عرض مشاركة واحدة
  #84  
قديم 16 محرم 1439هـ/6-10-2017م, 06:33 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

س7: ما جواب ما روي عن عائشة رضي الله عنها في تلحين كتَّاب المصاحف وتخطئتهم؟

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (س7: ما جواب ما روي عن عائشة رضي الله عنها في تلحين كتَّاب المصاحف وتخطئتهم؟
روى أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألتُ عائشة عن لَحْنِ القرآن: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون}، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، و{إن هذان لساحران}؛ فقالت: «يا ابن أختي، هذا عَمَلُ الكُتَّاب، أخطأوا في الكِتَاب».
ورواه عمر بن شبّة من طريق علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن: إن هذان لساحران، وقوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى} ، {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، وأشباه ذلك فقالت: «أي بني إنَّ الكتاب يخطئون»
فهذا الأثر إسناده في ظاهره صحيح، فقد رواه عن هشام بن عروة رجلان هما: أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وعلي بن مسهر؛ فبرئت عهدة أبي معاوية من التفرّد به كما أعلّه به بعضهم، وإن كان أبو معاوية قد انتقد بسبب اضطراب بعض حديثه، لكنّه قد توبع في هذا الأثر، وتابَعَه ثقة ثبت وهو علي بن مسهر.
ومتنه منكر جداً، يبعد أن يصدر عن مثل عائشة رضي الله عنها، وهي تقرأ هذه الآيات كما يقرؤها المسلمون، وتعلم أنَّ الأصل في القراءة الرواية مشافهة، وتعلم أيضاً أنّ كتابة المصاحف كانت عن إجماع من الصحابة رضي الله عنهم، وأن الذين انتدبوا لكتابته ومراجعته جماعة يستحيل تواطؤهم على الخطأ واللحن.
فهذه الأصول البيّنة توجب النظر والتدقيق في الإسناد للتعرف على علّته الخفيّة، وتَبَيُّن منشأ الخطأ.
فنظرنا في الذين رووا هذا الحديث عن هشام فإذا هما عراقيّان، وحديث العراقيين عن هشام بن عروة متكلّم فيه.
فقد ذكر الذهبي عن عبد الرحمن بن خراش أنه قال: (بلغني أن مالكا نقم على هشام بن عروة حديثه لأهل العراق، وكان لا يرضاه).
ثم قال: (قدم الكوفةَ ثلاث مرات: قَدْمَةٌ كان يقول فيها: حدثني أبي، قال: سمعت عائشة، والثانية فكان يقول: أخبرني أبي، عن عائشة، وقَدِمَ الثالثة؛ فكان يقول: "أبي، عن عائشة"، يعني: يرسل عن أبيه).
وقال يعقوب بن شيبة: (هشام ثبت لم ينكر عليه إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية، وأرسل عن أبيه بما كان سمعه من غير أبيه عن أبيه).
حتى رماه ابن القطّان بالاختلاط، لأنّ تحديثه بالعراق كان بعدما أسنّ في خلافة أبي جعفر المنصور بعد أن قارب الثمانين من عمره، فإنّه قد التقى بأبي جعفر المنصور وهو حينذاك خليفة المسلمين.
فلأجل ما أنكر على هشام في بعض ما حدّث به أهل العراق وكبر سنّه رماه ابن القطّان بالاختلاط.
وقد ردّ الذهبي هذه التهمة عنه ردّاً شديداً، وعدّ ما أخطأ فيه من الأوهام التي لا يكاد يسلم منها مَن كَثُر حديثُهم من الثقات؛ فقال في تاريخ الإسلام: (قول ابن القطان إنه اختلط قول مردود مرذول؛ فأرني إماماً من الكبار سلم من الخطأ والوهم!
فهذا شعبة، وهو في الذروة له أوهام، وكذلك معمر، والأوزاعي، ومالك رحمة الله عليهم).
وقال في ميزان الاعتدال في ترجمة هشام بن عروة: (حجة إمام، لكن في الكبر تناقص حفظه، ولم يختلط أبدا، ولا عبرة بما قاله أبو الحسن ابن القطان من أنه وسهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيرا.
نَعَم الرجل تغير قليلا ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة، فنسي بعض محفوظه أو وهم، فكان ماذا! أهو معصوم من النسيان!
لما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجوّدها، ومثل هذا يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الثقات)ا.هـ
وقد عدّ وليّ الدين العراقي وابن حجر العسقلاني هشام بن عروة من المدلّسين، لكن ابن حجر جعله من أهل المرتبة الأولى، وهم الذين لم يوصفوا بالتدليس إلا نادراً كيحيى بن سعيد الأنصاري.
وحديث هؤلاء حجّة ما لم تكن له علّة توجب ردّه.
والمقصود أنّ هذا الحديث مما أخطأ فيه هشام بن عروة؛ فرواه عن أبيه من غير ذكر الواسطة.
وهذه العلّة مع نكارة المتن كافية في ردّه.
ومثل هذه الأخطاء قد تقع من بعض الثقات بسبب دخول بعض المرويات بعضها في بعض؛ فيدخل ما أجاب به بعضهم برأيه بما أسنده غيرهم.

وعلى فرض صحة المنسوب إلى عائشة رضي الله عنها فالجواب عنه أن تخطئتها للكتّاب اجتهاد منها إذْ تركوا القراءة التي كانت تقرأ بها وتعرفها واختاروا غيرها، وقولهم مقدّم على قولها في ذلك، لكثرتهم واجتماعهم وشدّة عنايتهم بالقراءة والإقراء، وقد ينكر المرء ما يخالف قراءته فإذا تبيّن له أنّه صحيح أقرّ به، كما تقدّم بيانه من إنكار ابن مسعود لكتابة المعوذتين في المصحف ثمّ إقراره بكتابتهما.
وقول المثبت مقدَّم على قول النافي لما معه من زيادة علم.
ونحن لا ننكر أن تكون تلك الأحرف قد قرئت على قراءات أخرى قرأت بها عائشة وقرأ بها ابن مسعود وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، لكنّ المصير إلى القراءة التي على مقتضى الرسم العثماني واجب لتقرر الإجماع على ترك الإقراء بما خالف المصحف الإمام، والأقوال المهجورة لا تقدح في صحّة الإجماع.
قال ابن قتيبة رحمه الله في الجواب عن قراءة {إن هذان لساحران}: (على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: [إنّ هذين لساحران] وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: [إنَّ هذين لساحران]، وقرأ [المقيمون الصلاة])ا.هـ .
والعمدة في القراءة على الرواية، وما كان أؤلئك القراء ليقرؤوا إلا على ما ثبت لديهم صحة القراءة به رواية، وإن كان غيرها المختار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكان أبو عمرو إماما في العربية فقرأ بما يعرف من العربية: [إن هذين لساحران] وقد ذُكر أن له سلفاً في هذه القراءة وهو الظن به: أنه لا يقرأ إلا بما يرويه لا بمجرد ما يراه، وقد روي عنه أنه قال: "إني لأستحيي من الله أن أقرأ: {إنَّ هذان}" وذلك لأنه لم ير لها وجها من جهة العربية ومن الناس من خطأ أبا عمرو في هذه القراءة ومنهم الزجاج قال: لا أجيز قراءة أبي عمرو خلاف المصحف)ا.هـ.

والمجزوم به أنّ القراءة الموافقة للرسم العثماني صحيحة لغةً لا لحنَ فيها، وهي مقدّمة على غيرها لاختيار قرّاء الصحابة لها على غيرها؛ فإنّ ما تركوه قد يتطرّق إليه احتمال النسخ، وما أثبتوه فغير منسوخ التلاوة، وقد أفاض النحاة في بيان صحتها ودفع الإشكال عمّن استشكلها، وبيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في فتوى مفردة في هذه المسألة موافقتها للسماع والقياس.

وأمّا ما رواه عمر بن شبّة وابن أبي داوود من طريق حماد بن سلمة عن الزبير بن الخريت أنَّ خاله، قال: قلت لأبان بن عثمان وكان ممن حضر كتاب المصحف: " كيف كتبتم {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}، فقال: كان الكاتب يكتب والمملي يملي، فقال: اكتب، قال: ما أكتب قال: اكتب {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة}).
فهذا الخبر باطل لا يصحّ، خال الزبير مجهول الحال، وأبان كان صغيراً زمن الجمع العثماني؛ فإنّ أمّه أمّ عمرو بنت جندب الدوسية، ولم يتزوجها عثمان إلا في خلافة عمر.
وكان الجمع في أوّل خلافة عثمان.
وهذا الخبر ينقض بعضه بعضاً؛ فما باله كتب {والمقيمين الصلاة} ثم كتب بعدها {والمؤتون الزكاة}؟!!
ثمّ إنّ من علم اجتهاد الصحابة في التوثّق من كتابة المصاحف وعرضها بعد كتابتها ثم كتابة مصاحف الأمصار كلّها بالاتفاق على كتابة تلك الأحرف كما هي عليه، واشتهار ذلك بين القرّاء وإقرائهم به من غير نكير علم يقيناً أنّ ما ذُكر في هذا الخبر باطل لا ينبغي أن يُلتفت إليه). [جمع القرآن:281 - 286]


رد مع اقتباس