عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163)}
هذا السّياق هو بسطٌ لقوله تعالى: {ولقد علمتم الّذين اعتدوا منكم في السّبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} [البقرة: 65] يقول [اللّه] تعالى، لنبيّه صلوات اللّه وسلامه عليه: {واسألهم} أي: واسأل هؤلاء اليهود الّذين بحضرتك عن قصّة أصحابهم الّذين خالفوا أمر اللّه، ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذّر هؤلاء من كتمان صفتك الّتي يجدونها في كتبهم؛ لئلّا يحلّ بهم ما حلّ بإخوانهم وسلفهم. وهذه القرية هي "أيلة" وهي على شاطئ بحر القلزم.
قال محمّد بن إسحاق: عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ في قوله: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر}؛ قال: هي قريةٌ يقال لها "أيلة" بين مدين والطّور. وكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، وقتادة، والسّدّي.
وقال عبد اللّه بن كثيرٍ القارئ، سمعنا أنّها أيلة. وقيل: هي مدين، وهو روايةٌ عن ابن عبّاسٍ وقال ابن زيدٍ: هي قريةٌ يقال لها. "مقنا" بين مدين وعيدوني.
وقوله: {إذ يعدون في السّبت}؛ أي: يعتدون فيه ويخالفون أمر اللّه فيه لهم بالوصاة به إذ ذاك. {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا}؛ قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: أي ظاهرةً على الماء.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {شرّعًا}؛ من كلّ مكانٍ.
قال ابن جريرٍ: وقوله: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم}؛ أي: نختبرهم بإظهار السّمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرّم عليهم صيده، وإخفائه عنهم في اليوم المحلّل لهم صيده {كذلك نبلوهم} نختبرهم {بما كانوا يفسقون}؛ يقول: بفسقهم عن طاعة اللّه وخروجهم عنها.
وهؤلاء قومٌ احتالوا على انتهاك محارم اللّه، بما تعاطوا من الأسباب الظّاهرة الّتي معناها في الباطن تعاطي الحرام.
وقد قال الفقيه الإمام أبو عبد اللّه بن بطّة، رحمه اللّه: حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسلمٍ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح الزّعفرانيّ، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال:
«لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلّوا محارم اللّه بأدنى الحيل»
وهذا إسنادٌ جيّدٌ، فإنّ أحمد بن محمّد بن مسلمٍ هذا ذكره الخطيب في تاريخه ووثّقه، وباقي رجاله مشهورون ثقاتٌ، ويصحّح التّرمذيّ بمثل هذا الإسناد كثيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 493]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (164) فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165) فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين (166)}
يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنّهم صاروا إلى ثلاث فرقٍ: فرقةٌ ارتكبت المحذور، واحتالوا على اصطياد السّمك يوم السّبت، كما تقدّم بيانه في سورة البقرة. وفرقةٌ نهت عن ذلك، [وأنكرت] واعتزلتهم. وفرقةٌ سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنّها قالت للمنكرة: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا}؟ أي: لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنّهم هلكوا واستحقّوا العقوبة من اللّه؟ فلا فائدة في نهيكم إيّاهم. قالت لهم المنكرة: {معذرةً إلى ربّكم} قرأ بعضهم بالرّفع، كأنّه على تقديره: هذا معذرةٌ وقرأ آخرون بالنّصب، أي: نفعل ذلك {معذرةً إلى ربّكم} أي: فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر {ولعلّهم يتّقون} يقولون: ولعلّ بهذا الإنكار يتّقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى اللّه تائبين، فإذا تابوا تاب اللّه عليهم ورحمهم.
قال تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به} أي: فلمّا أبى الفاعلون المنكر قبول النّصيحة، {أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا} أي: ارتكبوا المعصية {بعذابٍ بئيسٍ}؛ فنصّ على نجاة النّاهين وهلاك الظّالمين، وسكت عن السّاكتين؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقّون مدحًا فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيمًا فيذمّوا، ومع هذا فقد اختلف الأئمّة فيهم: هل كانوا من الهالكين أو من النّاجين؟ على قولين:
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال: هي قريةٌ على شاطئ البحر بين مصر والمدينة، يقال لها: "أيلة"، فحرّم اللّه عليهم الحيتان يوم سبتهم، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرّعًا في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السّبت لم يقدروا عليها. فمضى على ذلك ما شاء اللّه، ثمّ إن طائفةً منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم، فنهتهم طائفةٌ وقالوا: تأخذونها وقد حرّمها اللّه عليكم يوم سبتكم؟ فلم يزدادوا إلّا غيًّا وعتوًّا، وجعلت طائفةٌ أخرى تنهاهم، فلمّا طال ذلك عليهم قالت طائفةٌ من النّهاة: تعلمون أنّ هؤلاء قومٌ قد حقّ عليهم العذاب، {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} وكانوا أشدّ غضبًا للّه من الطّائفة الأخرى؟ فقالوا: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} وكلٌّ قد كانوا ينهون، فلمّا وقع عليهم غضب اللّه نجت الطّائفتان اللّتان قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} والّذين قالوا: {معذرةً إلى ربّكم} وأهلك اللّه أهل معصيته الّذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردةً.
وروى العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قريبًا من هذا.
وقال حمّاد بن زيدٍ، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال: ما أدري أنجا الّذين قالوا: "أتعظون قومًا اللّه مهلكهم"، أم لا؟ قال: فلم أزل به حتّى عرّفته أنّهم نجوا، فكساني حلّةً.
قال عبد الرّزّاق: أخبرنا ابن جريج، حدّثني رجلٌ، عن عكرمة قال: جئت ابن عبّاسٍ يومًا وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنو، ثمّ لم أزل على ذلك حتّى تقدّمت فجلست، فقلت: ما يبكيك يا أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداك؟ قال: فقال: هؤلاء الورقات. قال: وإذا هو في "سورة الأعراف"، قال: تعرف أيلة قلت: نعم. قال: فإنّه كان بها حيٌّ من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السّبت، ثمّ غاصت لا يقدرون عليها حتّى يغوصوا بعد كدٍّ ومؤنةٍ شديدةٍ، كانت تأتيهم يوم السّبت شرّعًا بيضًا سمانًا كأنّها الماخض، تتبطّح ظهورها لبطونها بأفنيتهم. فكانوا كذلك برهةً من الدّهر، ثمّ إن الشّيطان أوحى إليهم فقال: إنّما نهيتم عن أكلها يوم السّبت، فخذوها فيه، وكلوها في غيره من الأيّام. فقالت ذلك طائفةٌ منهم، وقالت طائفةٌ: بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السّبت. فكانوا كذلك، حتّى جاءت الجمعة المقبلة، فغدت طائفةٌ بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفةٌ ذات اليمين، وتنحّت واعتزلت طائفةٌ ذات اليسار وسكتت. وقال الأيمنون: ويلكم، اللّه، اللّه ننهاكم أن تتعرّضوا لعقوبة اللّه. وقال الأيسرون: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا}؟ قال الأيمنون: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} إن ينتهوا فهو أحبّ إلينا ألّا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرةً إلى ربّكم. فمضوا على الخطيئة، وقال الأيمنون: فقد فعلتم، يا أعداء اللّه. واللّه لا نبايتكم اللّيلة في مدينتكم، واللّه ما نراكم تصبحون حتّى يصبّحكم اللّه بخسفٍ أو قذفٍ أو بعض ما عنده من العذاب. فلمّا أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا، فلم يجابوا، فوضعوا سلّمًا، وأعلوا سور المدينة رجلًا فالتفت إليهم فقال: أي عباد اللّه، قردةٌ واللّه تعاوي لها أذنابٌ. قال: ففتحوا فدخلوا عليهم، فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة، فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشمّ ثيابه وتبكي، فتقول: ألم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها، أي نعم. ثمّ قرأ ابن عبّاسٍ: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ} قال: فأرى الّذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها؟. قال: قلت: جعلني اللّه فداك، ألا ترى أنّهم قد كرهوا ما هم عليه، وخالفوهم وقالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم}؟ قال: فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين
وكذا روى مجاهدٌ، عنه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يونس، أخبرنا أشهب بن عبد العزيز، عن مالك، قال: زعم ابن رومان أنّ قوله تعالى: {تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم}؛ قال: كانت تأتيهم يوم السّبت، فإذا كان المساء ذهبت، فلا يرى منها شيءٌ إلى يوم السّبت الآخر، فاتّخذ -لذلك -رجلٌ خيطًا ووتدًا، فربط حوتًا منها في الماء يوم السّبت، حتّى إذا أمسوا ليلة الأحد، أخذه فاشتواه، فوجد النّاس ريحه، فأتوه فسألوه عن ذلك، فجحدهم، فلم يزالوا به حتّى قال لهم: "فإنّه جلد حوتٍ وجدناه". فلمّا كان السّبت الآخر فعل مثل ذلك -ولا أدري لعلّه قال: ربط حوتين -فلمّا أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه، فوجدوا رائحةً، فجاءوا فسألوه فقال لهم: لو شئتم صنعتم كما أصنع. فقالوا له: وما صنعت؟ فأخبرهم، ففعلوا مثل ما فعل، حتّى كثر ذلك. وكانت لهم مدينةٌ لها ربضٌ يغلقونها عليهم، فأصابهم من المسخ ما أصابهم. فغدوا عليهم جيرانهم ممّا كانوا حولهم، يطلبون منهم ما يطلب النّاس، فوجدوا المدينة مغلقةً عليهم، فنادوا فلم يجيبوهم، فتسوّروا عليهم، فإذا هم قردةٌ، فجعل القرد يدنو يتمسّح بمن كان يعرف قبل ذلك، ويدنو منه ويتمسّح به
وقد قدّمنا في سورة "البقرة" من الآثار في خبر هذه القرية ما فيه مقنعٌ وكفايةٌ، وللّه الحمد والمنّة.
القول الثّاني: أنّ السّاكتين كانوا من الهالكين.
قال محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّه قال: ابتدعوا السّبت فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان، فكانوا إذا كان يوم السّبت، شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر. فإذا انقضى السّبت، ذهبت فلم تر حتّى السّبت المقبل، فإذا جاء السّبت جاءت شرّعًا، فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا كذلك، ثمّ إنّ رجلًا منهم أخذ حوتًا فخزم أنفه ثمّ، ضرب له وتدًا في السّاحل، وربطه وتركه في الماء. فلمّا كان الغد، أخذه فشواه فأكله، ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون، ولا ينهاه منهم أحدٌ، إلّا عصبةٌ منهم نهوه، حتّى ظهر ذلك في الأسواق، ففعل علانيةً. قال: فقالت طائفةٌ للّذين ينهونهم: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم} فقالوا: سخط أعمالهم {ولعلّهم يتّقون * فلمّا نسوا ما ذكّروا به} إلى قوله: {قردةً خاسئين} قال ابن عبّاسٍ: كانوا أثلاثًا: ثلثٌ نهوا، وثلثٌ قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} وثلثٌ أصحاب الخطيئة، فما نجا إلّا الّذين نهوا وهلك سائرهم.
وهذا إسنادٌ جيّدٌ عن ابن عبّاسٍ، ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة السّاكتين، أولى من القول بهذا؛ لأنّه تبيّن حالهم بعد ذلك، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ}؛ فيه دلالةٌ بالمفهوم على أنّ الّذين بقوا نجوا.
و {بئيسٍ}؛ فيه قراءاتٌ كثيرةٌ، ومعناه في قول مجاهدٍ: "الشّديد"، وفي روايةٍ: "أليمٍ". وقال قتادة: موجعٌ. والكلّ متقاربٌ، واللّه أعلم.
وقوله: {خاسئين}؛ أي: ذليلين حقيرين مهانين). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 494-497]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ (167)}
{تأذّن}؛ تفعّل من الإذن أي: أعلم، قاله مجاهدٌ. وقال غيره: أمر.
وفي قوّة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللّفظة، ولهذا تلقّيت باللّام في قوله: {ليبعثنّ عليهم} أي: على اليهود {إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر اللّه وشرعه واحتيالهم على المحارم.
ويقال: إنّ موسى، عليه السّلام، ضرب عليهم الخراج سبع سنين -وقيل: ثلاث عشرة سنةً، وكان أوّل من ضرب الخراج. ثمّ كانوا في قهر الملوك من اليونانيّين والكشدانيّين والكلدانيّين، ثمّ صاروا في قهر النّصارى وإذلالهم وإيّاهم، أخذهم منهم الجزية والخراج، ثمّ جاء الإسلام، ومحمّدٌ، عليه أفضل الصّلاة والسّلام، فكانوا تحت صفاره وذمّته يؤدّون الخراج والجزى
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في تفسير هذه الآية قال: هي المسكنة، وأخذ الجزية منهم.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عنه: هي الجزية، والّذين يسومهم سوء العذاب: محمّدٍ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وأمّته، إلى يوم القيامة.
وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، وابن جريج، والسّدّي، وقتادة.
وقال عبد الرّزّاق: عن معمر، عن عبد الكريم الجزريّ، عن سعيد بن المسيّب قال: يستحبّ أن تبعث الأنباط في الجزية.
قلت: ثمّ آخر أمرهم أنّهم يخرجون أنصار الدّجّال، فيقتلهم المسلمون مع عيسى ابن مريم، عليه السّلام، وذلك آخر الزّمان.
وقوله: {إنّ ربّك لسريع العقاب}؛ أي: لمن عصاه وخالف أمره وشرعه، {وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} أي: لمن تاب إليه وأناب.
وهذا من باب قرن الرّحمة مع العقوبة، لئلّا يحصل اليأس، فيقرن اللّه تعالى بين التّرغيب والتّرهيب كثيرًا؛ لتبقى النّفوس بين الرجاء والخوف). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 497]


رد مع اقتباس