء؛ وكذلك إن وضعت ذكرًا ميتًا بعد البطن السابع، أكله الرجال دون النساء؛ وإن وضعت ذكرًا وأنثى ميتين بعد البطن السابع أكلها الرجال والنساء بالسوية؛ وإن وضعت ذكرًا وأنثى حيين بعد البطن السابع أكل الذكر منها الرجال دون النساء، والأنثى مع أمها كسائر النعم.
وأما الفرع: فأول ولد تضعه الناقة؛ فيفرع به لأصنامهم؛ أي لآلهتهم.
والنسيكة عند العرب: التي تذبح للنسك، ويقال: نسكتها؛ جعلتها قربانًا.
قال أبو علي: وأحسب العتيرة من ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 502]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((البحيرة): كان أهل الجاهلية إذا نتجت ناقة خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذن الناقة وخلوا عنها ولا تطرد عن ماء ولا مرعى ويلقاها المعيي فلا يركبها تحرجا.
103- {والسائبة}: كان الرجل إذا مرض أو قدم من سفر أو نذر نذرا سيب بعيرا من إبله بمنزلة البحيرة لا تمنع ولا تركب وقال بعضهم في السائبة أنهم كانوا يهدون لآلتهم الإبل والغنم فيسيبونها عندها فتختلط بإبل الناس وغنمهم. وقال فلا يشرب ألبانها إلا الرجال فإذا ماتت أكلها الرجال والنساء وإذا قال الرجل لعبده أنت سائبة فقد عتق.
103- {والوصيلة}: من الغنم كانت العرب إذا وضعت الشاةذكرا قالوا هذه لآلهتنا فتقربوا به وإذا ولدت أنثى قالوا هذه لنا. وإذا وضعت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوه لمكانها.
103- {ولا حام}: الحامي الذي نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا حمي ظهره فيدعونه فلا يركب وكانت العرب إذا بلغت إبل الرجل ألفا فقأ عين بعير منها فسرحة فلا ينتفع به ولا يهاج.
103- {ويفترون}: يختلفون). [غريب القرآن وتفسيره: 132-133]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما جعل اللّه من بحيرةٍ} البحيرة: الناقة إذا نتجت خمسة أبطن. والخامس ذكر بحروه فأكله الرجال والنساء.
وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها، أي: شقّوها. وكانت حراما على النساء، لحمها ولبنها، فإذا ماتت حلت للنساء.
و(السّائبة) البعير يسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلّمه اللّه من مرض أو بلغه منزله أن يفعل ذلك.
و(الوصيلة) من الغنم. كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذبح. فأكل منه الرجال والنساء.
وإن كان أنثى تركت في الغنم.
وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: قد وصلت أخاها. فلم تذبح لمكانها.
وكانت لحومها حراما على النساء. ولبن الأنثى حراما على النساء. إلا أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال والنساء.
و(الحام): الفحل الذي ركب ولد ولده. ويقال: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن. قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولا ماء.
103 - {يفترون} يختلقون الكذب). [تفسير غريب القرآن: 147-148]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما جعل اللّه من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكنّ الّذين كفروا يفترون على اللّه الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103)
أثبت ما روينا في تفسير هذه الأسماء عن أهل اللغة ما أذكره ههنا:
قال أهل اللغة: البحيرة ناقة كانت إذا نتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا، نحروا أذنها - أي شقوها - وامتنعوا من ركوبها وذبحها، ولا تطرد عن ماء ولا تمنع من مرعى، وإذا لقيها المعيى لم يركبها.
والسائبة. كان الرجل إذا نذر لقدوم من سفر أو برء من علّة أو ما أشبه ذلك قال ناقتي هذه سائبة، فكانت كالبحيرة في أن لا ينتفع بها وأن لا تجلى عن ماء ولا تمنع من مرعى.
وكان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة، فلا عقل بينهما ولا ميراث.
وأما الوصيلة ففي الغنم، كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم وإذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها، فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم.
وأمّا الحامي فالذكر من الإبل. كانت العرب إذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن، حمي ظهره فلا يحمل عليه، ولا يمنع من ماء ولا مرعى.
فأعلم اللّه أنّه لم يحرم من هذه الأشياء شيئا، وأن الذين كفروا افتروا على اللّه). [معاني القرآن: 2/213]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (والبحيرة: المشقوقة الأذن. والسائبة: المسيبة: إذ كبرت سيبت، فلا يحمل عليها شيء.
والوصيلة: قال: كانت العرب إذا ولدت الشاة جديين - أخذوا واحدا لأنفسهم، وذبحوا الآخر للصنم، فإذا ولدت جديا وعناقا لم يذبحوها، ولم يذبحوا أخاها، وقالوا: قد وصلته، ولم تذبح، ولم تؤكل، وربيت وقالوا: قد وصلت أخاها. قال أبو العباس ثعلب: وأجمع الناس كلهم على أن الوصيلة لا تكون إلا في الغنم.
(ولا حام) قال: الحامي: البعير، الذي قد خرج من صلبه عشرة بطون، فإذا كان هكذا - قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يحمل عليه شيء، ويقولون: لا يحل لنا أن نستعمله). [ياقوتة الصراط: 213-215]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ((البحيرة) الناقة إذا نُتِجت هي خمسة أبطن، والخامس ذكر، نحروه، فأكلته الرجال والنساء، فإن كان الخامس أنثى شقوا آذانها وكان لحمها ولبنها على النساء خاصة، فإذا ماتت حلت لهن.
(السائبة) البعير يسيب بنذر يكون على الرجل من مرض أو خوف أو غيره.
و(الوصيلة) هي من الغنم، كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذُبح فأكل لحمه الرجال والنساء، وإن كان أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها، فلم تذبح لمكانها، وكان لحومها حراماً على النساء، ولبن الأنثى حراماً على النساء، فإن مات منها شي أكله الرجال والنساء.
و(الحامي) الفحل، إذ ركب ولد ولده، ويقال: إذا نتج من صلبة عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فلا يركب ولا يمنع من كلأ ولا ماء.
فهذه أديان وشرائع اخترعوها، لم يأذن الله بها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 71-72]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بَحِيرَةٍ}: الناقة التي نتجت
103- (السَآئِبَةٍ): التي تسيب فلا تركب
103- (الوَصِيلَةٍ): التي تركب فلا تذبح
103- {حَامٍ}: البعير الذي إذا نتج من صلبه عشرة فلا يركب
103- {يَفْتَرُونَ}: يكذبون). [العمدة في غريب القرآن: 123-124]


رد مع اقتباس