عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 4 محرم 1440هـ/14-09-2018م, 06:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واذكر في الكتاب إدريس إنّه كان صدّيقًا نبيًّا (56) ورفعناه مكانًا عليًّا (57)}.
وهذا ذكر إدريس، عليه السّلام، بالثّناء عليه، بأنّه كان صدّيقًا نبيًّا، وأنّ اللّه رفعه مكانًا عليًّا. وقد تقدّم في الصّحيح: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم مرّ به في ليلة الإسراء وهو في السّماء الرّابعة.
وقد روى ابن جريرٍ هاهنا أثرًا غريبًا عجيبًا، فقال: حدّثني يونس بن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهبٍ، أخبرني جرير بن حازمٍ، عن سليمان الأعمش، عن شمر بن عطيّة، عن هلال بن يسافٍ قال: سأل ابن عبّاسٍ كعبًا، وأنا حاضرٌ، فقال له: ما قول اللّه -عزّ وجلّ-لإدريس: {ورفعناه مكانًا عليًّا} فقال كعبٌ: أمّا إدريس فإنّ اللّه أوحى إليه أنّي أرفع لك كلّ يومٍ مثل عمل جميع بني آدم، فأحبّ أن يزداد عملًا فأتاه خليلٌ له من الملائكة فقال: إنّ اللّه أوحى إليّ كذا وكذا، فكلّم لي ملك الموت، فليؤخرني حتّى أزداد عملًا فحمله بين جناحيه، حتّى صعد به إلى السّماء، فلمّا كان في السّماء الرّابعة تلقّاهم ملك الموت منحدرًا، فكلّم ملك الموت في الّذي كلّمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ فقال: هو ذا على ظهري. قال ملك الموت: فالعجب! بعثت وقيل لي: اقبض روح إدريس في السّماء الرّابعة". فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السّماء الرّابعة، وهو في الأرض؟ فقبض روحه هناك، فذلك قول اللّه: {ورفعناه مكانًا عليًّا}.
هذا من أخبار كعب الأحبار الإسرائيليّات، وفي بعضه نكارةٌ، واللّه أعلم.
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر، عن ابن عبّاسٍ: أنّه سأل كعبًا، فذكر نحو ما تقدّم، غير أنّه قال لذلك الملك: هل لك أن تسأله -يعني: ملك الموت-كم بقي من أجلي لكي أزداد من العمل وذكر باقيه، وفيه: أنّه لمّا سأله عمّا بقي من أجله، قال: لا أدري حتّى أنظر، ثمّ نظر، قال: إنّك تسألني عن رجلٍ ما بقي من عمره إلّا طرفة عينٍ، فنظر الملك تحت جناحه إلى إدريس، فإذا هو قد قبض، عليه السّلام، وهو لا يشعر به.
ثمّ رواه من وجهٍ آخر عن ابن عبّاسٍ: أنّ إدريس كان خيّاطًا، فكان لا يغرز إبرةً إلّا قال: "سبحان اللّه"، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحدٌ أفضل عملًا منه. وذكر بقيّته كالّذي قبله، أو نحوه.
وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ في قوله: {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: إدريس رفع ولم يمت، كما رفع عيسى.
وقال سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: [رفع إلى] السّماء الرّابعة.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: رفع إلى السّماء السّادسة فمات بها. وهكذا قال الضّحّاك بن مزاحم.
وقال الحسن، وغيره، في قوله: {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 240-241]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أولئك الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين من ذرّيّة آدم وممّن حملنا مع نوحٍ ومن ذرّيّة إبراهيم وإسرائيل وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدًا وبكيًّا (58)}
يقول تعالى هؤلاء النّبيّون -وليس المراد [هؤلاء] المذكورين في هذه السّورة فقط، بل جنس الأنبياء عليهم السّلام، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس - {الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين من ذرّيّة آدم} الآية.
قال السّدّيّ وابن جريرٍ، رحمه اللّه: [فالّذي عنى به من ذرّيّة آدم: إدريس، والّذي عنى به من ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ: إبراهيم] والّذي عنى به من ذرّيّة إبراهيم: إسحاق ويعقوب وإسماعيل، والّذي عنى به من ذرّيّة إسرائيل: موسى، وهارون، وزكريّا ويحيى وعيسى ابن مريم.
قال ابن جريرٍ: ولذلك فرّق أنسابهم، وإن كان يجمع جميعهم آدم؛ لأنّ فيهم من ليس من ولد من كان مع نوحٍ في السّفينة، وهو إدريس، فإنّه جدّ نوحٍ.
قلت: هذا هو الأظهر أنّ إدريس في عمود نسب نوحٍ، عليهما السّلام. وقد قيل: إنّه من أنبياء بني إسرائيل، أخذًا من حديث الإسراء، حيث قال في سلامه على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "مرحبًا بالنّبيّ الصّالح، والأخ الصّالح"، ولم يقل: "والولد الصّالح"، كما قال آدم وإبراهيم، عليهما السّلام.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس، أنبأنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عبد اللّه بن محمّدٍ أنّ إدريس أقدم من نوحٍ بعثه اللّه إلى قومه، فأمرهم أن يقولوا: "لا إله إلّا اللّه"، ويعملوا ما شاءوا فأبوا، فأهلكهم اللّه عزّ وجلّ.
[وممّا يؤيّد أنّ المراد بهذه الآية جنس الأنبياء، أنّها كقوله تعالى في سورة الأنعام: {وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ من نشاء] إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحًا هدينا من قبل ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصّالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلا فضّلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراطٍ مستقيمٍ} إلى أن قال: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرًا إن هو إلا ذكرى للعالمين} [الأنعام 83-90] وقال تعالى: {منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} [غافرٍ: 78]. وفي صحيح البخاريّ، عن مجاهدٍ: أنّه سأل ابن عبّاسٍ: أفي "ص" سجدةٌ؟ قال نعم، ثمّ تلا هذه الآية: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}، فنبيّكم ممّن أمر أن يقتدي بهم، قال: وهو منهم، يعني داود.
وقال اللّه تعالى في هذه الآية الكريمة: {إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدًا وبكيًّا} أي: إذا سمعوا كلام اللّه المتضمّن حججه ودلائله وبراهينه، سجدوا لربّهم خضوعًا واستكانةً، وحمدًا وشكرًا على ما هم فيه من النّعم العظيمة.
"والبكيّ": جمع باكٍ، فلهذا أجمع العلماء على شرعيّة السّجود هاهنا، اقتداءً بهم، واتّباعًا لمنوالهم
قال سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر قال: قرأ عمر بن الخطاب، رضي اللّه عنه، سورة مريم، فسجد وقال: هذا السّجود، فأين البكيّ؟ يريد البكاء.
رواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ، وسقط من روايته ذكر "أبي معمرٍ" فيما رأيت، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 241-243]

رد مع اقتباس