عرض مشاركة واحدة
  #39  
قديم 15 محرم 1439هـ/5-10-2017م, 01:36 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الباب السابع: كتابة المصاحف العثمانية

كتابة المصاحف العثمانية
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (كتابة المصاحف العثمانية
روى أهل الحديث والأثر في شأن كتابة المصاحف التي أمر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بكتابتها جملة من الآثار الصحيحة والحسنة، ورويت روايات أخرى في بعضها نكارة.

والذي تلخص لي من مجموع الروايات المقبولة في هذه القضية ما يلي:

- أن عثمان رضي الله عنه لما عزم على جمع الناس على مصحفٍ إمامٍ قام في الناس خطيباً؛ فذكر لهم ما رآه وما بلغه من اختلاف الناس في شأن القراءات، وما يحذره على الأمّة من الفتنة والخصومة والتفرق؛ فاجتمعت كلمتهم على ما رآه عثمان وما أُشيرَ به عليه.
- فعزم عثمان على كلّ من بيده صحيفة أو مصحف كُتب فيه قرآن أن يأتي به؛ فاستجابوا له كلُّهم، ولم يُذكر عن أحد منهم أنه امتنع إلا ما كان من ابنِ مسعود في أوّل الأمر ولم يكن بالمدينة في ذلك الوقت، ثم إنه قد رجع عن رأيه.
- طلب عثمان البيّنة على كلّ واحد بصحّة كتابته وأنها من إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه.
- أرسل عثمان إلى حفصة لِتُرسل إليه المصحف الذي كُتب على عهد أبي بكر رضي الله عنه.
- أخذ الصحفَ التي قامت البيّنة بصحتها، والمصحفَ الذي جُمع على عهد أبي بكر، ووكّل زيد بن ثابت ومن معه بجمع تلك الصحف في مُصحف واحد.
- تولّى زيد بن ثابت عملَ الجمعِ، وكان الذي يُملي عليه سعيد بن العاص، وكان معه كَتَبَةٌ آخرون اختلف في عددهم على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
- ما اتّفق من تلك الصُّحف كتبوه على الاتفاق، وما كان فيها من اختلاف أخَّروه، حتى يُرفع إلى عثمان.
- اجتهد عثمان ومن معه من قرّاء الصحابة في الاختيار بين الأحرف المختلفة بما يوافق لسان قريش والعرضة الأخيرة.
- لما فرغوا من المصحف الإمام عُرض مرة أخرى على عثمان، وكان ربما بعث إلى أبيّ بن كعب يسأله عن بعض الأحرف فيكتب له ما يختار منها.
- كان عثمان يتعاهدهم في جميع مراحل عملهم، وهو الذي نظّم لهم العمل ورسم لهم طريقته.
- لما تمّ جمع النسخة الأولى من المصحف من مجموع تلك الصحف عُرض مرّة أخرى على عثمان فلم يجدوا فيه شيئاً من الاختلاف لم يحسم أمره، وكانوا قبل ذلك قد اختلفوا في (التابوت) فكان قراء الأنصار يقرؤونها (التابوه) وقراء المهاجرين يقرؤونها (التابوت).
- لما طابت نفسُ عثمان بصحة ما جمع في نسخة الأصل، أمر بنسخ مصاحف أخرى من المصحف الإمام، واختلف في عددها على ما سيأتي بيانه.
- لما تمّ نسخ المصاحف أمر عثمان بإعادة مصحف أبي بكر إلى حفصة، ثم أمر ببقية المصاحف أن تُحرّق، وكان ذلك بإجماع الصحابة رضي الله عنهم على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.

والملخص السابق مستفاد من مجموع الآثار التي ترجّح لي صحتها أو حسنها، وقد وقع في بعضها إجمال وفي بعضها تفصيل، ومن تلك الآثار:
1. ما رواه الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه أنه قال: (فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان؛ فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.
وقال عثمانُ للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفقٍ بمصحفٍ مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق). رواه البخاري والترمذي والنسائي في الكبرى وابن حبان والبيهقي.

2. وما رواه الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه رضي الله عنه أنه قال:
(نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين» وهو قوله: {من المؤمنين، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} فألحقناها في سورتها في المصحف). رواه البخاري في صحيحه.
ورواه الترمذي وابن حبان والبيهقي وزادوا: (
قال الزهري: فاختلفوا يومئذ في التابوت والتابوه، فقال القرشيون: التابوت، وقال زيد: التابوه، فرفع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه التابوت؛ فإنه نزل بلسان قريش).
ورواية الزهري ههنا في الخلاف في التابوت مرسلة، ورواها الطحاوي في شرح مشكل الآثار موصولة بسياق آخر فقال: حدثنا يونس قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عمارة بن غزية، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه فذكر الحديث، وفيه:
قال زيد: (فأمرني عثمان أن أكتب له مصحفا، وقال: إني جاعل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما فيه فاكتباه، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي؛ فجعل معه أبان بن سعيد بن العاص فلما بلغ: {إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت}
قال زيد: فقلت أنا: التابوه، وقال أبان: {التابوت}، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: التابوت، ثم عرضته، يعني المصحف، عرضة أخرى فلم أجد فيه شيئا، وأرسل عثمان إلى حفصة أن تعطيه الصحيفة وحلف لها ليردنها إليها، فأعطته؛ فعرضت المصحف عليها فلم يختلفا في شيء؛ فردها عليها وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا المصاحف).
ونعيم بن حماد ثقة يخطئ كثيراً، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ثقة من رجال مسلم لكنه انتُقد فيما يحدّث به من حفظه، ولذلك فما في هذا الأثر مما يخالف ما صحّ من الآثار فلا يقبل.

3. وفي رواية زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق السبيعي ، عن مصعب بن سعد، أنَّ عثمان عزم على كل من كان عنده شيء من القرآن إلا جاء به، قال: فجاء الناس بما عندهم، فجعل يسألهم عليه البينة أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه عمر بن شبة.

4. وفي رواية إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد أن عثمان قال في خطبته: (فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به) وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرةً، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً فناشدهم لسمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أملاه عليك؟
فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: (من أَكْتَبُ الناسِ؟)
قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت.
قال: (فأيّ الناسِ أعرب؟)
قالوا: سعيد بن العاص.
قال عثمان: (فليملَّ سعيدٌ وليكتب زيد) فكتب زيد، وكتب مصاحف ففرقها في الناس، فسمعت بعض أصحاب محمد يقول: قد أحسن). رواه ابن أبي داوود.

5. وروى علقمة بن مرثد عن العيزار بن جرول عن سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن عثمان قال في خبر جمع المصاحف: «فأي الناس أقرأ؟»
قالوا: زيد بن ثابت.
قال: «فأي الناس أفصح وأعرب؟»
قالوا: سعيد بن العاص.
قال: «فليكتب سعيد وليمل زيد»
قال: فكانت مصاحف بعث بها إلى الأمصار، قال علي: «والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل» رواه عمر بن شبة.
وهذا قَلْبٌ من الرواي أو خطأ من الناسخ، والصواب: (فليكتب زيد، وليملّ سعيد).

6. وروى ابن شهاب الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه قال: «فأمرني عثمان رضي الله عنه أن أكتب له مصحفا؛ فكتبته، فلما فرغت منه عرضه ». رواه عمر بن شبة.

7. وروى هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح أنه قال: (لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف، جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فيهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت قال فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر، فجيء بها.
قال: وكان عثمان يتعاهدهم، فكانوا إذا تدارءوا في شيء أخروه.
قال محمد: فقلت لكثير - وكان فيهم فيمن يكتب -: هل تدرون: لم كانوا يؤخرونه؟
قال: لا

قال محمد: فظننت ظناً، إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الآخرة فيكتبونها على قوله). رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف واللفظ له، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة.

8. قال عبد الله بن المبارك: حدثني أبو وائل شيخ من أهل اليمن، عن هانئ البربري مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف، فأرسلني بكتف شاة إلى أبيّ بن كعب، فيها «لم يتسن» ، وفيها «لا تبديل للخلق» ، وفيها «فأمهل الكافرين» .
قال: فدعا بالدواة فمحا إحدى اللامين، وكتب {لخلق الله}، ومحا «فأمهل»، وكتب {فمهّل}، وكتب {لم يتسنَّه} ألحق فيها الهاء). رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن، وابن جرير الطبري.
وأبو وائل هو عبد الله بن بحير بن ريسان المرادي قاصّ أهل صنعاء، وثّقه يحيى بن معين وابن حبان.
وقال علي ابن المديني: سمعتُ هشام بن يوسف وسئل عن عبد الله بن بحير القاصّ الذي روى عن هانئ مولى عثمان، فقال: (كان يُتقن ما سمع)


تنبيه:
قول أنس بن مالك فيما رواه البخاري: ((فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان؛ فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف).
يشعر أن مصحف أبي بكر جُعل أصلاً لتنسخ منه المصاحف، وهو أثر صحيح الإسناد.
وقول زيد بن ثابت فيما رواه الطحاوي: (وأرسل عثمان إلى حفصة أن تعطيه الصحيفة وحلف لها ليردنها إليها، فأعطته؛ فعرضت المصحف عليها فلم يختلفا في شيء؛ فردها عليها وطابت نفسه، وأمر الناس أن يكتبوا المصاحف).
يشعر أن زيد بن ثابت ومن معه كتبوا المصحف الأصل أولاً ثم عرضوه على ما كتب في عهد أبي بكر، ولو صحّ عن زيد لكان مقدماً على قول أنس لأن زيداً هو صاحب الشأن وأدرى بتفصيله، لكن الإسناد إليه لا يعتمد عليه مع ما فيه من المخالفة.

تنبيه آخر:
قال إبراهيم بن يوسف السعدي: حدثني أبو المحياة، عن بعض أهل طلحة بن مصرف قال: (دفن عثمان المصاحفَ بين القبر والمنبر) رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف.
وهذا الخبر ضعيف الإسناد لجهالة شيخ أبي المحياة.
والصحيح الثابت أنه أحرقها كما تقدم من غير وجه، ولو صحّ هذا الخبر لأمكن أن يُحمل على دفنها بعد حرقها). [جمع القرآن:
117 - 124]


رد مع اقتباس