عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 17 محرم 1440هـ/27-09-2018م, 04:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فجمع السّحرة لميقات يومٍ معلومٍ (38) وقيل للنّاس هل أنتم مجتمعون (39) لعلّنا نتّبع السّحرة إن كانوا هم الغالبين (40) فلمّا جاء السّحرة قالوا لفرعون أئنّ لنا لأجرًا إن كنّا نحن الغالبين (41) قال نعم وإنّكم إذًا لمن المقرّبين (42) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيّهم وقالوا بعزّة فرعون إنّا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) فألقي السّحرة ساجدين (46) قالوا آمنّا بربّ العالمين (47) ربّ موسى وهارون (48)}.
ذكر [اللّه] تعالى هذه المناظرة الفعليّة بين موسى والقبط في "سورة الأعراف" وفي "سورة طه" وفي هذه السّورة: وذلك أنّ القبط أرادوا أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم، فأبى اللّه إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. وهذا شأن الكفر والإيمان، ما تواجها وتقابلا إلّا غلبه الإيمان، {بل نقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ ولكم الويل ممّا تصفون} [الأنبياء:18]، {وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقًا} [الإسراء:81]، ولهذا لـمّا جاء السّحرة، وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر، وكانوا إذ ذاك أسحر النّاس وأصنعهم وأشدّهم تخييلًا في ذلك، وكان السّحرة جمعًا كثيرًا، وجمًّا غفيرًا، قيل: كانوا اثني عشر ألفًا. وقيل: خمسة عشر ألفًا. وقيل: سبعة عشر ألفًا وقيل: تسعة عشر ألفًا. وقيل: بضعةً وثلاثين ألفًا. وقيل: ثمانين ألفًا. وقيل غير ذلك، واللّه أعلم بعدّتهم.
قال ابن إسحاق: وكان أمرهم راجعًا إلى أربعةٍ منهم وهم رؤساؤهم: وهم: ساتور وعازور وحطحط ويصقى.
واجتهد النّاس في الاجتماع ذلك اليوم، وقال قائلهم: {لعلّنا نتّبع السّحرة إن كانوا هم الغالبين [قال نعم وإنّكم إذًا لمن المقرّبين]}، ولم يقولوا: نتّبع الحقّ سواءً كان من السّحرة أو من موسى، بل الرّعيّة على دين ملكهم).[تفسير ابن كثير: 6/ 140]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (43) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا جاء السّحرة} أي: إلى مجلس فرعون وقد ضرب له وطاقًا، وجمع حشمه وخدمه [وأمراءه] ووزراءه ورؤساء دولته وجنود مملكته، فقام السّحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الإحسان إليهم والتّقرّب إليه إن غلبوا، أي: هذا الّذي جمعتنا من أجله، فقالوا: {أئنّ لنا لأجرًا إن كنّا نحن الغالبين * قال نعم وإنّكم إذًا لمن المقرّبين} أي: وأخصّ ممّا تطلبون أجعلكم من المقرّبين عندي وجلسائي. فعادوا إلى مقام المناظرة {قالوا يا موسى إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون أوّل من ألقى * قال بل ألقوا} [طه: 65، 66]، وقد اختصر هذا هاهنا فقال لهم موسى: {ألقوا ما أنتم ملقون}). [تفسير ابن كثير: 6/ 140]

تفسير قوله تعالى: {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فألقوا حبالهم وعصيّهم وقالوا بعزّة فرعون إنّا لنحن الغالبون}، وهذا كما يقوله الجهلة من العوامّ إذا فعلوا شيئًا: هذا بثواب فلانٍ. وقد ذكر اللّه في سورة الأعراف: أنّهم {سحروا أعين النّاس واسترهبوهم وجاءوا بسحرٍ عظيمٍ} [الأعراف:116]، وقال في "سورة طه": {فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى * فأوجس في نفسه خيفةً موسى * قلنا لا تخف إنّك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنّما صنعوا كيد ساحرٍ ولا يفلح السّاحر حيث أتى} [طه:66، 69].
وقال هاهنا: {فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون} أي: تختطفه وتجمعه من كلّ بقعةٍ وتبتلعه فلم تدع منه شيئًا.
قال تعالى: {فوقع الحقّ وبطل ما كانوا يعملون فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين. وألقي السّحرة ساجدين. قالوا آمنّا بربّ العالمين ربّ موسى وهارون} [الأعراف:118-122] وكان هذا أمرًا عظيمًا جدًا، وبرهانًا قاطعًا للعذر وحجّةً دامغةً، وذلك أنّ الّذين استنصر بهم وطلب منهم أن يغلبوا، قد غلبوا وخضعوا وآمنوا بموسى في السّاعة الرّاهنة، وسجدوا للّه ربّ العالمين، الّذي أرسل موسى وهارون بالحقّ وبالمعجزة الباهرة، فغلب فرعون غلبًا لم يشاهد العالم مثله، وكان وقحًا جريئًا عليه لعنة اللّه، فعدل إلى المكابرة والعناد ودعوى الباطل، فشرع يتهدّدهم ويتوعّدهم، ويقول: {إنّه لكبيركم الّذي علّمكم السّحر} [طه:71]، وقال: {إنّ هذا لمكرٌ مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون} [الأعراف:123]). [تفسير ابن كثير: 6/ 140-141]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (50) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (51) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنّه لكبيركم الّذي علّمكم السّحر فلسوف تعلمون لأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ولأصلّبنّكم أجمعين (49) قالوا لا ضير إنّا إلى ربّنا منقلبون (50) إنّا نطمع أن يغفر لنا ربّنا خطايانا أن كنّا أوّل المؤمنين (51)}.
تهدّدهم فلم يقطع ذلك فيهم، وتوعّدهم فما زادهم إلّا إيمانًا وتسليمًا. وذلك أنّه قد كشف عن قلوبهم حجاب الكفر، وظهر لهم الحقّ بعلمهم ما جهل قومهم، من أنّ هذا الّذي جاء به موسى لا يصدر عن بشرٍ، إلّا أن يكون اللّه قد أيّده به، وجعله له حجّةً ودلالةً على صدق ما جاء به من ربّه؛ ولهذا لمّا قال لهم فرعون: {آمنتم له قبل أن آذن لكم}؟ أي: كان ينبغي أن تستأذنوني فيما فعلتم، ولا تفتاتوا عليّ في ذلك، فإن أذنت لكم فعلتم، وإن منعتكم امتنعتم، فإنّي أنا الحاكم المطاع؛ {إنّه لكبيركم الّذي علّمكم السّحر}. وهذه مكابرةٌ يعلم كلّ أحدٍ بطلانها، فإنّهم لم يجتمعوا بموسى قبل ذلك اليوم، فكيف يكون كبيرهم الّذي أفادهم صناعة السّحر؟ هذا لا يقوله عاقلٌ.
ثمّ توعّدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل والصّلب، فقالوا: {لا ضير} أي: لا حرج ولا يضرّنا ذلك ولا نبالي به {إنّا إلى ربّنا منقلبون} أي: المرجع إلى اللّه، وهو لا يضيع أجر من أحسن عملًا ولا يخفى عليه ما فعلت بنا، وسيجزينا على ذلك أتمّ الجزاء؛ ولهذا قالوا: {إنّا نطمع أن يغفر لنا ربّنا خطايانا} أي: ما قارفناه من الذّنوب، وما أكرهتنا عليه من السّحر، {أن كنّا أوّل المؤمنين} أي: بسبب أنّا بادرنا قومنا من القبط إلى الإيمان. فقتلهم كلّهم). [تفسير ابن كثير: 6/ 141]

رد مع اقتباس