عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 11:48 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}
قوله تعالى: {وبرزوا لله جميعا} معناه: صاروا بالبراز، وهي الأرض المتسعة كالبراح والعراء والخبار، فاستعير ذلك لجمع يوم القيامة، وقوله: "تبعا" يحتمل أن يكون
[المحرر الوجيز: 5/237]
مصدرا فيكون على نحو قولهم: "يوم عدل ويوم حرب"، ويحتمل أن يكون جمع "تابع" على نحو "غايب وغيب"، وهو تأويل الطبري.
وفسر الناس "الضعفاء" بالأتباع، و"المستكبرين" بالقادة وأهل الرأي، وقولهم: {مغنون عنا} من الغناء، وهي المنفعة التي تكون من الإنسان للآخر في الدفاع وغيره.
والألف في قوله: "أجزعنا" ألف التسوية وليست بألف استفهام، بل هي كقوله: "أم لم تنذرهم لا"، و"المحيص": المفر والملجأ، مأخوذ من "حاص يحيص" إذا نفر وفر، ومنه في حديث هرقل: (فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، وروي عن ابن زيد، وعن محمد بن كعب أن أهل النار يقولون: إنما نال أهل الجنة الرحمة بالصبر على طاعة الله تعالى، فلنصبر، فيصبرون خمسمائة سنة، فلا ينتفعون، فيقولون: فلنجزع، فيضجون ويصيحون ويبكون خمسمائة سنة أخرى، فلا ينتفعون، فيقولون هذا القول الذي في الآية، وظاهر الآية أنهم يقولونها في موقف العرض وقت البروز بين يدي الله تعالى). [المحرر الوجيز: 5/238]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام}
المراد ها هنا "بالشيطان" إبليس الأقدم نفسه، وروي في حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام من طريق عقبة بن عامر أنه قال: "يقوم يوم القيامة خطيبان: أحدهما إبليس، يقوم في الكفرة بهذه الألفاظ، والثاني عيسى ابن مريم عليه السلام، يقوم
[المحرر الوجيز: 5/238]
بقوله: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به} وقال بعض العلماء: يقوم إبليس خطيب السوء، الصادق بهذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى معنى هذه الروايات يكون معنى قوله تعالى: {قضي الأمر} أي: تعين قوم لدخول النار، وقوم لدخول الجنة، وذلك كله في الموقف.
وروي في حديث أن إبليس إنما يقوم بهذه الألفاظ في النار على أهلها عند قولهم: {ما لنا من محيص} في الآية المتقدمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى هذه الرواية يكون معنى قوله تعالى: {قضي الأمر}، أي: حصل أهل النار في النار، وأهل الجنة، وهو تأويل الطبري. و"قضي" قد يعبر بها في الأمور عن فعل كقوله تعالى: {وقضي الأمر واستوت على الجودي}، وقد يعبر بها عن عزم على أن يفعل كقوله: {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}.
و "الوعد" في هذه الآية على بابه في الخير، أي إن الله وعدهم النعيم إن آمنوا، ووعدهم إبليس الظفر والأمل إن كذبوا، ومعلوم اقتران وعد الله بوعيده، واتفق أن لم يتبعوا طلب وعد الله فوقعوا في وعيده، وجاء من ذلك كأن إبليس أخلفهم.
والسلطان: الحجة البينة، وقوله: {إلا أن دعوتكم} استثناء منقطع، و"أن" في موضع نصب، ويصح أن تكون في موضع رفع على معنى: إلا أن النائب عن السلطان
[المحرر الوجيز: 5/239]
أن دعوتكم، فيكون هذا في المعنى كقول الشاعر:
... ... ... تحية بينهم ضرب وجيع
ومعنى قوله: {فاستجبتم لي} أي: رأيتم ما دعوتكم إليه ببصيرتكم، واعتقدتموه الرأي، وأتى نظركم عليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذكر بعض الناس أن هذا المكان يبطل منه التقليد، وفي هذه المقالة ضعف على احتمالها، والتقليد وإن كان باطلا ففساده من غير هذا الموضع.
ويحتمل أن يريد بالسلطان في هذه الآية الغلبة والقدرة والملك، أي: ما اضطررتكم ولا خوفتكم بقوة مني، بل عرضت عليكم شيئا فأتى رأيكم عليه.
وقوله: {فلا تلوموني} يريد بزعمه: إذ لا ذنب لي، ولوموا أنفسكم في سوء نظركم وقلة تثبتكم، فإنكم إنما أتيتم اتباعي عن بصيرة منكم وتكسب. و"المصرخ": المغيث، والصارخ: المستغيث. ومنه قول الشاعر:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له قطع الظنابيب
فيقال: "صرخ الرجل وأصرخ غيره"، وأما "الصريخ" فهو مصدر بمنزلة البريح،
[المحرر الوجيز: 5/240]
ويوصف به كما يقال: "رجل عدل" ونحوه.
وقرأ حمزة، والأعمش، وابن وثاب: "بمصرخي" بكسر الياء تشبيها بياء الإضمار في قوله: {بمصرخيه}، ورد الزجاج هذه القراءة وقال: هي رديئة مرذولة، وقال فيها القاسم بن معن: إنها صواب، ووجهها أبو علي، وحكى أبو حاتم أن أبا عمرو حسنها، وأنكر أبو حاتم على أبي عمرو.
وقوله: {بما أشركتمون} أي: مع الله تعالى في الطاعة التي ينبغي أن يفرد الله بها، فـ "ما" مصدرية، وكأنه يقول: إني الآن كافر بإشراككم إياي مع الله قبل هذا الوقت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهذا تبر منه، وقد قال الله تعالى: {ويوم القيامة يكفرون بشرككم}، ويحتمل أن يكون اللفظ إقرارا على نفسه بكفره الأقدم، فتكون "ما" بمعنى الذي، يريد "الله"
[المحرر الوجيز: 5/241]
تعالى، أي: خطيئتي قبل خطيئتكم فلا إصراخ عندي، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 5/242]

تفسير قوله تعالى: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "وأدخل" على بناء الفعل للمفعول، وقرأ الحسن: "وأدخل" على فعل المتكلم، أي: يقولها الله تعالى، وقوله: {من تحتها الأنهار} أي: من تحت ما علا منها كالغرف والمباني والأشجار وغيره، و"الخلود" في هذه الآية على بابه في الدوام، و"الإذن" هنا عبارة عن القضاء والإمضاء. وقوله: "تحيتهم" مصدر مضاف إلى الضمير، فجائز أن يكون الضمير للمفعول، أي تحييهم الملائكة، وجائز أن يكون الضمير للفاعل، أي: يحيي بعضهم بعضا، و"تحيتهم" رفع بالابتداء، و"سلام" ابتداء ثان وخبره محذوف تقديره: عليكم، والجملة خبر الأول، والجميع في موضع الحال من الضمير في "خالدين"، أو يكون صفة لـ "جنات"). [المحرر الوجيز: 5/242]

رد مع اقتباس