عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 02:41 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

نشأة القول بخلق القرآن:

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (نشأة القول بخلق القرآن:
أوّل من أحدث بدعة القول بخلق القرآن هو الجعد بن درهم، وقد قتله أمير العراق في زمانه خالد بن عبد الله القسري عام 124 هــ، يوم الأضحى.

قال حبيب بن أبي حبيب: شهدت خالد بن عبد الله القسري بواسط، في يوم أضحى، وقال: «ارجعوا فضحوا تقبل الله منكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله علوا كبيرا عما يقول الجعد بن درهم، ثم نزل فذبحه» رواه البخاري في خلق أفعال العباد، وأبو سعيد الدارمي واللالكائي وغيرهم.
قال أبو القاسم اللالكائي: (لا خلاف بين الأمّة أنّ أوّل من قال: "القرآن مخلوقٌ" جعد بن درهم).
ثم أخذ هذه المقالة: الجهم بن صفوان، واشتهرت عنه، ولم يكن له أتباع لهم شأن في زمانه، وإنما بقيت مقالاته حتى تلقّفها بعض أهل الكلام فطاروا بها وفتحوا بها على الأمّة أبواباً من الفتن العظيمة، ولم يكن الجهمُ من أهل العلم ، ولم تكن له عناية بالأحاديث والآثار، وإنما كان رجلاً قد أوتي ذكاء ولساناً بارعاً وتفننا في الكلام، وجدلاً ومراءً، وكان كاتباً لبعض الأمراء في عصره؛ فانتشرت مقالاته، وكان من أعظم ما أدخله على الأمّة إنكار الأسماء والصفات، وإنكار علوّ الله، والقول بخلق القرآن، والجبر والإرجاء الغاليان، وقد كفّره العلماء في عصره؛ فقتله الأمير سلم بن الأحوز المازني سنة 128هـ.
قال بكير بن معروف: (رأيت سلم بن الأحوز حين ضربَ عُنُقَ الجهمِ فاسودَّ وجهه). رواه اللالكائي.
وقال أبو معاذ البلخي: (كان جهمٌ على معبَر ترمذٍ، وكان رجلًا كوفيَّ الأصل،ِ فصيح اللّسان، لم يكن له علمٌ، ولا مجالسةٌ لأهل العلم، كان تكلّم كلام المتكلّمين، وكلّمه السُّمَنيّة فقالوا له: صف لنا ربّك الّذي تعبده، فدخل البيت لا يخرج كذا وكذا.
قال: ثمّ خرج عليهم بعد أيّامٍ، فقال: هو هذا الهواء مع كلّ شيءٍ، وفي كلّ شيءٍ، ولا يخلو منه شيءٌ).
قال أبو معاذٍ: (كذب عدوّ اللّه، إنّ اللّه في السّماء على عرشه وكما وصف نفسه). رواه اللالكائي.
وقد ذكر ابن بطّة عن يوسف القطّان أنّ الجعد بن درهم جدّ الجهم بن صفوان.
وذكر البخاري في كتاب "خلق أفعال العباد" عن قتيبة بن سعيد أنه قال: «بلغني أن جهما كان يأخذ الكلام من الجعد بن درهم»

ثم ظهر بعدهما بمدّة بشر بن غياث المريسي، وكان في أوّل أمره مشتغلا بالفقه حتى عدّه بعضهم من كبار الفقهاء؛ أخذ عن القاضي أبي يوسف، وروى عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة، وناظر الشافعيّ في مسائل، وكان مع أخذه عن هؤلاء العلماء يسيء الأدب ويشغّب، وأقبل على علم الكلام، وافتتن به، وكان خطيباً مفوَّها، ومجادلاً مشاغباً.
قال الإمام أحمد: (ما كان صاحب حُججٍ، بل صاحب خطبٍ).
وقال الذهبي: (نظر في الكلام فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتّقوى، وجرّد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتّى كان عينَ الجهميّة في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفّره عدّةٌ، ولم يدرك جهمَ بن صفوان، بل تلقّف مقالاته من أتباعه).
وكان متخفياً في زمان هارون الرشيد لما بلغه وعيده بقتله؛ ثم أظهر مقالته ودعا إلى ضلالته بعد موت الرشيد سنة 193هـ.
قال الذهبي: (روى أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن محمد بن نوح، أن هارون الرشيد قال: بلغني أن بشر بن غياث يقول: "القرآن مخلوق" لله علي إن أظفرني به لأقتلنه. قال الدورقي: وكان بشر متواريا أيام الرشيد، فلما مات ظهر بشر ودعى إلى الضلالة).
وذكر البخاري عن يزيد بن هارون الواسطي أنه قال: «لقد حرَّضتُ أهل بغداد على قتله جهدي، ولقد أُخبرت من كلامه بشيء مرة وجدت وجَعَه في صلبي بعد ثلاث».
وقال علي ابن المديني: «إنما كانت غايته أن يدخل الناس في كفره»
وورى أيضا بإسناده عن أحمد بن خالد الخلال: أنه قال: سمعت يزيد بن هارون وذَكَر أبا بكر الأصم والمريسي فقال: «هما والله زنديقان كافران بالرحمن، حلالا الدم»
وقال عبد الرحمن بن مهدي: «لو أن جهميا بيني وبينه قرابة ما استحللت من ميراثه شيئا» ذكره البخاري في كتاب خلق أفعال العباد.
وقال أيضاً: «من زعم إن الله لم يكلم موسى فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل».
فكان تحذير أئمة أهل السنة من بشر المريسي وأصحابه ظاهراً مستفيضاً؛ حتى حَذِرَهم كثيرٌ من طلابِ العلم، لكنّهم تسللوا إلى الحكّام والولاة بما لهم من العناية بالكتابة والأدب، والتفنن في صياغة المكاتبات، وحفظ نوادر الأخبار، ولطائف المحاضرات.

ثم لمّا آلت الخلافة إلى المأمون سنة 198هـ ، وكان رجلاً له نصيب من العلم والأدب، لكنْ فَتَنَهُ إقبالُه على علم الكلام ولطائف ما يأتي به المعتزلة من زخرف القول ودقائق المسائل،
وعنايتهم بالأدب والمنطق وعلم الكلام؛ فكان يقرّبهم ويجالسهم وزادوه ولعاً بالفلسفة وعلم الكلام حتى أمر باستخراج كتب الفلاسفة اليونانيين من جزيرة قبرص وتعريبها؛ فزاد البلاء بتلك الكتب وما فيها من الشبه التي غرّت المتكلّمين وفتنتهم.
وكان من رؤوس المعتزلة في عهد المأمون: بشر بن غياث المريسي(ت:218هـ)، وثمامة بن أشرس النميري (ت:213هـ) ، وأبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاف (ت:235هـ) ؛ وأحمد بن أبي دؤاد الإيادي (ت:240هـ)، فزيّنوا له القول بخلق القرآن، وأنّه لا يتمّ الدين إلا به، وشبّهوا عليه بشبههم؛ وكان في نفسه يرى القول بخلق القرآن لكنّه لا يتجاسر على إظهاره خشية إنكار العلماء عليه.
وكان يقول: (لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت أنّ القرآن مخلوق).
فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، ومن يزيد حتى يكون يُتّقى؟!!
فقال: (ويحك! إني أخاف إن أظهرته فيردّ عليَّ فيختلف الناس؛ فتكون فتنة وأنا أكره الفتنة).
وأرسل إليه المأمون من يختبر أمره فوجده شديداً في منع القول بخلق القرآن؛ فلم يرد أن يثير الناس عليه، وكان أمر الناس مضطرباً في فتنة الخلاف بين المأمون والأمين، واستمرّ هذا الاضطراب سنوات بعد ذلك حتى إنّ المأمون لم يدخل بغداد إلا سنة 204هـ، بعد قتله لأخيه بستّ سنين.
ومات يزيد بن هارون سنة (206هـ)؛ فلم يزل المأمون يقدّم رجلاً ويؤخّر أخرى في دعوة الناس إلى القول بخلق القرآن؛ حتى تجاسر على ذلك سنة 212هـ، لكنّه لم يكن يمتحن الناس بهذا القول، وإنما يدعو إليه، ويقرّب من يقول به، ويقصي من يأباه؛ حتى كثر المعتزلة في زمانه، وكان منهم القضاة والكُتَّاب وجلساء الخليفة والأمراء). [الإيمان بالقرآن:47 - 52]


رد مع اقتباس