قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذكر رحمة ربّك عبده زكريّا (2) إذ نادى ربّه نداءً خفيًّا (3) قال ربّ إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرّأس شيبًا ولم أكن بدعائك ربّ شقيًّا}.
اختلف أهل العربيّة في الرّافع للذّكر، والنّاصب للعبدٍ، فقال بعض نحويّي البصرة في معنى ذلك كأنّه قال: ممّا نقصّ عليك ذكر رحمة ربّك عبده، وانتصب العبد بالرّحمة كما تقول: ذكر ضرب زيدٍ عمرًا. وقال بعض نحويّي الكوفة: رفعت الذّكر بكهيعص، وإن شئت أضمرت هذا ذكر رحمة ربّك، قال: والمعنى ذكر ربّك عبده برحمته تقديمٌ وتأخيرٌ.
قال أبو جعفرٍ: والقول الّذي هو الصّواب عندي في ذلك أن يقال: الذّكر مرفوعٌ بمضمرٍ محذوفٍ وهو هذا، كما فعل ذلك في غيرها من السّور، وذلك كقول اللّه: {براءةٌ من اللّه ورسوله} وكقوله: {سورةٌ أنزلناها} ونحو ذلك. والعبد منصوبٌ بالرّحمة، وزكريّا في موضع نصبٍ، لأنّه بيانٌ عن العبد، فتأويل الكلام: هذا ذكر رحمة ربّك عبده زكريّا). [جامع البيان: 15/452-453]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} بنقل يقول: لما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، فقال: {ذكر رحمة ربك} ). [الدر المنثور: 10/9]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كان زكريا نجارا). [الدر المنثور: 10/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس قال: إن زكريا بن دان أبا يحيى كان من أبناء الأنبياء الذين كانوا يكتبون الوحي ببيت المقدس). [الدر المنثور: 10/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} قال: ذكره الله برحمته منه حيث دعاه {إذ نادى ربه نداء خفيا} يعني دعا ربه دعاء خفيا في الليل لا يسمع أحدا أو يسمع أذنيه، فقال: {رب إني وهن العظم مني} يعني ضعف العظم مني {واشتعل الرأس شيبا} يعني غلب البياض السواد {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى فتخيبني فيما بقي فكما لم اشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي عودتني الإجابة من نفسك، {وإني خفت الموالي من ورائي} فلم يبق لي وارث وخفت العصبة أن ترثني {فهب لي من لدنك وليا} يعني من عندك وليا {يرثني} يعني يرث محرابي وعصاي وبرنس العربان وقلمي الذي أكتب به الوحي {ويرث من آل يعقوب} النبوة {واجعله رب رضيا} يعني مرضيا عندك زاكيا بالعمل فاستجاب الله له فكان قد دخل في السن هو وامرأته، فبينا هو قائم يصلي في المحراب حيث يذبح القربان إذا هو برجل عليه البياض حياله وهو جبريل فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} هو اسم من اسماء الله اشتق من حي سماه الله فوق عرشه {لم نجعل له من قبل سميا} لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له {هل تعلم له سميا} يعني هل تعلم له ولدا ولم يكن لزكريا قبله ولد ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال: وكان اسمه حيا فلما وهب الله لسارة إسحاق فكان اسمها يسارة ويسارة من النساء التي لا تلد وسارة من النساء: الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى فقال: {رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا} خاف أنها لا تلد، قال: {كذلك قال ربك} يا زكريا {هو علي هين وقد خلقتك من قبل} أن أهب لك يحيى {ولم تك شيئا} وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر، وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا دعاؤك كان خفيا فأجبت بصوت رفيع وبشرت بصوت عال ذلك صوت من الشيطان ليس من جبريل ولا من ربك، {قال رب اجعل لي آية} حتى أعرف أن هذه البشرى منك، {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال} يعني صحيحا من غير خرس، فحاضت زوجته فلما طهرت طاف عليها فاستحملت فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس أعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: {أنى يكون لي غلام} فخاف أن يكون الصوت من غير الله {فخرج على قومه من المحراب} يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه، فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده {أن سبحوا بكرة وعشيا} يعني صلوا صلاة الغداة والعصر فولد له يحيى على ما بشره الله نبيا تقيا صالحا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه {وآتيناه الحكم} يعني الفهم {صبيا} صغيرا وذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء فقالوا: يا يحيى تعال حتى نلعب فقال: سبحان الله أو للعب خلقنا {وحنانا} يعني ورحمة {منا} وعطفا {وزكاة} يعني وصدقة على زكريا {وكان تقيا} يعني مطهرا مطيعا لله {وبرا بوالديه} كان لا يعصيهما {ولم يكن جبارا} يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها {عصيا} يعني عاصيا لربه، {وسلام عليه} يعني حين سلم الله عليه {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} ). [الدر المنثور: 10/25-28]
تفسير قوله تعالى: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزور وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في سر فيكون علانية أبدًا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا فيما بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً} [سورة الأعراف: 55]، وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا ورضي قوله، فقال: {إذ نادى ربه نداءً خفيًا} [سورة مريم: 3] ). [الزهد لابن المبارك: 2/59]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إذ نادى ربّه نداءً خفيًّا} يقول حين دعا ربّه، وسأله بنداءٍ خفيٍّ، يعني: وهو مستسرٌّ بدعائه ومسألته إيّاه ما سأل كراهته منه للرّياء، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إذ نادى ربّه نداءً خفيًّا} أي سرًّا، وإنّ اللّه يعلم القلب النّقيّ، ويسمع الصّوت الخفيّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {إذ نادى ربّه نداءً خفيًّا} قال: لا يريد رياءً.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: رغب زكريّا في الولد، فقام فصلّى، ثمّ دعا ربّه سرًّا، فقال: {ربّ إنّي وهن العظم منّي}.. إلى {واجعله ربّ رضيًّا}).
[جامع البيان: 15/453-454]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {إذ نادى ربه نداء خفيا} قال: لا يريد رياء).
[الدر المنثور: 10/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إذ نادى ربه نداء خفيا} أي بقلبه سرا، قال قتادة: إن الله يحب الصوت الخفي والقلب النقي).
[الدر المنثور: 10/10]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} قال: ذكره الله برحمته منه حيث دعاه {إذ نادى ربه نداء خفيا} يعني دعا ربه دعاء خفيا في الليل لا يسمع أحدا أو يسمع أذنيه، فقال: {رب إني وهن العظم مني} يعني ضعف العظم مني {واشتعل الرأس شيبا} يعني غلب البياض السواد {ولم أكن بدعائك رب شقيا} أي لم أدعك قط فخيبتني فيما مضى فتخيبني فيما بقي فكما لم اشق بدعائي فيما مضى فكذلك لا أشقى فيما بقي عودتني الإجابة من نفسك، {وإني خفت الموالي من ورائي} فلم يبق لي وارث وخفت العصبة أن ترثني {فهب لي من لدنك وليا} يعني من عندك وليا {يرثني} يعني يرث محرابي وعصاي وبرنس العربان وقلمي الذي أكتب به الوحي {ويرث من آل يعقوب} النبوة {واجعله رب رضيا} يعني مرضيا عندك زاكيا بالعمل فاستجاب الله له فكان قد دخل في السن هو وامرأته، فبينا هو قائم يصلي في المحراب حيث يذبح القربان إذا هو برجل عليه البياض حياله وهو جبريل فقال: {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى} هو اسم من اسماء الله اشتق من حي سماه الله فوق عرشه {لم نجعل له من قبل سميا} لم يجعل لزكريا من قبل يحيى ولد له {هل تعلم له سميا} يعني هل تعلم له ولدا ولم يكن لزكريا قبله ولد ولم يكن قبل يحيى أحد يسمى يحيى قال: وكان اسمه حيا فلما وهب الله لسارة إسحاق فكان اسمها يسارة ويسارة من النساء التي لا تلد وسارة من النساء: الطالقة الرحم التي تلد فسماها الله سارة وحول الياء من سارة إلى حي فسماه يحيى فقال: {رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا} خاف أنها لا تلد، قال: {كذلك قال ربك} يا زكريا {هو علي هين وقد خلقتك من قبل} أن أهب لك يحيى {ولم تك شيئا} وكذلك أقدر على أن أخلق من الكبير والعاقر، وذلك أن إبليس أتاه فقال: يا زكريا دعاؤك كان خفيا فأجبت بصوت رفيع وبشرت بصوت عال ذلك صوت من الشيطان ليس من جبريل ولا من ربك، {قال رب اجعل لي آية} حتى أعرف أن هذه البشرى منك، {قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال} يعني صحيحا من غير خرس، فحاضت زوجته فلما طهرت طاف عليها فاستحملت فأصبح لا يتكلم وكان إذا أراد التسبيح والصلاة أطلق الله لسانه فإذا أراد أن يكلم الناس أعتقل لسانه فلا يستطيع أن يتكلم وكانت عقوبة له لأنه بشر بالولد فقال: {أنى يكون لي غلام} فخاف أن يكون الصوت من غير الله {فخرج على قومه من المحراب} يعني من مصلاه الذي كان يصلي فيه، فأوحى إليهم بكتاب كتبه بيده {أن سبحوا بكرة وعشيا} يعني صلوا صلاة الغداة والعصر فولد له يحيى على ما بشره الله نبيا تقيا صالحا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} يعني بجد وطاعة واجتهاد وشكر وبالعمل بما فيه {وآتيناه الحكم} يعني الفهم {صبيا} صغيرا وذلك أنه مر على صبية أتراب له يلعبون على شاطئ نهر بطين وبماء فقالوا: يا يحيى تعال حتى نلعب فقال: سبحان الله أو للعب خلقنا {وحنانا} يعني ورحمة {منا} وعطفا {وزكاة} يعني وصدقة على زكريا {وكان تقيا} يعني مطهرا مطيعا لله {وبرا بوالديه} كان لا يعصيهما {ولم يكن جبارا} يعني قتال النفس التي حرم الله قتلها {عصيا} يعني عاصيا لربه، {وسلام عليه} يعني حين سلم الله عليه {يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا} ).
[الدر المنثور: 10/25-28] (م)
تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) )