عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 5 ربيع الأول 1440هـ/13-11-2018م, 03:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {أفرأيت الذي تولى} الآية. قال مجاهد، وابن زيد، وغيرهما: نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي، وذلك أنه كان قد سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وجلس إليه، ووعظه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرب من الإسلام، وطمع النبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم إنه عاتبه رجل من المشركين وقال له: أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه وأنا أتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال، فوافقه الوليد بن المغيرة على ذلك، ورجع عما هم به من الإسلام، وضل ضلالا بعيدا، وأعطى ذلك المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح، فنزلت الآية فيه. وذكر الثعلبي عن قوم أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه في قصة جرت له مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وذلك كله عندي باطل، وعثمان عن مثله متنزه. وقال السدي: نزلت في العاص بن وائل، فقوله تعالى: {وأعطى قليلا وأكدى} -على هذا القول- هو في المال، وقال مقاتل بن حيان في كتاب الثعلبي المعنى: وأعطى من نفسه قليلا في قربه من الإيمان، ثم أكدى، أي انقطع ما أعطى، وهذا بين من اللفظ، والآخر يحتاج إلى رواية، و"تولى" معناه: أدبر وأعرض، والمراد: عن أمر الله تعالى، و"أكدى" معناه: انقطع عطاؤه، وهو مشبه بالحافر في الأرض، فإذا انتهى إلى كدية، وهي ما صلب من الأرض، وقف وانقطع حفره، وكذلك: أجبل الحافر إذا انتهى إلى جبل، ثم قيل لمن انقطع عمله: أكدى وأجبل).[المحرر الوجيز: 8/ 124]

تفسير قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) :(وقوله تعالى: {أعنده علم الغيب فهو يرى} معناه: أعلم من الغيب أن من تحمل ذنوب آخر فإن المتحمل عنه ينتفع بذلك فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وله فيه بصيرة، أم هو جاهل لم ينبأ بما في صحف موسى -وهي التوراة- وفي صحف إبراهيم - وهي كتب نزلت عليه من السماء- من أنه لا تزر وازرة وزر أخرى؟ أي لا تحمل حاملة حمل أخرى، وإنما يؤخذ كل أحد بذنوب نفسه، فلما كان جاهلا بهذا وقع في إعطاء ماله للذي قال له: أنا أتحمل عنك درك الآخرة.
واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى:" الذي وفى"، وفى ما هو الموفى؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا قبل إبراهيم عليه السلام يأخذون الولي بالولي في القتل ونحوه، فوفى إبراهيم عليه السلام وبلغ هذا الحكم من أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضا، والربيع: ومن طاعة الله تعالى في ذبح ابنه عليهما السلام، وقال عكرمة: وفى هذه العشر الآيات: "ألا تزر وازرة وزر أخرى" فما بعدها، وقال ابن عباس وقتادة وعكرمة: وفى ما افترض عليه من الطاعات على وجهها، وتكملت له شعب الإيمان والإسلام، فأعطاه الله تعالى براءته من النار، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وفى شرائع الإسلام، ثلاثين سهما، وقال أبو أمامة - ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم-: وفى أربع صلوات في كل يوم، والأقوى من هذه كلها القول العام لجميع الطاعات المستوفية لدين الإسلام، فروى أنها لم تفرض على أحد مكملة فوفاها إلا على إبراهيم ومحمد صلى الله عليه وسلم، ومن الحجة لذلك قوله تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن}.
وقرأ ابن جبير، وأبو مالك، وابن السميفع: "وفى" مخففة الفاء، والخلاف فيما وفى به كالخلاف فيما وفاه على القراءة الأولى التي فسرنا ورويت القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأها أبو أمامة.
و"الوزر": الثقل، وأنث "الوازرة" إما لأنه أراد النفس، وإما أراد المبالغة كعلامة ونسابة وما جرى مجراهما، و"أن" في قوله سبحانه: "ألا تزر" مخففة من الثقيلة، وتقديرها: أنه لا تزر، وحسن الحائل بينها وبين الفعل إن بقي الفعل مرتفعا، فهي كقوله تعالى: {أن سيكون منكم مرضى وآخرون} ونحوه، و"أن" في موضع رفع أو خفض كلاهما مرتب).[المحرر الوجيز: 8/ 125-126]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى * وأنه هو أضحك وأبكى * وأنه هو أمات وأحيا * وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى * من نطفة إذا تمنى * وأن عليه النشأة الأخرى * وأنه هو أغنى وأقنى * وأنه هو رب الشعرى * وأنه أهلك عادا الأولى * وثمود فما أبقى}
قوله تعالى: "وأن ليس"، وقوله تعالى بعد ذلك: "وأن، وأنه" معطوف كل ذلك على "أن" المقدرة في قوله تعالى: "ألا تزر وازرة"، وهي كلها بفتح الألف في قراءة الجمهور، وقرأ أبو السمال قعنب: "وإن إلى ربك المنتهى" بكسر الهمزة فيها وفيما بعدها، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} منسوخ بقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم}، وهذا لا يصح عندي على ابن عباس رضي الله عنهما لأنه خبر لا ينسخ، ولأن شروط النسخ ليست هنا، اللهم إلا أن يتجوز في لفظة النسخ ليفهم سائلا. وقال عكرمة: هذا الحكم كان في قوم إبراهيم وموسى عليهما السلام، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها، والدليل حديث سعد بن عبادة، قال: يا رسول الله: هل لأمي إن تطوعت عنها أجر؟ قال: نعم، وقال الربيع بن أنس: هذا الإنسان الذي في هذه الآية هو الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره، وسأل عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله: {والله يضاعف لمن يشاء}، فقال له: ليس بالعدل إلا ما سعى، وله بفضل الله ما شاء الله، فقبل عبد الله رأس الحسين، وقال الجمهور: الآية محكمة، والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو في اللام من قوله تعالى: "للإنسان"، فإذا حققت الشيء الذي هو حق الإنسان يقول فيه: "لي كذا" لم تجده إلا سعيه، وما تم بعد من رحمة بشفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو تغمد بفضل ورحمة دون هذا كله، فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول: "لي كذا وكذا" إلا على تجوز وإلحاق بما هو له حقيقة، واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن ولا مال، وفرق بعض العلماء بين البدن والمال، وهي عندي كلها فضائل للعامل وحسنات تذكر للمعمول عنه، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا رضي الله عنه بالصدقة عن أمه، والسعي: الكسب.
وقوله تعالى: "يرى" فاعله حاضرو القيامة، أي يراه الله ومن شاهد الأمر، وفي عرض الأعمال على الجميع تشريف للمحسنين وتوبيخ للمسيئين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سمع بأخيه فيما يكره سمع الله به سامع خلقه يوم القيامة"). [المحرر الوجيز: 8/ 126-127]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وفي قوله تعالى: {ثم يجزاه الجزاء الأوفى} وعيد للكافرين وعد للمؤمنين). [المحرر الوجيز: 8/ 127]


رد مع اقتباس