عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 04:26 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير}
لفظ الآية يقتضي أن الله عز وجل أسرى بعبده، وهو محمد صلي الله عليه وسلم، قال المفسرون:
[المحرر الوجيز: 5/433]
معناه: سرى بعبده، ويظهر أن "أسرى" معداة بالهمز إلى مفعول محذوف، تقديره: أسرى الملائكة بعبده، وذلك لأنه يقلق أن يسند "أسرى" -وهو بمعنى "سرى"- إلى الله عز وجل، إذ هو فعل يعطي النقلة كمشى وجرى وأحضر وانتقل، فلا يحسن إسناد شيء من هذا ونحن نجد مندوحة، فإذا صرحت الشريعة بشيء من هذا النحو كقوله تعالى في الحديث: "أتيته سعيا، وأتيته هرولة" حمل ذلك بالتأويل على الوجه المخلص من نفي الحوادث، و"أسرى" -في هذه الآية- تخرج فصيحة كما ذكرنا، ولا تحتاج إلى تجوز قلق في مثل هذا اللفظ، فإنه ألزم للنقلة من "أتيته" وفأتى الله بنيانهم. ويحتمل أن يكون "أسرى" بمعنى: "سرى" على حذف مضاف، كنحو قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم}. ووقع الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام، فهو من المتواتر بهذا الوجه. وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا، فروى جمهور الصحابة، وتلقى جل العلماء منهم أن الإسراء كان بشخصه صلى الله عليه وسلم، وأنه ركب البراق من مكة ووصل إلى بيت المقدس وصلى فيه. وروى حذيفة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن البراق في بيت المقدس ولا دخله، - قال حذيفة: ولو صلى فيه لكتبت عليكم الصلاة فيه- وأنه ركب البراق بمكة ولم ينزل عنه
[المحرر الوجيز: 5/434]
حتى انصرف إلى بيته إلا في صعوده إلى السماء. وقالت عائشة ومعاوية: إنما أسري بنفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفارق شخصه مضجعه، وإنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق من ربه عز وجل. وجوزه الحسن وابن إسحاق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والحديث مطول في البخاري ومسلم وغيرهما فلذلك اختصرنا نصه في هذا الكتاب، وركوب البراق على قول هؤلاء يكون من جملة ما رئي في النوم، قال ابن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن في كتاب الطبري: البراق هو دابة إبراهيم الذي كان يزور عليه البيت الحرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
يريدان: يجيء من يومه ويرجع، وذلك من مسكنه بالشام. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، ولو كانت منامة ما أمكن قريشا أن تشنع، ولا فضل أبو بكر رضي الله عنه بالتصديق، ولا قالت له أم هانيء: لا تحدث الناس بهذا فيكذبوك، إلى غير هذا من الدلائل.
واحتج لقول عائشة بقوله تبارك وتعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يحتمل القول الآخر; لأنه يقال لرؤية العين: رؤيا. واحتج أيضا بأن في بعض الأحاديث: "فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام"، وهذا يحتمل أن يرد من الإسراء إلى نوم. واعترض قول عائشة بأنها كانت صغيرة لم تشاهد ولا حدثت عن النبي صلي الله عليه وسلم، وأما معاوية فكان كافرا في ذلك الوقت، غير مشاهد للحال، صغيرا، ولم يحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: "سبحان" مصدر غير متمكن; لأنه لا يجري بوجوه الإعراب، ولا تدخل عليه الألف واللام، ولم يجيء منه فعل، وسبح معناه: قال سبحان الله، فلم تستعمل سبح إلا إشارة إلى سبحان، ولم يتصرف لأن في آخره زائدتين، وهو معرفة
[المحرر الوجيز: 5/435]
بالعلمية وإضافته لا تزيده تعريفا، هذا كله مذهب سيبويه فيه. وقالت فرقة: نصبه على النداء، كأنه قال: يا سبحان الذي أسرى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا ضعيف، ومعناه: تنزيها لله. وروى طلحة بن عبيد الله الفياض أحد العشرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما معنى "سبحان الله"؟ فقال: "تنزيه لله من كل سوء"، والعامل فيه على مذهب سيبويه الفعل الذي هو من معناه لا من لفظه إذ يجر من لفظه فعل، وذلك مثل: "قعد القرفصاء واشتمل الصماء"، فالتقدير عنده: أنزه الله تنزيها، فوقع "سبحان" مكان قولك: تنزيها.
وقال قوم من المفسرين: "أسرى" فعل غير متعد، عداه هنا بحرف الجر، تقول: أسرى الرجل وسرى إذا سار بالليل بمعنى. وقد ذكرت ما يظهر في اللفظ من جهة العقيدة. وقرأ حذيفة وابن مسعود: "أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام".
وقوله تعالى: {من المسجد الحرام}. قال أنس بن مالك: أراد المسجد المحيط بالكعبة نفسها، ورجحه الطبري، وقال: هو الذي يعرف إذا ذكر هذا الاسم، وروى الحسن بن أبي الحسن عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان"، وذكر عبد بن حميد الكشي في تفسيره، عن سفيان الثوري أنه قال:
[المحرر الوجيز: 5/436]
أسري بالنبي صلي الله عليه وسلم من شعب أبي طالب. وقالت فرقة: "المسجد الحرام" مكة كلها، واستندوا إلى قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام}، وعظم المقصد هنا إنما هو مكة. وروى بعض هذه الفرقة عن أم هانئ أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في بيتي، وروي بعضها عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "خرج سقف بيتي"، وهذا يلتئم مع قول أم هانئ رضي الله عنها.
وكان الإسراء فيما قال مقاتل قبل الهجرة بعام، وقاله قتادة، وقيل: بعام ونصف، قاله عروة عن عائشة رضي الله عنها، وكان ذلك في رجب، وقيل: في ليلة سبع عشرة من ربيع الأول، والنبي صلى الله عليه وسلم ابن إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما، والمتحقق أن ذلك كان بعد شق الصحيفة، وقيل: بيعة العقبة، ووقع في الصحيحين لشريك بن أبي نمر وهم في هذا المعنى، فإنه روى حديث الإسراء فقال فيه: "وذلك قبل الوحي إليه". ولا خلاف بين المحدثين أن هذا وهم من شريك.
و"المسجد الأقصى" مسجد بيت المقدس، وسماه "الأقصى" أي في ذلك الوقت، كان أقصى بيوت الله الفاضلة من الكعبة، ويحتمل أن يريد بـ "الأقصى": البعيد، دون مفاضلة بينه وبين سواه، ويكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا البعد في ليلة.
[المحرر الوجيز: 5/437]
والبركة حوله من جهتين: إحداهما النبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر وفي نواحيه ونواديه، والأخرى النعم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة التي خص الله الشام بها، وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله بارك فيما بين العريش إلى الفرات، وخص فلسطين بالتقديس".
وقوله تعالى: {لنريه من آياتنا} يريد: لنري محمدا بعينه آياتنا في السماوات، والملائكة، والجنة، والسدرة، وغير ذلك مما رآه تلك الليلة من العجائب، ويحتمل أن يريد: لنري محمدا صلي الله عليه وسلم للناس آية، أي: يكون النبي صلى الله عليه وسلم آية في أن يصنع الله لبشر هذا الصنع، وتكون الرؤية -على هذا- رؤية قلب.
ولا خلاف أن في هذا الإسراء فرضت الصلوات الخمس على هذه الأمة. وقوله تعالى: {إنه هو السميع البصير} وعيد من الله تبارك وتعالى للكفار على تكذيبهم محمدا صلي الله عليه وسلم في أمر الإسراء، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك، أي: هو السميع لما تقولون، البصير بأفعالكم). [المحرر الوجيز: 5/438]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا (2)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا}
عطف قوله تعالى: "وآتينا" على ما في قوله: {أسرى بعبده} من تقدير الخبر، كأنه قال: أسرينا بعبدنا وأريناه آياتنا، و"الكتاب": التوراة، والضمير في "جعلناه" يحتمل أن يعود على "الكتاب"، ويحتمل أن يعود على " موسى " عليه السلام. وقوله تعالى: "ألا تتخذوا" يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير: كراهية، وأن يكون في موضع خفض بتقدير: بألا تتخذوا، ويجوز أن تكون "أن" مفسرة بمعنى: أي، كما قال: أن امشوا واصبروا، فهي في هذا مع أمر، وهي في آياتنا هذه مع نهي، والمعنى في هذه التقديرات: جعلنا ذلك لئلا تتخذوا يا ذرية، ويحتمل أن تكون "ذرية" مفعولا، ويحتمل أن تكون "أن" زائدة، ويضمر في الكلام قول تقديره: قلنا لهم: لا تتخذوا،
[المحرر الوجيز: 5/438]
وأما أن يضمر القول ولا تجعل "أن" زائدة فلا يتجه; لأن ما بعد القول إما أن يكون جملة تحكى، وإما أن يكون ترجمة عن كلام لا هو بعينه، فيعمل القول في الترجمة كما تقول -لمن قال لا إله إلا الله-: قلت حقا، وقوله: "ألا تتخذوا" على المخاطبة، قاله أبو علي. وقرأ جمهور الناس: "ألا تتخذوا" على المخاطبة، وقرأ أبو عمرو وحده: "ألا يتخذوا" بالياء على لفظ الغائب، وهي قراءة ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعيسى، وأبي رجاء. و"الوكيل" فعيل من التوكل، أي: متوكلا عليه في الأمور، فهو يؤلهه بهذا الوجه، قال مجاهد: "وكيلا": شريكا). [المحرر الوجيز: 5/439]

تفسير قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس: "ذرية" بضم الذال، وقرأ عامر بفتحها، وقرأ زيد بن ثابت، وأبان بن عثمان، ومجاهد أيضا بكسرها، وكل هذا بشد الراء والياء، ورويت عن زيد بن ثابت بفتح الذال وتسهيل الراء وشد الياء، على وزن فعيلة، و"ذرية" وزنها فعولة، أصلها "ذرورة"، أبدلت الراء الثانية ياء وأدغمت ثم كسرت الراء لتناسب الياء، وكل هؤلاء قرءوا: "ذرية" بالنصب، وذلك متجه، إما على المفعول بـ "يتخذوا"، ويكون المعنى: أن لا يتخذ بشر إلها من دون الله، وإما على النداء، أي: يا ذرية، فهي مخاطبة للعالم، قال قوم: وهذا لا يتجه إلا على قراءة من قرأ: "ألا تتخذوا" بالتاء من فوق، ولا يجوز على قراءة من قرأ بالياء من تحت; لأن الفعل لغائب والنداء لمخاطب، والخروج من الغيبة إلى الخطاب إنما يستسهل مع دلالة الكلام على المراد، وفي النداء لا دلالة إلا على غاية التكلف، وإما على النصب بإضمار أعني، وإما على البدل من قوله: "وكيلا"، وهذا أيضا فيه تكلف. وقرأت فرقة: "ذرية" بالرفع على البدل من الضمير المرفوع في "يتخذوا"، وهذا أيضا يتوجه على القراءة بالياء، ولا يجوز على القراءة بالتاء; لأنه لا يبدل من ضمير مخاطب، لو قلت: "ضربتك زيدا" على البدل لم يجز. وقوله: {ذرية من حملنا مع نوح} إنما عبر بهذه العبارة عن الناس الذين عناهم في الآية بحسب الخلاف المذكور، ولأن في هذه العبارة تعديد النعمة على الناس في الإنجاء المؤدي إلى وجودهم، ويقبح الكفر والعصيان مع هذه النعمة، والذين حملوا مع نوح وأنسلوا هم بنوه لصلبه; لأنه آدم الأصغر، وكل من على الأرض اليوم من نسله، هذا قول الجمهور، وذكره الطبري عن قتادة ومجاهد، وإن كان معه غيره فلم ينسل. قال النقاش: اسم نوح عبد الجبار، وقال ابن الكلبي: اسمه فرج، ووصفه بالشكر لأنه كان يحمد الله في كل حال، وعلى كل نعمة، على
[المحرر الوجيز: 5/439]
المطعم والمشرب والملبس والبراز وغير ذلك، صلى الله عليه وسلم. قاله سلمان الفارسي، وسعيد بن مسعود، وابن أبي مريم، وقتادة). [المحرر الوجيز: 5/440]

رد مع اقتباس