عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 04:22 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا}
روي أن مريم عليها السلام لما اطمأنت بما رأت من الآية، وعلمت أن الله تعالى سيبين عذرها، أتت به تحمله من المكان القصي الذي انتبذت فيه، روي أن قومها
[المحرر الوجيز: 6/26]
خرجوا في طلبها فلقوها وهي مقبلة. و"الفري": العظيم الشنيع، قاله مجاهد والسدي، وافتراه: اختلقه، وهو من الفرية، وفراه يفريه: شقه وأفسده، وأفراه: أصلحه، من قولهم: فريت الأديم: قطعته على جهة الإصلاح، وأما قولهم في المثل: "فلان يفري الفري" فمعناه: جاء بعمل عظيم، في قول أو فعل مما قصد ضرب المثل له، وهو مستعمل فيما يختلق ويفعل، والفري من الأسقية الجديد، وقرأ أبو حيوة: "شيئا فريا" بسكون الراء). [المحرر الوجيز: 6/27]

تفسير قوله تعالى: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف المفسرون في معنى قوله عز وجل: {يا أخت هارون} فقالت فرقة: كان لها أخ اسمه هارون؛ لأن هذا الاسم كان كثيرا في بني إسرائيل تبركا باسم هارون أخي موسى عليهما السلام، وروى المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى نجران في أمر من الأمور، فقالوا: إن صاحبك يزعم أن مريم هي أخت هارون، وبينهما في المدة ستمائة سنة، قال المغيرة: فلم أدر ما أقول فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: "ألم يعلموا أنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين"؟.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالمعنى أنه اسم وافق اسما، وقال السدي وغيره: بل نسبوها إلى هارون أخي موسى لأنها كانت من نسله، وهذا كما تقول من قبيلة: يا أخا فلانة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم، وقال كعب الأحبار بحضرة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ليست بأخت هارون أخي موسى "، فقالت عائشة: كذبت، فقال لها: يا أم المؤمنين، إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله فهو أصدق وأخبر، وإلا
[المحرر الوجيز: 6/27]
فإني أجد بينهما من المدة ستمائة سنة، قال: فسكتت، وقال قتادة: كان في ذلك الزمن في بني إسرائيل رجل عابد منقطع إلى الله عز وجل يسمى هارون، فنسبوها إلى أخوته من حيث كانت على طريقته، قيل: إذ كانت موقوفة على خدمة البيع، أي: يا هذه المرأة الصالحة ما كنت أهلا لما أتيت به: وقالت فرقة: بل كان في ذلك الزمن رجل فاجر اسمه هارون، فنسبوها إليه على جهة التعيير والتوبيخ، ذكره الطبري ولم يسم قائله، والمعنى: ما كان أبوك ولا أمك أهلا لهذه الفعلة: فكيف جئت أنت بها؟ و"البغي": التي تبغي الزنى، أي تطلبه، أصلها: بغوي، فعول، وقد تقدم ذكر ذلك). [المحرر الوجيز: 6/28]

تفسير قوله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا}
التزمت مريم عليها السلام ما أمرت به من ترك الكلام، ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت بـ إني نذرت للرحمن صوما، وإنما ورد أنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال: إن أمرها في "فقولي" إنما أريد به الإشارة، ويروى أنهم - لما أشارت إلى الطفل - قالوا: استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا لها - على جهة التقرير - كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟.
و "كان" هنا ليس يراد بها المضي؛ لأن كل واحد قد كان في المهد صبيا، وإنما هي في معنى: هو "الآن"، ويحتمل أن تكون الناقصة، والأظهر أنها التامة، وقد قال أبو عبيدة: "كان" هنا لغو. وقال الزجاج والفراء: "من" شرطية في قوله تبارك وتعالى: {من كان}.
[المحرر الوجيز: 6/28]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ونظير "كان" هذه قول رؤبة:
والرأس قد كان له قتير
و "صبيا" إما خبر "كان" على تجوز وتخيل في كونها ناقصة، وإما حال [إذا قدرت زائدة أو تامة] لاستقرار المقدر في الكلام.
وروي أن المهد يراد به حجر أمه). [المحرر الوجيز: 6/29]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قال لهم عيسى من مرقده: "إني عبد الله" الآية، وروي أنه قام متكئا على يساره، وأشار إليهم بسبابته اليمنى. و"الكتاب": التوراة، ويحتمل التوراة والإنجيل، و"آتاني" معناه: قضى بذلك وأنفذه في سابق حكمه، وهذا نحو قوله عز وجل: {أتى أمر الله} وغير هذا، وأمال الكسائي "آتاني" و"أوصاني"، والباقون لا يميلون، قال أبو علي: الإمالة في "آتاني" أحسن لا في "أوصاني"). [المحرر الوجيز: 6/29]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"مباركا" قال مجاهد: معناه: نفاعا، وقال سفيان الثوري: معناه: معلم خير،
[المحرر الوجيز: 6/29]
وقيل: آمرا بمعروف ناهيا عن منكر، وقال رجل لبعض العلماء: ما الذي أعلن من علمي؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه دين الله الذي بعث به أنبياءه، وأسند النقاش عن الضحاك أنه قال: "مباركا" معناه: قضاء للحوائج.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقوله تعالى: "مباركا" يعم هذه الوجوه وغيرها.
و "الصلاة والزكاة" قيل: هما المشروعتان في البدن والمال، وقيل: زكاة الرؤوس في الفطر، وقيل: الصلاة الدعاء، والزكاة التطهير من كل عيب ونقص ومعصية. وقرأ "دمت" بضم الدال عاصم وجماعة، وقرأ "دمت" بكسرها أهل المدينة، وابن كثير، وأبو عمرو، وجماعة). [المحرر الوجيز: 6/30]

تفسير قوله تعالى: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور "وبرا" بفتح الباء - وهو الكثير البر - ونصبه على قوله: "مباركا"، وقرأ أبو نهيك، وأبو مجلز، وجماعة "برا" بكسر الباء، فقال بعضهم: نصبه على العطف على قوله: "مباركا"، فكأنه قال: ذا بر، فاتصف بالمصدر كعدل ونحوه، وقال بعضهم: نصبه بقوله: "وأوصاني"، أي: وأوصاني برا بوالدتي، حذف الجار، يريد: وأوصاني ببر والدتي، وحكى الزهراوي هذه القراءة "وبر" بالخفض عطفا على "الزكاة"، وقوله: "بوالدتي" بيان لأنه لا والد له، وبهذا القول برأها قومها.
و "الجبار": المتعظم، وهي خلق مقرونة بالشقاء لأنها مناقضة لجميع الناس فلا يلقى صاحبها من أحد إلا مكروها، وكان عيسى صلوات الله عليه في غاية التواضع، يأكل الشجر، ويلبس الشعر، ويجلس على التراب، ويأوي حيث جنه الليل لا مسكن له، قال قتادة: وكان يقول: سلوني فإن لين القلب صغير في نفسي). [المحرر الوجيز: 6/30]

تفسير قوله تعالى: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقد تقدم ذكر تسليمه على نفسه وإدلاله في ذلك، وذكر المواطن التي خصها لأنها أوقات حاجة الإنسان إلى رحمة الله.
[المحرر الوجيز: 6/30]
وقال مالك بن أنس رضي الله عنه في هذه الآية: ما أشدها على أهل القدر، أخبر عيسى بما قضي من أمره وبما هو كائن إلى أن يموت، وفي قصص هذه الآية عن ابن زيد وغيره أنهم لما سمعوا كلام عيسى وهو في المهد أذعنوا وقالوا: إن هذا لأمر عظيم، وروي أن عيسى عليه السلام إنما تكلم في طفولته بهذه الآية ثم عاد إلى حالة الأطفال حتى نشأ على عادة البشر، وقالت فرقة: إن عيسى كان أوتي الكتاب وهو في ذلك السن، وكان يصوم ويصلي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا في غاية الضعف، مصرح بجهالة قائله). [المحرر الوجيز: 6/31]

رد مع اقتباس