عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 ذو الحجة 1439هـ/5-09-2018م, 07:14 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمالٌ حين تريحون وحين تسرحون (6) وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس إنّ ربّكم لرءوفٌ رحيمٌ (7)}
يمتنّ تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، كما فصّلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواجٍ، وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع، من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون، ومن ألبانها يشربون، ويأكلون من أولادها، وما لهم فيها من الجمال وهو الزّينة؛ ولهذا قال: {ولكم فيها جمالٌ حين تريحون} وهو وقت رجوعها عشيًّا من المرعى فإنّها تكون أمدّه خواصر، وأعظمه ضروعًا، وأعلاه أسنمةً، {وحين تسرحون} أي: غدوة حين تبعثونها إلى المرعى.
{وتحمل أثقالكم} وهي الأحمال المثقلة الّتي تعجزون عن نقلها وحملها، {إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشقّ الأنفس} وذلك في الحجّ والعمرة والغزو والتّجارة، وما جرى مجرى ذلك، تستعملونها في أنواع الاستعمال، من ركوبٍ وتحميلٍ، كما قال تعالى: {وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونها ولكم فيها منافع كثيرةٌ ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون} [المؤمنون: 21، 22]، وقال تعالى: {اللّه الّذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجةً في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأيّ آيات اللّه تنكرون} [غافرٍ: 79، 81]؛؛ ولهذا قال هاهنا بعد تعداد هذه النّعم: {إنّ ربّكم لرءوفٌ رحيمٌ} أي: ربّكم الّذي قيّض لكم هذه الأنعام وسخّرها لكم، كما قال: {أولم يروا أنّا خلقنا لهم ممّا عملت أيدينا أنعامًا فهم لها مالكون وذلّلناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون} [يس: 71، 72]، وقال: {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثمّ تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون} [الزّخرف: 12 -14].
قال ابن عبّاسٍ: {لكم فيها دفءٌ} أي: ثيابٌ، والمنافع: ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {دفءٌ ومنافع} نسل كلّ دابّةٍ.
وقال مجاهدٌ: {لكم فيها دفءٌ} قال: لباسٌ ينسج، ومنافع تركب، ولحمٌ ولبنٌ.
وقال قتادة: {دفءٌ ومنافع} يقول: لكم فيها لباسٌ، ومنفعةٌ، وبلغة.
وكذا قال غير واحدٍ من المفسّرين، بألفاظٍ متقاربةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 557-558]

تفسير قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً ويخلق ما لا تعلمون (8)}
هذا صنفٌ آخر ممّا خلق تبارك وتعالى لعباده، يمتنّ به عليهم، وهو: الخيل والبغال والحمير، الّتي جعلها للرّكوب والزّينة بها، وذلك أكبر المقاصد منها، ولمّا فصلها من الأنعام وأفردها بالذّكر استدلّ من استدلّ من العلماء -ممّن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل -بذلك على ما ذهب إليه فيها، كالإمام أبي حنيفة، رحمه اللّه ومن وافقه من الفقهاء ؛ لأنّه تعالى قرنها بالبغال والحمير، وهي حرامٌ، كما ثبتت به السّنّة النّبويّة، وذهب إليه أكثر العلماء.
وقد روى الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، أنبأنا هشامٌ الدّستوائي، حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، عن مولى نافع بن علقمة، أنّ ابن عبّاسٍ كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير، وكان يقول: قال اللّه: {والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع ومنها تأكلون} فهذه للأكل، {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} فهذه للرّكوب.
وكذا روي من طريق سعيد بن جبير وغيره، عن ابن عبّاسٍ، بمثله. وقال مثل ذلك الحكم بن عتيبة رضي اللّه عنه أيضًا، واستأنسوا بحديثٍ رواه الإمام أحمد في مسنده:
حدّثنا يزيد بن عبد ربّه، حدّثنا بقيّة بن الوليد، حدّثنا ثور بن يزيد، عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب، عن أبيه، عن جدّه، عن خالد بن الوليد، رضي اللّه عنه، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أكل لحوم الخيل، والبغال، والحمير.
وأخرجه أبو داود والنّسائيّ، وابن ماجه، من حديث صالح بن يحيى بن المقدام --وفيه كلامٌ -به.
ورواه أحمد أيضًا من وجهٍ آخر بأبسط من هذا وأدلّ منه فقال:
حدّثنا أحمد بن عبد الملك، حدّثنا محمّد بن حربٍ، حدّثنا سليمان بن سليمٍ، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن جدّه المقدام بن معد يكرب قال: غزونا مع خالد بن الوليد الصّائفة، فقرم أصحابنا إلى اللّحم، فسألوني رمكة، فدفعتها إليهم فحبلوها وقلت: مكانكم حتّى آتي خالدًا فأسأله. فأتيته فسألته، فقال: غزونا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غزوة خيبر، فأسرع النّاس في حظائر يهود، فأمرني أن أنادي: "الصّلاة جامعةٌ، ولا يدخل الجنّة إلّا مسلمٌ" ثمّ قال: "أيّها النّاس، إنّكم قد أسرعتم في حظائر يهود، ألا لا تحلّ أموال المعاهدين إلّا بحقّها، وحرامٌ عليكم لحوم الأتن الأهليّة وخيلها وبغالها، وكلّ ذي نابٍ من السّباع، وكلّ ذي مخلبٍ من الطّير".
والرّمكة: هي الحجرة. وقوله: حبلوها، أي: أوثقوها في الحبل ليذبحوها. والحظائر: البساتين القريبة من العمران.
وكأنّ هذا الصّنيع وقع بعد إعطائهم العهد ومعاملتهم على الشّطر، واللّه أعلم.
فلو صحّ هذا الحديث لكان نصًّا في تحريم لحوم الخيل، ولكن لا يقاوم ما ثبت في الصّحيحين، عن جابر بن عبد اللّه قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن لحومٍ الحمر الأهليّة، وأذن في لحوم الخيل.
ورواه الإمام أحمد وأبو داود بإسنادين، كلٍّ منهما على شرط مسلمٍ، عن جابرٍ قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل.
وفي صحيح مسلمٍ، عن أسماء بنت أبي بكرٍ، رضي اللّه عنهما، قالت: نحرنا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فرسًا فأكلناه ونحن بالمدينة.
فهذه أدلّ وأقوى وأثبت، وإلى ذلك صار جمهور العلماء: مالكٌ، والشّافعيّ، وأحمد، وأصحابهم، وأكثر السّلف والخلف، واللّه أعلم.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت الخيل وحشيّةً، فذلّلها اللّه لإسماعيل بن إبراهيم، عليهما السّلام.
وذكر وهب بن منبّهٍ في إسرائيليّاته: أنّ اللّه خلق الخيل من ريح الجنوب، واللّه أعلم.
فقد دلّ النّصّ على جواز ركوب هذه الدّوابّ، ومنها البغال. وقد أهديت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بغلةٌ، فكان يركبها، مع أنّه قد نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لئلّا ينقطع النّسل.
قال الإمام أحمد: حدّثني محمّد بن عبيدٍ، حدّثنا عمر من آل حذيفة، عن الشّعبيّ، عن دحية الكلبيّ قال: قلت: يا رسول اللّه، ألا أحمل لك حمارًا على فرسٍ، فتنتج لك بغلًا فتركبها؟ قال: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون").[تفسير القرآن العظيم: 4/ 558-559]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعلى اللّه قصد السّبيل ومنها جائرٌ ولو شاء لهداكم أجمعين (9)}
لـمّا ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السّبل الحسّيّة، نبّه على الطّرق المعنويّة الدّينيّة، وكثيرًا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسّيّة إلى الأمور المعنويّة النّافعة الدّينيّة، كما قال تعالى: {وتزوّدوا فإنّ خير الزّاد التّقوى} [البقرة: 197]، وقال: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التّقوى ذلك خيرٌ} [الأعراف: 26].
ولمّا ذكر في هذه السّورة الحيوانات من الأنعام وغيرها، الّتي يركبونها ويبلغون عليها حاجةً في صدورهم، وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشّاقّة -شرع في ذكر الطّرق الّتي يسلكها النّاس إليه، فبيّن أنّ الحقّ منها ما هي موصّلةٌ إليه، فقال: {وعلى اللّه قصد السّبيل} كما قال: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]، وقال: {هذا صراطٌ عليّ مستقيمٌ} [الحجر: 41].
قال مجاهدٌ: في [قوله]: {وعلى اللّه قصد السّبيل} قال: طريق الحقّ على اللّه.
وقال السّدّيّ: {وعلى اللّه قصد السّبيل} قال: الإسلام.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وعلى اللّه قصد السّبيل} يقول: وعلى اللّه البيان، أي: تبيّن الهدى والضّلال.
وكذا روى عليّ بن أبي طلحة، عنه، وكذا قال قتادة، والضّحّاك. وقول مجاهدٍ هاهنا أقوى من حيث السّياق؛ لأنّه تعالى أخبر أنّ ثمّ طرقًا تسلك إليه، فليس يصل إليه منها إلّا طريق الحقّ، وهي الطّريق الّتي شرعها ورضيها وما عداها مسدودةٌ، والأعمال فيها مردودةٌ؛ ولهذا قال تعالى: {ومنها جائرٌ} أي: حائدٌ مائلٌ زائغٌ عن الحقّ.
قال ابن عبّاسٍ وغيره: هي الطّرق المختلفة، والآراء والأهواء المتفرّقة، كاليهوديّة والنّصرانيّة والمجوسيّة، وقرأ ابن مسعودٍ: "ومنكم جائرٌ".
ثمّ أخبر أنّ ذلك كلّه كائنٌ عن قدرته ومشيئته، فقال: {ولو شاء لهداكم أجمعين} كما قال: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} [يونس: 99]، وقال: {ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم وتمّت كلمة ربّك لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} [هودٍ: 118، 119]). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 560]

رد مع اقتباس