عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 06:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 23 إلى 35]

{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}

تفسير قوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقالت هيت لك...}
قرأها عبد الله بن مسعود وأصحابه...
- حدثني بن أبي يحيى عن أبي حبيب عن الشّعبيّ عن عبد الله ابن مسعود أنه قال: أقرأني رسول الله صلى عليه وسلم (هيت) ويقال: إنها لغة لأهل حوران سقطت إلى مكّة فتكلّموا بها. وأهل المدينة يقرءون هيت لك بكسر الهاء ولا يهمزون وذكر عن علي بن أبي طالب وابن عبّاس أنهما قرءا (هئت لك) يراد بها: تهيّأت لك وقد قال الشاعر:

أنّ العراق وأهله=سلمٌ عليك فهيت هيتا
أي هلمّ.
وقوله: {إنّه ربّي} يعني مولاه الذي اشتراه. يقول: قد أحسن إليّ فلا أخونه). [معاني القرآن: 2/40]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {وقالت هيت لك} أي هلمّ لك،
أنشدني أبو عمرو بن العلاء:

أبلغ أمير المؤمن=ين أخا العراق إذا أتيتا
أنّ العراق وأهله= عنقٌ إليك فهيت هيتا
يريد عليّ بن أبي طالب رحمه الله، أي تعالى وتقرب وادته، وكذلك لفظ هيت للاثنين والجميع من الذكر والأنثى سواء إلا أن العدد فيما بعدها تقول: هيت لكما وهيت لكن، وشهدت أبا عمرو وسأله أبو أحمد أو أحمد وكان عالماً بالقرآن وكان لألأً ثم كبر فقعد في بيته فكان يؤخذ عنه القرآن ويكون مع القضّاة، فسأله عن قول من قال: هئت فكسر الهاء وهمز الياء، فقال أبو عمرو: نبسى أي باطل جعلها قلت من تهيأت؛ فهذا الخندق، واستعرض العرب حتى تنتهى إلى اليمن هل يعرف أحد هئت لك؛ كان خندق كسرى إلى هيت حين بلغه أن النبي صلى الله عليه يخرج وخاف العرب فوضع عليه المراصد وصوامع وحرساً ودون ذلك مناظر ثم لما كانت فتنة ابن الأشعث حفره عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة، وكان أعور،
فقال له حميد الأرقط:
يا أعور العين فديت العورا= لا تحسبنّ الخندق المحفورا
يردّ عنك القدر المقدورا
وذلك أنه لما انهزم ابن الأشعث من الزاوية قام هو بأمر أهل البصرة فناصب الحجاج، ثم لما هرب يزيد بن المهلب من سجن عمر بن عبد العزيز حفره عدى بن أرطاة عامل البصرة، لئلا يدخل يزيد البصرة ثم حفره المنصور وجعل عليه حائطاً مما يلي الباب فحصنه أشد من تحصين الأولين للحائط ولم يكن له حائط قبل ذلك). [مجاز القرآن: 1/307-305]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وراودته الّتي هو في بيتها عن نّفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ اللّه إنّه ربّي أحسن مثواي إنّه لا يفلح الظّالمون}
وقال: {معاذ اللّه إنّه ربّي} أي: أعوذ بالله معاذا. جعله بدلا من اللفظ بالفعل لأنه مصدر وإن كان غير مستعمل مثل "سبحان" وبعضهم يقول "معاذة الله" ويقول "ما أحسن معناة هذا الكلام" يريد المعنى). [معاني القرآن: 2/51]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {هيت لك}: بلغة أهل حوران تعال.
ومن قال هئت لك فمعناه تهيأت لك بالهمز). [غريب القرآن وتفسيره: 182-181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقالت هيت لك} أي هلمّ لك. يقال: هيّت فلان لفلان، إذا دعاه وصاح به. قال الشاعر:
قد رابني أنّ الكريّ أسكتا لو كان معنيا بها لهتّا). [تفسير غريب القرآن: 215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وراودته الّتي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ اللّه إنّه ربّي أحسن مثواي إنّه لا يفلح الظّالمون}
المعنى أنها راودته عما أرادته مما يريد النساء من الرجال، فعلم بتركه ذكر الفاحشة نفسها ما راودته عليه.
{وقالت هيت لك} المعنى هلمّ لك، أي أقبل إلى ما أدعوك إليه.
وفي {هيت لك} لغات: يجوز هيت لك، وهيت. وأجودها وأكثرها هيت - بفتح التاء - ورويت عن علي صلوات اللّه عليه: هيت لك فأمّا الفتح مع فتح التاء والهاء، فهو أكثر كلام العرب.
قال الشاعر:

أبلغ أمير المؤمنين= أخا العراق إذا أتيتا
أنّ العراق وأهله= عنق إليك فهيت هيتا
أي فأقبل وتعال.
وحكى قطرب أنه أنشده بعض أهل الحجاز لطرفة بن العبد:

ليس قومي بالأبعدين إذا ما= قال داع من العشيرة هيت
هم يجيبون ذا هلمّ سراعا= كالأبابيل لا يغادر بيت
رويت عن ابن عباس هئت لك مهموزة مكسورة الهاء، من الهيئة كأنها قالت تهيأت لك، فأما الفتح في (هيت) فلأنها بمنزلة الأصوات، ليس منها فعل يتصرّف ففتحت التاء لسكونها وسكون الياء، واختير الفتح لأن قبل التاء ياء كما قالوا: كيف وأين، ومن قال هيت لك - بكسر التاء، فلأن أصل التقاء السّاكنين حركة الكسر، ومن قال: هيت ضمها لأنها في معنى الغايات، كأنها قالت: دعائي لك، ولما حذفت الإضافة وتضمنت معناها بنيت على الضم كما بنيت حيث ومنذ يا هذا.
وقراءة عليّ " هئت لك " بمنزلة هيت والحجة فيها كالحجة فيها مفتوحة.
ثم قال: {معاذ اللّه}.
مصدر، المعنى أعوذ باللّه أن أفعل هذا، تقول: عذت عياذا ومعاذا.
{إنّه ربّي} أي إن العزيز صاحبي
{أحسن مثواي} أي تولّاني في طول مقامي
{إنّه لا يفلح الظّالمون}أي: إن فعلت هذا فخنته في أهله بعدما أكرمني فأنا ظالم.
[ويجوز أن يكون «إنه ربي» يعني الله عز وجل «أحسن مثواي» أي: تولّاني في طول مقامي] ). [معاني القرآن: 3/101-99]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه}
معنى راود فلان فلانة طالبها على الفاحشة وترك ذكر الفاحشة لعلم السامع
وقوله جل وعز: {وقالت هيت لك}
قال سعيد بن جبير أي تعاله
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال لا تنطعوا في القرآن فإنما هو مثل قول أحدكم هلم وتعال ثم قرأ عبد الله وقالت هيت لك بفتح الهاء والتاء
وروي عن مجاهد وعكرمة أنهما قرءا وقالت هئت لك بالهمز
قال قتادة قرأ ابن عباس هئت لك
قال عكرمة أي تهيأت لك
وأنكر الكسائي هذه القراءة وقال لا أعرف هئت لك بمعنى تهيأت وهي عند البصريين جيدة لأنه يقال هاء الرجل يهاء ويهييء هيأة فهاء يهيء مثل جاء يجيء وهئت مثل جئت
ثم قال جل وعز: {معاذ الله إنه ربي}
يجوز أن يكون المعنى إن الله ربي فلا أعصيه
ويجوز أن يكون المعنى إن الملك ربي أي مولاي). [معاني القرآن: 3/411-409]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ) : ( {هيت لك} أي: تعال وأقبل). [ياقوتة الصراط: 273]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {هيت لك} أي هلم لك، أي تعال. ومن قرأ (هئت لك) فمعناه: تهيأت لك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 113]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {هَيْتَ لَكَ}: تعال
{هيتُ لك}: تهييت لك). [العمدة في غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أن رّأى برهان ربّه...}
ذكروا أنه رأى صورة يعقوب عليه السلام). [معاني القرآن: 2/40]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رّأى برهان ربّه كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاء إنّه من عبادنا المخلصين}
وقال: {وهمّ بها} فلم يكن همّ بالفاحشة ولكن دون ذلك مما لا يقطع الولاية). [معاني القرآن: 2/51]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لولا أن رأى برهان ربّه} أي حجّته عليه). [تفسير غريب القرآن: 215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (يستوحش كثير من الناس من أن يلحقوا بالأنبياء ذنوبا، ويحملهم التنزيه لهم، صلوات الله عليهم، على مخالفة كتاب الله جلّ ذكره، واستكراه التأويل، وعلى أن يلتمسوا لألفاظه المخارج البعيدة بالحيل الضعيفة التي لا تخيل عليهم، أو على من علم منهم- أنّها ليست لتلك الألفاظ بشكل، ولا لتلك المعاني بلفق.
...
وكتأولهم في قوله سبحانه: ولقد همّت به وهمّ بها أنها همّت بالمعصية، وهمّ بالفرار منها! وقال (بعضهم): وهمّ بضربها! والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}. أفتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام عندها وأمسك عن ضربها؟! هذا ما ليس به خفاء ولا يغلط متأوّله.
ولكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة واعتقاد، وهمّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، وعند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
وقد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء ولا يريدهنّ. فهذا يدلّك على أنّ أكثر زلّات الأنبياء من هذه الجهة، وإن كانوا لم يأتوا في شيء منها فاحشة، بنعم الله عليهم ومنّه، فإن الصغير منهم كبير لما آتاهم الله من المعرفة، واصطفاهم له من الرسالة، وأقام عليهم من الحجّة. ولذلك قال يوسف، صلّى الله عليه وسلم: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} يريد ما أضمره وحدّث به نفسه عند حدوث الشّهوة.
وقد وضع الله تعالى الحرج عمّن همّ بخطيئة ولم يعملها). [تأويل مشكل القرآن: 405-403] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأراد بالفصيل: السّهم. يقول: ليس يرزؤها درّا، ولا يموت بشما، ولو وجد أيضا في (عصى) مثل هذا السّنن لركبوه، وليس في (غوى) شيء إلا ما في (عصى) من معنى الذّنب، لأن العاصي لله التّارك لأمره غاو في حاله تلك، والغاوي عاص. والغيّ ضدّ الرّشد، كما أن المعصية ضد الطاعة.
وقد أكل آدم، صلّى الله عليه وسلم، من الشجرة التي نهي عنها باستزلال إبليس وخدائعه إيّاه بالله والقسم به إنه لمن الناصحين، حتى دلّاه بغرور. ولم يكن ذنبه عن إرصاد وعداوة وإرهاص كذنوب أعداء الله. فنحن نقول: (عصى وغوى)، كما قال الله تعالى، ولا نقول: آدم (عاص ولا غاو)، لأن ذلك لم يكن عن اعتقاد متقدّم ولا نيّة صحيحة، كما تقول لرجل قطع ثوبا وخاطه: قد قطعه وخاطه، ولا تقل: خائط ولا خيّاط حتى يكون معاودا لذلك الفعل، معروفا به.
وكتأولهم في قوله سبحانه: ولقد همّت به وهمّ بها أنها همّت بالمعصية، وهمّ بالفرار منها!
وقال (بعضهم): وهمّ بضربها! والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} أفتراه أراد الفرار منها. أو الضرب لها، فلما رأى البرهان أقام عندها وأمسك عن ضربها؟!
هذا ما ليس به خفاء ولا يغلط متأوّله.
ولكنها همّت منه بالمعصية همّ نيّة واعتقاد، وهمّ نبي الله صلّى الله عليه وسلم، همّا عارضا بعد طول المراودة، وعند حدوث الشهوة التي أتي أكثر الأنبياء في هفواتهم منها.
وقد روي في الحديث: أنه ليس من نبي إلا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة غير يحيى بن زكريا، عليهما السلام، لأنّه كان حصورا لا يأتي النساء ولا يريدهنّ. فهذا يدلّك على أنّ أكثر زلّات الأنبياء من هذه الجهة، وإن كانوا لم يأتوا في شيء منها فاحشة، بنعم الله عليهم ومنّه، فإن الصغير منهم كبير لما آتاهم الله من المعرفة، واصطفاهم له من الرسالة، وأقام عليهم من الحجّة. ولذلك قال يوسف، صلّى الله عليه وسلم: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} يريد ما أضمره وحدّث به نفسه عند حدوث الشّهوة.
وقد وضع الله تعالى الحرج عمّن همّ بخطيئة ولم يعملها). [تأويل مشكل القرآن: 405-403] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاء إنّه من عبادنا المخلصين}
أكثر المفسّرين أنه همّ بها حتى رأى صورة يعقوب عليه السلام، وهو يقول له: يا يوسف أتهمّ بفعل السفهاء وأنت مكتوب في ديوان الأنبياء، وقيل إنه رأى في البيت مكتوبا:
{ولا تقربوا الزّنا إنّه كان فاحشة وساء سبيلا}.
وهذا مذهب أهل التفسير، ولسنا نشكّ أنه قد رأى برهانا قطعه عما همّ به.
وقال قوم: المعنى {ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربّه}.
وذهبوا إلى أن المعنى لولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها.
والذي عليه المفسرون أنه همّ بها وأنه جلس منها مجلس الرجل من المرأة إلا أن اللّه تفضل بأن أراه البرهان، ألا تراه قال: {وما أبرّئ نفسي إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء}.
والمعنى لولا أن رأى برهان ربّه لأمضى ما همّ به.
وليس في الكلام بكثير أتى تقول: ضربتك لولا زيد، ولا هممت بك لولا زيد، إنما الكلام لولا زيد لهممت بك.
و (لولا) تجاب باللام، فلو كان: ولقد همّت به ولهمّ بها لولا أن رأى أي برهان ربّه لكان يجوز على بعد.
وقوله: {كذلك لنصرف عنه السّوء والفحشاء}.
أي كذلك أريناه البرهان لنصرف عنه السّوء والفحشاء، فالسوء – خيانة صاحبه، والفحشاء ركوب الفاحشة.
{إنه من عبادنا المخلصين} أي الذين أخلصوا، أخلصهم اللّه من الأسواء والفواحش، مثل المصطفين.
وقرئت من المخلصين بكسر اللام، أي الذين أخلصوا دينهم للّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 3/102-101]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه}
قال أبو جعفر الذي عليه أهل الحديث والمتقدمون أنه هم بها حتى مثل له يعقوب
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال نا داود بن عمرو الضبي عن نافع وهو ابن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال سئل ابن عباس رحمه الله ما بلغ من هموم يوسف فقال جلس يحل هميانا له فنودي يا يوسف لا تك كالطائر يزني وعليه الريش فيقعد بلا ريش فلم يتعظ على النداء فرأى برهان ربه ففر وفرق
وفي رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال سألت ابن عباس عما بلغ من هموم يوسف فذكر نحوه إلا أنه قال جلس بين رجليها ورأى يعقوب
وروى الأعمش عن مجاهد قال حل سراويله فتمثل له يعقوب فقال له يا يوسف فولى هاربا
وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله
وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال رأى صورة يعقوب يقول له يوسف يوسف
قال أبو صالح رأى صورة يعقوب في سقف البيت يقول يا يوسف يا يوسف
وقال الضحاك نحوا من هذا قال أبو عبيد القاسم بن سلام وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برأيه أن يوسف لم يهم بها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله: {ولقد همت به}
قال ثم استأنف فقال وهم بها لولا أن رأى برهان ربه بمعنى لولا أن رأى برهان ربه لهم بها واحتج بقوله: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} وبقوله: {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر} وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم
قال أبو جعفر وكلام أبي عبيد هذا كلام حسن بين لمن لم يمل إلى الهوى والذي ذكر من احتجاجهم بقول {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} لا يلزم لأنه لم يواقع المعصية
وأيضا فإنه قد صح في الحديث أن جبريل قال له حين قال ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ولا حين هممت فقال وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء وكذلك احتجاجهم بقوله: {واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر} لا يلزم لأنه يجوز أن يكون هذا بعد الهموم
وقال الحسن إن الله جل وعز لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ولكنه ذكرها لئلا تيأسوا من التوبة
وقيل معنى وهم أنه شيء يخطر على القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من هم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه فهذا مما يخطر بالقلب ولو هم بها على أنه يواقعها لكان ذلك عظيما وفي الحديث إني لأستغفر الله جل وعز في اليوم والليلة مائة مرة
قال أبو جعفر وقد بينا قول من يرجع إلى قوله من أهل الحديث والروايات
وأهل اللغة المحققون على قولهم
قال أبو إسحاق يبعد أن يقال ضربتك لولا زيد وهممت بك لولا زيد وإنما الكلام لولا زيد لهممت بك فلو كان ولقد همت به ولهم بها لولا أن رأى برهان ربه لجاز على بعد وإنما المعنى لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به
وقال بعض أهل اللغة المعنى وهم بدفها
وقوله جل جلاله: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء}
(السوء): خيانة صاحبه، و(الفحشاء): ركوب الفاحشة.
حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال: نا محمد بن إبراهيم بن جناد قال: نا الحسن بن عبد العزيز الجروي قال: حدثني أبو مروان وأثنى عليه خيرا، قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر في قول الله جل وعز: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء} قال: (السوء): الثناء القبيح و(الفحشاء): الزنا). [معاني القرآن: 3/416-411]

تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وألفيا سيّدها لدى الباب...}
يعني يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عمّ لامرأته على الباب، فقالت: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} فقال: {هي راودتني عن [نفسي]} فذكروا أن ابن عمّها قال:
{إن كان قميصه قدّ من قبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قدّ من دبرٍ فكذبت وهو من الصّادقين} فلمّا رأوا القميص مقدوداً من دبر قال ابن العمّ:
{إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيمٌ} ثم إن ابن العمّ طلب إلى يوسف فقال: {أعرض عن هذا} أي اكتمه، وقال للأخرى: (استغفري) زوجك (لذنبك) ). [معاني القرآن: 2/41]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وألفيا سيّدها لدى الباب} أي وجدا،
قال:
فألقيته غير مستعتب= ولا ذاكر الله إلاّ قليلا
أي وجدته). [مجاز القرآن: 1/307]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبرٍ وألفيا سيّدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلاّ أن يسجن أو عذابٌ أليمٌ}
وقال: {إلاّ أن يسجن أو عذابٌ أليمٌ} يقول "إلاّ السجن أو عذابٌ أليمٌ "لأن" "أن" الخفيفة وما عملت فيه اسم بمنزلة "السّجن"). [معاني القرآن: 2/51]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ( {ألفيا}: وجدا). [غريب القرآن وتفسيره: 182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وألفيا سيّدها}: وجداه لدى عند الباب). [تفسير غريب القرآن: 215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لدن}: بمعنى عند، قال تعالى: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} أي بلغت من عندي.
وقال: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أي من عندنا.
وقد تحذف منها النون، كما تحذف من (لم يكن) قال الشاعر:
مِن لَدُ لَحْيَيْهِ إِلَى مَنْحُورِهِ
أي من عند لحييه.
وفيها لغة أخرى أيضا: لدى، قال الله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} أي عند الباب). [تأويل مشكل القرآن: 563]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واستبقا الباب وقدّت قميصه من دبر وألفيا سيّدها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلّا أن يسجن أو عذاب أليم}
أي استبقا إلى الباب، يعني به يوسف وامرأة العزيز.
{وقدّت قميصه من دبر} والقدّ القطع، أي خرقته خرقا انقدّ منه.
{وألفيا سيّدها لدا الباب} أي صادفا سيدها لدى الباب فحصرها في ذلك الوقت كيد لمّا فاجأت سيّدها.
{قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلّا أن يسجن} أي ما جزاؤه إلا السّجن.
(أو عذاب أليم) أي عذاب موجع). [معاني القرآن: 3/102]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {واستبقا الباب}
قال قتادة يعني يوسف وامرأة العزيز
وقوله جل وعز: {وألفيا سيدها لدى الباب} أي صادفاه فحضرها عند ذلك كيد فقالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم). [معاني القرآن: 3/416]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَلْفَيَا}: وجدا). [العمدة في غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وألفيا سيّدها لدى الباب...}
يعني يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عمّ لامرأته على الباب، فقالت: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} فقال: {هي راودتني عن [نفسي]} فذكروا أن ابن عمّها قال:
{إن كان قميصه قدّ من قبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قدّ من دبرٍ فكذبت وهو من الصّادقين} فلمّا رأوا القميص مقدوداً من دبر قال ابن العمّ:
{إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيمٌ} ثم إن ابن العمّ طلب إلى يوسف فقال: {أعرض عن هذا} أي اكتمه، وقال للأخرى: (استغفري) زوجك (لذنبك) ). [معاني القرآن: 2/41] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {وشهد شاهدٌ مّن أهلها...}...
- وحدثني قيس بن الربيع عن أبي حصين عن سعيد بن جبير في قوله: {وشهد شاهدٌ مّن أهلها} قال: صبيّ.
قال: وحدثني قيس عن رجل عن مجاهد أنه رجل.
قال: وحدثني معلّي بن هلال عن أبي يحيى عن مجاهد في قوله: {وشهد شاهد من أهلها} قال: حكم حاكم من أهلها.
ولو كان في الكلام: (أن إن كان قميصه) لصلح؛ لأن الشهادة تستقبل (أن) ولا يكتفي بالجزاء فإذا اكتفت فإنما ذهب بالشهادة إلى معنى القول كأنه قال: وقال قائل من أهلها، كما قال: {يوصيكم الله في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} فذهب بالوصية إلى القول، وأنشدني الكسائيّ:
وخبّرتما أن إنّما بين بيشةٍ =ونجران أحوى والمحلّ قرٍيب
(والجناب خصيب) فأدخل (أن) على (إنما) وهي بمنزلتها قال: وسمعت الفراء قال: زعم القاسم بن معن أن بئشة وزئنة أرضان مهموزتان). [معاني القرآن: 2/42-41]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قال يوسف: {هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين} أي هي التي أرادت السّوء.
{وشهد شاهد من أهلها} قيل إنه رجل حكيم، وقيل إنّه طفل.
{إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصّادقين }. [معاني القرآن: 3/103-102]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصّادقين }
أي إن كان هو المقبل عليها وهي الدافعة له عن نفسها فيجب أن تكون خرقت قميصه من قبل، وإن كان هو المتباعد منها، وهي التابعة له في استباقهما فيجب أن يكون قدّ القميص من دبر.
والقراءة من قبل ومن دبر، ومن قبل ومن دبر.
ويجوز من قبل بغير تنوين، ومن دبر، على الغاية، أي من قبله.
أما الفتح فبعيد في قوله: من قبل ومن دبر. لأن الذي يفتح يجعله مبنيا على الفتح فيشبهه بما لا ينصرف فيجعله.
ممتنعا من الصرف لأنه معرفة ومزال عن بابه، وهذا الوجه يجيزه البصريون.
فأمّا قبل وقبل فالتسكين في الباء جائز، وقد روي عن ابن أبي إسحاق الفتح والضم جميعا، والفتح أكثر في الرواية عنه، ولا أعلم أحدا من البصريين ذكر الفتح غيره). [معاني القرآن: 3/103]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وشهد شاهد من أهلها}
قال أبو هريرة تكلم ثلاثة في المهد صاحب يوسف وعيسى وصاحب جريج
وروى شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال كان صبيا في البيت أو قال في المهد شك شريك
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو صبي في البيت
وقال هلال بن إساف تكلم ثلاثة في المهد أحدهم صاحب يوسف
وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رجلا ذا لحية
وقال سفيان عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال كان من خاصة الملك
وقال عكرمة لم يكن بصبي ولكن كان رجلا حكيما
وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال كان رجلا
وروى أبو عاصم عن المثنى عن القاسم وشهد شاهد من أهلها قال قميصه
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وشهد شاهد من أهلها} قال قد القميص الشاهد
والقد في اللغة القطع). [معاني القرآن: 3/418-416]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وألفيا سيّدها لدى الباب...}
يعني يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عمّ لامرأته على الباب، فقالت: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} فقال: {هي راودتني عن [نفسي]} فذكروا أن ابن عمّها قال:
{إن كان قميصه قدّ من قبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قدّ من دبرٍ فكذبت وهو من الصّادقين} فلمّا رأوا القميص مقدوداً من دبر قال ابن العمّ:
{إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيمٌ} ثم إن ابن العمّ طلب إلى يوسف فقال: {أعرض عن هذا} أي اكتمه، وقال للأخرى: (استغفري) زوجك (لذنبك) ). [معاني القرآن: 2/41] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصّادقين}
أي إن كان هو المقبل عليها وهي الدافعة له عن نفسها فيجب أن تكون خرقت قميصه من قبل، وإن كان هو المتباعد منها، وهي التابعة له في استباقهما فيجب أن يكون قدّ القميص من دبر.
والقراءة من قبل ومن دبر، ومن قبل ومن دبر.
ويجوز من قبل بغير تنوين، ومن دبر، على الغاية، أي من قبله.
أما الفتح فبعيد في قوله: من قبل ومن دبر. لأن الذي يفتح يجعله مبنيا على الفتح فيشبهه بما لا ينصرف فيجعله.
ممتنعا من الصرف لأنه معرفة ومزال عن بابه، وهذا الوجه يجيزه البصريون.
فأمّا قبل وقبل فالتسكين في الباء جائز، وقد روي عن ابن أبي إسحاق الفتح والضم جميعا، والفتح أكثر في الرواية عنه، ولا أعلم أحدا من البصريين ذكر الفتح غيره).
[معاني القرآن: 3/103] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وألفيا سيّدها لدى الباب...}
يعني يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عمّ لامرأته على الباب، فقالت: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} فقال: {هي راودتني عن [نفسي]} فذكروا أن ابن عمّها قال:
{إن كان قميصه قدّ من قبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قدّ من دبرٍ فكذبت وهو من الصّادقين} فلمّا رأوا القميص مقدوداً من دبر قال ابن العمّ:
{إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيمٌ} ثم إن ابن العمّ طلب إلى يوسف فقال: {أعرض عن هذا} أي اكتمه، وقال للأخرى: (استغفري) زوجك (لذنبك) ). [معاني القرآن: 2/41] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {فلمّا رأى قميصه قدّ من دبر قال إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيم}
أي إن قولك: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءا}... من كيدكنّ.
فأمّا دخول " كان مع " إن " الجزاء، وكون الفعل بعدها لما مضى ففيه قولان:
قال محمد بن يزيد: " كان " لقوتها وأنها عبارة عن الأفعال لم تغيرها إن الجزاء الخفيفة.
والقول الثاني أن " كان " عبارة عن الأفعال - وأن كان في معنى الاستقبال ههنا - عبّرت عن فعل ماض، المعنى إن يكن قميصه قد، أي إن يعلم قميصه قدّ من قبل فالعلم ما وقع بعد، فكذلك الكون لا يكون لأنه مؤدّ عن العلم). [معاني القرآن: 3/104-103]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {قال أنه من كيدكن}
المعنى إن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءا من كيدكن
ثم قال يوسف أعرض عن هذا أي لا تفشه). [معاني القرآن: 3/418]

تفسير قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وألفيا سيّدها لدى الباب...}
يعني يوسف وامرأة العزيز وجدا العزيز وابن عمّ لامرأته على الباب، فقالت: {ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا} فقال: {هي راودتني عن [نفسي]} فذكروا أن ابن عمّها قال:
{إن كان قميصه قدّ من قبلٍ فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قدّ من دبرٍ فكذبت وهو من الصّادقين} فلمّا رأوا القميص مقدوداً من دبر قال ابن العمّ:
{إنّه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيمٌ} ثم إن ابن العمّ طلب إلى يوسف فقال: {أعرض عن هذا} أي اكتمه، وقال للأخرى: (استغفري) زوجك (لذنبك) ). [معاني القرآن: 2/41] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إنّك كنت من الخاطئين} قال الأصمعي: يقال: خطئ الرجل يخطأ خطأ -: إذا تعمد الذنب. فهو خاطئ. والخطيئة [منه] وأخطأ يخطئ -: إذا غلط ولم يتعمّد. والاسم منه الخطأ). [تفسير غريب القرآن: 215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنّك كنت من الخاطئين}
معناه يا يوسف اكتم هذا الأمر ولا تذكره.
{واستغفري لذنبك}.
ويروى أنه كان قليل الغيرة.
وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه}.
(بدا) فعل استغنى عن فاعل.
العرب تقول: قد بدا لي بداء أي تغير رأي عما كان عليه.
وأكثر العرب تقول: قد بدا لي، ولم يذكر بداء، لكثرته لأنه في الكلام دليلا على تغير رأيه، فترك الفاعل وهو مراد.
ثم بين ما البداء فقال ليسجننه حتى حين، كأنّهم قالوا: ليسجننه، والرأي الذي كاد لهم قبل: قيل إن العزيز أمره بالإعراض فقط ثم تغير رأيه عن ذلك). [معاني القرآن: 3/104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال تعالى: {واستغفري لذنبك}
ويروى أنه كان قليل الغيرة). [معاني القرآن: 3/418]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {من الخاطئين} يقال: خطئ يخطأ خطأ: إذا تعمد الذنب، وهو خاطئ. وأخطأ يخطئ: إذا غلط ولم يتعمد، والاسم منه الخطأ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 113]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قد شغفها حبّاً...}
أي خرق شغاف قلبها وتقرأ (قد شعفها) بالعين وهو من قولك: شعف بها. كأنه ذهب بها كلّ مذهب. والشعف: رءوس الجبال). [معاني القرآن: 2/42]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قد شغفها حبّاً} أي قد وصل الحب إلى شغف قلبها وهو غلافه، قال النّابغة الذّبيانيّ:
ولكن همّاً دون ذلك والجٌ= مكان الشّغاف تبتغيه الأصابع
ويقرؤه قوم قد شعفها: وهو من المشعوف). [مجاز القرآن: 1/308]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({قد شغفها}: وصل الحب إلى شغافها، وهو غلاف القلب وقال بعضهم داء في البطن). [غريب القرآن وتفسيره: 182]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قد شغفها حبًّا} أي بلغ حبّه شفافها. وهو غلاف القلب.
ولم يرد الغلاف إنما أراد القلب. يقال: قد شغفت فلانا إذا أصبت شغافه.
كما يقال: كبدته، إذا أصبت كبده. وبطنته: إذا أصبت بطنه.
ومن قرأ: «شعفها» - بالعين - أراد فتنها. من قولك. فلان مشعوف بفلانة). [تفسير غريب القرآن: 216-215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقال نسوة في المدينة امرأت العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبّا إنّا لنراها في ضلال مبين}
يقال نسوة ونسوة - بالضم والكسر - وقيل: {تراود فتاها عن نفسه}.
أي عبدها وغلامها، لأن استعمالهم كان للغلام المملوك أن يسمّى فتى.
{قد شغفها حبّا} أي بلغ حبّه إلى شغاف قلبها، وفي الشغاف ثلاثة أقوال:
قال بعضهم الشغاف غلاف القلب.
وقيل: هو داء يكون في الجوف في الشراسيف.
وأنشدوا:
وقد حال همّ دون ذلك داخل= دخول الشغاف تبتغيه الأصابع
وقد قرئت شعفها بالعين، ومعنى شعفها ذهب بها كل مذهب مشتق من شعفات الجبال، أي رؤوس الجبال، فإذا قلت فلان مشعوف بكذا، فمعناه أنه قد ذهب به الحبّ أقصى المذاهب). [معاني القرآن: 3/105-104]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا}
وروى معاوية بن أبي صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال شغفها غلبها
وروى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال دخل تحت شغافها
قال أبو جعفر والقولان يرجعان إلى شيء واحد لأن الشغاف
حجاب القلب فالمعنى وصل حبه إلى شغفاها فغلب على قلبها قال الشاعر:
وقد حال هم دون ذلك داخل = دخول الشغاف تبتغيه الأصابع
وقد قيل إن الشغاف داء وأنشد الأصمعي للراجز يتبعها وهي له شغاف
وروي عن أبي رجاء وقتادة أنهما قرءا قد شعفها حبا بالعين غير معجمة وبفتحها
قال أبو جعفر معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب لأن شعفات الجبال أعاليها وقد شعف بذلك شعفا بإسكان العين أي أولع به إلا أن أبا عبيد،
أنشد بيت امرئ القيس:
أيقتلني وقد شعفت فؤادها = كما شعف المهنؤة الرجل الطالي
قال فشبهت لوعة الحب وجواه بذلك
وروي عن الشعبي انه قال الشغف حب والشعف جنون). [معاني القرآن: 3/420-418]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ( {قد شغفها حبا} أي: قد بلغ حبه إلى شغاف قلبها، وهو حجاب القلب
ومن قرأ: (شَعَفَهَا) فمعناه: أحرق حبه قلبها، وعلى الأول العمل). [ياقوتة الصراط: 274-273]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قد شغفها حبا} أي بلغ حبه شغافها، وهو غلاف القلب، يريد به القلب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 113]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شَغَفَهَا}: اشتد وجدها به). [العمدة في غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأعتدت لهنّ متّكئاً} يقال: اتخذت لهنّ مجلساً.
ويقال: إنّ متكاً غير مهموز، فسمعت أنه الأترجّ. وحدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أنه قال: الزّماورد.
وقوله: {وقطّعن أيديهنّ} يقول: وخدشنها ولم يبنّ أيديهن، من إعظامه، وذلك قوله: {حاش للّه} أعظمته أن يكون بشراً، وقلن: هذا ملكٌ. وفي قراءة عبد الله (حاشا للّه) بالألف، وهو في معنى معاذ الله.
وقوله: {ما هذا بشراً} نصبت (بشراً) لأن الباء قد استعملت فيه فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء، فلمّا حذفوها أحبّوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه فنصبوا على ذلك؛
ألا ترى أن كلّ ما في القرآن أتى بالباء إلاّ هذا، وقوله: {ما هنّ أمّهاتهم} وأما أهل نجد فيتكلّمون بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا. وهو أقوى الوجهين في العربية.
أنشدني بعضهم:

لشتّان ما أنوي وينوي بنو أبي =جميعاً فما هذان مستويان
تمنّوا لي الموت الذي يشعب الفتى = وكلّ فتىً والموت يلتقيان
وأنشدوني:

ركاب حسيل أشهر الصيف بدن = وناقة عمرو ما يحلّ لها رحل
ويزعم حسلٌ أنه فرع قومه = وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل
وقال الفرزدق:
أما نحن راءوا دارها بعد هذه = يد الدهر إلا أنّ يمرّ بها سفر
وإذا قدّمت الفعل قبل الاسم رفعت الفعل واسمه فقلت: ما سامعٌ هذا وما قائم أخوك. وذلك أن الباء لم تستعمل ها هنا ولم تدخل؛ ألا ترى أنه قبيح أن تقول: ما بقائم أخوك؛ لأنها إنما تقع في المنفيّ إذا سبق الاسم، فلمّا لم يمكن في (ما) ضمير الاسم قبح دخول الباء. وحسن ذلك في (ليس): أن تقول: ليس بقائم أخوك؛ لأنّ (ليس) فعل يقبل المضمر، كقولك: لست ولسنا؛ ولم يمكن ذلك في (ما).
فإن قلت: فإني أراه لا يمكن في (لا) وقد أدخلت العرب الباء في الفعل التي تليها فقالوا:
* لا بالحصور ولا فيها بسوّار *
قلت: إن (لا) أشبه بليس من (ما) ألا ترى أنك تقول: عبد الله لا قائم ولا قاعد، كما تقول: عبد الله ليس قاعداً ولا قائماً، ولا يجوز عبد الله ما قائم ولا قاعد فافترقتا ها هنا.
ولو حملت الباء على (ما) إذا وليها الفعل تتوهّم فيها ما توهّمت في (لا) لكان وجهاً، أنشدتني امرأة من غني:
أما والله أن لو كنت حرّاً = وما بالحرّ أنت ولا العتيق
فأدخلت الباء فيما يلي (ما) فإن ألقيتها رفعت ولم يقو النصب لقلّة هذا...
- وحدثني دعامة بن رجاء التّيميّ -وكان غرّا- عن أبي الحويرث الحنفيّ أنه قال: (ما هذا بشرًي) أي ما هذا بمشترىً). [معاني القرآن: 2/44-42]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وأعتدت لهنّ متّكئاً}: أفعلت من العتاد، ومعناه: أعدّت له متكئاً، أي ممرقاً تتكئ عليه، وزعم قوم أنه الأترج،
وهذا أبطل باطل في الأرض ولكن عسى أن يكون من المتكاء أترج يأكلونه، ويقال: ألق له متكئاً.
(أكبرنه) أجللنه وأعظمنه، ومن زعم أن أكبرنه حضن فمن أين، وإنما وقع عليه الفعل ذلك، لو قال: أكبرن، وليس في كلام العرب أكبرن حضن، ولكن عسى أن يكون من شده ما أعظمنه حضن.
(وقلن حاش لله) الشين مفتوحة ولا ياء فيه وبعضهم يدخل الياء في آخره، كقوله:
حاشى أبى ثوبان إنّ به= ضنّا عن الملحاة والشّتم
ومعناه معنى التنزيه والاستثناء من الشرن ويقال: حاشيته أي استثنيته). [مجاز القرآن: 1/310-308]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({اعتدت}: من العتاد.
{حاش لله}: تبرئة واستثناء). [غريب القرآن وتفسيره: 183]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلمّا سمعت بمكرهنّ} أي بقولهن وغيبتهن.
{وأعتدت لهنّ} أعتدت من العتاد.
{متّكأً} أي طعاما. يقال: اتكأنا عند فلان: إذا طعمنا. وقد بينت أصل هذا في كتاب «المشكل».
ومن قرأ «متكا» فإنه يريد الأترج. ويقال: الزّماورد.
وأيّا ما كان فإني لا أحسبه سمي متّكأ إلّا بالقطع، كأنه مأخوذ من البتك.
وأبدلت الميم فيه من الباء. كما يقال: سمّد رأسه وسبّده. وشرّ لازم ولازب. والميم تبدل من الباء كثيرا لقرب مخرجهما. ومنه قيل للمرأة التي لم تخفض والتي لا تحبس بولها:
متكاء - أي خرقاء - والأصل بتكاء.
ومما يدل على هذا قوله: {وآتت كلّ واحدةٍ منهنّ سكّيناً} لأنه طعام لا يؤكل حتى يقطع. وقال جويبر عن الضّحاك: [المتك] كلّ شيء يحزّ بالسكاكين.
{أكبرنه}: هالهن فأعظمنه). [تفسير غريب القرآن: 217-216]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً} أي طعاما، يقال: اتّكأنا عند فلان، أي طعمنا.
وقال جميل:
فَظَلِلْنَا بنعمةٍ واتّكأنا = وَشَرِبْنَا الحَلال مِن قُلَلِه
والأصل: أن من دعوته ليطعم أعددت له التكأة للمقام والطمأنينة فسمّى الطعام متّكئا على الاستعارة). [تأويل مشكل القرآن: 180-181]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا سمعت بمكرهنّ أرسلت إليهنّ وأعتدت لهنّ متّكأ وآتت كلّ واحدة منهنّ سكّينا وقالت اخرج عليهنّ فلمّا رأينه أكبرنه وقطّعن أيديهنّ وقلن حاش للّه ما هذا بشرا إن هذا إلّا ملك كريم }
إن قال قائل: لم سمّي قولهنّ مكرا؟
فالجواب فيه أنها قد أطلعتهن، فاستكتمتهنّ فمكرن بها وأفشين سرها، فلما سمعت بما فعلن أرادت أن يوقعني فيما وقعت فيه فأرسلت إليهن.
{أرسلت إليهنّ وأعتدت لهنّ متّكأ}.
(اعتدت) أفعلت من العتاد، وكل ما اتخذته عدة للشيء فهو عتاد ومعنى (متّكأ) ما يتكأ عليه لطعام أو شراب أو حديث.
{وآتت كلّ واحدة منهنّ سكّينا وقالت اخرج عليهنّ}.
يعالجن بالسكين ما يأكلن، وقال بعضهم متكأ، وقالوا واحدته متكة وهي الأترجّ. والقراءة الجيدة (متكأ) بالهمز، يقال: تكئ الرجل - يتكأ، تكأ، والتكا أصله من وكأت،
وإنما متكأ مفتعل، وأصله موتكأ مثل موتزن من الوزن.
{وقالت اخرج عليهنّ}.
إن شئت ضممت التاء، وإن شئت كسرت، والكسر الأصل لسكون التاء والخاء، ومن ضم التاء فلثقل الضمة بعد الكسرة.
وأعتدت لهن الطعام وجعلت في أيديهن السكاكين، وأمرته بالخروج عليهن في هيئته، ولم يكن يتهيأ له أن لا يخرج؛ لأنه بمنزلة العبد لها.
{فلمّا رأينه أكبرنه وقطّعن أيديهنّ}.
أردن أن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فدهشن لمّا رأينه فخدشن أيديهن.
ولم يقطعن الأيدي حتى تبين منهنّ.
وهذا مستعمل في الكلام.
يقول الرجل: قد لطعت يدي. يعني أنك قد خدشتها.
ومعنى (أكبرنه) أعظمنه.
ويقال: (أكبرنه) حضن.
وقد رويت عن مجاهد.
وليس ذلك بمعروف في اللغة.
وقد أنشدوا بيتا في هذا وهو قوله:
يأتي النساء على أطهارهنّ ولا= يأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وهذه اللفظة ليست بمعروفة في اللغة.
والهاء في (أكبرنه) تنفي هذا؛ لأنه لا يجوز أن يقول: النساء قد حضنه يا هذا؛ لأن حضن لا يتعدى إلى مفعول.
{وقلن حاش للّه}.
وحاشا للّه، يقرأان - بحذف الألف وإثباتها - ومعناه الاستثناء.
المعنى فيما فسّره أهل التفسير: وقلن: معاذ اللّه ما هذا بشرا.
وأما على مذهب المحققين من أهل اللغة، فحاشا مشتقة من قولك:
كنت في حشا فلان، أي في ناحية فلان، فالمعنى في " حاش للّه، برأه اللّه من هذا. من التّنحّي، المعنى قد نحّى الله هذا من هذا، إذا قلت حاشا لزيد من هذا فمعناه قد تنحّى زيد من هذا، وتباعد منه، كما أنك تقول قد تنحّى من الناحية، وكذلك قد تحاشى، من هذا الفعل.
وقوله عزّ وجلّ: {ما هذا بشرا}.
هذه القراءة المعروفة، وقد رويت: ما هذا بشرى، أي ما هذا بعد مشترى.
وهذه القراءة ليست بشيء، لأن مثل بشريّ " يكتب في المصحف بالياء.
وقولها: {إن هذا إلّا ملك كريم}
" ملك " مطابق في اللفظ لبشر.
وسيبويه، والخليل وجميع النحويين القدماء يزعمون أن بشرا منصوب خبر ما، ويجعلونه بمنزلة ليس و " ما " معناها معنى ليس في النفي، وهذه لغة أهل الحجاز، وهي اللغة القدمى الجيدة.
وزعم بعضهم أن الرفع في قولك: {ما هذا بشرا} أقوى الوجهين، وهذا غلط، لأن كتاب اللّه ولغة رسول اللّه أقوى الأشياء وأقوى اللغات.
ولغة بني تميم: ما هذا بشر.
ولا تجوز القراءة بها إلّا برواية صحيحة.
والدليل على ذلك إجماعهم على: {ما هنّ أمّهاتهم} وما قرأ أحد ما هنّ أمّهاتهم). [معاني القرآن: 3/108-105]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن}
يقال كيف سمى هذا مكرا فالجواب فيه أنها أطلعتهن واستكتمتهن فأفشين سرها فسمي ذلك مكرا
وقوله جل وعز: {وأعتدت لهن متكأ}
روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال المتكأ مثقلا الطعام والمتك مخففة الأترج
وروى إسماعيل بن إبراهيم عن أبي رجاء عن الحسن قال المتكأ الطعام
وروى معمر عن قتادة قال المتكأ الطعام
وقيل المتكأ كل ما اتكئ عليه عند الطعام أو شراب أو حديث وهذا هو المعروف عند أهل اللغة إلا أن الروايات قد صحت بذلك
وحكى القتبي أنه يقال اتكأنا عن فلان أي أكلنا
وقد قيل إن المتك الزماورد وقيل يقال بتكه إذا قطعه وشقه فكأن الميم بدل من الباء كما يقال لازم ولازب في نظائر له كثيرة). [معاني القرآن: 3/421-420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلما رأينه أكبرنه}
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أعظمنه
قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومن قال حضن فقد جاء بما لا يعرف وحضن لا يتعدى
والمعنى هالهن فأعظمنه
ثم قال جل وعز: {وقطعن أيديهن}
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال حزا بالسكين
يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد إنما هو خدش وحز وذلك معروف أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قد قطع يده
ثم قال جل وعز: {وقلن حاش الله}
قال مجاهد أي معاذ الله
والذي قال حسن واصله من قولك فلان في حشا فلان أي في ناحيتا فإذا قلت حاشا لزيد فمعناه تنحية لزيد
و{حاش لله} أي نحى الله هذا من هذا
ثم قال جل وعز: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم}
وقرئ (ما هذا بشرى) أي بمشترى
والأول أشبه لأن بعده إن هذا إلا ملك كريم ولأن مثل بشرى يكتب في الصحف بالياء). [معاني القرآن: 3/423-421]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بمكرهن} غيبتهن.
{متكأ} أي طعاما، يقال: اتكأنا عند فلان: إذا طعمنا. من أسكن التاء أراد الأترج). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 113]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اَعْتَدَتْ}: اتخذت
{حَاشَ لِلّهِ}: معاذ الله). [العمدة في غريب القرآن: 160]

تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قالت فذلكنّ الّذي لمتنّني فيه ولقد راودتّه عن نّفسه فاستعصم ولئن لّم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكوناً مّن الصّاغرين}
وقال: {وليكوناً مّن الصّاغرين} فالوقف عليها (وليكونا) لأن النون الخفيفة إذا انفتح ما قبلها فوقفت عليها جعلتها ألفا ساكنة بمنزلة قولك "رأيت زيدا" ومثله {لنسفعاً بالنّاصية} الوقف عليها "لنسفعا"). [معاني القرآن: 2/51]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاستعصم} أي امتنع). [تفسير غريب القرآن: 217]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قالت فذلكنّ الّذي لمتنّني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكونا من الصّاغرين}
{ليسجننّ وليكونا من الصّاغرين}.
القراءة الجيدة تخفيف ليكونا. والوقوف عليها بالألف، لأن النون الخفيفة تبدل منها في الوقف الألف، تقول: اضربا زيدا، فإذا وقفت قلت: اضربا، كما أبدلت في: رأيت زيدا الألف من التنوين، وقد قرئت: ولتكوننّ - بتشديد النّون، وأكرهها لخلاف المصحف، لأنّ الشديدة لا يبدل منها شيء.
(من الصّاغرين). من المذلّين). [معاني القرآن: 3/108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقول جل وعز: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم}
معنى فاستعصم فامتنع
وقوله جل وعز: {قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه}
روي أن الزهري قرأ {قال رب السجن أحب إلي}
ومعناه أن أسجن أحب إلي
ومن قرأ بالكسر السجن فمعناه عنده موضع السجن أحب إلي مما يدعونني إليه). [معاني القرآن: 3/424-423]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فاستعصم} أي امتنع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 114]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ربّ السّجن...}
السّجن: المحبس. وهو كالفعل. وكل موضع مشتقّ من فعلٍ فهو يقوم مقام الفعل؛ كما قالت العرب: طلعت الشمس مطلعاً وغربت الشمس مغرباً، فجعلوها خلفاً من المصدر وهما اسمان، كذلك السّجن. ولو فتحت السين لكان مصدراً بيناً. وقد قرئ: {ربّ السّجن} ). [معاني القرآن: 2/44]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أصب إليهنّ} أي أهواهنّ وأميل إليهن، قال: يزيد بن ضبّة
إلى هندٍ صبا قلبي=وهندٌ مثلها تصبى
وقال:
صبا صبوةً بل لجّ وهو لجوج= وزالت له بالأنعمين حدوج).
[مجاز القرآن: 1/311]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أصب إليهن}: أمل إليهن). [غريب القرآن وتفسيره: 183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال ربّ السّجن أحبّ إليّ ممّا يدعونني إليه وإلّا تصرف عنّي كيدهنّ أصب إليهنّ وأكن من الجاهلين}
والسّجن جميعا - بكسر السين وفتحها - فمن فتح فعلى المصدر.
المعنى أن أسجن أحبّ إليّ، ومن كسر فعلى اسم المكان، فيكون المعنى: نزول السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه، أي من ركوب المعصية.
{وإلّا تصرف عنّي كيدهنّ أصب إليهنّ} أي إلا تعصمني أصب إليهنّ، أي أمل إليهن.
يقال: صبا إلى اللّهو يصبو صبوّا، وصبيّا، وصبّا، إذا مال إليه.
وقال: {وإلّا تصرف عنّي كيدهنّ}.. وجائز أن يكون يعني امرأة العزيز وحدها، ألا أنه أراد كيدها وكيد جميع النساء، وجائز أن يكون كيدها وكيد النسوة اللاتي رأين يوسف حين أرتهن إيّاه). [معاني القرآن: 3/109-108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين}
يقال صبا إلى اللهو صبوا
وروى الفراء صبأ إذا مال إليه). [معاني القرآن: 3/424]

تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فاستجاب له ربّه...}
ولم تكن منه مسألة إنما قال: {إلاّ تصرف عنّي كيدهنّ أصب إليهنّ} فجعله الله دعاء لأن فيه معنى الدعاء، فلذلك قال: {فاستجاب له ربّه} ومثله في الكلام أن تقول لعبدك:
إلاّ تطع تعاقب، فيقول: إذاً أطيعك كأنك قلت له: أطع فأجابك). [معاني القرآن: 2/44]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {فاستجاب له ربه}
فحمله على المعنى لأن في كلامه معنى الدعاء وإن لم يذكر دعاء). [معاني القرآن: 3/424]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ثمّ بدا لهم مّن بعد ما رأوا الآيات...}
آيات البراءة قدّ القميص من دبر {ليسجننّه حتّى حينٍ} فهذه اللام في اليمين وفي كل ما ضارع القول. وقد ذكرناه. ألا ترى قوله: {وظنّوا ما لهم من محيصٍ} {ولقد علموا لمن اشتراه} دخلت هذه اللام و(ما) مع الظنّ (والعلم) لأنهما في معنى القول واليمين). [معاني القرآن: 2/44]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ثمّ بدا لهم مّن بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه حتّى حينٍ}
وقال: {ثمّ بدا لهم مّن بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه حتّى حينٍ} فأدخل النون في هذا الموضع لأن هذا موضع تقع فيه "أي" فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه،
دخلته النون لأن النون تكون في الاستفهام تقول "بدا لهم أيّهم يأخذون" أي استبان لهم). [معاني القرآن: 2/52-51]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات}
قال مجاهد يعني قد القميص
وقال قتادة يعني قد القميص وحز الأيدي
ثم بين الذي بدا لهم فقال جل وعز: {ليسجننه حتى حين} ). [معاني القرآن: 3/425-424]


رد مع اقتباس