عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 14 ذو الحجة 1435هـ/8-10-2014م, 10:22 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها الّذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النّاس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدادٌ لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6) يا أيّها الّذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنّما تجزون ما كنتم تعملون (7) يا أيّها الّذين آمنوا توبوا إلى اللّه توبةً نصوحاً عسى ربّكم أن يكفّر عنكم سيّئاتكم ويدخلكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي اللّه النّبيّ والّذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنّك على كلّ شيءٍ قديرٌ (8)
قوله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم معناه: اجعلوا وقاية بينكم وبين النار، وقد تقدم غير مرة تعليل اللفظة، وقوله تعالى: وأهليكم معناه: بالوصية لهم والتقويم والحمد على طاعة الله تعالى، وفي حديث: «لا تزن فيزني أهلك»، وفي حديث آخر: «رحم الله رجلا قال: يا أهلاه، صلاتكم، صيامكم، مسكينكم، يتيمكم»، وقرأ الجمهور: «وقودها» بفتح الواو، وقرأ مجاهد والحسن وطلحة وعيسى والفياض بن غزوان وأبو حيوة بضمها، وقيل هما بمعنى، وقيل الضم مصدر والفتح اسم، ويروى أن الحجارة: هي حجارة الكبريت، وقد تقدم القول في ذلك في سورة البقرة. ويروى أنها جميع أنواع الحجارة، وفي بعض الحديث أن عيسى ابن مريم سمع أنينا في فلاة من الأرض فتبعه حتى بلغ إلى حجر يئن ويحزن، فقال له: ما بالك أيها الحجر؟ فقال: يا روح الله، إني سمعت الله يقول: وقودها النّاس والحجارة، فخفت أن أكون من تلك الحجارة، فعجب منه عيسى وانصرف، ويشبه أن يكون هذا المعنى في التوراة أو في الإنجيل، فذلك الذي سمع الحجر إذا عبر عنه بالعربية كان هذا اللفظ، ووصف الملائكة بالغلظة معناه في القلوب والبطش الشديد والفظاظة، كما قال تعالى لنبيه: ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك [آل عمران: 159] والشدة القوة، وقيل المراد شدتهم على الكفار، فهي بمعنى الغلظ، ووصفهم تعالى بالطواعية لربهم، وكرر المعنى تأكيدا بقوله تعالى: ويفعلون ما يؤمرون، وفي قوله تعالى: ويفعلون ما يؤمرون ما يقتضي أنهم يدخلون الكفار النار بجد واختيار، ويغلظون عليهم، فكأنه قال بعد تقرير هذا المعنى، فيقال للكفار: لا تعتذروا اليوم: أي إن المعذرة لا تنفعكم، وإنما تجزون بأعمالكم فلا تلوموا إلا أنفسكم). [المحرر الوجيز: 8/ 344-346]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر عباده بالتوبة، والتوبة فرض على كل مسلم، وتاب معناه: رجع فتوبة العبد: رجوعه من المعصية إلى الطاعة، وتوبة الله تعالى على العبد إظهار صلاحه ونعمته عليه في الهداية إلى الطاعة، وقبول توبة الكفار يقطع بها على الله إجماعا من الأمة، واختلف الناس في توبة العاصي، فجمهور أهل السنة على أنه لا يقطع بقبولها ولا ذلك على الله بواجب، والدليل على ذلك دعاء كل واحد من المذنبين في قبول التوبة ولو كانت مقطوعا بها لما كان معنى للدعاء في قبولها، وظواهر القرآن في ذلك هي كلها بمعنى المشيئة، وروي عن أبي الحسن الأشعري أنه قال: التوبة إذا توفرت شروطها قطع على الله بقبولها لأنه تعالى أخبر بذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا المسك بظواهر القرآن، وعلى هذا القول أطبقت المعتزلة، والتوبة الندم على فارط المعصية والعزم على ترك مثلها في المستقبل، وهذا من المتمكن، وأما غير المتمكن كالمجبوب في الزنا فالندم وحده يكفيه، والتوبة عبادة كالصلاة ونحوها، فإذا تاب العبد وحصلت توبته بشروطها وقبلت ثم عاود الذنب، فتوبته الأولى لا تفسدها عودة بل هي كسائر ما تحصل من العبادات، والنصوح بناء مبالغة من النصح إلى توبة نصحت صاحبها وأرشدته، وقرأ الجمهور: «نصوحا» بفتح النون، وقرأ أبو بكر عن عاصم وخارجة عن نافع والحسن والأعرج وعيسى: «نصوحا» بضم النون، وهو مصدر، يقال: نصح، ينصح، نصاحة، ونصاحة قاله الزجاج، فوصف التوبة بالمصدر كالعدل والزور وغيره، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: التوبة النصوح، هي أن يتوب ثم لا يعود، وقال أبو بكر الوراق: هي أن تضيق عليك الأرض بما رحبت كتوبة الذين خلفوا، وقوله تعالى: عسى ربّكم الآية، ترجية، وقد روي أن عسى من الله واجبة، والعامل في يوم قوله: يدخلكم، وروي في معنى قوله تعالى: يوم لا يخزي اللّه النّبيّ، أن محمدا صلى الله عليه وسلم تضرع في أمر أمته فأوحى الله إليه: إن شئت جعلت حسابهم إليك، فقال: «يا رب أنت أرحم بهم»، فقال الله تعالى: إذا لا أخزيك فيهم، فهذا معنى قوله: يوم لا يخزي اللّه النّبيّ، والخزي المكروه الذي يترك الإنسان حيران خجلا مهموما بأن يرى نقصه، أو سوء منزلته، وقوله تعالى: والّذين آمنوا معه يحتمل أن يكون معطوفا على النّبيّ فيخرج المؤمنون من الخزي، ويحتمل أن يكون ابتداء، ونورهم يسعى جملة هي خبره، ويبقى النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا مفضلا بأنه لا يخزى، وقد تقدم القول في نظير قوله: يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [التحريم: 8]، وقرأ سهل بن سعد: «وبإيمانهم»، بكسر الهمزة، وقوله تعالى: ربّنا أتمم لنا نورنا، قال الحسن بن أبي الحسن هو عند ما يرون من انطفاء نور المنافقين حسبما تقدم تفسيره، وقيل يقول من أعطي من النور بقدر ما يرى قدميه فقط). [المحرر الوجيز: 8/ 346-347]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير (9) ضرب اللّه مثلاً للّذين كفروا امرأت نوحٍ وامرأت لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئاً وقيل ادخلا النّار مع الدّاخلين (10)
هذه الآية تأكيد لأمر الجهاد وفضله المتقدم، والمعنى دم على جهاد الكافرين بالسيف، وجاهد المنافقين بنجههم وإقامة الحدود عليهم وضربهم في كل جرائمهم، وعند قوة الظن بهم، ولم يعين الله تعالى لرسوله منافقا يقع القطع بنفاقه، لأن التشهد الذي كانوا يظهرون كان ملبسا لأمرهم مشبها لهم بالعصاة من الأمة. والغلظة عليهم هي فظاظة القلب والانتهار وقلة الرفق بهم، وقرأ الضحاك: «وأغلظ» بكسر اللام وقطع الألف). [المحرر الوجيز: 8/ 347]


رد مع اقتباس