عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 12:22 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ضرب الله مثلا} الآية. الذي هو مثال في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك، لا يقدر على شيء من المال ولا من أمر نفسه، وإنما هو مسخر بإرادة سيده مدبر، ولا يلزم من الآية أن العبيد كلهم بهذه الصفة كما انتزع بعض من ينتحل الفقه، وقد قال في المثال الثاني: لا يقدر على شيء، فيلزم -على هذا الانتزاع- أن يكون البكم لا شيء لهم، وبإزاء العبد في المثال رجل موسع عليه في المال فهو يتصرف فيه بإرادته، ولا يلزم من نفس المثال أن يكون مؤمنا ينفق بحسب الطاعة، أما إنه أشرف أن يكون مثالا.
و"الرزق": ما صح الانتفاع به، وقال أبو منصور في عقيدته: "الرزق ما وقع الاغتذاء به"، وهذه الآية ترد على هذا التخصيص، وكذلك قوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون}، و{أنفقوا مما رزقناكم}، وغير ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم:
[المحرر الوجيز: 5/387]
"جعل رزقي في ظل رمحي"، وقوله: "أرزاق أمتي في سنابك خيلها وأسنة رماحها"، فالغنيمة كلها رزق. والصحيح أن ما صح الانتفاع به هو الرزق، وهو مراتب أعلاها ما تغذي به، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الانتفاع في قوله: "يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟". وفي معنى اللباس يدخل الركوب.
واختلف الناس في الذي له هذا المثل -فقال قتادة، وابن عباس: هو مثل الكافر والمؤمن، فكأن الكافر مملوك مصروف عن الطاعة، فهو لا يقدر على شيء لذلك، ويشبه العبد المذكور.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والتمثيل -على هذا التأويل- إنما وقع في جهة الكافر فقط، جعل له مثلا، ثم قرن بالمؤمن المرزوق، إلا أن يكون المرزوق ليس بمؤمن، وإنما هو مثال للمؤمن، فيقع التمثيل من جهتين، وقال مجاهد، والضحاك: هذا المثال، والمثال الآخر الذي بعده، إنما هو لله تعالى والأصنام، فتلك هي كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والله تعالى تتصرف قدرته دون معقب، وكذلك فسر الزجاج على نحو قول مجاهد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا التأويل أصوب; لأن الآية تكون من معنى ما قبلها وما بعدها في تبين أمر الله تبارك وتعالى والرد على الأصنام. وذكر الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
[المحرر الوجيز: 5/388]
نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد كان له، وروي تعيين غير هذا ولا يصح إسناده. والمثال لا يحتاج إلى تعيين أحد، وقوله: {الحمد لله} شكر على بيان الأمر بهذا المثال، وعلى إذعان الخصم له، كما تقول لمن أذعن لك في حجة وسلم ما ينبني عليه قولك: الله أكبر، وعلى هذا يكون كذا وكذا، فلما قال هنا: هل يستوون فكأن الخصم قال له: لا، فقال: الحمد لله، ظهرت الحجة، وقوله: {بل أكثرهم لا يعلمون} يريد لا يعلمون أبدا ولا يداخلهم إيمان، ويتمكن على هذا قوله: "أكثرهم"; لأن الأقل من الكفار هو الذي آمن من أولئك، ولو أراد بقوله: {لا يعلمون} أي الآن لكان قوله: "أكثرهم" بمعنى الاستيعاب; لأنه لم يكن أحد منهم يعلم قوله). [المحرر الوجيز: 5/389]

تفسير قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون}
هذا مثل لله تعالى والأصنام، فهي كالأبكم لا نطق له ولا يقدر على شيء، وهو عيال على من والاه من قريب أو صديق، و"الكل": الثقل والمؤونة، وكل محمول فهو كل وسمي اليتيم كلا، ومنه قول الشاعر:
أكول لمال الكل قبل شبابه ... إذا كان عظم الكل غير شديد
كما أن الأصنام تحتاج إلى أن تنقل وتخدم ويتعذب بها، ثم لا يأتي من جهتها خير البتة، هذا قول قتادة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو مثل للكافر. وقرأ ابن
[المحرر الوجيز: 5/389]
مسعود: "يوجه"، وقرأ علقمة: "يوجه"، وقرأ الجمهور: "يوجهه"، وهي خط المصحف، وقرأ يحيى بن وثاب: "توجه"، وقرأ ابن مسعود أيضا: "توجهه" على الخطاب، وضعف أبو حاتم قراءة علقمة لأنه لازم، و"الذي يأمر بالعدل" هو الله تعالى، وقال ابن عباس: هو المؤمن، و"الصراط": الطريق). [المحرر الوجيز: 5/390]

رد مع اقتباس