عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:33 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلًا (25) الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن وكان يومًا على الكافرين عسيرًا (26) ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) يا ويلتا ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا (29)}
يخبر تعالى عن هول يوم القيامة، وما يكون فيه من الأمور العظيمة، فمنها انشقاق السّماء وتفطّرها وانفراجها بالغمام، وهو ظلل النّور العظيم الّذي يبهر الأبصار، ونزول ملائكة السموات يومئذٍ، فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر. ثمّ يجيء الرّبّ تبارك وتعالى لفصل القضاء.
قال مجاهدٌ: وهذا كما قال تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه في ظللٍ من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى اللّه ترجع الأمور} [البقرة: 210].
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن الحارث، حدّثنا مؤمّل، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن يوسف بن مهران، عن ابن عبّاسٍ، أنّه قرأ هذه الآية: {ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا} قال ابن عبّاسٍ: يجمع اللّه الخلق يوم القيامة في صعيدٍ واحدٍ، الجنّ والإنس والبهائم والسّباع والطّير وجميع الخلق، فتنشقّ السّماء الدّنيا، فينزل أهلها -وهم أكثر من الجنّ والإنس ومن جميع الخلائق -فيحيطون بالجنّ والإنس وبجميع الخلق. ثمّ تنشقّ السّماء الثّانية فينزل أهلها، وهم أكثر من أهل السّماء الدّنيا ومن الجنّ والإنس ومن جميع الخلق [فيحيطون بالملائكة الّذين نزلوا قبلهم والجنّ والإنس وجميع الخلق] ثمّ تنشقّ السّماء الثّالثة، فينزل أهلها، وهم أكثر من أهل السّماء الثّانية والسّماء الدّنيا ومن جميع الخلق، فيحيطون بالملائكة الّذين نزلوا قبلهم، وبالجنّ والإنس وبجميع الخلق. ثمّ كذلك كلّ سماءٍ، حتّى تنشقّ السّماء السّابعة، فينزل أهلها وهم أكثر ممّن نزل قبلهم من أهل السموات ومن الجنّ والإنس، ومن جميع الخلق، فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السموات، وبالجنّ والإنس وجميع الخلق، وينزل ربّنا عزّ وجلّ في ظللٍ من الغمام، وحوله الكروبيّون، وهم أكثر من أهل السموات السّبع ومن الإنس والجنّ وجميع الخلق، لهم قرونٌ كأكعب القنا، وهم تحت العرش، لهم زجل بالتّسبيح والتّهليل والتّقديس للّه عزّ وجلّ، ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عامٍ، وما بين كعبه إلى ركبته مسيرة خمسمائة عامٍ، وما بين ركبته إلى حجزته مسيرة خمسمائة عامٍ، وما بين حجزته إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عامٍ، وما بين ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عامٍ. وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عامٍ، وجهنّم مجنّبته هكذا رواه ابن أبي حاتمٍ بهذا السّياق.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثني الحجّاج، عن مبارك بن فضالة، عن عليّ بن زيدٍ بن جدعان، عن يوسف بن مهران، أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقول: إنّ هذه السّماء إذا انشقّت نزل منها من الملائكة أكثر من الجنّ والإنس، وهو يوم التّلاق، يوم يلتقي أهل السّماء وأهل الأرض، فيقول أهل الأرض: جاء ربّنا؟ فيقولون: لم يجئ، وهو آتٍ. ثمّ تنشقّ السّماء الثّانية، ثمّ سماءٌ سماءٌ على قدر ذلك من التّضعيف إلى السّماء السّابعة. فينزل منها من الملائكة أكثر من [جميع من] نزل من السموات ومن الجنّ والإنس. قال: فتنزل الملائكة الكروبيون، ثمّ يأتي ربّنا في حملة العرش الثّمانية، بين كعب كلّ ملكٍ وركبته مسيرة سبعين سنةً، وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنةً. قال: وكلّ ملكٍ منهم لم يتأمّل وجه صاحبه، وكلّ ملكٍ منهم واضعٌ رأسه بين ثدييه يقول: سبحان الملك القدوس. وعلى رؤوسهم شيءٌ مبسوطٌ كأنّه القباء والعرش فوق ذلك.
ثمّ وقف، فمداره على عليّ بن زيد بن جدعان، وفيه ضعفٌ، وفي سياقاته غالبًا نكارةٌ شديدةٌ. وقد ورد في حديث الصّور المشهور قريبٌ من هذا، واللّه أعلم.
وقد قال [اللّه] تعالى: {فيومئذٍ وقعت الواقعة وانشقّت السّماء فهي يومئذٍ واهيةٌ والملك على أرجائها ويحمل عرش ربّك فوقهم يومئذٍ ثمانيةٌ} [الحاقّة: 15 -17] قال شهر بن حوشب: حملة العرش ثمانيةٌ، أربعةٌ منهم يقولون: سبحانك اللّهمّ وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك. وأربعةٌ يقولون: سبحانك اللّهمّ وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، رواه ابن جريرٍ عنه.
وقال أبو بكر بن عبد اللّه: إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم من فوقهم، شخصت إليه أبصارهم، ورجفت كلاهم في أجوافهم، وطارت قلوبهم من مقرّها من صدورهم إلى حناجرهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا معتمر بن سليمان، عن عبد الجليل، عن أبي حازمٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: يهبط اللّه حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجابٍ، منها النّور والظّلمة، فيصوّت الماء في تلك الظّلمة صوتًا تنخلع منه القلوب.
وهذا موقوفٌ على عبد اللّه بن عمرٍو من كلامه، ولعلّه من الزّاملتين، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 105-107]

تفسير قوله تعالى: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن وكان يومًا على الكافرين عسيرًا}، كما قال تعالى: {لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار} [غافرٍ: 16] وفي الصّحيح: "إن الله يطوي السموات بيمينه، ويأخذ الأرضين بيده الأخرى، ثمّ يقول: أنا الملك، أنا الدّيّان، أين ملوك الأرض؟ أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون"؟
وقوله: {وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} أي: شديدًا صعبًا؛ لأنّه يوم عدلٍ وقضاء فصلٍ، كما قال تعالى: {[فإذا نقر في النّاقور]} "، {فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ * على الكافرين غير يسيرٍ} [المدّثّر: 8 -10]، فهذا حال الكافرين في هذا اليوم. وأمّا المؤمنون فكما قال تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقّاهم الملائكة هذا يومكم الّذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسن بن موسى، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قيل: يا رسول اللّه: {يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "والّذي نفسي بيده، إنّه ليخفّف على المؤمن حتى يكون أخفّ عليه من صلاةٍ مكتوبةٍ يصلّيها في الدّنيا"). [تفسير ابن كثير: 6/ 107-108]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا}: يخبر تعالى عن ندم الظّالم الّذي فارق طريق الرّسول وما جاء به من عند اللّه من الحقّ المبين، الّذي لا مرية فيه، وسلك طريقًا أخرى غير سبيل الرّسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعضّ على يديه حسرةً وأسفًا.
وسواءً كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء، فإنّها عامّةٌ في كلّ ظالمٍ، كما قال تعالى: {يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون يا ليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا * ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا} [الأحزاب:66 -68] فكلّ ظالمٍ يندم يوم القيامة غاية النّدم، ويعض على يديه قائلًا {يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلا} يعني: من صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضّلالة [من دعاة الضّلالة]، وسواءٌ في ذلك أميّة بن خلفٍ، أو أخوه أبيّ بن خلفٍ، أو غيرهما.
{لقد أضلّني عن الذّكر} [وهو القرآن] {بعد إذ جاءني} أي: بعد بلوغه إليّ، قال اللّه تعالى: {وكان الشّيطان للإنسان خذولا} أي: يخذله عن الحقّ، ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه). [تفسير ابن كثير: 6/ 108]

رد مع اقتباس