عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني مسلم بن خالد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أن القطمير القشرة التي تكون على النواة، والنقير النقطة التي على ظهرها، والفتيل الذي في شق النواة). [الجامع في علوم القرآن: 1/20] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني طلحة أنه سمع عطاء يقول: القطمير القشر الذي يكون
[الجامع في علوم القرآن: 1/91]
بين النواة والتمرة، والنقير الذي في ظهر النواة، والفتيل الذي في بطن النواة). [الجامع في علوم القرآن: 1/92] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {ولا تظلمون فتيلا} قال: الفتيل الّذي في شقّ النّواة). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 86]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم}
- أخبرنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: أخبرنا أبي، قال: أخبرنا الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ، وأصحابًا، له أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة فقالوا: يا نبيّ الله، إنّا كنّا في عزٍّ ونحن مشركون، فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً، فقال: «إنّي أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم» فلمّا حوّله الله إلى المدينة أمر بالقتال فكفّوا، فأنزل الله عزّ وجلّ {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس} [النساء: 77]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/68]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلاً}.
ذكر أنّ هذه الآية نزلت في قومٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كانوا قد آمنوا به وصدّقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد، وقد فرض عليهم الصّلاة والزّكاة، وكانوا يسألون اللّه أن يفرض عليهم القتال، فلمّا فرض عليهم القتال شقّ عليهم ذلك وقالوا ما أخبر عنهم في كتابه.
فتأويل قوله: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم} ألم تر بقلبك يا محمّد فتعلم إلى الّذين قيل لهم من أصحابك حين سألوك أن تسأل ربّك أن يفرض عليهم القتال: كفّوا أيديكم، فأمسكوها عن قتال المشركين وحربهم. {وأقيموا الصّلاة} يقول: وأدّوا الصّلاة الّتي فرضها اللّه عليكم بحدودها. {وآتوا الزّكاة} يقول: وأعطوا الزّكاة أهلها، الّذين جعلها اللّه لهم من أموالكم، تطهيرًا لأبدانكم وأموالكم؛ كرهوا ما أمروا به من كفّ الأيدي عن قتال المشركين، وشقّ ذلك عليهم. {فلمّا كتب عليهم القتال}
يقول: فلمّا فرض عليهم القتال الّذي كانوا سألوا أن يفرض عليهم {إذا فريقٌ منهم} يعني: جماعةٌ منهم {يخشون النّاس} يقول: يخافون النّاس أن يقاتلوهم {كخشية اللّه} كخوفهم الله {أو أشدّ خشيةً} أو أشدّ خوفًا. وقالوا: جزعًا من القتال الّذي فرض اللّه عليهم {لم كتبت علينا القتال} لم فرضت علينا القتال، ركونًا منهم إلى الدّنيا، وإيثارًا للدّعة فيها والخفض، على مكروه لقاء العدوّ ومشقّة حربهم وقتالهم {لولا أخّرتنا} يخبر عنهم قالوا: هلا أخّرتنا {إلى أجلٍ قريبٍ} يعني إلى أن يموتوا على فرشهم وفي منازلهم.
وبنحو الّذي قلنا إنّ هذه الآية نزلت فيه قال أهل التّأويل.
ذكر الآثار بذلك، والرّواية عمّن قاله:
- حدّثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، قال: سمعت أبي قال: أخبرنا الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ، وأصحابًا، له أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول اللّه، كنّا في عزٍّ ونحن مشركون، فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً. فقال: إنّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا فلمّا حوّله اللّه إلى المدينة أمر بالقتال فكفّوا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم} الآية.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم} عن النّاس {فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم} نزلت في أناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال ابن جريجٍ: وقوله: {وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} قال: إلى أن يموت موتًا هو الأجل القريب.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة} فقرأ حتّى بلغ: {إلى أجلٍ قريبٍ} قال: كان أناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو يومئذٍ بمكّة قبل الهجرة، تسرّعوا إلى القتال وسارعوااليه، فقالوا لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ذرنا نتّخذ معاول فنقاتل بها المشركين بمكّة. فنهاهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك قال: لم أؤمر بذلك فلمّا كانت الهجرة وأمر بالقتال، كره القوم ذلك، فصنعوا فيه ما تسمعون، فقال اللّه تبارك وتعالى: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} قال: هم قومٌ أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال، ولم يكن عليهم إلاّ الصّلاة والزّكاة، فسألوا اللّه أن يفرض عليهم القتال {فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً} الآية إلى: {إلى أجلٍ قريبٍ} وهو الموت قال اللّه: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى}.
وقال آخرون: نزلت هذه وآياتٌ بعدها في اليهود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة} إلى قوله: {لاتّبعتم الشّيطان إلاّ قليلاً} ما بين ذلك في اليهود.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم} إلى قوله: {لم كتبت علينا القتال} نهى اللّه تبارك وتعالى هذه الأمّة أن يصنعوا صنيعهم). [جامع البيان: 7/230-233]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {قل متاع الدّنيا قليلٌ} قل يا محمّد لهؤلاء القوم الّذين قالوا {ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ} عيشكم في الدّنيا وتمتّعكم بها قليلٌ، لأنّها فانيةٌ، وما فيها فانٍ {والآخرة خيرٌ}
يعني: ونعيم الآخرة خيرٌ، لأنّها باقيةٌ، ونعيمها باقٍ دائمٌ. وإنّما قيل: والآخرة خيرٌ ومعنى الكلام ما وصفت من أنّه معنيّ به نعيمها، لدلالة ذكر الآخرة بالّذي ذكرت به على المعنى المراد منه {لمن اتّقى} يعني: لمن اتّقى اللّه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، فأطاعه في كلّ ذلك. {ولا تظلمون فتيلاً} يعني: ولا ينقصكم اللّه من أجور أعمالكم فتيلاً؛ وقد بيّنّا معنى الفتيل فيما مضى بما أغنى عن إعادته ههنا). [جامع البيان: 7/233-234]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ قل متاع الدّنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتّقى ولا تظلمون فتيلًا (77)
قوله تعالى: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفوا أيديكم قال: نزلت في يهود.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم قال: هم قومٌ أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال.
قوله تعالى: وأقيموا الصّلاة. [5621]
حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: أقيموا الصّلاة قال: فريضةٌ واجبةٌ لا تنفع الأعمال إلّا بها وبالزّكاة.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد، ثنا (عبد الرّحمن بن نمرٍ) قال: سألت الزّهريّ عن قوله: وأقيموا الصّلاة قال الزّهريّ: إقامتها: أن يصلّي الصّلوات الخمس لوقتها.
وروي عن عطاء بن أبي رباحٍ، وقتادة نحو قول الحسن.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله لأهل الكتاب: وأقيموا الصّلاة أمرهم أن يصلّوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: وآتوا الزّكاة. [الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: وآتوا الزّكاة يعني بالزّكاة طاعة اللّه والإخلاص.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكرٍ وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: ثنا وكيعٌ، عن أبي جنابٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وآتوا الزّكاة قال: ما يوجب الزّكاة؟ قال: (مائتين) فصاعدًا.
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة: وآتوا الزّكاة قال: زكاة المال من كلّ مائتي درهمٍ خمسة دراهم.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: وآتوا الزّكاة قال: فريضةٌ واجبةٌ، لا تنفع الأعمال إلا بها مع الصّلاة. وروي عن قتادة نحو ذلك.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله لأهل الكتاب وآتوا الزّكاة أمرهم أن يؤتوا الزّكاة، يدفعونها إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن أبي حيّان التّيميّ، عن الحارث العكليّ في قوله: وآتوا الزّكاة قال: صدقة الفطر.
قوله تعالى: فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية الله أو أشد خشية. [5630]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وعليّ بن زنجة قالا: ثنا عليّ بن الحسن، عن الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ عبد الرّحمن وأصحاباً له أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللّه، كنّا في عزٍّ ونحن مشركون فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً، قال: إنّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم، فلمّا حوّله اللّه إلى المدينة أمره بالقتال فكفّوا، فأنزل اللّه تعالى: ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشد خشيةً.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فلمّا كتب عليهم القتال لم يكن عليهم إلا الصّلاة والزّكاة، فسألوا اللّه أن يفرض عليهم القتال فلمّا كتب عليهم القتال إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس كخشية اللّه أو أشدّ خشيةً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: كتب يعني: فرض.
قوله تعالى: وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال. [5633]
أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قوله: وقالوا ربّنا لم كتبت علينا القتال فنهى اللّه هذه الأمّة أن يصنعوا صنيعهم.
قوله تعالى: لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ. [5634]
حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: لولا أخّرتنا إلى أجلٍ قريبٍ وهو الموت.
قوله تعالى: قل متاع الدّنيا قليلٌ. [5635]
حدّثني أبي، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، ثنا حمّاد ابن زيدٍ، عن هشامٍ قال: قرأ الحسن: قل متاع الدّنيا قليلٌ قال: رحم اللّه عبداً صحبها على حسب ذلك، ما الدّنيا كلّها من أوّلها إلى آخرها إلا كرجلٍ نام نومةً فرأى في منامه بعض ما يحبّ، ثمّ انتبه.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ الرّقّيّ، ثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران قال: الدّنيا قليلٌ، وقد مضى القليل وبقي قليلٌ من قليلٍ.
قوله تعالى: والآخرة خيرٌ لمن اتّقى. [5637]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: لمن اتّقى يقول اتّقى معاصي اللّه.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية، أمّا قوله: لمن اتّقى يقول: لمن اتّقى فيما بقي.
قوله تعالى: ولا تظلمون فتيلا
قد تقدم تفسيره. آية 49). [تفسير القرآن العظيم: 3/1003-1006]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إن الفتيل الذي في شق النواة). [تفسير مجاهد: 166]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس قاسم بن القاسم السّيّاريّ، ثنا إبراهيم بن هلالٍ، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ الحسين بن واقدٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنّ عبد الرّحمن بن عوفٍ وأصحابًا له أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة فقالوا: يا نبيّ اللّه، كنّا في عزٍّ ونحن مشركون فلمّا آمنّا صرنا أذلّةً. قال: «إنّي أمرت بالعفو فلا تقاتلوا فكفّوا» فأنزل اللّه تعالى {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم، وأقيموا الصّلاة، وآتوا الزّكاة، فلمّا كتب عليهم القتال، إذا فريقٌ منهم يخشون النّاس} [النساء: 77] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاريّ ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/336]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (س) ابن عباس - رضي الله عنه - أنّ عبد الرحمن بن عوفٍ وأصحاباً له أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم- بمكة، فقالوا: يا رسول الله، إنّا كنّا في عزٍّ، ونحن مشركون، فلما آمنّا صرنا أذلّة، فقال: إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا، فلما حوّله الله إلى المدينة أمر بالقتال، فكفّوا، فأنزل الله عز وجل {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفّوا أيديكم وأقيموا الصلاة} إلى قوله: {ولا تظلمون فتيلاً} [النساء: 77].
أخرجه النسائي.
[شرح الغريب]
(فتيلاً) الفتيل: ما يكون في شق النواة: وقيل: هو ما يفتل بين الإصبعين من الوسخ). [جامع الأصول: 2/93-94]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" من طريق عكرمة عن ابن عباس أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة، فقال: إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم، فلما حوله الله إلى المدينة أمره الله بالقتال فكفوا، فأنزل الله {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: كان أناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم - وهم يومئذ بمكة قبل الهجرة - يسارعون إلى القتال فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ذرنا نتخذ معاول نقاتل بها المشركين، وذكر لنا أن عبد الرحمن بن عوف كان فيمن قال ذلك فنهاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال: لم أومر بذلك، فلما كانت الهجرة وأمروا بالقتال كره القوم ذلك وصنعوا فيه ما تسمعون قال الله تعالى {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: هم قوم أسلموا قبل أن يفرض عليهم القتال ولم يكن عليهم إلا الصلاة والزكاة فسألوا الله أن يفرض عليهم القتال
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} إلى قوله {لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} ما بين ذلك في يهود.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم} الآية، قال: نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {إلى أجل قريب} قال: هو الموت.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج {إلى أجل قريب} أي إلى أن يموت موتا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هشام قال: قرأ الحسن {قل متاع الدنيا قليل} قال: رحم الله عبدا صحبها على ذلك ما الدنيا كلها من أولها إلى آخرها إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه فلم ير شيئا
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: الدنيا قليل وقد مضى أكثر القليل وبقي قليل من قليل). [الدر المنثور: 4/536-539]

تفسير قوله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر في قوله تعالى وإن تصبهم حسنة يقول نعمة يقولون هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقول مصيبة يقولون هذه من عندك قال يقول كل من عند الله النعم والمصائب). [تفسير عبد الرزاق: 1/179]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: حيثما تكونوا ينلكم الموت فتموتوا، {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} يقول: لا تجزعوا من الموت ولا تهربوا من القتال وتضعفوا عن لقاء عدوّكم حذرًا على أنفسكم من القتل والموت، فإنّ الموت بإزائكم أين كنتم، وواصلٌ إلى أنفسكم حيث كنتم ولو تحصّنتم منه بالحصون المنيعة.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} فقال بعضهم: يعني به قصورٌ محصّنةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} يقول: في قصورٍ محصّنةٍ.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، قال: حدّثنا أبو همّامٍ، قال: حدّثنا كثيرٌ أبو الفضل، عن مجاهدٍ، قال: كان فيمن قبلكم امرأةٌ، وكان لها أجيرٌ، فولدت جاريةً فقالت لأجيرها: اقتبس لنا نارًا. فخرج فوجد بالباب رجلاً، فقال له الرّجل: ما ولدت هذه المرأة؟ قال: جاريةً قال: أما إنّ هذه الجارية لا تموت حتّى تبغي بمائةٍ، ويتزوّجها أجيرها، ويكون موتها بالعنكبوت. قال: فقال الأجير في نفسه: فأنا أريد هذه بعد أن تفجر بمائةٍ. فأخذ شفرةً فدخل، فشقّ بطن الصّبيّة.وخرج على وجهه وركب البحر وخيط بطن الصبيه وعولجت فبرئت، فشبّت، وكانت تبغي، فأتت ساحلاً من سواحل البحر، فأقامت عليه تبغي. ولبث الرّجل ما شاء اللّه، ثمّ قدم ذلك السّاحل ومعه مالٌ كثيرٌ، فقال لامرأةٍ من أهل السّاحل: ابغيني امرأةً من أجمل امرأةٍ في القرية أتزوّجها. فقالت: ههنا امرأةٌ من أجمل النّاس، ولكنّها تبغي. قال: ائتني بها. فأتتها فقالت: قد قدم رجلٌ له مالٌ كثيرٌ، وقد قال لي كذا، فقلت له كذا. فقالت: إنّي قد تركت البغاء، ولكن إن أراد تزوّجته. قال: فتزوّجها، فوقعت منه موقعًا، فبينا هو يومًا عندها، إذ أخبرها بأمره، فقالت: أنا تلك الجارية، وأرته الشّقّ في بطنها، وقد كنت أبغي، فما أدري بمائةٍ أو أقلّ أو أكثر؛ قال: فإنّه قال لي: يكون موتها بعنكبوت. قال: فبنى لها برجًا بالصّحراء وشيّده. فبينما هما يومًا في ذلك البرج، إذا عنكبوتٌ في السّقف فقال فقال هذا عنكبوت فقالت هذا يقتلني؟ لا يقتله أحدٌ غيري. فحرّكته فسقط، فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدخته، وساح سمّه بين ظفرها واللّحم، فاسودّت رجلها فماتت، فنزلت هذه الآية: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} قال: قصورٌ مشيّدةٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك: قصورٌ بأعيانها في السّماء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} وهي قصورٌ بيضٌ في سماء الدّنيا مبنيّةٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، قال: أخبرنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع في قوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ} يقول: ولو كنتم في قصورٍ في السّماء.
واختلف أهل العربيّة في معنى المشيّدة، فقال بعض أهل البصرة منهم: المشيّدة: الطّويلة. قال: وأمّا المشيد بالتّخفيف، فإنّه المزيّن.
وقال آخرون منهم نحو ذلك القول، غير أنّه قال: المشيد بالتّخفيف: المعمول بالشّيد، والشّيد: الجصّ.
وقال بعض أهل الكوفة: المشيّد والمشيد أصلهما واحدٌ، غير أنّ ما شدّد منه فإنّما يشدّد لتردّد الفعل فيه في جمعٍ مثل قولهم: هذه ثيابٌ مصبّغةٌ، وغنمٌ مذبّحةٌ، فشدّد لأنّها جمعٌ يفرّق فيها الفعل، وكذلك مثله قصورٌ مشيّدةٌ، لأنّ القصور الكثيرةٌ يوجد فيها التّشييد، ولذلك قيل: بروجٌ مشيّدةٌ، ومنه قوله: {وغلّقت الأبواب} وكما يقال: كسّرت العود: إذا جعلته قطعًا، أي قطعةً بعد قطعةٍ. وقد يجوز في ذلك التّخفيف.
فإذا أفرد من ذلك الواحد، فكان الفعل يتردّد فيه ويكثر تردّده في جمعٍ منه، جاز التّشديد عندهم والتّخفيف، فيقال منه: هذا ثوبٌ مخرّقٌ وجلدٌ مقطّعٌ، لتردّد الفعل فيه وكثرته بالقطع والخرق. وإن كان الفعل لا يكثر فيه ولا يتردّد لم يجيزوه إلاّ بالتّخفيف، وذلك نحو قولهم: رأيت كبشًا مذبوحًا، ولا يجيزون فيه مذبّحًا، لأنّ الذّبح لا يتردّد فيه تردّد التّخرّق في الثّوب. وقالوا: فلهذا قيل: قصرٌ مشيدٌ، لأنّه واحدٌ، فجعل بمنزلة قولهم: كبشٌ مذبوحٌ. وقالوا: جائزٌ في القصر أن يقال قصرٌ مشيدٌ بالتّشديد، لتردّد البناء فيه والتّشييد، ولا يجوز ذلك في كبشٍ مذبوحٍ، لما ذكرنا). [جامع البيان: 7/234-237]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه} وإن ينلهم رخاءٌ وظفرٌ وفتحٌ ويصيبوا غنيمةً يقولوا هذه من عند اللّه، يعني: من قبل اللّه ومن تقديره، {وإن تصبهم سيّئةٌ} يقول: وإن تنلهم شدّةٌ من عيشٍ وهزيمةٌ من عدوٍّ وجراحٌ وألمٌ، يقولوا لك يا محمّد: هذه من عندك بخطئك التّدبير. وإنّما هذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن الّذين قال فيهم لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم}.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، وابن أبي جعفرٍ قالا: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك} قال: هذه في السّرّاء والضّرّاء.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك} فقرأ حتّى بلغ: {وأرسلناك للنّاس رسولاً} قال: إنّ هذه الآيات نزلت في شأن الحرب. فقرأ: {يا أيّها الّذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتٍ أو انفروا جميعًا} فقرأ حتّى بلغ: {وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه} من عند محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، أساء التّدبير وأساء النّظر، ما أحسن التّدبير ولا النّظر). [جامع البيان: 7/238-239]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل كلٌّ من عند اللّه}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {قل كلٌّ من عند اللّه} قل يا محمّد لهؤلاء القائلين إذا أصابتهم حسنةً هذه من عند اللّه قل{قل كلٌّ من عند اللّه}, وإذا أصابتهم سيّئةٌ هذه من عندك: كلّ ذلك من عند اللّه دوني ودون غيري، من عنده الرّخاء والشّدّة، ومنه النّصر والظّفر، ومن عنده الفلل والهزيمة.
كما:
- حدّثني المثنّى،قال حدثنا اسحاق قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة: {قل كلٌّ من عند اللّه} النّعم والمصائب.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قل كلٌّ من عند اللّه} النّصر والهزيمة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا} يقول: الحسنة والسّيّئة من عند اللّه، أمّا الحسنة فأنعم بها عليك، وأمّا السّيّئة فابتلاك بها). [جامع البيان: 7/239-240]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فمال هؤلاء القوم} فما شأن هؤلاء القوم الّذين إن تصبهم حسنةً يقولوا هذه من عند اللّه، وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك {لا يكادون يفقهون حديثًا} يقول: لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به من أنّ كلّ ما أصابهم من خيرٍ أو شرٍّ وسرا وضرٍّ وشدّةٍ ورخاءٍ، فمن عند اللّه، لا يقدر احد على ذلك غيره، ولا يصيب أحدًا سيّئةٌ إلاّ بتقديره، ولا ينال رخاءٌ ونعمةٌ إلاّ بمشيئته. وهذا إعلامٌ من اللّه عباده أنّ مفاتح الأشياء كلّها بيده، لا يملك شيئًا منها أحدٌ غيره). [جامع البيان: 7/240]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند اللّه فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا (78)
قوله تعالى: أينما تكونوا.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، قوله: أينما تكونوا قال: من الأرض يدرككم الموت.
قوله تعالى: يدرككم الموت. [5640]
حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عيسى بن حميدٍ الرّاسبيّ، ثنا كثيرٌ الكوفيّ، ثنا مجاهدٌ أبو الحجّاج قال: كان قبل أن يبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم امرأةٌ وكان لها أجيرٌ، فولدت المرأة، فقالت لأجيرها: انطلق فاقتبس لي ناراً، فانطلق الأجير، فإذا هو برجلين قائمين على الباب، فقال أحدهما لصاحبه:
ما ولدت؟ فقالت: ولدت جاريةً. فقال أحدهما لصاحبه: لا تموت هذه الجارية حتّى تزني بمائةٍ ويتزوّجها الأجير، ويكون موتها بعنكبوتٍ، فقال الأجير: أما واللّه لأكذّبنّ حديثكما، فرمى بما في يده، وأخذ السّكّين فشحذها وقال: ألا تراني أتزوّجها بعد ما تزني بمائةٍ.
قال: فسمعت مجاهداً يقول: ففرى كبدها ورمى بالسّكّين وظنّ أنّه قد قتلها، فصاحت الصّبيّة، فقامت أمّها فرأت بطنها قد شقّ فخاطته وداوته حتّى برئت، وركب الأجير رأسه، فلبث ما شاء اللّه أن يلبث وأصاب الأجير مالا، فأراد أن يطلع أرضه فينظر من مات منهم ومن بقي، فأقبل حتّى نزل على عجوزٍ، وقال للعجوز، ابغي لي أحسن امرأةٍ في البلد فأصيب منها وأعطيها، فانطلقت العجوز إلى تلك المرأة وهي أحسن جاريةٍ في البلد، فدعتها إلى الرّجل، وقالت: تصيبين منه معروفاً، فأبت عليها وقالت: إنّه قد كان ذاك منّي فيما مضى، فأمّا اليوم فقد بدا لي ألا أفعل، فرجعت إلى الرّجل فأخبرته، فقال: فاخطبيها عليّ، فخطبها وتزوّجها فأعجب بها، فلمّا أنس إليها حدّثها حديثه، فقالت: واللّه لئن كنت صادقاً، لقد حدّثتني أمّي حديثك وإنّي لتلك الجارية. قال: أنت؟ قالت: أنا. قال: واللّه لئن كنت أنت إنّ بك لعلامةً لا تخفى، فكشفت بطنها فإذا هو بأثر السّكّين، فقال: صدقني واللّه الرّجلان واللّه لقد زنيت بمائةٍ، وإنّي أنا الأجير، ولقد تزوّجتك، ولتكوننّ الثّالثة، وليكوننّ موتك بعنكبوتٍ، وقالت: واللّه لقد كان ذاك منّي، ولكن لا أدري أو أقلّ أو أكثر، فقال:
واللّه ما نقص واحداً ولا زاد واحداً، ثمّ انطلق إلى ناحية القرية فبنى فيه مخافة العنكبوت، فلبث ما شاء اللّه أن يلبث حتّى إذا جاء الأجل ذهب ينظر فإذا هو العنكبوت في سقف البيت، وهي إلى جنبه، فقال: واللّه إنّي لأرى العنكبوت في سقف البيت، فقالت: هذه الّتي تزعمون أنّها تقتلني، واللّه لأقتلنّها قبل أن تقتلني، فقام الرجل، فزاولها وألقاها، فقالت: واللّه لا يقتلها أحدٌ غيري، فوضعت إصبعها عليها، فشدختها فطار السّمّ حتّى وقع بين الظّفر واللّحم فاسودّت رجلها فماتت، وأنزل اللّه تعالى على نبيّه حين بعث أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ.
قوله تعالى: ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ. [5641]
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية قوله: لو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ قال: قصورٍ في السّماء وروي عن الرّبيع، والسّدّيّ، وأبي مالكٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: مشيّدةٍ. [5642]
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ قال: حصينةٍ. وروي عن أبي مالكٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: ولو كنتم في بروجٍ مشيّدةٍ وهي قصورٌ بيضٌ في السّماء الدّنيا مبنيّةٌ.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن هلال ابن خبّابٍ، عن عكرمة: مشيّدةٍ قال: مجصّصةٍ.
قوله تعالى: وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه. [5645]
حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله: وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه قال: هذه في السّرّاء.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الهيثم- يعني ابن اليمان- ثنا الحكم، حدّثني السّدّيّ قوله: إن تصبهم حسنةٌ قال: والحسنة الخصب تنتج خيولهم وأنعامهم ومواشيهم وتحسّن حالهم، وتلد نساؤهم الغلمان. قالوا: هذه من عند الله.
قوله تعالى: وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك. [5647]
حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا عبد الرّحمن يعني الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية قوله: وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قال: فهذه في الضّرّاء.
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ، ثنا سهلٌ- يعني: ابن بكّارٍ- ثنا الأسود بن شيبان، حدّثني عقبة بن واصل بن أخي مطرّفٍ، عن مطرّفٍ أنّ عبد اللّه قال: ما تريدون من القدر؟ ما تكفيكم الآية الّتي في سورة النّساء: وإن تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند اللّه وإن تصبهم سيّئةٌ يقولوا هذه من عندك؟ أي من نفسكٍ، واللّه ما وكّلوا القدر وقد أمروا، وإليه يصيرون.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الهيثم يعني ابن يمان، ثنا رجلٌ سمّاه، حدّثني السّدّيّ قال: وإن تصبهم سيّئةٌ والسّيّئة الجدب والضّرر في أموالهم وتأشّموا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: هذه من عندك، يقولون: بتركنا ديننا واتّباع محمّدٍ أصابنا هذا البلاء، فأنزل اللّه تعالى: قل كلٌّ من عند اللّه.
قوله تعالى: قل كلٌّ من عند اللّه. [5650]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: قل كلٌّ من عند اللّه يقول: الحسنة والسّيّئة من عند اللّه. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً. [5651]
حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الهيثم بن يمانٍ، ثنا رجلٌ سمّاه، حدّثني السّدّيّ قوله: فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً قال: يقول: القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 3/1006-1009]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {أينما تكونوا} قال: من الأرض.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {ولو كنتم في بروج مشيدة} يقول في قصور محصنة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة {في بروج مشيدة} قال: المجصصة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {في بروج مشيدة} قال: هي قصور بيض في سماء الدنيا مبينة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية {في بروج مشيدة} قال: قصور في السماء، واخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن سفيان في الآية قال: يرون أن هذه البروج في السماء.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال: كان قبل أن يبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم امرأة وكان لها أجير فولدت المرأة فقالت لأجيرها: انطلق فاقتبس لي نارا فانطلق الأجير فإذا هو برجلين قائمين على الباب فقال أحدهما لصاحبه: وما ولدت فقال: ولدت جارية، فقال أحدهما لصاحبه لا تموت هذه الجارية حتى تزني بمائة ويتزوجها الأجير ويكون موتها بعنكبوت، فقال الأجير: أما والله لأكذبن حديثهما فرمى بما في يده وأخذ السكين فشحذها وقال:
ألا تراني أتزوجها بعدما تزني بمائة ففرى كبدها ورمى بالسكين وظن أنه قد قتلها فصاحت الصبية فقامت أمها فرأت بطنها قد شق فخاطته وداوته حتى برئت، وركب الأجير رأسه فلبث ما شاء الله أن يلبث وأصاب الأجير مالا فأراد أن يطلع أرضه فينظر من مات منهم ومن بقي فأقبل حتى نزل على عجوز وقال للعجوز: أبغي لي أحسن امرأة في البلد أصيب منها وأعطيها فانطلقت العجوز إلى تلك المرأة وهي أحسن جارية في البلد فدعتها إلى الرجل وقالت: تصيبين منه معروفا فأبت عليها وقالت: إنه قد كان ذاك مني فيما مضى فأما اليوم فقد بدا لي أن لا أفعل، فرجعت إلى الرجل فأخبرته فقال: فاخطيبها لي، فخطبها وتزوجهت فأعجب بها، فلما أنس إليها حدثها حديثه فقالت: والله لئن كنت صادقا لقد حدثتني أمي حديثك وإني لتلك الجارية، قال: أنت قالت: أنا، قال: والله لئن كنت أنت إن بك لعلامة لا تخفى، فكشف بطنها فإذا هو بأثر السكين فقال: صدقني والله الرجلان والله لقد زنيت بمائة وإني أنا الأجير وقد تزوجتك ولتكونن الثالثة وليكونن موتك بعنكبوت، فقالت: والله لقد كان ذاك مني ولكن لا أدري مائة أو أقل أو أكثر، فقال: والله ما نقص واحدا ولا زاد واحدا ثم انطلق إلى ناحية القرية فبنى فيه مخافة العنكبوت فلبث ما شاء الله أن يلبث حتى إذا جاء الأجل ذهب ينظر فإذا هو بعنكبوت في سقف البيت وهي إلى جانبه فقال: والله إني لأرى العنكبوت في سقف البيت، فقالت: هذه التي تزعمون أنها تقتلني والله لأقتلنها قبل أن تقتلني، فقام الرجل فزاولها وألقاها فقالت: والله لا يقتلها أحد غيري فوضعت أصبعها عليها فشدختها فطار السم حتى وقع بين الظفر واللحم فاسودت رجلها فماتت وأنزل الله على نبيه حين بعث {أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله {وإن تصبهم حسنة} يقول: نعمة {وإن تصبهم سيئة} قال: مصيبة {قل كل من عند الله} قال: النعم والمصائب، واخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية {وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك} قال: هذه في السراء والضراء، وفي قوله {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: هذه في الحسنات والسيئات.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وإن تصبهم حسنة} الآية، قال: إن هذه الآيات نزلت في شأن الحرب {قل كل من عند الله} قال: النصر والهزيمة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {قل كل من عند الله} يقول: الحسنة والسيئة من عند الله أما الحسنة فأنعم بها عليك وأما السيئة فابتلاك الله بها، وفي قوله {ما أصابك من حسنة فمن الله} قال: ما فتح الله عليه يوم بدر وما أصاب من الغنيمة والفتح {وما أصابك من سيئة} قال: ما أصابه يوم أحد أن شج في وجهه وكسرت رباعيته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مطرف بن عبد الله قال: ما تريدون من القدر ما يكفيكم الآية التي في سورة النساء {وإن تصبهم حسنة} الآية). [الدر المنثور: 4/539-542]

تفسير قوله تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني خالد بن حميدٍ أنّه بلغه عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابكم من سيئةٍ فمن نفسك}، قال: هذا يوم أحدٍ، يقول: ما فتحت لك من فتحٍ فمنّي، وما كانت من نكبةٍ، وأنا قدّرت ذلك عليك). [الجامع في علوم القرآن: 1/56]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني إسماعيل بن عيّاشٍ عن عبد الوهّاب بن مجاهدٍ قال: سمعت أبي يقول: كان في قراءة ابن مسعودٍ وأبيّ بن كعبٍ: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك} وأنا كتبتها عليك). [الجامع في علوم القرآن: 2/129]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر في قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك قال كان الحسن يقول ما أصابك من نعمة فمن الله وما أصابك من سيئة يقول من مصيبة فمن نفسك يقول بذنبك ثم قال قل كل من عند الله النعم والمصائب). [تفسير عبد الرزاق: 1/179]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولًا وكفى بالله شهيدًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ - في قوله: {ما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} - قال: بذنبك، وإنّا قدّرناها عليك). [سنن سعيد بن منصور: 4/1312]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولاً وكفى باللّه شهيدًا} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} ما يصيبك يا محمّد من رخاءٍ ونعمةٍ وعافيةٍ وسلامةٍ، فمن فضل اللّه عليك يتفضّل به عليك إحسانًا منه إليك.
وأمّا قوله: {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك}
يعني: وما أصابك من شدّةٍ ومشقّةٍ وأذًى ومكروهٍ، فمن نفسك، يعني: بذنبٍ استوجبتها به اكتسبته نفسك. كما:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} أمّا من نفسك، فيقول: من ذنبك.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} عقوبةً يا ابن آدم بذنبك. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: لا يصيب رجلاً خدش عودٍ ولا عثرة قدمٍ ولا اختلاج عرقٍ إلاّ بذنبٍ، وما يعفو اللّه أكثر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} يقول: الحسنة: ما فتح اللّه عليه يوم بدرٍ وما أصابه من الغنيمة والفتح، والسّيّئة: ما أصابه يوم أحدٍ أن شجّ في وجهه وكسرت رباعيته.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} قال كان الحسن يقول ما أصابك من نعمه فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسيك يقول: بذنبك. ثمّ قال: {كلٌّ من عند اللّه} النّعم والمصائب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن سعدٍ، وابن أبي جعفرٍ، قالا: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} قال: هذه في الحسنات والسّيّئات.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} قال: عقوبةً بذنبك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} بذنبك، كما قال لأهل أحدٍ: {أولمّا أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم} بذنوبكم.
- حدّثني يونس، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {ما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} قال: بذنبك، وأنا قدّرتها عليك.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، في قوله: {ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك} وأنا الّذي قدّرتها عليك.
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ قال: حدّثنيه إسماعيل بن أبي خالدٍ عن أبي صالحٍ، بمثله.
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: وما وجه دخول من في قوله: {ما أصابك من حسنةٍ} و{من سيّئةٍ} قيل: اختلف في ذلك أهل العربيّة، فقال بعض نحويّي البصرة: أدخلت من، لأنّ من تحسن مع النّفي، مثل: ما جاءني من أحدٍ. قال: وجعل الخبر بالفاء لأن ما بمنزلة من.
وقال بعض نحويّي الكوفة: أدخلت من مع ما، كما تدخل على إن في الجزاء لأنّهما حرفا جزاءٍ، وكذلك تدخل مع من إذا كانت جزاءً، فتقول العرب: ما يزرك من أحدٍ فتكرمه، كما تقول: إن يزرك من أحد فتكرمه. قال: وأدخلوها مع ما ومن، ليعلم بدخولها معهما أنّهما جزاءٌ. قالوا: وإذا دخلت معهما لم تحذف، لأنّها إذا حذفت صار الفعل رافعًا شيئينٍ، وذلك أنّ ما في قوله: {ما أصابك من حسنةٍ} رفع بقوله: {أصابك} فلو حذفت من رفع قوله: {أصابك} السّيّئة، لأنّ معناه: إن تصبك سيّئةٌ، فلم يجز حذف من لذلك، لأنّ الفعل الّذي هو على فعل أو يفعل لا يرفع شيئينٍ، وجاز ذلك مع من، لأنّها تشتبه بالصّفات، وهي في موضع اسمٍ، فأمّا إن، فإنّ من تدخل معها وتخرج، ولا تدخل مع أي لأنّها تعرب فيبين فيها الإعراب، ودخلت مع ما لأنّ الإعراب لا يظهر فيها). [جامع البيان: 7/241-244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأرسلناك للنّاس رسولاً وكفى باللّه شهيدًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {وأرسلناك للنّاس رسولاً} إنّما جعلناك يا محمّد رسولاً بيننا وبين الخلق تبلّغهم ما أرسلناك به من رسالةٍ، وليس عليك غير البلاغ وأداء الرّسالة إلى من أرسلت، فإن قبلوا ما أرسلت به فلأنفسهم، وإن ردّوا فعليها. {وكفى باللّه} عليك وعليهم {شهيدًا} يقول: حسبك اللّه تعالى ذكره شاهدًا عليك في بلاغك ما أمرتك ببلاغه من رسالته ووحيه، وعلى من أرسلت إليه في قبولهم منك ما أرسلت به إليهم، فإنّه لا يخفى عليه أمرك وأمرهم، وهو مجازيك ببلاغك ما وعدك به، ومجازيهم ما عملوا من خيرٍ وشرٍّ جزاءهم المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته). [جامع البيان: 7/245]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك وأرسلناك للنّاس رسولًا وكفى باللّه شهيدًا (79)
قوله تعالى: ما أصابك من حسنةٍ.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو تقيٍّ هشام بن عبد الملك، أنبأ بقيّة، عن مبشّرٍ عن الحجّاج بن أرطأة، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ما أصابك من حسنةٍ فمن الله قال: هذا يوم أحد.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه. قال: ما فتح اللّه عليك يوم بدرٍ. وروي عن الضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: من حسنةٍ. [5654]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه قال: ما أصاب من الغنيمة والفتح. وروي عن الضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: فمن اللّه. [5655]
وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: ما أصابك من حسنةٍ فمن اللّه قال أمّا الحسنة فأنعم اللّه بها عليك.
قوله تعالى: وما أصابك. [5656]
وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: وما أصابك من سيّئةٍ قال: يوم أحدٍ
قوله تعالى: من سيّئةٍ. [5657]
حدّثنا أبي، ثنا أبو تقيٍّ هشام بن عبد الملك، ثنا بقيّة، عن مبشّرٍ، عن حجّاجٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك قال: هذا يوم أحدٍ، يقول: ما كانت من نكبةٍ فبذنبك، وأنا قدّرت ذلك عليك
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وما أصابك من سيّئةٍ والسّيّئة ما أصابه يوم أحدٍ أن شبح وجهه وكسرت رباعيته.
قوله تعالى: فمن نفسك. [5659]
حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: فمن نفسك قال: أمّا السّيّئة فابتلاك اللّه بها.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو تقيٍّ هشام بن عبد الملك، ثنا بقيّة، عن مبشّر بن عبيدٍ، عن حجّاجٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: فمن نفسك قال: فبذنبك، وأنا قدّرت ذلك عليك.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ قوله: وما أصابك من سيّئةٍ فمن نفسك قال: فبذنبك، وأنا قدّرتها عليك.
قوله تعالى: وأرسلناك للنّاس رسولا وكفى باللّه شهيداً. [5662]
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ عن أبي صالحٍ أرسل قال: بعث.
قوله تعالى: رسولا. [5663]
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني اللّيث أنّ سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ حدّثه، عن شريك بن أبي نمرٍ أنّه سمع أنس بن مالكٍ يقول: بينا نحن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جلوسٌ في المسجد، إذ دخل رجلٌ على جملٍ، فأناخه في المسجد، ثمّ عقله، ثمّ قال: أيّكم محمّدٌ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متّكئٌ بين ظهرانيهم. قال: فقلنا له: هو الأبيض الرّجل المتّكئ. قال:
يا ابن المطّلب، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد أجبتك. فقال له الرّجل: إنّي سائلك فمشدّدٌ عليك في المسألة فلا تجدنّ في نفسك عليّ. قال: سل عمّا بدا لك، فقال: أنشدك بربّك وربّ من كان قبلك، اللّه أرسلك إلى النّاس كلّهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ نعم). [تفسير القرآن العظيم: 3/1009-1011]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عن ابن عباس في قوله {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: هذا يوم أحد يقول: ما كانت من نكبة فبذنبك وأنا قدرت ذلك عليك.
وأخرج سعيد ين منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي صالح {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} وأنا قدرتها عليك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: عقوبة بذنبك يا ابن آدم، قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: لا يصيب رجلا خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {وما أصابك من سيئة فمن نفسك} قال: بذنبك كما قال لأهل أحد (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) (التوبة الآية 122) بذنوبكم.
وأخرج ابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف عن مجاهد قال: هي في قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك
وأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد أن ابن عباس كان يقرأ وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك قال مجاهد: وكذلك في قراءة أبي، وابن مسعود). [الدر المنثور: 4/542-544]


رد مع اقتباس