عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 04:35 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون}
المعنى: وقال الملك الأعظم: إني أرى يريد: في منامه، وقد جاء ذلك مبينا في قوله تعالى: {إني أرى في المنام أني أذبحك}، وحكيت حال ماضية بـ "أرى" وهو مستقبل من حيث يستقبل النظر في الرؤيا.
سبع بقرات سمان، يروى أنه قال: رأيتها خارجة من نهر، وخرجت وراءها سبع عجاف، فرأيتها أكلت تلك السمان حتى حصلت في بطونها، ورأى السنابل أيضا كما ذكر، والعجاف: التي بلغت غاية الهزال، ومنه قول الشاعر:
[المحرر الوجيز: 5/93]
... ... ... ... ... .... ورجال مكة مسنتون عجاف
ثم قال لجماعته وحاضريه: {يا أيها الملأ أفتوني}. قرأت فرقة بتحقيق الهمزتين، وقرأت فرقة بأن لفظت بألف "أفتوني" واوا. وقوله: {للرؤيا} دخلت اللام لمعنى التأكيد والربط، وذلك أن المفعول إذا تقدم حسن في بعض الأفعال أن تدخل عليه لام الجر، وإذا تأخر لم يحتج الفعل إلى ذلك، و(عبارة الرؤيا): مأخوذة من: عبر النهر، وهو تجاوزه من شط إلى شط، فكأن عابر الرؤيا ينتهي إلى آخر تأويلها). [المحرر الوجيز: 5/94]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {قالوا أضغاث أحلام} الآية. الضغث -في كلام العرب - أقل من الحزمة وأكثر من القبضة من النبات والعشب ونحوه، وربما كان ذلك من جنس واحد، وربما كان من أخلاط النبات، فمن ذلك قوله تعالى: {وخذ بيدك ضغثا}، وروي أنه أخذ (عثكالا) من النخل، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل نحو هذا في حد أقامه على رجل زمن، ومن ذلك قول ابن مقبل:
خود كأن فراشها وضعت به ... أضغاث ريحان غداة شمال
[المحرر الوجيز: 5/94]
ومن الأخلاط قول العرب في أمثالها: (ضغث على إبالة)، فيشبه اختلاط الأحلام باختلاط الجملة من النبات، والمعنى: أن هذا الذي رأيت، أيها الملك، اختلاط من الأحلام بسبب النوم، ولسنا من أهل العلم بذلك، أي: بما هو مختلط ورديء، فإنما نفوا عن أنفسهم عبر الأحلام لا عبر الرؤيا على الإطلاق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان". وقال للذي كان يرى رأسه يقطع ثم يرده فيرجع: "إذا لعب الشيطان بأحدكم في النوم فلا يحدث بذلك".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالأحلام وحدثان النفس ملغاة، الرؤيا هي التي تعبر ويلتمس علمها. والباء في قوله: "بعالمين" للتأكيد، وفي قوله: "بتأويل" للتعدية، وهي متعلقة بقوله: "بعالمين".
و(الأحلام): جمع حلم، يقال: حلم الرجل -بفتح اللام- يحلم إذا خيل إليه في منامه، والأحلام مما أثبتته الشريعة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا من الله، وهي المبشرة، والحلم المحزن من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليتفل على يساره ثلاث مرات، وليقل: أعوذ بالله من شر ما رأيت، فإنها لا تضره". وما كان عن حديث النفس في اليقظة فإنه لا يلتفت إليه.
ولما سمع الساقي الذي نجا هذه المقالة من الملك ومراجعة أصحابه تذكر يوسف
[المحرر الوجيز: 5/95]
وعلمه بتأويل الأحلام والرؤى، فقال مقالته في هذه الآية). [المحرر الوجيز: 5/96]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"ادكر" أصله: اذتكر، افتعل من الذكر، قلبت التاء دالا وأدغم الأول في الثاني، ثم بدلت دالا غير منقوطة لقوة الدال وجلدها، وبعض العرب يقول: "اذكر"، وقرئ: "فهل من مذكر" بالنقط، و"من مدكر" على اللغتين، وقرأ جمهور الناس: "بعد أمة" وهي المدة من الدهر، وقرأ ابن عباس وجماعة: "بعد أمة" وهو النسيان، وقرأ مجاهد، وشبيل بن عزرة: "بعد أمه" بسكون الميم، وهو مصدر من "أمه" إذا نسي، وقرأ الأشهب العقيلي: "بعد إمة" بكسر الهمزة، والإمة: النعمة، والمعنى: بعد نعمة أنعمها الله على يوسف في تقريب إطلاقه وعزته. وبقوله: "وادكر" يقوي قول من يقول: إن الضمير في "فأنساه" عائد على الساقي، والأمر محتمل.
وقرأ الجمهور: "أنا أنبئكم"، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "أنا آتيكم"، وكذلك في مصحف أبي بن كعب، وقوله: {فأرسلون} استئذان في المضي، فقيل: كان السجن في غير مدينة الملك، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وقيل: كان فيها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويرسم الناس اليوم سجن يوسف في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال). [المحرر الوجيز: 5/96]

تفسير قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}
المعنى: فجاء الرسول -وهو الساقي- إلى يوسف فقال له: يا يوسف، أيها الصديق، وسماه صديقا من حيث كان جرب صدقه في غير شيء، وهو بناء مبالغة من (صدق)، وسمي أبو بكر رضي الله عنه صديقا من (صدق غيره) إذ مع كل تصديق صدق، فالمصدق بالحقائق صادق أيضا، وعلى هذا الأساس سمي المؤمنون صديقين في قوله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون}.
ثم قال: {أفتنا في سبع بقرات} أي: فيمن رأى في المنام سبع بقرات، وحكى النقاش حديثا روى فيه أن جبريل عليه السلام دخل على يوسف في السجن وبشره بعطف الله تعالى عليه، وأخرجه من السجن، وأنه قد أحدث للملك منامة جعلها سببا لفرج يوسف، ويروى أن الملك كان يرى سبع بقرات سمان يخرجن من النهر، وتخرج وراءها سبع عجاف، فتأكل العجاف السمان، فكان يعجب كيف غلبتها؟ وكيف وسعت السمان في بطون العجاف؟ وكان يرى سبع سنبلات خضر وقد التفت بها سبع يابسات حتى كانت تغطي خضرتها فعجب أيضا لذلك.
وقوله: {لعلهم يعلمون} أي: تأويل هذه الرؤيا فيزول هم الملك لذلك وهم الناس، وقيل: لعلهم يعلمون مكانتك من العلم وكنه فضلك فيكون ذلك سببا لتخلصك). [المحرر الوجيز: 5/97]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قال تزرعون} الآية. تضمن هذا الكلام من يوسف عليه السلام ثلاثة أنواع من القول: أحدها: تعبير بالمعنى وباللفظ. والثاني: عرض رأي وأمر به وهو قوله: {فذروه في سنبله}، والثالث: الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن، قاله قتادة.
[المحرر الوجيز: 5/97]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل هذا ألا يكون غيبا، بل علم العبارة أعطى انقطاع الجدب بعد سبع، ومعلوم أنه لا يقطعه إلا خصب شاف، كما أعطى أن النهر مثال للزمان؛ إذ هو أشبه شيء به فجاءت البقرات مثالا للسنين.
و"دأبا" معناه: ملازمة لعادتكم في الزراعة، ومنه قول امرئ القيس:
كدأبك من أم الحويرث قبلها ... ... ... البيت
وقرأ جمهور السبعة: "دأبا" بإسكان الهمزة، وقرأ عاصم وحده: "دأبا" بفتح الهمزة، وأبو عمرو يسهل الهمزة عند درج القراءة، وهما مثل: نهر ونهر، والناصب لقوله: "دأبا" "تزرعون" عند أبي العباس المبرد؛ إذ في قوله: "تزرعون" تدأبون، وهي عنده مثل: (قعد القرفصاء)، و(اشتمل الصماء) وسيبويه يرى نصب هذا كله بفعل مضمر من لفظ المصدر يدل عليه هذا الظاهر، كأنه قال: "تزرعون تدأبون دأبا".
وقوله: {فما حصدتم فذروه} هي إشارة برأي نبيل نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل؛ فإن الحبة إذا بقيت في خبائها انحفظت والمعنى: اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل، فيجتمع الطعام هكذا ويتركب، ويؤكل الأقدم فالأقدم، فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الناس الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر، وادخروا أيضا الشيء الذي يصاب في أعوام الجدب على قلته، وحملت الأعوام بعضها بعضا حتى يتخلص الناس، وإلى هذه السنين أشار النبي عليه الصلاة والسلام في دعائه على قريش: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف "، فابتدأ
[المحرر الوجيز: 5/98]
ذلك بهم، ونزلت سنة حصت كل شيء، حتى دعا لهم النبي عليه الصلاة والسلام فارتفع ذلك عنهم ولم يتماد سبع سنين، وروي أن يوسف عليه السلام لما خرج ووصف هذا الترتيب للملك وأعجبه أمره، قال له الملك، قد أسندت إليك تولي هذا الأمر في الأطعمة هذه السنين المقبلة، فكان هذا أول ما ولي يوسف). [المحرر الوجيز: 5/99]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وأسند الأكل إلى السنين في قوله: "يأكلن" اتساعا من حيث يؤكل فيها، كما قال تعالى: {والنهار مبصرا}، وكما قال: (نهارك بطال وليلك قائم)، وهذا كثير في كلام العرب، ويحتمل أن يسمى فعل الجدب وإيباس البالات أكلا، وفي الحديث: "فأصابتهم سنة حصت كل شيء" وقال الأعرابي في السنة: (جمشت النجم، وألحبت اللحم، وأحجنت العظم).
و"تحصنون" معناه: تحرزون وتخزنون، قاله ابن عباس، وهو مأخوذ من الحصن، وهو الحرز والملجأ، ومنه تحصن النساء لأنه بمعنى التحرز). [المحرر الوجيز: 5/99]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يغاث} جائز أن يكون من الغيث - وهو قول ابن عباس،
[المحرر الوجيز: 5/99]
ومجاهد، وجمهور المفسرين أي: يمطرون، وجائز أن يكون من (أغاثهم الله) إذا فرج عنهم، ومنه الغوث وهو الفرج.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، "يعصرون" بفتح الياء وكسر الصاد، وقرأ حمزة، والكسائي ذلك بالتاء على المخاطبة، وقال جمهور المفسرين: هي من عصر النباتات كالزيتون والعنب والقصب والسمسم والفجل وجميع ما يعصر، ومصر بلد عصر لأشياء كثيرة، وروي أنهم لم يعصروا شيئا مدة الجدب، والحلب منه لأنه عصر للضرع، وقال أبو عبيدة وغيره: ذلك مأخوذ من العصرة والعصر وهو الملجأ، ومنه قول أبي زبيد في عثمان رضي الله عنه:
صاديا يستغيث غير مغاث ... ولقد كان عصرة المنجود
ومنه قول عدي بن زيد:
لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصان بالماء اعتصاري
ومنه قول ابن مقبل:
وصاحبي وهوة مستوهل زعل ... يحول بين حمار الوحش والعصر
[المحرر الوجيز: 5/100]
ومنه قول لبيد:
فبات وأسرى القوم آخر ليلهم ... وما كان وقافا بغير معصر
أي: بغير ملتجأ، فالآية على معنى: ينجون بالعصرة.
وقرأ الأعرج، وعيسى، وجعفر بن محمد: "يعصرون" بضم الياء وفتح الصاد، وهذا مأخوذ من العصرة، أي: يؤتون بعصرة، ويحتمل أن يكون من: عصرت السحاب ماءها عليهم، قال ابن المستنير: معناها: يمطرون، وحكى النقاش أنه قرئ: "يعصرون" بضم الياء وكسر الصاد وشدها وجعلها من عصر البلل، ورد الطبري على من جعل اللفظة من العصرة ردا كثيرا بغير حجة). [المحرر الوجيز: 5/101]

رد مع اقتباس