عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 01:57 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الباب الثالث: سبيل الاهتداء بالقرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الباب الثالث: سبيل الاهتداء بالقرآن
والاهتداء بالقرآن يكون بتصديق أخباره،وعقل أمثاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه
فأمّا تصديق الأخبار فإنه يورث قلبَ المؤمن يقيناً يزدادُ به علماً وهدى؛ وكلما كان العبد أحسن تصديقاً كان اهتداؤه بالقرآن أرجى وأحسن؛ كما قال الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}
فتبيّن بذلك أن التصديق الحسن يبلغ بصاحبه مرتبة الإحسان؛ وينال مرتبة الإحسان من وجهين:
أحدهما: أنّ الله تعالى سمّاه محسناً كما قال الله تعالى: {ذلك جزاء المحسنين}.
والوجه الآخر: أنّ الله يكفّر عنه سيئاته؛ فمن كفّر الله عنه سيئاته قَدِمَ يومَ القيامة ليس معه إلا الحسنات؛ فيكون بذلك من أهل الإحسان لأن سيئاته قد كُفّرت عنه.
ونظير هذا قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } فسمى الله عزَّ وجل الذين اجتنبوا كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم من أهل الإحسان، وذلك أن الله عز وجل يكفّر عنهم سيّئاتهم فيقدمون يوم القيامة لا سيئات لهم.
وقال مجاهد رحمه الله في تفسير قول الله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} قال: (هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون: هذا الذي أعطيتمونا، فاتبعنا ما فيه). رواه ابن جرير.
ومن أوتي التصديق الحسن المثمر لليقين فقد أوتي أعظم نعمة أنعم الله بها على خلقه، وهي نعمة اليقين؛ كما روى الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهما من طرق أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قام خطيباً على المنبر بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بسَنة؛ فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي هذا عامَ الأوَّل، ثم بكى أبو بكر، ثم قال: «سلوا الله العفو والعافية فإنَّ الناسَ لم يُعْطَوا بعد اليقين شيئاً خيراً من العافية».
فقدّم نعمة اليقين على نعمة العافية.
ومن ثمرات هذا التصديق الحسن أن الله تعالى يكفي عبده؛ كما قال الله تعالى بعد الآيات المتقدّم ذكرها في قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} إلى آخر الآيتين قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)}.
ومن حصلت له الكفاية من الله فقد هُدِيَ ووُقِي؛ فتبيّن بهذا أنّ أعظم الناس اهتداء بالقرآن هم أصحاب التصديق الحسن.
والتصديق الحسن هو الذي لا يكون معه شكّ ولا تردد، ويثمر في قلب صاحبه اليقين وصدق الرغبة والرهبة؛ فيحصل بهذا التصديق من البصائر والبينات ما ترتفع به درجته ويزداد به علماً وهدى ويقيناً، ويكون به أحسن اتّباعاً لهدى؛ بسبب ما يثمر له تصديقه من صدق الرغبة والرهبة والخشية والإنابة والخوف الرجاء، فيكمّل أصلي علم السلوك ( التبصّر والتبيّن، واتّباع الهدى).
وبذلك يصلح القلب، وإذا صلح القلب صلح سائر الجسد، وصلح العمل والحال، وطابت الحياة.
ولذلك كانت تلاوة القرآن من أعظم أسباب صلاح القلب وتزكية النفس، وذهاب الهمّ والغم.
فهذا ما يتعلق بالتصديق الحسن وهو أصل من أصول الاهتداء بالقرآن.
والأصل الثاني:
عَقْلُ الأمثالِ؛ فإنّ الله تعالى قد ضرب للناس في هذا القرآن من كلّ مثل؛ فمن وعى هذه الأمثال، وفقه مقاصدها، وعرف ما يراد منها ، فاعتبر بها؛ وفعل ما أرشدت إليه؛ فقد عَقَل تلك الأمثال، واهتدى بها، فصلح عمله وحسنت عاقبته.
وبهذا تعرف أنّ عقل الأمثال أوسع من مجرّد فهمها؛ فإنّ الفهم المجرّد لمعاني مفردات الأمثال إذا لم يكن معه فقه للمقاصد وعملٌ بما أرشد الله إليه لا يعدّ عقلاً للأمثال.
فليس كل من يعرف الأمثال يعقلها؛ إذ لا بد من الجمع بين التبصّر بها واتّباع الهدى الذي بينه الله عز وجل بهذه الأمثال.
قال الله تعالى: {واضرب لهم مثل الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلد إلى الأرض واتّبع هواه}.
وهذا مما يدلّك على أنّ عقل الأمثال ليس مجرّد معرفتها، ولو قرأ في تفسيرها ما قرأ، ولو عرف من معانيها وأسرارها ما عرف، فإنه إذا لم يفقه مقاصد هذه الأمثال ولم يتبع الهدى الذي أرشد الله عز وجل به فإنه لا يكون ممن عقلها {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وقد أخبر اللّه سبحانه أنّه ضرب الأمثالَ لعبادِه في غير موضعٍ من كتابه، وأمر باستماع أمثاله، ودعا عباده إلى تعقُّلها، والتّفكُّر فيها، والاعتبار بها، وهذا هو المقصود بها)ا.هـ). [الإيمان بالقرآن:21 - 24]


رد مع اقتباس