عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:01 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني الحارث بن نبهان، عن أيّوب، عن رجلٍ، عن مسروقٍ أو غيره، عن عائشة زوج النّبيّ قالت: من زعم أنّ محمّدًا رأى ربّه فقد أعظم على اللّه الفرية، وقال الله لمحمدٍ: {ما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلا وحيًا}، حتّى ختم الآية، ومن زعم أنّ محمّدًا كتم شيئًا من الوحي فقد أعظم على الله الفرية، وقال الله: {يا أيها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك}، حتّى ختم الآية، ومن زعم أنّه يعلم ما في غدٍ، فقد أعظم على اللّه الفرية، وقال اللّه: {قل لا يعلم من في السّموات والأرض الغيب إلا اللّه وما يشعرون أيّان يبعثون}). [الجامع في علوم القرآن: 1/78-79] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن مجاهدٍ {يا أيها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك} قال: يا ربّ إنّما أنا وحدي وأخاف أن يجتمع عليّ النّاس فنزلت {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} [الآية: 67]). [تفسير الثوري: 104]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحارث بن عبيد الإيادي، عن سعيد بن إياس الجريري، عن عبد اللّه بن شقيق، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يحرس، فنزلت: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من الناس}، فأخرج رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم رأسه من القّبّة، فقال: ((أيّها النّاس، انصرفوا، فقد عصمني الله من الناس)) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1503-1504]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} [المائدة: 67]
- حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: «من حدّثك أنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئًا ممّا أنزل اللّه عليه، فقد كذب» ، واللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} [المائدة: 67] الآية). [صحيح البخاري: 6/52]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك)
ذكر فيه طرفًا من حديث عائشة من حدّثك أنّ محمّدًا كتم شيئًا ممّا أنزل اللّه عليه فقد كذب وسيأتي بتمامه مع كمال شرحه في كتاب التّوحيد إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/275]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} (المائدة: 67)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {يا أيها الرّسول} الآية، ذكر الواحدي من حديث الحسن بن محمّد قال: حدثنا عليّ بن عبّاس عن الأعمش وأبي الحجاف عن عطيّة عن أبي سعيد، قال: نزلت هذه الآية: {يا أيها الرّسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقال مقاتل: قوله: {بلغ ما أنزل إليك} وذلك أن النّبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدّعاء فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمّد أن نتخذك حنانا كما اتّخذت النّصارى عيسى عليه الصّلاة والسّلام، حنانا؟ فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك سكت عنهم، فحرض الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على الدّعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إيّاه واستهزاؤهم به عن الدّعاء، وقال الزّمخشريّ: نزلت هذه الآية بعد أحد، وذكر الثّعلبيّ عن الحسن: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما بعثني الله عز وجل برسالته ضقت بها ذرعا وعرفت أن من النّاس من يكذبني، وكان يهاب قريشًا واليهود والنّصارى، فنزلت، وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصّفة، وقيل: في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضا بعض المؤمنين، فكان النّبي صلى الله عليه وسلم، يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم له، فنزلت: وقيل: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاريّ. وقيل: {بلغ ما أنزل إليك} أي: في أمر نسائك، وقال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن حسين معناه بلغ ما أنزل إليك من ربك في فضل عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فلمّا نزلت هذه الآية أخذ بيد عليّ، وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وقيل: بلغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلمّا نزلت هذه الآية خطب صلى الله عليه وسلم في حجّة الوداع ثمّ قال: اللّهمّ هل بلغت؟ وعند الجوزيّ: بلغ ما أنزل إليك من الرّجم والقصاص.

- حدّثنا محمّد بن يوسف حدّثنا سفيان عن إسماعيل عن الشّعبيّ عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت من حدّثك أنّ محمّدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا ممّا أنزل عليه فقد كذب والله يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ومحمّد بن يوسف هو الفريابيّ صرح به أبو نعيم وسفيان هو الثّوريّ وإسماعيل هو ابن أبي خالد البجليّ الكوفي، والشعبيّ هو عامر، ومسروق هو ابن الأجدع. والحديث أخرجه البخاريّ مطولا ومختصرا وأخرجه في التّوحيد مقطعا. وأخرجه مسلم في الإيمان عن ابن نمير وغيره. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن أحمد بن منيع وعن ابن أبي عمرو. وأخرجه النّسائيّ فيه عن محمّد بن المثنى مطولا. وفيه الزّيادة، وأخرجه عن آخرين أيضا). [عمدة القاري: 18/206]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} [المائدة: 67]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يا أيها الرسول بلغ}) جميع ({ما أنزل إليك من ربك}) [المائدة: 67] إلى كافة الناس مجاهرًا به غير مراقب أحدًا ولا خائف مكروهًا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم: لما نزلت يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك قال: يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ؟ فنزلت {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} أي فإن أهملت شيئًا من ذلك فما بلغت رسالته لأن ترك إبلاغ البعض محبط للباقي لأنه ليس بعضه أولى من بعض وبهذا تظهر المغايرة بين الشرط والجزاء.
قال ابن الحاجب: الشرط والجزاء إذا اتحدا كان المراد بالجزاء المبالغة فوضع قوله فما بلغت رسالته موضع أمر عظيم أي: فإن لم تفعل فقد ارتكبت أمرًا عظيمًا.
وقال في الانتصاف قال: وإن لم تفعل ولم يقل وإن لم تبلغ ليتغايرًا لفظًا وإن اتحدا معنى وهي أحسن بهجة من تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء، وهذا من محاسن علم البيان وقدّر المضاف وهو قوله جميع ما أنزل لأنه صلوات الله وسلامه عليه كان مبلغًا، فعلى هذا فائدة الأمر المبالغة والكمال يعني ربما أتاك الوحي بما تكره أن تبلغه خوفًا من قومك فبلغ الكل ولا تخف.
وقال الراغب فيما حكاه الطيبي فإن قيل: كيف قال وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وذلك كقولك إن لم تبلغ فما بلغت قيل: معناه وإن لم تبلغ كل ما أنزل إليك تكون في حكم من لم يبلغ شيئًا مما أنزل الله بخلاف ما قالت الشيعة، إنه قد كتم أشياء على سبيل التقية. وعن بعض الصوفية ما يتعلق به مصالح العباد وأمر بإطلاعهم عليه فهو منزه عن كتمانه، وأما ما خص به من الغيب ولم يتعلق به مصالح أمته فله بل عليه كتمانه.
- حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: من حدّثك أنّ محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- كتم شيئًا ممّا أنزل عليه فقد كذب واللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك} الآية.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد البجلي الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: من حدثك أن محمدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- كتم شيئًا مما أنزل عليه) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الكشميهني مما أنزل الله عليه (فقد كذب والله يقول {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك} الآية) وسقط لفظ من ربك لغير أبي ذر.
وفي الصحيحين عنها: لو كان محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- كاتمًا شيئًا لكتم هذه الآية {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفًا كما ثبت في صحيح مسلم.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف هنا مختصرًا وفي مواضع أخر مطولًا، ومسلم في كتاب الإيمان، والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طريق عن الشعبي). [إرشاد الساري: 7/106]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحارث بن عبيدٍ، عن سعيدٍ الجريريّ، عن عبد الله بن شقيقٍ، عن عائشة، قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس حتّى نزلت هذه الآية: {واللّه يعصمك من النّاس} فأخرج رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم رأسه من القبّة، فقال لهم: يا أيّها النّاس انصرفوا فقد عصمني اللّه. حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، بهذا الإسناد نحوه.
هذا حديثٌ غريبٌ وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريريّ، عن عبد الله بن شقيقٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس ولم يذكروا فيه عن عائشة). [سنن الترمذي: 5/101]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يا أيّها الرّسول بلّغ}
- أخبرني إبراهيم بن يعقوب، حدّثنا جعفر بن عونٍ، أخبرنا سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم، عن مسروقٍ، عن عائشة، قالت: ثلاثٌ من قال واحدةً منهنّ فقد أعظم على الله الفرية: من زعم أنّه يعلم ما في غدٍ، والله يقول: {وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا} [لقمان: 34]، ومن زعم أنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم كتم شيئًا من الوحي والله يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} [المائدة: 67]، ومن زعم أنّ محمّدًا رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللّطيف الخبير} [الأنعام: 103]، {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه الله إلّا وحيًا أو من وراء حجابٍ} [الشورى: 51] فقلت: يا أمّ المؤمنين، ألم يقل: {ولقد رآه نزلةً أخرى} [النجم: 13]، {ولقد رآه بالأفق المبين} [التكوير: 23] ؟ فقالت: سألنا عن ذلك نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «رأيت جبريل ينزل من الأفق على خلقه وهيئته، أو على خلقه وصورته سادًّا ما بينهما»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/83]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (حدثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال يا محمد من يمنعك مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يمنعني منك ضع السيف فوضعه فأنزل الله عز وجل والله يعصمك من الناس). [تفسير مجاهد: 200-201]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين}
وهذا أمرٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، بإبلاغ هؤلاء اليهود والنّصارى من أهل الكتابين الّذين قصّ اللّه تعالى قصصهم في هذه السّورة وذكر فيها معايبهم وخبث أديانهم واجتراءهم على ربّهم وتوثّبهم على أنبيائهم وتبديلهم كتابه وتحريفهم إيّاه ورداءة مطاعمهم ومآكلهم؛ وسائر المشركين غيرهم، ما أنزل عليه فيهم من معايبهم والأزراء عليهم والتّقصير بهم والتّهجين لهم، وما أمرهم به ونهاهم عنه، وأن لا يشعر نفسه حذرًا منهم أن يصيبوه في نفسه بمكروهٌ، ما قام فيهم بأمر اللّه، ولا جزعًا من كثرة عددهم وقلّة عدد من معه، وأن لا يتّقي أحدًا في ذات اللّه، فإنّ اللّه تعالى كافيه كلّ أحدٍ من خلقه، ودافعٌ عنه مكروه كلّ من ينغي مكروهه. وأعلمه تعالى ذكره أنّه إن قصّر عن إبلاغ شيءٍ ممّا أنزل إليه إليهم، فهو في تركه تبليغ ذلك وإن قلّ ما لم يبلّغ منه، فهو في عظيم ما ركب بذلك من الذّنب بمنزلته لو لم يبلّغ من تنزيله شيئًا.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} يعني: إن كتمت آيةً ممّا أنزل عليك من ربّك، لم تبلّغ رسالتي.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية، أخبر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سيكفيه النّاس ويعصمه منهم، وأمره بالبلاغ، ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قيل له: لو احتجبت. فقال: واللّه لأبدينّ عقبي للنّاس ما صاحبتهم.
- حدّثني الحارث بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، قال: لمّا نزلت: {بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} قال: إنّما أنا واحدٌ، كيف أصنع؟ تجتمع عليّ النّاس فنزلت: {وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} الآية.
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن ثعلبة، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا نزلت: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تحرسوني إنّ ربّي قد عصمني.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، عن الجريريّ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يعتقبه ناسٌ من أصحابه، فلمّا نزلت: {واللّه يعصمك من النّاس} خرج فقال: يا أيّها النّاس، الحقوا بملاحقكم، فإنّ اللّه قد عصمني من النّاس.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن عاصم بن محمّدٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتحارسه أصحابه، فأنزل اللّه: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته} إلى آخرها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الإياديّ، قال: حدّثنا سعيدٌ الجريريّ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، عن عائشة، قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس، حتّى نزلت هذه الآية: {واللّه يعصمك من النّاس} قالت: فأخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رأسه من القبّة، فقال: أيّها النّاس انصرفوا، فقد عصمني الله.
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن القرظيّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما زال يحرس حتّى أنزل اللّه: {واللّه يعصمك من النّاس}
واختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله نزلت هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت بسبب أعرابيٍّ كان همّ بقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكفاه اللّه إيّاه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وغيره، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرةً ظليلةً، فيقيل تحتها، فأتاه أعرابيٌّ، فاخترط سيفه ثمّ قال: من يمنعك منّي؟ قال: اللّه. فرعدت يد الأعرابيّ، وسقط السّيف منه. قال: وضرب برأسه الشّجرة حتّى انتثر دماغه، فأنزل اللّه: {واللّه يعصمك من النّاس}.
وقال آخرون: بل نزلت لأنّه كان يخاف قريشًا، فأومن من ذلك.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يهاب قريشًا، فلمّا نزلت: {واللّه يعصمك من النّاس} استلقى ثمّ قال: من شاء فليخذلني مرّتين أو ثلاثًا.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن ابن أبي خالدٍ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، قال: قالت عائشة: من حدّثك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتم شيئًا من الوحي فقد كذب. ثمّ قرأت: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن المغيرة، عن الشّعبيّ، قال: قالت عائشة: من قال إنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم كتم، فقد كذب وأعظم الفرية على اللّه، قال اللّه: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ، قال: قالت عائشة: من زعم أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم كتم شيئًا من كتاب اللّه فقد أعظم على اللّه الفرية، واللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك} الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني خالدٌ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن محمّد بن الحميم، عن مسروق بن الأجدع، قال: دخلت على عائشة يومًا، فسمعتها تقول: لقد أعظم الفرية من قال: إنّ محمّدًا كتم شيئًا من الوحي، واللّه يقول: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك}.
ويعني بقوله: {واللّه يعصمك من النّاس} يمنعك من أن ينالوك بسوءٍ، وأصله من عصام القربة، وهو ما توكأ به من سير وخيطٍ، ومنه قول الشّاعر:.
وقلت عليكم مالكًا إنّ مالكًا = سيعصمكم إن كان في النّاس عاصم
يعني: يمنعكم.
وأمّا قوله: {إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين} فإنّه يعني: إنّ اللّه لا يوفّق للرّشد من حاد عن سبيل الحقّ وجار عن قصد السّبيل وجحد ما جئته به من عند اللّه، ولم ينته إلى أمر اللّه وطاعته فيما فرض عليه وأوجبه). [جامع البيان: 8/567-572]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس إنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين (67)
قوله تعالى: يا أيّها الرّسول
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: يا أيّها الرّسول يقول: يا محمّد.
قوله تعالى: بلّغ ما أنزل إليك من ربّك
- حدّثنا أبي ثنا عثمان بن حرزاد، ثنا إسماعيل بن زكريّا، ثنا عليّ بن عابسٍ عن الأعمش ابنى الحجاب، عن عطيّة العوفيّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال:
نزلت هذه الآية يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في عليّ بن أبي طالبٍ.
- قرأت على محمّدٍ، ثنا محمّد عن بكير بن معروفٍ عن مقاتلٍ يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك يقول: بلّغ ما أرسلت به، يحرّضه على أن يبلّغ الرّسالة عن ربّه.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا سعيد بن سليمان ثنا عبّادٌ عن هارون بن عنترة عن أبيه قال: كنت عند ابن عبّاسٍ فجاءه رجلٌ فقال: إنّ ناسًا يأتونا فيخبرونا أنّ عندكم شيئا يبده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال ألم تعلم أنّ اللّه
قال يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك واللّه ما ورّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (سوداء في بيضاء)
قوله تعالى: وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية عن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته يعني إن كتمت آيةً ممّا أنزل إليك من ربّك لم تبلّغ رسالتي.
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة ابن عقبة ثنا سفيان عن رجلٍ، عن مجاهدٍ قال لمّا نزلت يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك قال: يا ربّ كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ. فنزلت وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته
قوله تعالى: والله يعصمك من الناس
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب، ثنا موسى بن سعيدٍ حدّثني زيد بن أسلم عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال: لمّا غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني أنمارٍ نزل على ذات الرقيع نخلٍ فبينما هو جالسٌ على رأس بئرٍ قد دلّى رجليه فقال: الوارث من بني النّجّار لأقتلنّ هذا. فقال له أصحابه: كيف تقتله، أقول له: أعطني سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به، قال: فأتاه فقال: يا محمّد أعطني سيفك أشيمه فأعطاه إيّاه فرعدت يده حتّى سقط السّيف من يده. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حال اللّه بينك وبين ما تريد، فأنزل اللّه تعالى: يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس
الوجه الثّاني:
- حدّثنا إبراهيم بن مرزوقٍ البصريّ، نزيل مصر، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الحارث بن عبيدٍ أبو قدامة عن سعيدٍ الجريري عبد اللّه بن شقيقٍ عن عائشة قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحرس حتّى نزلت هذه الآية واللّه يعصمك من النّاس قالت: فأخرج رأسه من القبّة وقال: يا أيّها النّاس انصرفوا فقد عصمني اللّه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: واللّه يعصمك من النّاس أخبر اللّه نبيّه أنّه سيكفيه النّاس ويعصمه منهم وأمره بالبلاغ.
قوله تعالى: من النّاس
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: واللّه يعصمك من النّاس يعني ممّن حولك من العرب كلّها إنّهم لا يصلون إليك، فأمن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم عند ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1172-1174]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا عبد الصّمد بن عليٍّ البزّاز، ببغداد، أنبأ أحمد بن محمّد بن عيسى القاضي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الحارث بن عبيدٍ، ثنا معبد الجريريّ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحرس حتّى نزلت هذه الآية {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67] فأخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأسه من القبّة فقال لهم: «أيّها النّاس، انصرفوا فقد عصمني اللّه» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/342]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس ليلاً، حتى نزل {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67] فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبّة، فقال لهم: «يا أيّها الناس، انصرفوا، فقد عصمني الله». أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/118-119]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67]
- عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: «كان عبّاسٌ عمّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فيمن يحرسه، فلمّا نزلت {واللّه يعصمك من النّاس} {واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67] ترك رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - الحرس».
رواه الطّبرانيّ في الصّغير والأوسط، وفيه عطيّة العوفيّ وهو ضعيفٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: «كان النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - يحرس، وكان يرسل معه عمّه أبو طالبٍ كلّ يومٍ رجالًا من بني هاشمٍ [يحرسونه] حتّى نزلت هذه الآية {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67]. فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسه فقال: " يا عمّ إنّ اللّه قد عصمني من الجنّ والإنس».
رواه الطّبرانيّ، وفيه النّضر بن عبد الرّحمن وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/17]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا عبد اللّه بن محمّدٍ الأزديّ حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنبأنا مؤمل بن إسماعيل حدّثنا حمّاد بن سلمة حدّثنا محمّد بن عمرٍو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إذا نزل منزلا نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنّبي صلّى الله عليه وسلّم فينزل تحتها وينزل أصحابه بعد ذلك في ظلّ الشّجر فبينما هو نازل تحت شجرة وقد علق السّيف عليها إذ جاء أعرابي فأخذ السّيف من الشّجرة ثمّ دنا من النّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم فأيقظه فقال يا محمّد من يمنعك مني اللّيلة فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم الله فأنزل الله {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس} الآية). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/430]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين}.
أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزل {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت {بلغ ما أنزل إليك من ربك} قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع ليجتمع علي الناس فنزلت {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} أن عليا مولى المؤمنين {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة، انه قال لعلي هل عندكم شيء لم يبده رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس فقال: ألم تعلم أن الله قال {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} والله ما ورثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء في بيضاء.
قوله تعالى: {والله يعصمك من الناس}.
أخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي آية أنزلت من السماء أشد عليك فقال كنت بمنى أيام موسم واجتمع مشركو العرب وافناء الناس في الموسم فنزل علي جبريل فقال {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} قال: فقمت عند العقبة فناديت: يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي ولكم الجنة أيها الناس قولوا لا إله إلا الله وأنا رسول الله إليكم وتنجحوا ولكم الجنة، قال: فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون علي بالتراب والحجارة ويبصقون في وجهي ويقولون: كذاب صابئ فعرض علي عارض فقال: يا محمد أن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون وانصرني عليهم أن يجيبوني إلى طاعتك فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه قال: الأعمش فبذلك تفتخر بنو العباس ويقولون: فيهم نزلت {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}
القصص الآية 56 هوى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أبا طالب وشاء الله عباس بن عبد المطلب
وأخرج عبد بن حميد والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل، وابن مردويه عن عائشة قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: كان العباس عم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه فلما نزلت {والله يعصمك من الناس} ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس.
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فذهب ليبعث معه فقال: يا عم أن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من تبعث.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وأبو نعيم في الدلائل، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحرس وكان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجلا من بني هاشم يحرسونه فقال: يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من تبعث.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي ذر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام إلا ونحن حوله من مخافة الغوائل حتى نزلت آية العصمة {والله يعصمك من الناس}.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن عصمة بن مالك الخطمي قال كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت {والله يعصمك من الناس} فترك الحرس.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال غورث بن الحرث: لأقتلن محمد فقال له أصحابه: كيف تقتله قال: أقول له أعطيني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به، فاتاه فقال: يا محمد اعطني سيفك أشمه
فأعطاه إياه فرعدت يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حال الله بينك وبين ما تريد فانزل الله {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} الآية
وأخرج ابن حبان، وابن مردويه عن أبي هريرة قال كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد من يمنعك مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يمنعني منك ضع عنك السيف فوضعه فنزلت {والله يعصمك من الناس}.
وأخرج أحمد عن جعدة بن خالد بن الصمة الجشمي قال: أتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم برجل فقيل: هذا أراد أن يقتلك، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: الم ترع، ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم انه سيكفيه الناس ويعصمه منهم وأمره بالبلاغ وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له: لو احتجت فقال: والله لا يدع الله عقبي للناس ما صاحبتهم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت {يا أيها الرسول} إلى قوله {والله يعصمك من الناس} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحرسوني أن ربي قد عصمني
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن عبد الله بن شقيق قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعقبه ناس من أصحابه فلما نزلت {والله يعصمك من الناس} فخرج فقال: يا أيها الناس الحقوا بملاحقكم فإن الله قد عصمني من الناس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يحرس يحارسه أصحابه حتى أنزل الله {والله يعصمك من الناس} فترك الحرس حين اخبره انه سيعصمه من الناس.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني قال: الله فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماغه فانزل الله {والله يعصمك من الناس}.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا فأنزل الله {والله يعصمك من الناس} فاستلقى ثم قال: من شاء فليخذلني مرتين أو ثلاثا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن الربيع بن أنس قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحرسه أصحابه حتى نزلت هذه الآية {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} الآية، فخرج إليهم فقال: لا تحرسوني فإن الله قد عصمني من الناس). [الدر المنثور: 5/382-389]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (قال سفيان: " ما في القرآن آيةٌ أشدّ عليّ من: {لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} [المائدة: 68] "). [صحيح البخاري: 6/50] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال سفيان ما في القرآن آيةٌ أشدّ عليّ من لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم يعني أنّ من لم يعمل بما أنزل اللّه في كتابه فليس على شيءٍ ومقتضاه أنّ من أخلّ ببعض الفرائض فقد أخلّ بالجميع ولأجل ذلك أطلق كونها أشدّ من غيرها ويحتمل أن يكون هذا ممّا كان على أهل الكتاب من الإصر وقد روى ابن أبي حاتمٍ أنّ الآية نزلت في سببٍ خاصٍّ فأخرج بإسنادٍ حسنٍ من طريق سعيد بن جبيرٍ عن بن عبّاسٍ قال جاء مالك بن الصّيف وجماعةٌ من الأحبار فقالوا يا محمّد ألست تزعم أنّك على ملّة إبراهيم وتؤمن بما في التّوراة وتشهد أنّها حقٌّ قال بلى ولكنّكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ ممّا أحدثتموه قالوا فإنّا نتمسّك بما في أيدينا من الهدى والحقّ ولا نؤمن بك ولا بما جئت به فأنزل اللّه هذه الآية وهذا يدلّ على أنّ المراد بما أنزل إليكم من ربّكم أي القرآن ويؤيّد هذا التّفسير قوله تعالى في الآية الّتي قبلها ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتّقوا إلى قوله لأكلوا من فوقهم الآية
تنبيهٌ: سفيان المذكور وقع في بعض النّسخ أنّه الثّوريّ ولم يقع لي إلى الآن موصولًا). [فتح الباري: 8/269-270]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال سفيان ما في القرآن آيّةٌ أشدّ عليّ من {لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} (المائدة: 68).
إنّما كان أشد عليه لما فيه من تكلّف العلم بأحكام التّوراة والإنجيل والعمل بها، وأول الآية: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء} الآية. قال المفسّرون: يقول الله تعالى: قل يا محمّد} يا أهل الكتاب لستم على شيء أي من الدّين، حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل. أي: حتّى تؤمنوا بجميع ما في أيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها من الأمر من اتّباع محمّد صلى الله عليه وسلم والإيمان بمبعثه والاقتداء بشريعته، وسبب نزول هذه الآية ما رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عبّاس قال: جاء مالك بن الضّيف وجماعة من الأحبار فقالوا يا محمّد: ألست تزعم أنّك على ملّة إبراهيم وتؤمن بما في التّوراة وتشهد أنّها حق؟ قال: بلى. ولكنّكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه فأنا أبرأ ممّا أحدثتموه. وقالوا: إنّا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية). [عمدة القاري: 18/198]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال) وفي الفرع وقال: (سفيان) هو الثوري (ما في القرآن آية أشد عليّ من) قوله تعالى: ({لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}) [المائدة: 68] لما فيها من التكليف من العمل بأحكامها). [إرشاد الساري: 7/100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا فلا تأس على القوم الكافرين}
وهذا أمرٌ من اللّه تعالى ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإبلاغ اليهود والنّصارى الّذين كانوا بين ظهراني مهاجره، يقول تعالى ذكره له: قل يا محمّد لهؤلاء اليهود والنّصارى: {يا أهل الكتاب} التّوراة والإنجيل، لستم على شيءٍ ممّا تدّعون أنّكم عليه ممّا جاءكم به موسى صلّى اللّه عليه وسلّم معشر اليهود، ولا ممّا جاءكم به عيسى معشر النّصارى، حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم ممّا جاءكم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من الفرقان، فتعملوا بذلك كلّه وتؤمنوا بما فيه من الإيمان بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وتصديقه، وتقرّوا بأنّ كلّ ذلك من عند اللّه، فلا تكذّبوا بشيءٍ منه ولا تفرّقوا بين رسل اللّه فتؤمنوا ببعضٍ وتكفروا ببعضٍ، فإنّ الكفر بواحدٍ من ذلك كفرٌ بجميعه، لأنّ كتب اللّه يصدّق بعضها بعضًا، فمن كذّب ببعضها فقد كذّب بجميعها.
وبنحو ما قلنا في ذلك جاء الأثر:.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رافع بن حارثة، وسلاّم بن مشكمٍ، ومالك بن الصّيف، ورافع بن حريملة،
فقالوا: يا محمّد ألست تزعم أنّك على ملّة إبراهيم ودينه، وتؤمن بما عندنا من التّوراة، وتشهد أنّها من اللّه حقٌّ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بلى، ولكنّكم أحدثتم وجحدتم ما فيها ممّا أخذ عليكم من الميثاق، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبيّنوه للنّاس، وأنا بريءٌ من أحداثكم قالوا: فإنّا نأخذ بما في أيدينا، فإنّا على الحقّ والهدى، ولا نؤمن بك ولا نتّبعك. فأنزل اللّه: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} إلى: {فلا تأس على القوم الكافرين}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم} قال: فقد صرنا من أهل الكتاب؛ التّوراة لليهود والإنجيل للنّصارى، وما أنزل إليكم من ربّكم، وما أنزل إلينا من ربّنا، أي لستم على شيءٍ حتّى تقيموا حتّى تعملوا بما فيه). [جامع البيان: 8/572-573]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا فلا تأس على القوم الكافرين}
يعني تعالى ذكره بقوله: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} وأقسم ليزيدنّ كثيرًا من هؤلاء اليهود والنّصارى الّذين قصّ قصصهم في هذه الآيات الكتاب الّذي أنزلته إليك يا محمّد طغيانًا، يقول: تجاوزا وغلوا في التّكذيب لك على ما كانوا عليه لك من ذلك قبل نزول الفرقان {كفرًا} يقول: وجحودًا لنبوّتك.
وقد أتينا على البيان عن معنى الطّغيان فيما مضى قبل.
وأمّا قوله: {فلا تأس على القوم الكافرين} يعني: بقوله {فلا تأس} فلا تحزن، يقال: أسي فلانٌ على كذا: إذا حزن يأسى أسى، ومنه قول الرّاجز:.
وانحلبت عيناه من فرط الأسى
يقول تعالى ذكره لنبيّه: لا تحزن يا محمّد على تكذيب هؤلاء الكفّار من اليهود والنّصارى من بني إسرائيل لك، فإنّ مثل ذلك منهم عادةٌ وخلقٌ في أنبيائهم، فكيف فيك؟
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا} قال: الفرقان. يقول: فلا تحزن.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فلا تأس على القوم الكافرين} قال: لا تحزن). [جامع البيان: 8/574-575]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل إليك من ربّك طغيانًا وكفرًا فلا تأس على القوم الكافرين (68)
قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق وحدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رافع بن جارية وسلّام بن مشكمٍ، ومالك بن الضّيف، ورافع بن حرملة. فقالوا يا محمّد ألست تزعم أنّك على ملّة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التّوراة وتشهد أنّها حقٌّ من اللّه قال: بلى، ولكنّكم أخذتم وجحدتم ما فيها ممّا أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمرتم أن تبيّنوه للنّاسٍ. فتبرّأت من أحداثكم. فقالوا: فإنّا نأخذ ما في أيدينا فإنّا على الهدى والحقّ ولا نؤمن بك ولا نتّبعك. فأنزل اللّه تعالى فيهم قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ
قوله تعالى: حتّى تقيموا
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله: حتّى تقيموا تعملوا بما فيه.
قوله تعالى: التّوراة والإنجيل
- وبه قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله التّوراة والإنجيل قال: التّوراة أنزلت على اليهود والإنجيل على النّصارى وعلى عيسى بن مريم.
قوله تعالى: وما أنزل إليكم من ربّكم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّدٌ، ثنا مهران عن أبي سنانٍ عن ليثٍ عن مجاهدٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم قال: ما أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: وما أنزل إليكم من ربّكم قال: القرآن.
قوله تعالى: وليزيدنّ كثيرًا منهم ما أنزل الآية
(بياض لم يكتب فيه شيء)
قوله تعالى: فلا تأس على القوم الكافرين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: فلا تأس فلا تحزن- وروي عن السّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1174-1175]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين * إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون}.
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: جاء رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حرملة قالوا: يا محمد ألست تزعم انك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها من حق الله فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق كتمتم منها ما أمرتم أن تبينوا للناس فبرئت من أحداثكم، قالوا: فانا نأخذ مما في أيدينا فانا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا نتبعك فأنزل الله فيهم {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل} إلى قوله {القوم الكافرين}). [الدر المنثور: 5/389]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية قال: نا هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن لحن القرآن: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون}، {والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزكاة}، و (إنّ هذان لساحران)، فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكتّاب، أخطأوا في الكتاب). [سنن سعيد بن منصور: 4/1507]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين صدقوا اللّه ورسوله، وهم أهل الإسلام {والّذين هادوا} وهم اليهود {والصّابئون} وقد بيّنّا أمرهم {والنّصارى من آمن منهم باللّه واليوم الآخر} فصدّق بالبعث بعد الممات، وعمل من العمل صالحًا لمعاده {فلا خوفٌ عليهم} فيما قدموا عليه من أهوال القيامة {ولا هم يحزنون} على ما خلّفوا وراءهم من الدّنيا وعيشها بعد معاينتهم ما أمرهم اللّه به من جزيل ثوابه.
وقد بيّنّا وجه الإعراب فيه فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 8/575]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون والنّصارى من آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون (69)
قوله تعالى: إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصابئون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن الحجّاج بن أرطاة عن القاسم عن مجاهدٍ قال: الصّابئون بين النّصارى والمجوس ليس لهم دينٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا شريكٌ عن سالمٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال: الصابئون منزلة بين اليهود والنصارى.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ والصّابئون بين المجوس واليهود لا دين لهم.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن النّرسيّ، ثنا هشيمٌ عن مطرّفٍ قال: كنّا عند الحكم فحدّثه رجلٌ من أهل البصرة عن الحسن أنّه يقول في الصاب أنّهم كالمجوس، فقال الحكم: ألم أخبركم بذلك.
الوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق، ثنا معمرٌ عن قتادة قال:
الصائبون قومٌ يعبدون الملائكة ويصلّون إلى غير القبلة ويقرءون الزّبور.
الوجه السّادس:
- أخبرنا يونس عن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ أخبرني ابن أبي الزّناد عن أبيه قال: الصّابئون قومٌ مقابلي العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنّبيّين كلّهم ويصومون من كلّ سنةٍ ثلاثين يوما ويصلون إلى اليمين كلّ يومٍ خمس صلواتٍ
الوجه السّابع:
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصّنعانيّ، ثنا عبد الصّمد بن معقلٍ عن وهب بن منبّهٍ أنّه قيل له، وما الصّابئون؟
قال: الّذي يعرف اللّه وحده، وليست له شريعةٌ يعمل بها، ولم يحدث كفرًا.
الوجه الثّامن:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: الصّابئون فرقةٌ من أهل الكتاب يقرءون الزّبور وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: وعمل صالحًا
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هاشم بن يوسف عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ قال: الأعمال الصّالحة، اللّه أكبر والحمد للّه، سبحان اللّه، لا إله إلا اللّه.
قوله تعالى: فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: فلا خوفٌ عليهم يعني في الآخرة ولا هم يحزنون يعني: لا يحزنون عند الموت). [تفسير القرآن العظيم: 4/1175-1177]


رد مع اقتباس