عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:16 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} قال أخبرني ليث أنه سمع مجاهدا وسئل عن الصقر والبازي والفهد وما يصطاد به من السباع فقال هذه كلها جوارح). [تفسير عبد الرزاق: 1/184]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن عاصم بن سليمان عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إن أرضي أرض صيد قال إذا أرسلت كلبك وسميت فكل ما أمسك عليك كلبك وإن قتل فإن أكل منه فلا تأكل فإنه إنما أمسك على نفسه فإذا أرسلت كلبك فخالطته أكلب لم تسم عليها فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتلته). [تفسير عبد الرزاق: 1/184]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه فكلوا ممّا أمسكن عليكم واذكروا اسم اللّه عليه واتّقوا اللّه إنّ اللّه سريع الحساب}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يسألك يا محمّد أصحابك ما الّذي أحلّ لهم أكله من المطاعم والمآكل، فقل لهم: أحلّ منها الطّيّبات، وهي الحلال الّذي أذن لكم ربّكم في أكله من الذّبائح، وأحلّ لكم أيضًا مع ذلك صيد ما علّمتم من الجوارح، وهنّ الكواسب من سباع البهائم والطّير،
سمّيت جوارح لجرحها لأربابها وكسبها إيّاهم أقواتهم من الصّيد، يقال منه: جرح فلانٌ لأهله خيرًا: إذا أكسبهم خيرًا، وفلانٌ جارحة أهله: يعني بذلك: كاسبهم، ولا جارحة لفلانة إذا لم يكن لها كاسبٌ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
ذات خدٍّ منضجٍ ميسمها = يذكر الجارح ما كان اجترح
يعني: اكتسب.
وترك من قوله: {وما علّمتم} وصيد ما علّمتم من الجوارح اكتفاءً بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك ذكره. وذلك أنّ القوم فيما بلغنا كانوا سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين أمرهم بقتل الكلاب عمّا يحلّ لهم اتّخاذه منها وصيده، فأنزل اللّه عزّ ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية فاستثنى ممّا كان حرّم اتّخاذه منها، وأمر بقتلة كلاب الصّيد وكلاب الماشية وكلاب الحرث، وأذن لهم باتّخاذ ذلك.
ذكر الخبر بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ العكليّ، قال: حدّثنا موسى بن عبيدة، قال: حدثني ابان بن صالحٌ، عن القعقاع بن حكيمٍ، عن سلمى أمّ رافعٍ، عن أبي رافعٍ، قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يستأذن عليه، فأذن له، فقال: قد أذنّا لك يا رسول اللّه قال: أجل، ولكنّا لا ندخل بيتًا فيه كلبٌ. قال أبو رافعٍ: فأمرني أن أقتل كلّ كلبٍ بالمدينة, فقتلت حتّى انتهيت إلى امرأةٍ عندها كلبٌ ينبح عليها، فتركته رحمةً لها، ثمّ جئت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبرته، فأمرني، فرجعت إلى الكلب فقتلته، فجاءوا فقالوا: يا رسول اللّه، ما يحلّ لنا من هذه الأمّة الّتي أمرت بقتلها؟ قال: فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعث أبا رافعٍ في قتل الكلاب، فقتل حتّى بلغ العوالي، فدخل عاصم بن عديٍّ وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة، فقالوا: ماذا أحلّ لنا يا رسول اللّه؟ فنزلت: {يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين}.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، قال: حدّثونا عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: لمّا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بقتل الكلاب، قالوا: يا رسول اللّه، ماذا أحلّ لنا من هذه الأمّة؟ فنزلت: {يسألونك ماذا أحلّ لهم} الآية.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الجوارح الّتي عنى اللّه بقوله: {وما علّمتم من الجوارح} فقال بعضهم هو كلّ ما علّم الصّيد فتعلّمه من بهيمةٍ أو طائرٍ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن الحسن، في قوله: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} قال: كلّ ما علّم فصاد: من كلبٍ، أو صقرٍ، أو فهدٍ، أو غيره.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن الحسن: {مكلّبين} قال: كلّ ما علّم فصاد من كلبٍ أو فهدٍ أو غيره.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في صيد الفهد، قال: هو من الجوارح.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} قال: الطّير، والكلاب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن الحجّاج، عن عطاءٍ، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفص عن حجاج عن القاسم بن نافع عن مجاهد مثلة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال:حدثنا ابن عيينة، عن حميدٍ، عن مجاهدٍ: {مكلّبين} قال: من الكلاب والطّير.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه: {من الجوارح مكلّبين} قال: من الطّير والكلاب.
- حدّثنا المثنّى: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا شعبة، ح وثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن شعبة، عن الهيثم، عن طلحة بن مصرّفٍ، قال: خيثمة بن عبد الرّحمن: هذا ما قد بيّنت لك أنّ الصّقر والبازي من الجوارح.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت الهيثم يحدّث عن طلحة الإياميّ، عن خيثمة، قال:قد أنبئت لك أنّ الصّقر، والباز، والكلب: من الجوارح.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن عليّ بن حسينٍ، قال: الباز الصّقر من الجوارح.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن شريكٍ، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: الباز والصّقر من الجوارح المكلّبين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} يعني بالجوارح: الكلاب الضّواري والفهود والصّقور وأشباهها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} قال: من الكلاب وغيرها، من الصّقور والبيزان وأشباه ذلك ممّا يعلّم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} الجوارح: الكلاب والصّقور المعلّمة.
- حدّثني سعيد بن الرّبيع الرّازيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، سمع عبيد بن عميرٍ، يقول في قوله: {من الجوارح مكلّبين} قال: الكلاب والطّير.
وقال آخرون: إنّما عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} الكلاب دون غيرها من السّباع.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا عبيدٌ، عن الضّحّاك: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} قال: هي الكلاب.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} يقول: أحلّ لكم صيد الكلاب الّتي علّمتموهنّ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: أمّا ما صاد من الطّير والبزاة وغيرها من الطّير، فما أدركت فهو لك، وإلا فلا تطعمه.
وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال: كلّ ما صاد من الطّير والسّباع فمن الجوارح، وإنّ صيد جميع ذلك كله حلالٌ إذا صاد بعد التّعليم، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه عمّ بقوله: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} كلّ جارحةٍ، ولم يخصّص منها شيئًا، فكلّ جارحةٍ كانت بالصّفة الّتي وصف اللّه من كلّ طائرٍ وسبعٍ فحلالٌ أكل صيدها.
وقد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحو ما قلنا في ذلك خبرٌ، مع ما في الآية من الدّلالة الّتي ذكرنا على صحّة ما قلنا في ذلك، وهو ما:.
- حدّثنا به، هنّادٌ، قال: حدّثنا عيسى بن يونس، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: سألت رسول اللّه عن صيد البازي، فقال: ما أمسك عليك فكل فأباح صلّى اللّه عليه وسلّم صيد البازي وجعله من الجوارح، ففي ذلك دلالةٌ بيّنةٌ على فساد قول من قال: عنى اللّه بقوله: {وما علّمتم من الجوارح} ما علّمنا من الكلاب خاصّةً دون غيرها من سائر الجوارح.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ في قوله {مكلّبين} دلالةً على أنّ الجوارح الّتي ذكرت في قوله: {وما علّمتم من الجوارح} هي الكلاب خاصّةً، فقد ظنّ غير الصّواب، وذلك أنّ معنى الآية: قل أحلّ لكم أيّها النّاس في حال مصيركم أصحاب كلابٍ الطّيّبات وصيد ما علّمتموه الصّيد من كواسب السّباع والطّير. فقوله: {مكلّبين} صفةٌ للقانص، وإن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه، وهو نظير قول القائل يخاطب قومًا: أحلّ لكم الطّيّبات، وما علّمتم من الجوارح مؤمّنين؛ فمعلومٌ أنّه إنّما عنى قائل ذلك إخبار القوم أنّ اللّه جلّ ذكره أحلّ لهم في حال كونهم أهل إيمانٍ الطّيّبات، وصيد الجوارح لا أن الايمان هوالجورح الّتي أعلمهم أنّه لا يحلّ لهم منه إلاّ ما صادوه به، فكذلك قوله: {أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} لذلك نظيره في أنّ التّكليب صفة للقانص بالكلاب كان صيده أو بغيرها، لا أنّه إعلامٌ من اللّه عزّ ذكره أنّه لا يحلّ من الصّيد إلاّ ما صادته الكلاب). [جامع البيان: 8/99-107]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {تعلّمونهنّ} تؤدّبون الجوارح، فتعلّمونهنّ طلب الصّيد لكم ممّا علّمكم اللّه، يعني بذلك: من التّأديب الّذي أدّبكم اللّه والعلم الّذي علّمكم.
وقد قال بعض أهل التّأويل: معنى قوله: {ممّا علّمكم اللّه} كما علّمكم اللّه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه} يقول: تعلّمونهنّ من الطّلب كما علّمكم اللّه
ولسنا نعرف في كلام العرب من بمعنى الكاف، لأنّ من تدخل في كلامهم بمعنى التّبعيض، والكاف بمعنى التّشبيه. وإنّما يوضع الحرف مكان آخر غيره إذا تقارب معنياهما، فأمّا إذا اختلفت معانيهما فغير موجودٍ في كلامهم وضع أحدهما عقيب الآخر، وكتاب اللّه وتنزيله أحرى الكلام أن يجنّب ما خرج عن المفهوم والغاية في الفصاحة من كلام من نزل بلسانه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن صبيحٍ، قال: حدّثنا أبو هانئٍ، عمر عن أبي بشرٍ، قال: حدّثنا عامرٌ، أنّ عديّ بن حاتمٍ الطّائيّ، قال: أتى رجلٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسأله عن صيد الكلاب، فلم يدر ما يقول له، حتّى نزلت هذه الآية: {تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه}.فان قال لنا قائل وما صفة التعليم التي أذن لنا ربنا بتعليمنا جورحنا صيدنا فقال لنا {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه}
قيل: اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: هو أن يستشلى لطلب الصّيد إذا أرسله صاحبه، ويمسك عليه إذا أخذه فلا يأكل منه، ويستجيب له إذا دعاه، ولا يفرّ منه إذا أراده، فإذا تتابع ذلك منه مرارًا كان معلّمًا. وهذا قول جماعةٍ من أهل الحجاز وبعض أهل العراق.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: كلّ شيءٍ قتله صائدك قبل أن يعلّم ويمسك ويصيد فهو ميتةٌ، ولا يكون قتله إيّاه ذكاةً حتّى يعلّم ويمسك ويصيد، فإن كان ذلك ثمّ قتل فهو ذكاته.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال:ايه المعلّم من الكلاب أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتّى يأتيه صاحبه، فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن طاووسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل، فإنّما أمسك على نفسه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو المعلّى، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: إذا أرسل الرّجل الكلب فأكل من صيده فقد أفسده، وإن كان ذكر اسم اللّه حين أرسله، فزعم أنّه إنّما أمسك على نفسه، واللّه يقول {من الجوارح} مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه فزعم أنّه إذا أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه أنّه ليس بمعلّمٍ، وأنّه ينبغي أن يضرب ويعلّم حتّى يترك ذلك الخلق.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معمرٌ الرّقّيّ، عن حجّاجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إذا أخذ الكلب فقتل فأكل، فهو سبعٌ.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثني عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا يأكل منه، فإنّه لو كان معلّمًا لم يأكل منه ولم يتعلّم ما علّمته، إنّما أمسك على نفسه ولم يمسك عليك.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود، عن الشّعبيّ، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن ابن عبّاسٍ، قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الشّعبيّ، عن ابن عبّاسٍ، بمثله.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا ابن عونٍ، قال: قلت لعامرٍ الشّعبيّ: الرّجل يرسل كلبه فيأكل منه، أنأكل منه؟ قال: لا، لم يتعلّم الّذي علّمته.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر، قال: إذا أكل الكلب من صيدٍ فاضربه، فإنّه ليس بمعلّمٍ.
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن ابن جريجٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، قال: إذا أكل الكلب فهو ميتةٌ، فلا تأكله.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، وسيّارٍ، عن الشّعبيّ، ومغيرة، عن إبراهيم، أنّهم قالوا: في الكلب إذا أكل من صيده فلا تأكل، فإنّما أمسك على نفسه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: إن وجدت الكلب قد أكل من الصّيد، فما وجدته ميّتًا فدعه، فإنّه ممّا لم يمسك عليك حينئدًا، إنّما هو سبعٌ أمسك على نفسه ولم يمسك عليك، وإن كان قد علّم.
- حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: بنحوه.
وقال آخرون نحو هذه المقالة، غير أنّهم حدّوا لمعرفة الكلاب بأنّ كلبه قد قبل التّعليم، وصار من الجوارح الحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرّاتٍ ثلاثًا وهذا قولٌ محكيّ عن أبي يوسف ومحمّد بن الحسن.
وقال آخرون ممّن قال هذه المقالة: لا حدّ لعلم الكلاب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنّه له تعليمٌ؛ قالوا: فإذا فعل ذلك فقد صار معلّمًا حلالاً صيده. وهذا قول بعض المتأخّرين.
وفرّق بعض قائلي هذه المقالة بين تعليم البازي وسائر الطّيور الجارحة، وتعليم الكلب وضاري السّباع الجارحة، فقال: جائزٌ أكل ما أكل منه البازي من الصّيد. قالوا: وإنّما تعليم البازي أن يطير إذا استشلي، ويجيب إذا دعي، ولا ينفّر من صاحبه إذا أراد أخذه. قالوا: وليس من شروط تعليمه أن لا يأكل من الصّيد.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، وحجّاجٍ، عن عطاءٍ، قال: لا بأس بصيد البازي وإن أكل منه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق الشّيبانيّ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال في الطّير: إذا أرسلته فقتل فكل، فإنّ الكلب إذا ضربته لم يعد، وإنّ تعليم الطّير: أن يرجع إلى صاحبه، وليس يضرب فإذا أكل من الصّيد ونتف من الرّيش فكل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا أبو حمزة، عن جابرٍ، عن الشّعبيّ، قال: ليس البازي والصّقر كالكلب، فإذا أرسلتهما فأمسكا فأكلا فدعوتهما فأتياك، فكل منه.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو زبيدٍ، عن مطرّفٍ، عن حمّادٍ، قال إبراهيم: كلّ صيد البازي وإن أكل منه.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، وجابرٍ، عن الشّعبيّ، قالا: كل من صيد البازي وإن أكل.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن حمّادٍ، عن إبراهيم: إذا أكل البازي والصّقر من الصّيد، فكل، فإنّه لا يعلّم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، قال: لا بأس بما أكل منه البازي.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن حمّادٍ، أنّه قال في البازي: إذا أكل منه قال كل.
وقال آخرون منهم: سواءٌ تعليم الطّير والبهائم والسّباع، لا يكون نوعٌ من ذلك معلّمًا إلاّ بما يكون به سائر الأنواع معلّمًا. وقالوا: لا يحلّ أكل شيءٍ من الصّيد الّذي صادته جارحةٌ فأكلت منه، كائنةً ما كانت تلك الجارحة بهيمةً أو طائرًا. قالوا: لأنّ من شروط تعليمها الّذي يحلّ به صيدها، أن تمسك ما صادت على صاحبها فلا تأكل منه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا هنّادٌ، وأبو كريبٍ، قالا: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: حدّثنا محمّد بن سالمٍ، عن عامرٍ، قال: قال عليٌّ: إذا أكل البازي من صيده فلا تأكل.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن جعفرٍ، عن شعبة، عن مجالد بن سعيدٍ، عن الشّعبيّ، قال: إذا أكل البازي منه فلا تأكل.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: إذا أكل البازي فلا تأكل.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن عمرو بن الوليد الشنيّ، قال: سمعت عكرمة، قال: إذا أكل البازي فلا تأكل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال عطاءٌ: الكلب والبازي كلّه واحدٌ، لا تأكل ما أكل منه من الصّيد إلاّ أن تدرك ذكاته فتذكّيه قال: قلت لعطاءٍ: البازي ينتف الرّيش؟ قال: فما أدركته ولم يأكل، فكل قال ذلك غير مرّةٍ.
وقال آخرون: تعليم كلّ جارحةٍ من البهائم والطّير واحدٌ، قالوا: وتعليمه الّذي يحلّ به صيده أن يشلى على الصّيد فيستشلي ويأخذ الصّيد، ويدعوه صاحبه فيجيبه، أو لا يفرّ منه إذا أخذه. قالوا: فإذا فعل الجارح ذلك كان معلّمًا داخلا في المعنى الّذي قال اللّه: {وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه فكلوا ممّا أمسكن عليكم} قالوا: وليس من شرط تعليم ذلك أن لا يأكل من الصّيد، قالوا: وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدّب بأكله؟.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيدٍ، أو سعدٍ، عن سلمان، قال: إذا أرسلت كلبك على صيدٍ، وذكرت اسم اللّه عليه فأن أكل ثلثيه وبقي ثلثه، فكل ما بقي.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا حميدٌ، قال: حدّثني القاسم بن ربيعة، عمّن حدّثه، عن سلمان وبكر بن عبد اللّه، عمّن حدّثه، عن سلمان: أنّ الكلب يأخذ الصّيد فيأكل منه، قال: كل وإن أكل ثلثيه إذا أرسلته وذكرت اسم اللّه وكان معلّمًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ وابن المثنّى قالا: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن المسيّب، قال: قال سلمان: كل وإن أكل ثلثيه؛ يعني: الصّيد إذا أكل ثلثيه؛ يعني: الصّيد إذا أكل منه الكلب.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن سلمان، نحوه.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ وعبد العزيز بن عبد الصّمد، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال سلمان: إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم اللّه فأكل ثلثه وبقى فكل.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبدة، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيدٍ، عن سلمان، نحوه.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد، أخبرنا حميد عن بكر بن عبد اللّه المزنيّ والقاسم، أنّ سلمان قال: إذا أكل الكلب فكل، وإن أكل ثلثيه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن داود بن أبي الفرات، عن محمّد بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال سلمان: إذا أرسلت كلبك أو بازك، فسمّيت، فأكل نصفه أو ثلثيه، فكل بقيّته.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني مخرمة بن بكيرٍ، عن أبيه، عن حميد بن مالك بن خثيمٍ الدّؤليّ، أنّه سأل سعد بن أبي وقّاصٍ عن الصّيد، يأكل منه الكلب، فقال: كل وإن لم يبق منه إلاّ حذيةٌ، يعني بضعةٌ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن عبد ربّه بن سعيدٍ، قال: سمعت بكير بن الأشجّ، يحدّث عن سعدٍ، قال: كل وإن أكل ثلثيه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا سعيد بن الرّبيع، قال: حدّثنا شعبة، عن عبد ربّه بن سعيدٍ، قال: سمعت بكير بن الأشجّ، عن سعيد بن المسيّب، قال شعبة: قلت: سمعته من، سعيدٍ؟ قال: لا. قال: كل وإن أكل ثلثيه. قال: ثمّ إنّ شعبة قال في حديثه عن سعدٍ، قال: كل وإن أكل نصفه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن أبي هريرة، قال: إذا أرسلت كلبك فأكل منه، فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، عن أبي هريرة، بنحوه.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ، عن أبي هريرة، نحوه.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثني سالم بن نوحٍ العطّار، عن عمر يعني ابن عامرٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن سلمان، قال: إذا أرسلت كلبك المعلّم فأخذ فقتل، فكل وإن أكل ثلثيه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت عبد اللّه، ح وحدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبدة، عن عبيد اللّه بن عمر، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر، قال: إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم اللّه فكل ما أمسك عليك، أكل أو لم يأكل.
- حدّثنا ابن المثنّى: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، بنحوه.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن أبي ذئبٍ، أنّ نافعًا، حدّثهم: أنّ عبد اللّه بن عمر كان لا يرى بأكل الصّيد بأسًا، إذا قتله الكلب أكل منه.
- حدّثني يونس به مرّةً أخرى، فقال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عبيد اللّه بن عمر وابن أبي ذئبٍ وغير واحدٍ، أنّ نافعًا حدّثهم عن عبد اللّه بن عمر، فذكر نحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي ذئبٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر: أنّه كان لا يرى بأسًا بما أكل الكلب الضّاري.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن ابن أبي ذئبٍ عن نافع عن ابن عمرو نحوه.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن حميد بن عبد اللّه، عن سعدٍ، قال: قلت: لنا كلابٌ ضوارٍ يأكلن ويبقين؟ قال: كل وإن لم يبق إلاّ بضعةً.
- حدثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن ابن أبي ذئبٍ، عن يعقوب بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن حميدٍ، قال: سألت سعدًا، فذكر نحوه
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب عندنا في تأويل قوله: {تعلّمونهنّ ممّا علّمكم اللّه} أنّ التّعليم الّذي ذكره اللّه في هذه الآية للجوارح، إنّما هو أن يعلّم الرّجل جارحه الاستشلاء إذا أشلي على الصّيد، وطلبه إيّاه إذا أغري به، وإمساكه عليه إذا أخذ من غير أن يأكل منه شيئًا، وألاّ يفرّ منه إذا أراده، وأن يجيبه إذا دعاه، فذلك هو تعليم جميع الجوارح طيرها وبهائمها. وإن أكل من الصّيد جارحة صائدٍ، فجارحته حينئذٍ غير معلّمٍ. فإن أدرك صيده صاحبه حيًّا فذكّاه حلّ له أكله، وإن أدركه ميّتًا لم يحلّ له، لأنّه ممّا أكله السّبع الّذي حرّمه اللّه تعالى بقوله: {وما أكل السّبع} ولم يدرك ذكاته.
وإنّما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصّواب لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما.
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن الشّعبيّ، عن عديّ بن حاتمٍ، أنّه سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الصّيد، فقال: إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم اللّه عليه، فإن أدركته وقد قتل وأكل منه، فلا تأكل منه شيئًا، فإنّما أمسك على نفسه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو هشامٍ الرّفاعيّ، قالا: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن بيان بن بشرٍ، عن عامرٍ، عن عديّ بن حاتمٍ، قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: إنّا قومٌ نتصيّد بهذه الكلاب؟ فقال: إذا أرسلت كلابك المعلّمة وذكرت اسم اللّه عليها، فكل ما أمسكن عليك وإن قتلن، إلاّ أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإنّي أخاف أن يكون إنّما حبسه على نفسه.
فإن قال قائلٌ: فما أنت قائلٌ فيما:
- حدّثك به، عمران بن بكّارٍ الكلاعيّ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن موسى، قال: حدّثنا محمّد بن دينارٍ، عن أبي إياس، عن سعيد بن المسيّب، عن سلمان الفارسيّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: إذا أرسل الرّجل كلبه على الصّيد فأدركه وقد أكل منه. فليأكل ما بقي قيل: هذا خبرٌ في إسناده نظرٌ، فإنّ سعيدًا غير معلومٍ له سماعٌ من سلمان، والثّقات من أهل الآثار يقفون هذا الكلام على سلمان ويروونه عنه من قبله غير مرفوعٍ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. والحفّاظ الثّقات إذا تتابعوا على نقل شيءٍ بصفةٍ فخالفهم واحدٌ منفردٌ ليس له حفظهم، كانت الجماعة الأثبات أحقّ بصحّة ما نقلوا من الفرد الّذي ليس له حفظهم. وإذا كان الأمر في الكلب على ما ذكرت من أنّه إذا أكل من الصّيد فغير معلّمٍ، فكذلك حكم كلّ جارحةٍ في أنّ ما أكل منها من الصّيد فغير معلّمٍ، لا يحلّ له أكل صيده إلاّ أن يدرك ذكاته). [جامع البيان: 8/107-122]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم}
يعني بقوله: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} فكلوا أيّها النّاس ممّا أمسكت عليكم جوارحكم.
واختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: ذلك على الظّاهر والعموم كما عمّه اللّه حلالٌ أكل كلّ ما أمسكت علينا الكلاب والجوارح المعلّمة من الصّيد الحلال أكله، أكل منه الجارح والكلاب أو لم يأكل منه، أدركت ذكاته فذكّي أو لم تدرك ذكاته حتّى قتلته الجوارح، بجرحها إيّاه أو بغير جرحٍ. وهذا قول الّذين قالوا: تعليم الجوارح الّذي يحلّ به صيدها أن تعلّم الاستشلاء على الصّيد وطلبه إذا أشليت عليه وأخذه، وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته. وقد ذكرنا قول قائلي هذه المقالة والرّواية عنهم بأسانيدها الواردة آنفًا
وقال آخرون: بل ذلك على الخصوص دون العموم، قالوا: ومعناه: فكلوا ممّا أمسكن عليكم من الصّيد جميعه دون بعضه. قالوا: فإن أكلت الجوارح منه بعضًا وأمسكت بعضًا، فالّذي أمسكت منه غير جائزٍ أكله وقد أكلت بعضه لأنّها إنّما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصّيد بعد الّذي أكلت منه على أنفسها لا علينا، واللّه تعالى ذكره إنّما أباح لنا كلّ ما أمسكته جوارحنا المعلّمة علينا بقوله: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} دون ما أمسكته على أنفسها، وهذا قول من قال: تعليم الجوارح الّذي يحلّ به صيدها، أن تستشلي للصّيد إذا أشليت فتطلبه وتأخذه، فتمسكه على صاحبها فلا تأكل منه شيئًا، ولا تفرّ من صاحبها؛ وقد ذكرنا ممّن قال ذلك فيما مضى منهم جماعةٌ كثيرةٌ، ونذكر منهم جماعةً آخر في هذا الموضع.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} يقول: كلوا ممّا قتلن. قال عليّ: وكان ابن عبّاسٍ يقول: إن قتل وأكل فلا تأكل، وإن أمسك فأدركته حيًّا فذكّه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: إن أكل المعلّم من الكلاب من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} إذا صاد الكلب فأمسكه وقد قتله ولم يأكل منه، فهو حلٌّ، فإن أكل منه، فيقال: إنّما أمسك لنفسه، فلا تأكل منه شيئًا، إنّه ليس بمعلّمٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {يسألونك ماذا أحلّ لهم} إلى قوله: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم واذكروا اسم اللّه عليه} قال: إذا أرسلت كلبك المعلّم أو طيرك أو سهمك، فذكرت اسم اللّه، فأخذ أو قتل، فكل.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سلمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: إذا أرسلت كلبك المعلّم وذكرت اسم اللّه حين ترسله فأمسك أو قتل فهو حلالٌ، فإذا أكل منه فلا تأكله، فإنّما أمسكه على نفسه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن الشّعبيّ، عن عديٍّ، قوله: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} قال: قلت: يا رسول اللّه، إنّ أرضي أرض صيدٍ؟ قال: إذا أرسلت كلبك وسمّيت فكل ممّا أمسك عليك كلبك، وإن قتل، فإن أكل فلا تأكل فإنّما أمسك على نفسه.
وقد بيّنّا أولى القولين في ذلك بالصّواب قبل، فأغنى ذلك عن إعادته وتكراره.
فإن قال قائلٌ: وما وجه دخول من في قوله: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} وقد أحلّ اللّه لنا صيد جوارحنا الحلال، ومن إنّما تدخل في الكلام مبعّضةً لما دخلت فيه؟
قيل: قد اختلف في معنى دخولها في هذا الموضع أهل العربيّة، فقال بعض نحويّي البصرة حين دخلت من في هذا الموضع لغير معنًى، كما تدخله العرب في قولهم: كان من مطرٍ، وكان من حديثٍ. قال: ومن ذلك قوله: {ويكفّر عنكم من سيّئاتكم} وقوله: {وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ} قال: وهو فيما فسّر: وينزّل من السّماء جبالاً فيها بردٌ. قال: وقال بعضهم: {وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ} أي من السّماء من بردٍ، بجعل الجبال من بردٍ في السّماء، وبجعل الإنزال منها.
وكان غيره من أهل العربيّة ينكر ذلك ويقول: لم تدخل من إلاّ لمعنًى مفهومٍ لا يجوز الكلام ولا يصلح إلاّ به، وذلك أنّها دالّةٌ على التّبعيض. وكان يقول: معنى قولهم: قد كان من مطرٍ، وكان من حديثٍ: هل كان من مطرٍ مطر عندكم، وهل من حديثٍ حدّث عنكم. ويقول: معنى {ويكفّر عنكم من سيّئاتكم} أي ويكفّر عنكم من سيّئاتكم ما يشاء ويريد، وفي قوله: {وينزّل من السّماء من جبالٍ فيها من بردٍ} فيجيز حذف من من {من بردٍ} ولا يجيز حذفها من الجبال، ويتأوّل معنى ذلك: وينزّل من السّماء أمثال جبال بردٍ، ثمّ أدخلت من في البرد، لأنّ البرد مفسّرٌ عنده عن الأمثال: أعني: أمثال الجبال، وقد أقيمت الجبال مقام الأمثال والجبال وهي جبال بردٍ، فلا يجيز حذف من من الجبال، لأنّها دالّةٌ على أنّ الّذي في السّماء الّذي أنزل منه البرد أمثال جبال بردٍ، وأجاز حذف من من البرد، لأنّ البرد مفسّرٌ عن الأمثال، كما تقول: عندي رطلان زيتًا، وعندي رطلان من زيتٍ، وليس عندك الرّطل وإنّما عندك المقدار، فمن تدخل في المفسّر وتخرج منه. وكذلك عند قائل هذا القول: من السّماء، من أمثال جبالٍ، وليس بجبالٍ. وقال: وإن كان أنزل من جبالٍ في السّماء من بردٍ جبالاً، ثمّ حذف الجبال الثّانية والجبال الأوّل في السّماء جاز، كما تقول: أكلت من الطّعام، تريد: أكلت من الطّعام طعامًا، ثمّ تحذف الطّعام ولا تسقط من.
والصّواب من القول في ذلك، أنّ من لا تدخل في الكلام إلاّ لمعنًى مفهومٍ، وقد يجوز حذفها في بعض الكلام وبالكلام إليه حاجةٌ لدلالة ما يظهر من الكلام عليها، فأمّا أن تكون في الكلام لغير معنًى أفادته بدخولها، فذلك ما قد بيّنّا فيما مضى أنّه غير جائزٍ أن يكون فيما صحّ من الكلام.
ومعنى دخولها في قوله: {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} للتّبعيض إذ كانت الجوارح تمسك على أصحابها ما أحلّ اللّه لهم لحومه وحرّم عليهم فرثه ودمه، فقال جلّ ثناؤه: فكلوا ممّا أمسكت عليكم جوارحكم الطّيّبات الّتي أحللت لكم من لحومها دون ما حرّمت عليكم من خبائثه من الفرث والدّم وما أشبه ذلك ممّا لم أطيّبه لكم، فذلك معنى دخول من في ذلك.
وأمّا قوله: {ويكفّر عنكم من سيّئاتكم} فقد بيّنّا وجه دخولها فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
وأمّا دخولها في قوله: {وينزّل من السّماء من جبالٍ} فسنبيّنه إذا أتينا عليه إن شاء اللّه تعالى). [جامع البيان: 8/122-127]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكروا اسم اللّه عليه}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {واذكروا اسم اللّه} على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصّيد. كما:.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واذكروا اسم اللّه عليه} يقول: إذا أرسلت جارحك فقل: بسم اللّه، وإن نسيت فلا حرج.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {واذكروا اسم اللّه عليه} قال: إذا أرسلته فسمّ عليه حين ترسله على الصّيد). [جامع البيان: 8/128]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا اللّه إنّ اللّه سريع الحساب} يعني بذلك جلّ ثناؤه: واتّقوا اللّه أيّها النّاس فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه، وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلّمة أو ممّا لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها، أو تطعموا ما لم يسمّ اسم اللّه عليه من الصّيد والذّبائح ممّا صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لا يوحّد اللّه من خلقه، أو ذبحوه، فإنّ اللّه قد حرّم ذلك عليكم فاجتنبوه.
ثمّ خوّفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال: اعلموا أنّ اللّه سريعٌ حسابه لمن حاسبه على نعمه عليه منكم وشكر الشّاكر منكم ربّه، على ما أنعم به عليه بطاعته إيّاه فيما أمر ونهى، لأنّه حافظٌ لجميع ذلك منكم محيط به، لا يخفى عليه منه شيءٌ، فيجازي المطيع منكم بطاعته والعاصي بمعصيته، وقد بيّن لكم جزاء الفريقين). [جامع البيان: 8/128-129]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الجوارح الطير والكلاب). [تفسير مجاهد: 185-186]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو بكرٍ محمّد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمّد بن شاذان الجوهريّ، ثنا معلّى بن منصورٍ، ثنا ابن أبي زائدة، عن محمّد بن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن القعقاع بن حكيمٍ، عن سلمى، عن أبي رافعٍ، قال: أمرنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بقتل الكلاب فقال النّاس: يا رسول اللّه، ما أحلّ لنا من هذه الأمّة الّتي أمرت بقتلها؟ فأنزل اللّه " {يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات، وما علّمتم من الجوارح مكلّبين} [المائدة: 4] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/340]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، ثنا يحيى بن فضيلٍ، ثنا الحسن بن صالحٍ، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: إنّما «أحلّت ذبائح اليهود والنّصارى من أجل أنّهم آمنوا بالتّوراة والإنجيل» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب}.
أخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن أبي رافع قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاستأذن عليه فأذن له فأبطأ فاخذ رداءه فخرج فقال: قد أذنا لك قال: أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو، قال أبو رافع: فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ففعلت وجاء الناس فقالوا: يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فسكت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فانزل الله {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أرسل الرجل كلبه وذكر اسم الله فامسك عليه فليأكل ما لم يأكل.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب فقتل حتى بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة فقالوا: ماذا أحل لنا يا رسول الله فنزلت {يسألونك ماذا أحل لهم} الآية.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال لما أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب قالوا: يا رسول الله ماذا أحل لنا من هذه الأمة فنزلت {يسألونك ماذا أحل لهم} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة وإن كلاب آل ذريح تصيد البقر والحمير والظباء قد حرم الله الميتة، فماذا يحل لنا فنزلت {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عامر، أن عدي بن حاتم الطائي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن صيد الكلاب فلم يدر ما يقول له حتى أنزل الله عليه هذه الآية في المائدة {تعلمونهن مما علمكم الله}.
وأخرج ابن جرير عن رعوة بن الزبير عمن حدثه أن رجلا من الأعراب أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستفتيه في الذي حرم الله عليه والذي أحل له فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يحل لك الطيبات ويحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام لك فتأكل منه حتى تستغني عنه، فقال الرجل: وما فقري الذي يحل لي وما غناي الذي يغنيني عن ذلك قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا كنت ترجو نتاجا فتبلغ من لحوم ماشيتك إلى نتاجك أو كنت ترجو غنى تطلبه فتبلغ من ذلك شيئا فاطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه، فقال الأعرابي: ما غناي الذي أدعه إذا وجدته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أرويت أهلك غبوقا من الليل فاجتنب ما حرم الله عليك من طعام وأما مالك فإنه ميسور كله ليس فيه حرام.
وأخرج الطبراني عن صفوان بن أمية أن عرفطة بن نهيك التميمي قال: يا رسول الله إني وأهل بيتي يرزقون من هذا الصيد ولنا فيه قسم وبركة وهو مشغلة عن ذكر الله وعن الصلاة في جماعة وبنا إليه حاجة أفتحله أم أحرمه قال: أحله لان الله قد أحله نعم العمل والله أولى بالعذر قد كانت قبلي لله رسل كلهم يصطادون ويطلبون الصيد ويكفيك من الصلاة في جماعة إذا غبت غبت عنها في طلب الرزق حبك الجماعة وأهلها وحبك ذكر الله وأهله وابتغ على نفسك وعيالك حلالا فإن في ذلك جهاد في سبيل الله وأعلم أن عون الله في صالح التجار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {وما علمتم من الجوارح مكلبين} قال: هي الكلاب المعلمة والبازي يعلم الصيد والجوارح يعني: الكلاب والفهود والصقور وأشباهها والمكلبين الضواري {فكلوا مما أمسكن عليكم} يقول: كلوا مما قتلن فإن قتل وأكل فلا تأكل {واذكروا اسم الله عليه} يقول: إذا أرسلت جوارحك فقل بسم الله وإن نسيت فلا حرج.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {من الجوارح مكلبين} قال: الطير والكلاب.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {من الجوارح مكلبين} قال: يكالبن الصيد {فكلوا مما أمسكن عليكم} قال: إذا أرسلت كلبك أو طائرك أو سهمك فذكرت اسم الله فأمسك أو قتل فكل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: في المسلم يأخذ كلب المجوسي المعلم أو بازه أو صقره مما علمه المجوسي فيرسله فيأخذه، قال: لا يأكله وإن سميت لأنه من تعليم المجوسي وإنما قال {تعلمونهن مما علمكم الله}.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله {وما علمتم من الجوارح} قال: كل ما {تعلمونهن مما علمكم الله} قال: تعلمونهن من الطلب كما علمكم الله
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إنما المعلم من الكلاب أن يمسك صيده فلا يأكل كل منه حتى يأتيه صاحبه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه، واخرج ابن جرير عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي، قال: ما أمسك عليك فكل.
وأخرج البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم قال قلت: يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة واذكر اسم الله فقال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسكن عليك، قلت: وإن قتلن قال: وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها فانك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فما يحل لنا منها قال: يحل لكم {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} ثم قال: ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك، قلت: وإن قتل قال: وإن قتل ما لم يأكل هو الذي أمسك، قلت: إنا قوم نرمي فما يحل لنا قال: ما ذكرت اسم الله وخزقت فكل.
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن الحكم أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس فقال: أرأيت إذا أرسلت كلبي وسميت فقتل الصيد آكله قال: نعم، قال نافع: يقول الله {إلا ما ذكيتم} تقول أنت: وإن قتل قال: ويحك يا ابن الأزرق، أرأيت لو أمسك على سنور فأدركت ذكاته أكان يكون على يأس والله إني لأعلم في أي كلاب نزلت: في كلاب نبهان من طي ويحك يا ابن الأزرق، ليكونن لك نبأ.
وأخرج عبد بن حميد عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمسك عليك الذي ليس بمكلب فأدركت ذكاته فكل وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: إذا أكل الكلب فلا تأكل وإذا أكل الصقر فكل لأن الكلب تستطيع أن تضربه والصقر لا تستطيع.
وأخرج عبد بن حميد عن عروة أنه سئل عن الغراب امن الطيبات هو قال: من أين يكون من الطيبات وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقا). [الدر المنثور: 5/190-197]

تفسير قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم}؛
فنسخ واستثنى منها: فأحل من المشركات نساء أهل الكتاب في سورة المائدة؛
قال الله: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم وطعامكم حلٌ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}،
وقال: {لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}، {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}). [الجامع في علوم القرآن: 3/67] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم في قوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم قال ذبائحهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/186]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ {وطعام الذين أوتوا الكتاب} قال: الذبائح [الآية: 5].
سفيان [الثوري] عن المغيرة عن إبراهيم مثله). [تفسير الثوري: 100]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ: {ومن يكفر بالإيمان} قال: الإيمان بالله [الآية: 5]). [تفسير الثوري: 100]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن عيّاش، عن عبيد اللّه بن عبيد الكلاعي قال: سألت مكحولاً عن ذبائح عيدات أهل الكتاب، والمرتّبات لكنائسهم، فتلا هذه الآية: {اليوم أحل لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم} قال: طعامهم: ذبائحهم). [سنن سعيد بن منصور: 4/1439-1440]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): ({أجورهنّ} [النساء: 24]: مهورهنّ "). [صحيح البخاري: 6/50] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أجورهنّ مهورهنّ هو تفسير أبي عبيدة). [فتح الباري: 8/269]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أجورهنّ مهورهنّ
أشار به إلى قوله تعالى: {إذا آتيتموهنّ أجورهنّ محصنين غير مسافحين} (المائدة: 5) وفسّر الأجور بالمهور، وهكذا روي عن ابن عبّاس، رواه ابن المنذر عن غيلان: حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عنه رضي الله تعالى عنهما). [عمدة القاري: 18/198]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (أجورهن) يريد {إذا آتيتموهن أجورهن} [المائدة: 5] (مهورهن) وهذا تفسير أبي عبيدة). [إرشاد الساري: 7/100]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ محصنين غير مسافحين ولا متّخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات} اليوم أحلّ لكم أيّها المؤمنون الحلال من الذّبائح والمطاعم، دون الخبائث منها.
قوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} وذبائح أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، وهم الّذين أوتوا التّوراة والإنجيل، وأنزل عليهم، فدانوا بهما أو بأحدهما {حلٌّ لكم} يقول: حلالٌ لكم أكله دون ذبائح سائر أهل الشّرك الّذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام، فإنّ من لم يكن منهم ممّن أقرّ بتوحيد اللّه عزّ ذكره ودان دين أهل الكتاب، فحرامٌ عليكم ذبائحهم.
ثمّ اختلف فيمن عنى اللّه عزّ ذكره بقوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب} من أهل الكتاب، فقال بعضهم: عنى اللّه بذلك ذبيحة كلّ كتابيٍّ ممّن أنزل عليه التّوراة والإنجيل، أو ممّن دخل في ملّتهم فدان دينهم وحرّم ما حرّموا وحلّل ما حلّلوا منهم ومن غيرهم من سائر أجناس الأمم.
- حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن عيسى عن ابن أبى ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال لابأس ثم قرأ {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ الأحول، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: حدّثنا عكرمة، قال: سئل ابن عبّاسٍ عن ذبائح نصارى بني تغلب، فقرأ هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود} إلى قوله: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم} الآية
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن عثمة، قال: حدّثنا سعيد بن بشرٍ، عن قتادة، عن الحسن، وعكرمة: أنّهما كانا لا يريان بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب وبتزوّج نسائهم، ويتلوان: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، وسعيد بن المسيّب: أنّهما كانا لا يريان بأسًا بذبيحة نصارى بني تغلب.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن الشّعبيّ: أنّه كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وقرأ: {وما كان ربّك نسيًّا}.
- حدّثني ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: حدّثني ابن شهابٍ عن ذبيحة نصارى العرب، قال: تؤكل من أجل أنّهم في الدّين أهل كتابٍ، ويذكرون اسم اللّه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا ابن جريجٍ،: قال: قال عطاءٌ: إنّما يقرف ذلك الكتاب.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا شعبة، قال: سألت الحكم وحمّادًا وقتادة عن ذبائح نصارى بني تغلب، فقالوا: لا بأس بها. قال: وقرأ الحكم: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاجٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كلوا من ذبائح بني تغلب، وتزوّجوا من نسائهم، فإنّ اللّه قال في كتابه: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنّصارى أولياء بعضهم أولياء بعضٍ ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم فلو لم يكونوا منهم إلاّ بالولاية لكانوا منهم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة: أنّ الحسن، كان لا يرى بأسًا بذبائح نصارى بني تغلب، وكان يقول: انتحلوا دينًا فذاك دينهم.
وقال آخرون: إنّما عنى بالّذين أوتوا الكتاب في هذه الآية، الّذين أنزل عليهم التّوراة والإنجيل، من بني إسرائيل وأبنائهم، فأمّا من كان دخيلاً فيهم من سائر الأمم ممّن دان بدينهم وهو من غير بني إسرائيل، فلم يعن بهذه الآية وليس هو ممّن يحلّ أكل ذبائحه؛ لأنّه ليس ممّن أوتي الكتاب من قبل المسلمين. وهذا قولٌ كان محمّد بن إدريس الشّافعيّ يقوله، حدّثنا بذلك عنه الرّبيع، ويتأوّل في ذلك قول من كره ذبائح نصارى العرب من الصّحابة والتّابعين.
ذكر من كرّه ذبائح نصارى العرب.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن محمّدٍ، عن عبيدة، قال: قال عليٌّ رضوان اللّه عليه: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب، فإنّهم إنّما يتمسّكون من النّصرانيّة بشرب الخمر.
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا هشامٌ، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن عليٍّ، قال: لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب، فإنّهم لم يتمسّكوا بشيءٍ من النّصرانيّة إلاّ بشرب الخمر.
- حدّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا عبد اللّه بن بكرٍ، قال: حدّثنا هشامٌ، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، قال: سألت عليًّا عن ذبائح نصارى العرب، فقال: لا تؤكل ذبائحهم، فإنّهم لم يتعلّقوا من دينهم إلاّ بشرب الخمر.
- حدّثني عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، قال: حدّثنا عليّ بن عابسٍ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي البختريّ، قال: نهانا عليٌّ عن ذبائح نصارى العرب.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي حمزة القصّاب، قال: سمعت محمّد بن عليٍّ، يحدّث عن عليٍّ: أنّه كان يكره نصارى العرب ذبائح نصارى بني تغلب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لا تأكلوا ذبائح نصارى العرب وذبائح نصارى أرمينية.
وهذه الأخبار عن عليٍّ رضوان اللّه عليه، إنّما تدلّ على أنّه كان ينهى، عن ذبائح نصارى بني تغلب من أجل أنّهم ليسوا على النّصرانيّة، لتركهم تحليل ما تحلّل النّصارى وتحريم ما تحرّم غير الخمر. ومن كان منتحلاً ملّةً هو غير متمسّكٍ منها بشيءٍ، فهو إلى البراءة منها أقرب إلى اللّحاق بها وبأهلها، فلذلك نهى عليٌّ عن أكل ذبائح نصارى بني تغلب، لا من أجل أنّهم ليسوا من بني إسرائيل.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان إجماعًا من الحجّة ألاباس يذييحه كلّ نصرانيٍّ ويهوديٍّ، إن دين النّصارى أو اليهود، فأحلّ ما أحلّوا، وحرّم ما حرّموا من بني إسرائيل كان أو من غيرهم، فبيّنٌ خطأ ما قال الشّافعيّ في ذلك وتأويله الّذي تأوّله في قوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} أنّه ذبائح الّذين أوتوا الكتاب التّوراة والإنجيل من بني إسرائيل، وصواب ما خالف تأويله ذلك، وقول من قال: إنّ كلّ يهوديٍّ ونصرانيٍّ فحلالٌ ذبيحته من أيّ أجناس بني آدم كان
وأمّا الطّعام الّذي قال اللّه: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب} فإنّه الذّبائح.
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} قال: الذّبائح.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ في قوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} قال: ذبائحهم
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ وقبيصة، قالا: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال حدثنا أبى عن سفيان عن ليث عن مجاهد مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن سليمان الرّازيّ، عن أبي سنانٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} قال: ذبيحتهم أهل الكتاب.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} قال: ذبائحهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان عن المغيرة، عن إبراهيم، بمثله
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ وقبيصة، قالا: حدّثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم مثله.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} قال: ذبائحهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا المعلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن يونس، عن الحسن، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} أي ذبائحهم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} أمّا طعامهم فهو الذّبائح.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} قال: أحلّ اللّه لنا طعامهم ونساءهم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، أمّا قوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} فإنّه أحلّ لنا طعامهم ونساءهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سألته، يعني ابن زيد، عمّا ذبح للكنائس وسمّي عليها فقال: أحلّ اللّه لنا طعام أهل الكتاب، ولم يستثن منه شيئًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني معاوية، عن أبي الزّاهريّة حدير بن كريبٍ، عن عمير بن الأسود: أنّه سأل أبا الدّرداء عن كبشٍ ذبح لكنيسةٍ يقال لها جرجس أهدوه لنا، أنأكل منه؟ فقال أبو الدّرداء: اللّهمّ عفرًا، إنّهم هم أهل كتابٍ، طعامهم حلٌّ لنا وطعامنا حلٌّ لهم. وأمره بأكله.
وأمّا قوله {وطعامكم حلٌّ لهم} فإنّه يعني: ذبائحكم أيّها المؤمنون حلٌّ لأهل الكتاب). [جامع البيان: 8/129-138]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {والمحصنات من المؤمنات} أحلّ لكم أيّها المؤمنون المحصنات من المؤمنات وهنّ الحرائر منهنّ أن تنكحوهنّ {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} يعني: والحرائر من الّذين أعطوا الكتاب، وهم اليهود والنّصارى الّذين دانوا بما في التّوراة والإنجيل من قبلكم أيّها المؤمنون بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من العرب وسائر النّاس، أن تنكحوهنّ أيضًا. {إذا آتيتموهنّ أجورهنّ} يعني: إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهنّ، وهي مهورهنّ.
واختلف أهل التّأويل في المحصنات اللاّتي عناهنّ اللّه عزّ ذكره بقوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فقال بعضهم: عنى بذلك الحرائر خاصّةً، فاجرةً كانت أو عفيفةً.
وأجاز قائلو هذه المقالة نكاح الحرّة مؤمنةً كانت أو كتابيةً من اليهود والنّصارى من أيّ أجناسٍ كانت، بعد أن تكون كتابيّةً فاجرةً كانت أو عفيفةً، وحرّموا إماء أهل الكتاب أن يتزوّجنّ بكلّ حالٍ؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه شرط من نكاح الإماء الإيمان بقوله: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو داود، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} قال: من الحرائر.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: من الحرائر.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ: أنّ رجلاً، طلّق امرأته وخطبت إليه أخته، وكانت قد أحدثت، فأتى عمر فذكر ذلك له منها، فقال عمر: ما رأيت منها؟ قال: ما رأيت منها إلاّ خيرًا. فقال: زوّجها ولا تخبر.
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد، قال: حدّثنا سليمان الشّيبانيّ، قال: حدّثنا عامرٌ، قال: زنت امرأةٌ من همدان، قال: فجلدها مصدّق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحدّ، ثمّ تابت، فأتوا عمر، فقالوا: نزوّجها وبئس ما كان من أمرها. قال عمر: لئن بلغني أنّكم ذكرتم شيئًا من ذلك لأعاقبنّكم عقوبةً شديدةً.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ: أنّ رجلاً، أراد أن يزوّج، أخته، فقالت: إنّي أخشى أن أفضح أبي، فقد، بغيت. فأتى عمر فقال: أليس قد تابت؟ قال: بلى: قال: فزوّجها.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ: أنّ نبيشة امرأةً من همدان، بغت فأرادت أن تذبح نفسها، قال: فأدركوها فداووها فبرئت، فذكروا ذلك لعمر، فقال: انكحوها نكاح العفيفة المسلمة.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ: أنّ رجلاً، من أهل اليمن أصابت أخته فاحشةً، فأمرّت الشّفرة على أوداجها، فأدركت، فدووي جرحها حتّى برئت، ثمّ إنّ عمّها انتقل بأهله حتّى قدم المدينة، فقرأت القرآن ونسكت، حتّى كانت من أنسك نسائهم، فخطبت إلى عمّها، وكان يكره أن يدلّسها، ويكره أن يفشي على ابنة أخيه، فأتى عمر، فذكر ذلك له، فقال عمر: لو أفشيت عليها لعاقبتك، إذا أتاك رجلٌ صالحٌ ترضاه فزوّجها إيّاه.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ: أنّ جاريةً باليمن يقال لها نبيشة، أصابت فاحشةً، فذكر نحوه.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا إسماعيل، عن عامرٍ، قال: أتى رجلٌ عمر فقال: إنّ ابنةً لي كانت وئدت في الجاهليّة، فاستخرجتها قبل أن تموت، فأدركت الإسلام، فلمّا أسلمت أصابت حدًّا من حدود اللّه، فعمدت إلى الشّفرة لتذبح بها نفسها، فأدركتها وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها حتّى برئت، ثمّ إنّها أقبلت بتوبةٍ حسنةٍ، فهي تخطب إليّ يا أمير المؤمنين، فأخبر من شأنها بالّذي كان؟ فقال عمر: أتخبر بشأنها؟ تعمد إلى ما ستره اللّه فتبديه؟ واللّه لئن أخبرت بشأنها أحدًا من النّاس لأجعلنّك نكالاً لأهل الأمصار بل أنكحها بنكاح العفيفة المسلمة.
- حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا مروان، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، قال: جاء رجلٌ إلى عمر. فذكر نحوه.
- حدّثنا مجاهدٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيدٍ، عن أبي الزّبير: أنّ رجلاً، خطب من رجلٍ أخته، فأخبره أنّها، قد أحدثت، فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب، فضرب الرّجل، وقال: ما لك والخبر؟ أنكح واسكت.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا سليمان بن حربٍ، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، عن قتادة، عن الحسن، قال: قال عمر بن الخطّاب: لقد هممت أن لا، أدع أحدًا أصاب فاحشةً في الإسلام أن يتزوّج محصنةً. فقال له أبيّ بن كعبٍ: يا أمير المؤمنين، الشّرك أعظم من ذلك، وقد يقبل منه إذا تاب
وقال آخرون: إنّما عنى اللّه بقوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} العفائف من الفريقين، إماءً كنّ أو حرائر. فأجاز قائلو هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدّائنات دينهم بهذه الآية، وحرّموا البغايا من المؤمنات وأهل الكتاب.

ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال حدّثنا ابن إدريس، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: العفائف.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن مطرّفٍ، عن عامرٍ: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: إحصان اليهوديّة والنّصرانيّة: أن لا تزني وأن تغتسل من الجنابة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مطرّفٍ، عن عامرٍ: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: إحصان اليهوديّة والنّصرانيّة: أن تغتسل من الجنابة، وأن تحصن فرجها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن مطرّفٍ، عن رجلٍ، عن الشّعبيّ في قوله: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: إحصان اليهوديّة والنّصرانيّة: أن لا تزني، وأن تغتسل من الجنابة.
- حدّثنا المثنّى قال حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ في قوله: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: إحصانها أن تغتسل من الجنابة، وأن تحصن فرجها من الزّنى.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا معلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، قال: أخبرنا مطرّفٌ عن عامرٍ، بنحوه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت سفيان، يقول في قوله: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} قال: العفائف.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: أمّا المحصنات: فهنّ العفائف.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: أنّ امرأةً، اتّخذت مملوكها وقالت: تأوّلت كتاب اللّه: {وما ملكت أيمانكم} قال: فأتي بها عمر بن الخطّاب، فقال له ناسٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: تأوّلت آيةً من كتاب اللّه على غير وجهها. قال: فغرّب العبد وجزّ رأسه، وقال: أنت بعده حرامٌ على كلّ مسلمٍ.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن إبراهيم: أنّه قال في الّتي تسرّي قبل أن يدخل بها، قال: ليس لها صداقٌ ويفرّق بينهما.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا أشعث، عن الشّعبيّ، في البكر تفجر قال: تضرب مائة سوطٍ، وتنفى سنةً، وتردّ الى زوجها ما أخذت منه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا أشعث، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ، مثل ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الحسن، مثل ذلك.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، أنّ الحسن، كان يقول: إذا رأى الرّجل من امرأته فاحشةً فاستيقن فإنّه لا يمسكها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن أبي ميسرة، قال: مملوكات أهل الكتاب بمنزلة حرائرهم.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في حكم قوله عزّ ذكره: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} أعامٌّ أم خاصٌّ؟ فقال بعضهم: هو عامٌّ في العفائف منهنّ، لأنّ المحصنات العفائف، وللمسلم أن يتزوّج كلّ حرّةٍ وأمةٍ كتابيّةٍ حربيّةً كانت أو ذميّةً.
واعتلّوا في ذلك بظاهر قوله تعالى: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} وأنّ المعنيّ بهنّ العفائف كائنةً من كانت منهنّ. وهذا قول من قال: عني بالمحصنات في هذا الموضع: العفائف.
وقال آخرون: بل اللّواتي عنى بقوله جلّ ثناؤه: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} الحرائر منهنّ، والآية عامّةٌ في جميعهنّ، فنكاح جميع الحرائر اليهود والنّصارى جائزٌ، حربيّاتٍ كنّ أو ذمّيّاتٍ، من أيّ أجناس اليهود والنّصارى كنّ وهذا قول جماعةٍ من المتقدّمين والمتأخّرين.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، والحسن: أنّهما كانا لا يريان بأسًا بنكاح نساء اليهود والنّصارى، وقالا: أحلّه اللّه على علمٍ.
وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك: نكاح بني إسرائيل الكتابيّات منهنّ خاصّةً دون سائر أجناس الأمم الّذين دانوا باليهوديّة والنّصرانيّة. وذلك قول الشّافعيّ ومن قال بقوله.
وقال آخرون: بل ذلك معنيٌّ به نساء أهل الكتاب الّذين لهم من المسلمين ذمّةٌ وعهدٌ، فأمّا أهل الحرب فإنّ نساءهم حرامٌ على المسلمين.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا محمّد بن عقبة، قال: حدّثنا الفزاريّ، عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: من نساء أهل الكتاب من يحلّ لنا، ومنهم من لا يحلّ لنا، ثمّ قرأ: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية} فمن أعطى الجزية حلّ لنا نساؤه، ومن لم يعط الجزية لم يحلّ لنا نساؤه. قال الحكم: فذكرت ذلك لإبراهيم فأعجبه.
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب قول من قال: عنى بقوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} حرائر المؤمنين وأهل الكتاب، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يأذن بنكاح الإماء الأحرار في الحال الّتي أباحهنّ لهم إلاّ أن يكنّ مؤمناتٍ، فقال عزّ ذكره: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} فلم يبح منهنّ إلاّ المؤمنات، فلو كان مرادًا بقوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} العفائف، لدخل العفائف من إمائهم في الإباحة، وخرج منها غير العفائف من حرائرهم وحرائر أهل الإيمان. وقد أحلّ اللّه لنا حرائر المؤمنات، وإن كنّ قد أتين بفاحشةٍ بقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم} وقد دلّلنا على فساد قول من قال: لا يحلّ نكاح من أتى الفاحشة من نساء المؤمنين وأهل الكتاب للمؤمنين في موضعٍ غير هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
فنكاح حرائر المسلمين وأهل الكتاب حلالٌ للمؤمنين، كنّ قد أتين بفاحشةٍ أو لم يأتين بفاحشةٍ، ذميّةً كانت أو حربيّةً، بعد أن تكون بموضعٍ لا يخاف النّاكح فيه على ولده أن يجبر على الكفر، بظاهر قول اللّه جلّ وعزّ: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فأمّا قول الّذي قال: عنى بذلك نساء بني إسرائيل الكتابيّات منهنّ خاصّةً، فقولٌ لا يوجب التّشاغل بالبيان عنه لشذوذه والخروج عمّا عليه علماء الأمّة من تحليل نساء جميع اليهود والنّصارى.
وقد دلّلنا على فساد قول قائل هذه المقالة من جهة القياس في غير هذا الموضع بما فيه الكفاية فكرهنا إعادته.
وأمّا قوله: {إذا آتيتموهنّ أجورهنّ} فإنّ الأجر: العوض الّذي يبذله الزّوج للمرأة للاستمتاع بها، وهو المهر.
كما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {آتيتموهنّ أجورهنّ} يعني مهورهنّ). [جامع البيان: 8/138-148]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {محصنين غير مسافحين ولا متّخذي أخدانٍ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أحلّ لكم المحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم، وأنتم محصنون غير مسافحين ولا متّخذي أخدانٍ.
ويعني بقوله جلّ ثناؤه: {محصنين} أعفّاء {غير مسافحين} يعني: لا معالنين بالسّفاح بكلّ فاجرةٍ وهو الفجور {ولا متّخذي أخدانٍ} يقول: ولا منفردين ببغيّةٍ واحدةٍ قد خادنها وخادنته واتّخذها لنفسه صديقةً يفجر بها.
وقد بيّنّا معنى الإحصان ووجوهه ومعنى السّفّاح والخدن في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع وهو كما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {محصنين غير مسافحين} يعني: ينكحوهنّ بالمهر والبيّنة {غير مسافحين} متعالنين بالزّنى {ولا متّخذي أخدانٍ} يعني: يسرّون بالزّنى.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: أحلّ اللّه لنا محصنتين: محصنةً مؤمنةً، ومحصنةً من أهل الكتاب {ولا متّخذي أخدانٍ} ذات الخدن: ذات الخليل الواحد.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سليمان بن المغيرة، عن الحسن، قال: سأله رجلٌ: أيتزوّج الرّجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر اللّه المسلمات؟ فإن كان لا بدّ فاعلاً، فليعمد إليها حصانًا غير مسافحةٍ. قال الرّجل: وما المسافحة؟ قال: هي الّتي إذا لمح الرّجل إليها بعينه اتّبعته). [جامع البيان: 8/148-149]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله عزّ ذكره: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ومن يكفر بالإيمان} ومن يجحد ما أمر اللّه بالتّصديق به من توحيد اللّه ونبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاء به من عند اللّه، وهو الإيمان الّذي قال اللّه جلّ ثناؤه: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} يقول: فقد بطل ثواب عمله الّذي كان يعمله في الدّنيا، يرجو أن يدرك به منزلةً عند اللّه. {وهو في الآخرة من الخاسرين} يقول: وهو في الآخرة من الهالكين الّذين غبنوا أنفسهم حظوظها من ثواب اللّه بكفرهم بمحمّدٍ وعملهم بغير طاعة اللّه.
وقد ذكر أنّ قوله: {ومن يكفر بالإيمان} عني به أهل الكتاب، وأنّه أنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أجل قومٍ تحرّجوا نكاح نساء أهل الكتاب لمّا قيل لهم {أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ ناسًا، من المسلمين قالوا: كيف نتزوّج نساءهم، يعني نساء أهل الكتاب، وهم على غير ديننا؟ فأنزل اللّه عزّ ذكره: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} فأحلّ اللّه تزويجهنّ على علمٍ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل الإيمان قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} قال: اللّه الإيمان.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن واصلٍ، عن عطاءٍ: {ومن يكفر بالإيمان} قال: الإيمان: التّوحيد.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ومن يكفر بالإيمان} قال: باللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ في قوله: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} قال: من يكفر باللّه.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {ومن يكفر بالإيمان} قال: من يكفر باللّه.
- حدّثنا محمّدٌ قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {ومن يكفر بالإيمان} قال: الكفر باللّه.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} قال: أخبر اللّه سبحانه أنّ الإيمان هو العروة الوثقى، وأنّه لا يقبل عملاً إلاّ به، ولا يحرّم الجنّة إلاّ على من تركه.
فإن قال لنا قائلٌ: وما وجه تأويل من وجّه قوله: {ومن يكفر بالإيمان} إلى معنى: ومن يكفر باللّه؟
قيل: وجه تأويله ذلك كذلك أنّ الإيمان هو التّصديق باللّه وبرسله وما ابتعثهم به من دينه، والكفر: جحود ذلك. قالوا: فمعنى الكفر بالإيمان، هو جحود اللّه وجحود توحيده. ففسّروا معنى الكلمة بما أريد بها، وأعرضوا عن تفسير الكلمة على حقيقة ألفاظها وظاهرها في التّلاوة فإن قال قائلٌ: فما تأويلها على ظاهرها وحقيقة ألفاظها؟
قيل: تأويلها: ومن يأب الإيمان باللّه ويمتنع من توحيده والطّاعة له فيما أمره به ونهاه عنه، فقد حبط عمله؛ وذلك أنّ الكفر هو الجحود في كلام العرب، والإيمان: التّصديق والإقرار، ومن أبى التّصديق بتوحيد اللّه والإقرار به فهو من الكافرين، فذلك تأويل الكلام على وجهه). [جامع البيان: 8/149-152]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم قال يعني ذبائحهم حل لكم). [تفسير مجاهد: 186]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا يحيى عن يحيى، قال: سمعت القاسم يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: لمّا سمعت النّاس يقولون: يحرم كلّ ذي نابٍ من السّباع، قلت: لا أجد فيما أوحي علي محرّمًا على طاعمٍ يطعمه... إلى آخر الآية، قال: وإنّ البرمة (تكون) في مائها الصّفرة ثمّ لا يحرّمها ذلك). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/622]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا معتمرٌ عن برد بن سنانٍ، عن عبادة بن نسيٍّ عن غضيف بن الحارث، قال: (كتب إلى - يعني ابن عمر رضي الله عنهما -): إنّ لنا (جيرانًا) من السّامرة، يقرؤون بعض التّوراة (والإنجيل، ولا يؤمنون بالغيب، فما ترى في ذبائحهم؟ فكتب إليه: إن كانوا يقرؤون بعض التّوراة) وبعض الإنجيل (ويسبتون) فذبائحهم كذبائح أهل الكتاب). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سنه عن ابن عباس في قوله {وطعام الذين أوتوا الكتاب} قال: ذبائحهم، وفي قوله {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: حل لكم {إذا آتيتموهن أجورهن} يعني مهورهن {محصنين} يعني تنكحوهن بالمهر والبينة {غير مسافحين} غير معلنين بالزنا {ولا متخذات أخدان} يعني يسررن بالزنا.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} قال: ذبيحتهم.
وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي في قوله: {وطعام الذين أوتوا الكتاب} قال: ذبائحهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: أحل الله لنا محصنتين: محصنة مؤمنة ومحصنة من أهل الكتاب نساؤنا عليهم حرام ونساؤهم لنا حلال.
وأخرج ابن جرير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن عمر بن الخطاب قال: المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: أحل لنا طعامهم ونساؤهم.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: إنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: من الحرائر.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: من العفائف.
وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي في قوله {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: التي أحصنت فرجها واغتسلت من الجنابة.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، عن جابر بن عبد الله، انه سئل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال: تزوجناهن زمن الفتح ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرا فلما رجعنا طلقناهن، قال: ونساؤهن لنا حل ونساؤنا عليهم حرام.
وأخرج عبد بن حميد عن ميمون بن مهران قال: سألت ابن عمر عن نساء أهل الكتاب فتلا علي هذه الآية {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}، {ولا تنكحوا المشركات} البقرة الآية 221.
وأخرج ابن جرير عن الحسن، انه سئل: أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب قال: ماله ولأهل الكتاب وقد أكثر الله المسلمات فإن كان لابد فاعلا فليعهد إليها حصانا غير مسافحة، قال الرجل: وما المسافحة قال: هي التي إذا المح إليها الرجل بعينه تبعته.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {ولا متخذي أخدان} قال: ذو الخدن والخلية الواحدة، قال: ذكر لنا أن رجالا قالوا: كيف نتزوج نساءهم وهم على دين ونحن على دين فانزل الله {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} قال: لا والله لا يقبل الله عملا إلا بالإيمان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} قال: أخبر الله أن الإيمان هو العروة الوثقى وإنه لا يقبل عملا إلا به ولا يحرم الجنة إلا على من تركه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات وحرم كل ذات دين غير الإسلام قال الله تعالى {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله}). [الدر المنثور: 5/197-201]


رد مع اقتباس