عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 09:45 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فخرج على قومه في زينته قال الّذين يريدون الحياة الدّنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظٍّ عظيمٍ (79) وقال الّذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خيرٌ لمن آمن وعمل صالحًا ولا يلقّاها إلا الصّابرون (80)}.
يقول تعالى مخبرًا عن قارون: إنّه خرج ذات يومٍ على قومه في زينةٍ عظيمةٍ، وتجمّلٍ باهرٍ، من مراكب وملابس عليه وعلى خدمه وحشمه، فلمّا رآه من يريد الحياة الدّنيا ويميل إلى زخرفها وزينتها، تمنّوا أن لو كان لهم مثل الّذي أعطي، قالوا: {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظٍّ عظيمٍ} أي: ذو حظٍّ وافرٍ من الدّنيا. فلمّا سمع مقالتهم أهل العلم النّافع قالوا لهم: {ويلكم ثواب اللّه خيرٌ لمن آمن وعمل صالحًا} أي: جزاء اللّه لعباده المؤمنين الصّالحين في الدّار الآخرة خيرٌ ممّا ترون.
[كما في الحديث الصّحيح: يقول اللّه تعالى: أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، واقرؤوا إن شئتم: {فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون} [السّجدة: 17].
وقوله: {ولا يلقّاها إلا الصّابرون}: قال السّدّيّ: وما يلقّى الجنّة إلّا الصّابرون. كأنّه جعل ذلك من تمام كلام الّذين أوتوا العلم. قال ابن جريرٍ: وما يلقّى هذه الكلمة إلّا الصّابرون عن محبّة الدّنيا، الرّاغبون في الدّار الآخرة. وكأنّه جعل ذلك مقطوعًا من كلام أولئك، وجعله من كلام اللّه عزّ وجلّ وإخباره بذلك). [تفسير ابن كثير: 6/ 255]

تفسير قوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون اللّه وما كان من المنتصرين (81) وأصبح الّذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون ويكأنّ اللّه يبسط الرّزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن منّ اللّه علينا لخسف بنا ويكأنّه لا يفلح الكافرون (82)}
لـمّا ذكر تعالى اختيال قارون في زينته، وفخره على قومه وبغيه عليهم، عقّب ذلك بأنّه خسف به وبداره الأرض، كما ثبت في الصّحيح -عند البخاريّ من حديث الزّهريّ، عن سالمٍ -أنّ أباه حدّثه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "بينا رجلٌ يجرّ إزاره إذ خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة".
ثمّ رواه من حديث جرير بن زيدٍ، عن سالمٍ عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا النّضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاصّ، حدّثنا الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بينا رجلٌ فيمن كان قبلكم، خرج في بردين أخضرين يختال فيهما، أمر اللّه الأرض فأخذته، فإنّه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة". تفرّد به أحمد، وإسناده حسنٌ.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا أبو خيثمة، حدّثنا أبو معلّى بن منصورٍ، أخبرني محمّد بن مسلمٍ، سمعت زيادًا النّميريّ يحدّث عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بينا رجلٌ فيمن كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما، فأمر اللّه الأرض فأخذته، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة".
وقد ذكر [الحافظ] محمّد بن المنذر -شكّر- في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحقٍ قال: رأيت شابًّا في مسجد نجران، فجعلت أنظر إليه وأتعجّب من طوله وتمامه وجماله، فقال: ما لك تنظر إليّ؟ فقلت: أعجب من جمالك وكمالك. فقال: إنّ اللّه ليعجب منّي. قال: فما زال ينقص وينقص حتّى صار بطول الشّبر، فأخذه بعض قرابته في كمّه وذهب.
وقد ذكر أنّ هلاك قارون كان عن دعوة نبيّ اللّه موسى عليه السّلام واختلف في سببه، فعن ابن عبّاسٍ والسّدّيّ: أنّ قارون أعطى امرأةً بغيّا مالًا على أن تبهت موسى بحضرة الملأ من بني إسرائيل، وهو قائمٌ فيهم يتلو عليهم كتاب اللّه، فتقول: يا موسى، إنّك فعلت بي كذا وكذا. فلمّا قالت في الملأ ذلك لموسى عليه السّلام، أرعد من الفرق، وأقبل عليها وصلّى ركعتين ثمّ قال: أنشدك باللّه الّذي فرق البحر، وأنجاكم من فرعون، وفعل كذا و [فعل] كذا، لما أخبرتني بالّذي حملك على ما قلت؟ فقالت: أمّا إذ نشدتني فإنّ قارون أعطاني كذا وكذا، على أن أقول لك، وأنا أستغفر اللّه وأتوب إليه. فعند ذلك خرّ موسى للّه عزّ وجلّ ساجدًا، وسأل اللّه في قارون. فأوحى اللّه إليه أنّي قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك.
وقيل: إنّ قارون لـمّا خرج على قومه في زينته تلك، وهو راكبٌ على البغال الشّهب، وعليه وعلى خدمه الثّياب الأرجوان الصّبغة، فمرّ في جحفله ذلك على مجلس نبيّ اللّه موسى عليه السّلام، وهو يذكّرهم بأيّام اللّه. فلمّا رأى النّاس قارون انصرفت وجوه النّاس حوله، ينظرون إلى ما هو فيه. فدعاه موسى عليه السّلام، وقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا موسى، أما لئن كنت فضّلت عليّ بالنّبوّة، فلقد فضّلت عليك بالدّنيا، ولئن شئت لتخرجنّ، فلتدعونّ عليّ وأدعو عليك. فخرج وخرج قارون في قومه، فقال موسى: تدعو أو أدعو أنا؟ قال: بل أنا أدعو. فدعا قارون فلم يجب له، ثمّ قال موسى: أدعو؟ قال: نعم. فقال موسى: اللّهمّ، مر الأرض أن تطيعني اليوم. فأوحى اللّه إليه أنّي قد فعلت، فقال موسى: يا أرض، خذيهم. فأخذتهم إلى أقدامهم. ثمّ قال: خذيهم. فأخذتهم إلى ركبهم، ثمّ إلى مناكبهم. ثمّ قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم. قال: فأقبلت بها حتّى نظروا إليها. ثمّ أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوى فاستوت بهم الأرض.
وعن ابن عبّاسٍ أنّه قال: خسف بهم إلى الأرض السّابعة.
وقال قتادة: ذكر لنا أنّه يخسف بهم كلّ يومٍ قامةٌ، فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة.
وقد ذكر ها هنا إسرائيليّاتٌ [غريبةٌ] أضربنا عنها صفحًا.
وقوله: {فما كان له من فئةٍ ينصرونه من دون اللّه وما كان من المنتصرين} أي: ما أغنى عنه ماله، وما جمعه، ولا خدمه و [لا] حشمه. ولا دفعوا عنه نقمة اللّه وعذابه ونكاله [به]، ولا كان هو في نفسه منتصرًا لنفسه، فلا ناصر له [لا] من نفسه، ولا من غيره). [تفسير ابن كثير: 6/ 255-257]

تفسير قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله تعالى: {وأصبح الّذين تمنّوا مكانه بالأمس} أي: الّذين لـمّا رأوه في زينته قالوا {يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظٍّ عظيمٍ}، فلمّا خسف به أصبحوا يقولون: {ويكأنّ اللّه يبسط الرّزق لمن يشاء من عباده ويقدر} أي: ليس المال بدالٍّ على رضا اللّه عن صاحبه [وعن عباده] ؛ فإنّ اللّه يعطي ويمنع، ويضيّق ويوسّع، ويخفض ويرفع، وله الحكمة التّامّة والحجّة البالغة. وهذا كما في الحديث المرفوع عن ابن مسعودٍ: "إنّ اللّه قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم أرزاقكم وإنّ اللّه يعطي المال من يحبّ، ومن لا يحبّ، ولا يعطي الإيمان إلّا من يحبّ".
{لولا أن منّ اللّه علينا لخسف بنا} أي: لولا لطف اللّه بنا وإحسانه إلينا لخسف بنا، كما خسف به، لأنّا وددنا أن نكون مثله.
{ويكأنّه لا يفلح الكافرون} يعنون: أنّه كان كافرًا، ولا يفلح الكافر عند اللّه، لا في الدّنيا ولا في الآخرة.
وقد اختلف النّحاة في معنى قوله تعالى [ها هنا]: {ويكأنّ}، فقال بعضهم: معناها: "ويلك اعلم أنّ"، ولكن خفّفت فقيل: "ويك"، ودلّ فتح "أنّ" على حذف "اعلم". وهذا القول ضعّفه ابن جريرٍ، والظّاهر أنّه قويٌّ، ولا يشكل على ذلك إلّا كتابتها في المصاحف متّصلةً "ويكأنّ". والكتابة أمرٌ وضعيٌّ اصطلاحيٌّ، والمرجع إلى اللّفظ العربيّ، واللّه أعلم.
وقيل: معناها: ويكأنّ، أي: ألم تر أنّ. قاله قتادة. وقيل: معناها "وي كأنّ"، ففصلها وجعل حرف "وي" للتّعجّب أو للتّنبيه، و"كأنّ" بمعنى "أظنّ وأحسب". قال ابن جريرٍ: وأقوى الأقوال في هذا قول قتادة: إنّها بمعنى: ألم تر أنّ، واستشهد بقول الشّاعر:
سألتاني الطّلاق أن رأتاني = قلّ مالي، وقد جئتماني بنكر...
ويكأن من يكن له نشب يح = بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ). [تفسير ابن كثير: 6/ 257-258]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتّقين (83) من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى الّذين عملوا السّيّئات إلا ما كانوا يعملون (84)}.
يخبر تعالى أنّ الدّار الآخرة ونعيمها المقيم الّذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الّذين لا يريدون علوًّا في الأرض، أي: ترفّعًا على خلق اللّه وتعاظمًا عليهم وتجبّرًا بهم، ولا فسادًا فيهم. كما قال عكرمة: العلوّ: التّجبّر.
وقال سعيد بن جبيرٍ: العلوّ: البغي.
وقال سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مسلمٍ البطين: العلوّ في الأرض: التّكبّر بغير حقٍّ. والفساد: أخذ المال بغير حقٍّ.
وقال ابن جريج: {لا يريدون علوًّا في الأرض} تعظّمًا وتجبّرًا، {ولا فسادًا}: عملًا بالمعاصي.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبي، عن أشعث السّمّان، عن أبى سلّامٍ الأعرج، عن عليٍّ قال: إنّ الرّجل ليعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه، فيدخل في قوله: {تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتّقين}.
وهذا محمولٌ على ما إذا أراد [بذلك] الفخر [والتّطاول] على غيره؛ فإنّ ذلك مذمومٌ، كما ثبت في الصّحيح، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم [أنّه قال] إنّه أوحي إليّ أن تواضعوا، حتّى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ"، وأمّا إذا أحبّ ذلك لمجرّد التّجمّل فهذا لا بأس به، فقد ثبت أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، إنّي أحبّ أن يكون ردائي حسنًا ونعلي حسنةً، أفمن الكبر ذلك؟ فقال: "لا إنّ اللّه جميلٌ يحبّ الجمال"). [تفسير ابن كثير: 6/ 258-259]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقال: {من جاء بالحسنة} أي: يوم القيامة {فله خيرٌ منها} أي: ثواب اللّه خيرٌ من حسنة العبد، فكيف واللّه يضاعفه أضعافًا كثيرةً فهذا مقام الفضل.
ثمّ قال: {ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى الّذين عملوا السّيّئات إلا ما كانوا يعملون}، كما قال في الآية الأخرى: {ومن جاء بالسّيّئة فكبّت وجوههم في النّار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون} [النّمل: 90] وهذا مقام الفصل والعدل). [تفسير ابن كثير: 6/ 259]

رد مع اقتباس