الموضوع: سورة المائدة
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 6 رجب 1434هـ/15-05-2013م, 08:37 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ‌ اللَّـهِ وَلَا الشَّهْرَ‌ الْحَرَ‌امَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَ‌امَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَرِ‌ضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِ‌مَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَ‌امِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ‌ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)}

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال:(ومن سورة المائدةوعن قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} فنسختها براءة فقال الله جل وعز: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقال الله عز وجل: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر إلى قوله وفي النار هم خالدون} فقال عز وجل: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} وهو العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه ونادى علي فيه بالآذان يعني بالآذان أنه قرأ عليهم علي رضي الله عنه سورة براءة ) . [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/40-42]

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (أولاهن قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} إلى قوله: {يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} [2 مدنية / المائدة / 5] ثم نسخت بآية السيف.).[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 35-37]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الأولى من هذه السّورةقال جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام} [المائدة: 2]
ذهب جماعةٌ من العلماء إلى أنّ هذه الأحكام الخمسة منسوخةٌ وذهب بعضهم إلى أنّ فيها منسوخًا وذهب بعضهم إلى أنّها محكمةٌ
فممّن ذهب إلى أنّها منسوخةٌ قتادة وروي ذلك عن ابن عبّاسٍ
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله جلّ وعزّ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي} [المائدة: 2] ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام قال: " منسوخٌ كان الرّجل في الجاهليّة إذا خرج يريد الحجّ تقلّد من السّمر فلا يعرض له أحدٌ وإذا تقلّد قلادة شعرٍ لم يعرض له أحدٌ وكان المشرك يومئذٍ لا يصدّ عن البيت فأمر اللّه جلّ وعزّ أن لا يقاتل المشركون في الشّهر الحرام ولا عند البيت ثمّ نسختها قوله جلّ وعزّ: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا أبو صالح عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: وقوله: جلّ وعزّ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد
ولا آمّين البيت الحرام} [المائدة: 2] " فكان المؤمنون والمشركون يحجّون إلى البيت جميعًا فنهى أن يمنع أحدٌ من الحجّ إلى البيت من مؤمنٍ وكافرٍ ثمّ أنزل اللّه جلّ وعزّ بعد هذا {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] وقال جلّ ذكره: {إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر} [التوبة: 18] وقال تعالى {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه} [التوبة: 17] فنفى المشركين من المسجد الحرام " وبهذا الإسناد {لا تحلّوا شعائر اللّه} [المائدة: 2] " كان المشركون يعظّمون أمر الحجّ ويهدون الهدايا إلى البيت ويعظّمون حرمته فأراد المسلمون أن يغيّروا ذلك فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه} [المائدة: 2] "
فهذا على تأويل النّسخ في الأحكام الخمسة بإباحة قتال المشركين على كلّ حالٍ ومنعهم من المسجد الحرام
فأمّا مجاهدٌ فقال لم ينسخ منها إلّا القلائد كان الرّجل يتقلّد بشيءٍ من لحا الحرم فلا يقرب فنسخ ذلك
قال أبو جعفرٍ: وعلى مذهب أبي ميسرة أنّها محكمةٌ
وأمّا عطاءٌ فقال: {لا تحلّوا شعائر اللّه} [المائدة: 2] أي لا تتعرّضوا ما يسخطه واتّبعوا طاعته واجتنبوا معاصيه، فهذا لا نسخ فيه وهو قولٌ حسنٌ لأنّ واحد الشّعائر شعيرةٌ من شعرت به أي علمت به فيكون المعنى لا تحلّوا معالم اللّه وهي أمره ونهيه وما أعلمه النّاس فلا تخالفوه
وقد روي عن ابن عبّاسٍ الهدي ما لم يقلّد وقد عزم صاحبه على أن يهديه والقلائد ما قلّد
فأمّا الرّبيع بن أنسٍ فتأوّل معنى ولا القلائد أنّه لا يحلّ لهم أن يأخذوا
من شجر الحرم فيتقلّدوه وهذا قولٌ شاذٌّ بعيدٌ وقول أهل التّأويل إنّهم نهوا أن يحلّوا ما قلّد فيأخذوه ويغصبوه
فمن قال منسوخٌ فحجّته بيّنةٌ أنّ المشرك حلال الدّم وإن تقلّد من شجر الحرم وهذا بيّنٌ جدًّا
وفي هذه الآية ممّا ذكر أنّه منسوخٌ قوله جلّ وعزّ: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا} [المائدة: 2]
قال عبد الرّحمن بن زيدٍ «هذا كلّه منسوخٌ نسخه الجهاد»
قال أبو جعفرٍ: ذهب ابن زيدٍ إلى أنّه لمّا جاز قتالهم لأنّهم كفّارٌ جاز أن يعتدي عليهم ويبدءوا بالقتال وأمّا غيره من أهل التّأويل فذهب إلى أنّها ليست منسوخةً فممّن قال ذلك مجاهدٌ واحتجّ بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
لعن اللّه من قتل بذحلٍ في الجاهليّة، وأهل التّأويل أو أكثرهم
متّفقون على أنّ المعنى لا يحملنّكم إبغاض قومٍ لأن صدّوكم عن المسجد الحرام يوم الحديبية على أن تعتدوا لأنّ سورة المائدة نزلت بعد يوم الحديبية والبيّن على هذا أن تقرأ {أن صدّوكم} [المائدة: 2] بفتح الهمزة لأنّه شيءٌ قد تقدّم
واختلف العلماء في الآية الثّانية
).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/232-315]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (أولاهنّ قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد} هذا محكم {ولا آمين البيت الحرام} إلى قوله {ورضوانا} منسوخ وباقي الآية محكم نسخ المنسوخ منها بآية السّيف وذلك أن الخطيم واسمه شريح بن ضبيعة بن شرحبيل البكريّ أتى النّبي (صلى الله عليه وسلم) فقال يا محمّد اعرض عليّ أمرك فعرض عليه الدّين فقال أرجع إلى قومي فأعرض عليهم ما قلته فإن أجابوني كنت معهم وأن أبوا عليّ كنت معهم فقال النّبي (صلى الله عليه وسلم) لقد دخل عليّ بوجه كافر وخرج بعقبي غادر فمر بسرح لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاستاقه
وخرج المسلمون في إثره فأعجزهم فلمّا كانت عمرة القضاة وهو العام السّابع سمع المسلمون تلبية المشركين وكانت كل طائفة من العرب تلبي على حدتها فسمعوا بكر بن وائل تلبي ومعهم الخطيم فقالوا يا رسول الله لا يذهب أو تغير عليه فأنزل الله عز وجل {ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم} يعني الفضل في التّجارة {ورضوانا} وهو لا يرضى عنهم فصار ذلك منسوخا بآية السّيف
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 79-84]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبيُّ (ت: 427هـ): (فيها من المنسوخ تسع آيات منها قوله: {لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ} الآية [المائدة: 2] نسختها آية السيف). [الكشف والبيان: 4/5]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) :(قوله تعالى: {لا تحلّوا شعائر الله}، إلى قوله: {ورضوانًا}.
قال مجاهد وابن زيد والسّدّي والشعبي: نسخ الله من ذلك نهيه أن يعرض لأحد ممّن يقصد البيت الحرام من المشركين في قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} [المائدة: 2]، بقوله: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]، فأباح قتل من أمّ البيت من المشركين. وهذا إنما يجوز على قول من قال: إن براءة نزلت بعد المائدة.
فأما من قال: إن المائدة نزلت بعد براءة، فإنه يجعل آية براءة مخصّصةً بآية المائدة ومبيّنةً أن المراد بآية براءة قتل كلّ مشرك غير آمّ البيت الحرام وهذا على قول ما قال: ليس في المائدة منسوخ.
قال ابن عباس: كان المشركون والمؤمنون يحجون البيت، فنهى الله المؤمنين في هذه الآية أن يمنعوا المشركين من الحج، ثم نسخ الله ذلك بقوله: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} [التوبة: 17] وبقوله: {إنما المشركون نجسٌ} وبقوله: {إنّما يعمر مساجد الله من آمن بالله} [التوبة: 18].
قال قتادة: كان الرجل إذا خرج إلى الحج تقلّد من السّمر وهو شجر فلا يعرض له أحد ولا يصدّ عن البيت، وإذا رجع تقلّد قلادةً من شعر؛ فلا يعرض له أحد، قال فأمر الله جلّ ذكره أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام، بقوله: {ولا الشّهر الحرام} [المائدة: 2]، ثم نسخ ذلك كلّه بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5].
وعن مجاهد أنه قال: لم ينسخ من المائدة إلا القلائد، كان الرجل يتقلّد بالشيء من لحاء شجر الحرم فلا يؤذي فيكون التقدير على هذه الأقوال: ولا أصحاب القلائد، قال: فنسخ الله سبحانه ذلك بقوله:
{فاقتلوا المشركين} الآية. قال: ومعنى {لا تحلّوا شعائر الله} [المائدة:2] لا تتعرضوا لسخطه وابتغوا طاعته، فهو محكم لا يجوز نسخه على هذا التأويل.
وقال الشعبي: نسخ من هذه السورة خمسة أحكام: قوله: {لا تحلّوا شعائر الله} إلى قوله: {الحرام}، قال: نسخ ذلك كلّه بالأمر بالقتل حيث وجدوا.
وأكثر العلماء على أن قوله: {لا تحلّوا شعائر الله} محكمٌ غير منسوخ، ومعناه: لا تستحلوا حدوده ومعالمه وحرماته، وهذا لا يجوز نسخه.
قال ابن عباس: شعائر الله: مناسك الحج، فمعنى الآية: لا ترتكبوا ما نهيتكم عنه من صدٍّ وغيره. وهذا كلّه لا يجوز نسخه.
وقد قال أبو عبيد: الشعائر: الهدايا، وقيل: الشعائر: العلامات التي بين الحلّ والحرم.
فأما قوله: {ولا الشهر الحرام} [المائدة: 2]، فهو عند أكثر العلماء منسوخٌ لأنه تعالى ذكره نهى أن يقاتل المشركون في الشّهر الحرام، ثم نسخ
ذلك، وقد تقدم ذكره في البقرة. والشهر الحرام: هنا يراد به رجبٌ، وقيل: ذو القعدة.
وقوله: {ولا الهدي ولا القلائد}، وقد تقدم القول فيه أنه منسوخٌ بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا، ومعناه: ولا أصحاب الهدي ولا أصحاب القلائد. فكان النهي عامًّا عن قتل المشركين أصحاب الهدي والقلائد، ثم نسخ ذلك بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} على ما تقدم من الاختلاف.
وقد قيل: إن هذا كلّه محكم غير منسوخ. نهى الله جلّ ذكره المؤمنين أن يمنعوا هدي المؤمن المقلّد وغير المقلّد عن أن يصل إلى محلّه، كما فعل المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزاة الحديبية؛ إذ صدّوهم عن البيت، وصدّوا الهدي أن يبلغ محلّه، فهي في المؤمنين خاصة محكمة، وهي مثل قوله: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: 188] إلى قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} [المائدة: 2]، وهذا وحده منسوخ بآية السيف على ما قدّمنا.
وقد قيل: إنه مخصوصٌ في أمر بعينه نزل في الحطم بن هند
وقيل هو الحطيم بن ضبيعة أتى حاجًّا، وقد قلّد هديه فأراد أصحاب النبي الخروج إليه فنهوا عن ذلك بهذه الآية، وبهذا القول قال ابن جريجٍ وغيره.
وأكثر الناس على أن المائدة نزلت بعد براءة، فلا يجوز على هذا أن ينسخ ما في براءة ما في المائدة، لأن الآية لا تنسخ ما لم ينزل بعد. ومن قال هذا، جعل: {ولا آمّين البيت الحرام} منسوخًا بالإجماع على أن المشرك لا يقرب المسجد الحرام، وهذا إنما يجوز على قول من أجاز أن ينسخ الإجماع القرآن وليس هو قول مالكٍ ولا أصحابه، ولكن تكون الآية على قول مالك وأصحابه، ومن لم يجز أن ينسخ الإجماع القرآن مخصوصةً في المؤمنين الذين يقصدون البيت الحرام، فهو محكم، فلا يجوز نسخه؛ لأن المسلم نفسه وماله وعرضه محرّم، وإنما خصّ ذكر الآمّين للبيت الحرام، وغيرهم في التحريم مثلهم؛ لأنهم أعظم حرمةً وآكد في التحريم لقصدهم البيت الحرام وابتغائهم ما عند الله وإلاّ فالتحريم في أن يحلّ أذى المسلم حيث كان واحد، وهذا كما قال: {منها أربعةٌ حرمٌ فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} أي: لا يظلم بعضكم بعضًا في هذه الأربعة الأشهر الحرم، والظلم ممنوع منه في كل الشهور،
ولكن خصّ ذكر الأشهر الحرم لعظم قدرها، وعظم الذنب فيها، ولهذا نظائر، يخص الشيء بالذكر لتأكيد حاله وجلالة أمره وغيره مثله.
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 255-279]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) :(قوله تعالى: {ولا يجرمنّكم شنئان قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا} [المائدة: 2]:
نهاهم الله عن الاعتداء لأجل بغضهم لقوم.

قال ابن زيد: هو منسوخ بالأمر بالقتال والجهاد، وقتلهم وجهادهم من أعظم الاعتداء عليهم وهو مأمورٌ به فيهم.
وقال مجاهد وغيره: الآية مخصوصةٌ محكمةٌ غير منسوخة. نزلت الآية في مطالبة المسلمين المشركين بـ "ذحول" الجاهلية لأجل أن صدّوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية.
فالمعنى: لا يحملنّكم بغض من صدّكم عن المسجد الحرام عام الحديبية أن تطالبوهم بما مضى في الجاهلية من قتلٍ أو غيره، فما هم عليه من الكفر أعظم من ذلك، وقد قال النبي عليه السلام: ((لعن الله من قتل بـ "ذحلٍ" كان في الجاهلية)) وهذا القول أولى بالآية وأحسن
). [الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 255-279]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام} الآية.
اختلف المفسّرون في هذه الآية، هل هي محكمةٌ أم منسوخة؟ على قولين:
أحدهما: أنّها محكمةٌ ولا يجوز استحلال الشّعائر ولا الهدي قبل أوان ذبحه.
ثمّ اختلفوا في القلائد فقال بعضهم: يحرم رفع (القلادة) عن الهدي حتّى (ينحر).
وقال آخرون منهم: كانت الجاهليّة تقلّد من شجر الحرم فقيل لهم لا تستحلّوا أخذ القلائد من الحرم ولا تصدّوا القاصدين إلى البيت.
والقول الثّاني: أنّها منسوخةٌ، ثمّ في المنسوخ منها ثلاثة أقوال:
أحدهما: قوله: {ولا آمّين البيت الحرام} فإنّ هذا اقتضى جواز إقرار المشركين على قصدهم البيت، وإظهارهم شعائر الحجّ ثمّ نسخ هذا بقوله: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} وبقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وهذا المعنى مرويٌّ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا عمر بن بشران، قال: أبنا إسحاق ابن (أحمد)، قال: أبنا عبد اللّه بن
أحمد، قال: حدّثني أبي، قال. بنا عبد الوهّاب، عن سعيدٍ عن قتادة، قال: نسخ منها: {آمّين البيت الحرام} نسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
وقال: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر}.
وقال: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}.
والثّاني: أنّ المنسوخ منها تحريم الشّهر الحرام، وتحريم الآمّين للبيت إذا كانوا مشركين، وهدي المشركين، إذا لم يكن لهم من المسلمين أمانٌ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
والثّالث: أنّ جميعها منسوخٌ.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكيّ، قال. أبنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح،
قال: بنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمّين البيت الحرام} قال: "كان المشركون يحجّون البيت الحرام، ويهدون الهدايا ويحرّمون
(حرمة) المشاعر، وينحرون في حجّهم، فأنزل الله عز وجل {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام} أي لا تستحلّوا قتالا فيه، {ولا آمّين البيت الحرام} يقول: من توجّه قبل البيت. ثمّ أنزل اللّه، فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ".
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي، قال: بنا يزيد، قال: أبنا سفيان بن حسينٍ عن الحكم عن مجاهدٍ، قال: نسخت هذه الآية {لا تحلّوا شعائر اللّه} نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
قال أحمد: وبنا عبد الرزاق، قال: بنا معمرٌ عن قتادة، {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد} قال: هي منسوخة، كان الرّجل في الجاهليّة إذا خرج من بيته يريد الحجّ تقلّد من (السّمر) فلم يعرض له أحدٌ، فإذا رجع تقلّد قلادة شعرٍ فلم يعرض له
أحدٌ، وكان المشرك يومئذٍ لا يصدّ عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشّهر الحرام، ولا عند البيت الحرام، فنسخها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا بن غيلان، قال: أبنا أبو بكرٍ الشّافعيّ، قال: أبنا إسحاق بن الحسن، قال: أبنا أبو حذيفة النهدي، قال: بنا سفيان الثّوريّ عن بيّانٍ عن الشّعبيّ، قال: لم ينسخ من المائدة غير آية واحدة {لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام} (نسختها) {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
وفصل الخطاب في هذا أنّه لا يمكن القول بنسخ جميع الآية فإنّ شعائر اللّه أعلام متعبّداته. ولا يجوز القول بنسخ هذا (إلا أن يعني) به: لا تستحلّوا نقض ما شرع فيه المشركون من ذلك، فعلى هذا يكون منسوخًا. وكذلك الهدي والقلائد، وكذلك الآمّون للبيت فإنّه لا يجوز صدّهم إلا أن يكونوا مشركين، وأمّا الشّهر الحرام فمنسوخ الحكم على ما بيّنّا في قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه}.
فأمّا قوله: {وإذا حللتم فاصطادوا} فلا وجه لنسخه.
وأمّا قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} فمنسوخٌ بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وباقي الآية محكمٌ (بلا) شكٍّ.
). [نواسخ القرآن: 297-322]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الأولى : {لا تحلّوا شعائر اللّه} 0 ذهب بعضهم إلى إحكامها وقال لا يجوز استحلال الشّعائر ولا الهدي قبل أوانذبحه. وقال آخرون: كانت الجاهليّة تقلّد من شجر الحرم فقيل لا تستحلّوا أخذ القلائد من الحرم ولا تصدوا القاصدين إلى البيت وذهب آخرون إلى أنها منسوخة ولهم في المنسوخ ثلاثة أقوال أحدها ولا آمين البيت الحرام فنسخ في المشركين بقوله {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} . والثاني الآية تحرم الشهر الحرام والآمين إذا كانوا مشركين وهدي المشركين ولم يكن لهم أمان والثالث أن جميعها منسوخ هكذا أطلقه جماعة وليس بصحيح فإن قوله {وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البرّ والتّقوى} إلى آخرها فلا وجه لنسخه.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 26-30]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الأول: قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} الآية [المائدة: 2].

قال الشعبي وغيره: لم ينسخ من المائدة غير هذه الخمسة، نسخها الأمر بقتال المشركين.
وقال ابن زيد: هذا كله منسوخ بالأمر بقتالهم كافة.
وقال ابن عباس وقتادة: ({ولا آمين البيت الحرام} الآية [المائدة: 2]، يعني: منع المشركين من الحج، ثم نسخ ذلك بالقتل).
والشعائر: جمع شعيرة، وشعيرة بمعنى: مشعرة، أي: معلمة. واختلف فيها فقيل: حدوده التي جعلها أعلاما لطاعته في الحج.
وقال ابن عباس: (هي مناسك الحج، نهاهم أن يحلوا ما منع المحرم من إصابته).
وقال زيد بن أسلم: هي ست: الصفا، والمروة، والبدن، والجمار، والمشعر الحرام، وعرفة، والركن.
قال: والحرمات خمس: البلد الحرام، والكعبة البيت الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والمحرم حتى يحل.
قال الكلبي: كانت عامة العرب لا يعدون الصفا والمروة من الشعائر، ولا يقفون إذا حجوا عليهما، وكانت الخمس لا يعدون عرفات من الشعائر ولا يقفون بها في الحج، فنهى الله تعالى المؤمنين عن ذلك.
وقال السدي: وشعائر الله: حرمه.
وقيل: هي العلامات، بين الحل والحرم، فهو أن يجاوزوها غير محرمين.
وقال عطاء: شعائر الله: حرماته، نهاهم عن ارتكاب سخطه وأمرهم باتباع طاعته، وقيل: الشعائر: الهدايا، وقيل: الإشعار: أن تجلل وتقلد وتطعن في سنامها فيعلم بذلك أنها هدي.
والشهر الحرام: قيل: هو القعدة.
وقيل: هو رجب، كانت مضر تحرم فيه القتال، فأمروا بأن يحرموه ولا يقاتلوا فيه عدوهم، وقيل: كانوا يحلونه مرة ويحرمونه أخرى، فنهوا عن إحلاله.
والهدي: ما أهداه المسلمون إلى البيت من بعير أو بقرة أو شاة، حرم الله عز وجل أن يمنع أن يبلغ محله.
والقلائد: قيل: هي الهدايا المتقلدات، نهي عن الهدي غير المقلد وعن المقلد.
وقيل: هي ما كان المشركون يتقلدون فيه، كان أحدهم إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلا يعرض له أحد، وإذا انصرف تقلد من الشعر قلادة فلا يعرض له أيضا.
وقيل: إنما نهى الله عز وجل أن ينزع شجر الحرم فيتقلد به على عادة الجاهلية.
وقيل: كان الرجل إذا خرج من أهله حاجا أو معتمرا وليس معه هدي جعل في عنقه قلادة من شعر أو وبر فأمن بها إلى مكة، وإذا قفل من مكة علق في عنقه لحاء شجر مكة فيأمن بها حتى يصل إلى أهله.
وقوله عز وجل: {ولا آمين البيت الحرام} الآية [المائدة: 2] قيل: نهوا أن يعرضوا لمن أم البيت الحرام من المشركين. واختلف في سبب نزولها:
فقيل: نزلت في الحطم البكري، قال ابن جريج: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني داعية قومي وسيدهم، فأعرض علي أمرك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أدعوك إلى الله، أن تعبده ولا تشرك به شيئا، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت)).
فقال الحطم: في أمرك غلظة، أرجع إلى قومي فأذكر لهم ما ذكرت، فإن قبلوا قبلت معهم، وإن أدبروا كنت معهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((ارجع)).
فلما خرج قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر، وما الرجل بمسلم)) فمر على سرح للمسلمين فانطلق به، وطلب فلم يدرك، ثم إنه خرج إلى الحج بتجارة عظيمة، فأراد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرضوا له ويأخذوا ما معه، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله..} الآية [المائدة: 2] ولما استاق السرح قال:

قد لفها الليل بسواق حطم

ليس براعي إبل ولا غنـم

ولا بجزار على ظهر وضم

باتوا نياما وابن هند لم ينم

بات يقاسيها غلام كالزلـم

خدلج الساقين خفاق القدم

وهذا القول يبطله قوله عز وجل: {يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} الآية [المائدة: 2].
وقال ابن زيد: جاء ناس من المشركين يوم الفتح يقصدون البيت، فقال المسلمون: نغير عليهم، فقال الله عز وجل في ذلك: {ولا آمين البيت الحرام} الآية [المائدة: 2].
قال قتادة: نسخ من المائدة: {ولا آمين البيت الحرام} الآية [المائدة: 2]، نسخها آية القتل في "براءة" وقد تقدم أنها نزلت بعد "براءة" عند أكثر العلماء، وهذا مانع من أن تكون براءة ناسخة لها.
ومن قال: ليس فيها منسوخ، قال: أما الشعائر فحدود الله عز وجل.
فأما الشهر الحرام فذو القعدة ولا يحله المحرم فيتعدى فيه إلى ما أمر باجتنابه.
وأما الهدي فظاهر.
وأما القلائد فالنهي عن نزع شجر الحرم ليتقلد به أو عن الهدي المقلد، والتقدير على حذف مضاف: أي: ولا ذي القلائد .
{ولا آمين البيت الحرام}الآية [المائدة: 2]، قيل: إنها للمسلمين؛ لأن المشركين لا يبتغون رضوان الله فينهى المسلمون عنهم، لأجل ذلك لا يجوز أن يكون {آمين} حالا من المخاطبين، أي: لا تحلوا شعائر الله آمين البيت الحرام، أي: لا تحلوها قاعدين عن الحج ولا آمين البيت الحرام.
وقوله: {يبتغون فضلا}الآية [المائدة: 2]، على الالتفات، كقوله عز وجل: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول}الآية [النساء: 64].). [جمال القراء: 1/295-302]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وأخرج عَبد بن حُمَيد وابو داود في ناسخه، وَابن جَرِير، وَابن المنذر والنحاس عن الشعبي قال: لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية {يا أيها الذينآمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد} الآية [المائدة: 2]). [الدر المنثور: 5/158-159]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وأخرج عبد بن حميدٍ وأبو داود في "ناسخه" وابن جريرٍ وابن المنذر عن الشّعبيّ قال: (لم ينسخ من المائدة إلّا هذه الآية {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحلّوا شعائر اللّه ولا الشّهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد} الآية [المائدة: 2])). [فتح القدير: 2/6]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس