عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 06:39 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تعالى: {الحمد للّه...}
اجتمع القرّاء على رفع الحمد، وأمّا أهل البدو فمنهم من يقول: "الحمدَ لِلّه"، ومنهم من يقول: "الحمدِ لِلّه "، ومنهم من يقول: "الحمدُ للّه" فيرفع الدال واللام.
فأما من نصب فإنه يقول: "الحمد" ليس باسم إنما هو مصدر؛ يجوز لقائله أن يقول: أحمد اللّه، فإذا صلح مكان المصدر (فعل أو يفعل) جاز فيه النصب؛ من ذلك قول اللّه تبارك وتعالى: {فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب} يصلح مكانها في مثله من الكلام أن يقول: فاضربوا الرقاب، ومن ذلك قوله: {معاذ اللّه أن نّأخذ إلاّ من وجدنا متاعنا عنده}؛ يصلح أن تقول في مثله من الكلام: نعوذ بالله، ومنه قول العرب: سقينًا لك، ورعيًا لك؛ يجوز مكانه: سقاك الله، ورعاك الله.
وأما من خفض الدال من "الحمد"؛ فإنه قال: هذه كلمة كثرت على ألسن العرب حتى صارت كالاسم الواحد؛ فثقل عليهم أن يجتمع في اسم واحد من كلامهم ضمّةٌ بعدها كسرة، أو كسرةٌ بعدها ضمّة، ووجدوا الكسرتين قد تجتمعان في الاسم الواحد مثل "إبل" فكسروا الدال؛ ليكون على المثال من أسمائهم.
وأمّا الذين رفعوا الّلام؛ فإنهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب الذي يجتمع فيه الضمتان؛ مثل: الحلم والعقب.
ولا تنكرنّ أن يجعل الكلمتان كالواحدة إذا كثر بهما الكلام. ومن ذلك قول العرب: "بأبا"، إنما هو "بأبي" الياء من المتكلم ليست من الأب؛ فلما كثر بهما الكلام توهّموا أنهما حرف واحد فصيّروها ألفاً، ليكون على مثال: حبلى وسكرى؛ وما أشبهه من كلام العرب، أنشدني أبو ثروان:

قال الجواري ما ذهـبتَ مذهــــــبا ....... وعِبْـــــــنــــــني ولـــم أكن مـــــعـــــيّــــبــــــا
هـــــــــل أنت إلا ذاهــــــــبٌ لتلـــعــــبا .......
أريت إن أعطـــــــيت نهداً كــــعـــثبا
أذاك أم نعـــــــطيك هــــيدًا هيــــــدبا .......
أبرد في الظّلماء من مسّ الصّبا
فقــــــلت: لا، بل ذا كمـــا يا بـــيَّبا
.......
أجـــــــدر ألاّ تفضـــــــــــحا وتـــحـــــــربا
"هل أنت إلاّ ذاهبٌ لتلعبا" ذهب بـ"هل" إلى معنى "ما"). [معاني القرآن: 1 /3-4]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ربّ العالمين}: أي: المخلوقين، قال لبيد بن ربيعة:
ما إن رأيت ولا سمعـ....... ـت بمثلهم في العالمينا
وواحدهم عالم، وقال العجّاج:
فخندفٌ هامة هذا العالم
). [مجاز القرآن: 1/ 22]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): (وأما قوله: {الحمد للّه} فرفعه على الابتداء؛ وذلك أن كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلاً من بعده فهو مرفوع، وخبره إن كان هو هو فهو أيضاً مرفوع، نحو قوله: {مّحمّدٌ رّسول اللّه} وما أشبه ذلك، وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها؛ فإنما رفع المبتدأ ابتداؤك إياه، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم، وكما كانت "أن" تنصب الاسم وترفع الخبر، فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر، وقال بعضهم: رفع المبتدأ خبره، وكل حسن، والأول أقيس.
وبعض العرب يقول: {الحمد للّه} فينصب على المصدر، وذلك أن أصل الكلام عنده على قوله "حمداً لله" يجعله بدلًا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان "أحمد"، ونصبه على "أحمد" حتى كأنه قال: "أحمد حمداً"، ثم أدخل الألف واللام على هذه.
وقد قال بعض العرب: {الحمد للّه} فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة، وذلك أن الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك أواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو "حيث" جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال، وبعضهم يقول: "حَوْثُ" و"حَيْثَ" ضم وفتح ونحو "قبل" و"بعد" جعلتا مضمومتين على كل حال، وقال الله تبارك وتعالى: {للّه الأمر من قبل ومن بعد}، فهما مضموتان إلا أن تضيفهما، فإذا أضفتهما صرفتهما، قال: {لا يستوي منكم مّن أنفق من قبل الفتح وقاتل} و{كالّذين من قبلكم} و{والّذين جاءوا من بعدهم} وقال: {مّن قبل أن نّبرأها}، وذلك أن قوله: {أن نّبرأها} اسم أضاف إليه {قبل}، وقال: {من بعد أن نّزغ الشّيطان}، وذلك أن قوله: {أن نّزغ} اسم هو بمنزلة "النزغ"، لأن "أن" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم، فأضاف إليها" بعد"، وهذا في القرآن كثير.
ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله عز وجل: {إن هؤلاء ضيفي} و{ها أنتم أولاء تحبّونهم} مكسورة على كل حال، فشبهوا "الحمد"- وهو اسم متمكن- في هذه اللغة، بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة، كما قالوا "يا زيد"، وفي كتاب الله: {يا هامان ابن لي صرحاً} هو في موضع النصب، لأن الدعاء كلّه في موضع نصب، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة، فترك على لفظ واحد، يقولون: "ذهب أمس بما فيه" و"لقيته أمس يا فتى"، فيكسرونه في كل موضع في بعض اللغات، وقد قال بعضهم: "لقيته الأمسّ الأحدث" فجرّ أيضاً، وفيه ألف ولام، وذلك لا يكاد يعرف.
وسمعنا من العرب من يقول: {أفرأيتم اللاّت والعزّى}، ويقول: "هي اللات قالت ذاك"، فجعلها تاء في السكوت، و"هي اللات فاعلم" جرّ في موضع الرفع والنصب، وقال بعضهم "من الآنَ إلى غد" فنصب لأنه اسم غير متمكن، وأما قوله: "اللات فاعلم" فهذه مثل "أمس"، وأجود، لأن الألف واللام التي في "اللات" لا تسقطان وإن كانتا زائدتين، وأما ما سمعنا في "اللات والعزى" في السكت عليها فـ"اللاه"؛ لأنها هاء فصارت تاءً في الوصل، هي في تلك اللغة مثل "كان من الأمر كيت وكيت"، وكذلك "ههيات" في لغة من كسر إلا أنه يجوز في "هيهات" أن تكون جماعة، فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث، ولا يجوز ذلك في "اللات"، لأن "اللات" و"كيت" لا يكون مثلهما جماعة، لأن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف، فإن جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد، وزعموا أن من العرب من يقطع ألف الوصل، أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول: "يا إبني" فقطع، وقال قيس بن الخطيم:
إذا جاوز الاثنين سرٌّ فإنه.......بنشرٍ وتكثير الوشاة قمين
وقال جميل:
ألا لا أرى اثنين أكرم شيمةً.......على حدثان الدهر مني ومن جمل
وقال الراجز:
يا نفس صبراً كلّ حي لاق.......وكلّ اثنين إلى افتراق
وهذا لا يكاد يعرف.
وقوله: {للّه} جر باللام، كما انجر قوله:{ربّ العالمين * الرحمن الرّحيم}؛ لأنه من صفة قوله: {للّه}، فإن قيل: "وكيف يكون جرّا وقد قال: {إيّاك نعبد}؟"
[فلأنه إذا قال "الحمد لمالك يوم الدين" فإنه ينبغي أن يقول "إيّاه نعبد" فإنما هذا على الوحي. وذلك أن الله تبارك وتعالى خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قل يا محمد: "الحمد لله" وقل: "الحمد لمالك يوم الدين" وقل يا محمد: "إيّاك نعبد وإيّاك نستعين" ] (1).
وأما فتح نون {العالمين}؛ فإنها نون جماعة، وكذلك كل نون جماعة زائدة على حدّ التثنية فهي مفتوحة، وهي النون الزائدة التي لا تغيّر الاسم عما كان عليه: نحو نون "مسلمين" و"صالحين" و"مؤمنين"، فهذه النون زائدة؛ لأنك تقول: "مسلم" و"صالح" فتذهب النون، وكذلك "مؤمن" قد ذهبت النون الآخرة، وهي المفتوحة، وكذلك "بنون"؛ ألا ترى أنك إنما زدت على "مؤمن" واوًا ونونًا، وياء ونونًا، وهو على حاله لم يتغير لفظه، كما لم يتغير في التثنية حين قلت "مؤمنان" و"مؤمنَيْن"، إلا أنك زدت ألفاً ونوناً، أو ياء ونونًا للتثنية، وإنما صارت هذه مفتوحة ليفرق بينهما وبين نون الاثنين، وذلك أن نون الاثنين مكسورة أبداً، قال: {قال رجلان من الّذين يخافون أنعم اللّه}، وقال: {أرسلنا إليهم اثنين فكذّبوهما}، والنون مكسورة.
وجعلت الياء للنصب والجرّ نحو "العالمين" و"المتقين"، فنصبهما وجرهما سواء، كما جعلت نصب "الاثنين" وجرهما سواء، ولكن كسر ما قبل ياء الجميع، وفتح ما قبل ياء الاثنين؛ ليفرق ما بين الاثنين والجميع، وجعل الرفع بالواو ليكون علامة للرفع، وجعل رفع الاثنين بالألف. وهذه النون تسقط في الإضافة كما تسقط نون الاثنين، نحو قولك: "بنوك" و"رأيت مسلميك" فليست هذه النون كنون "الشياطين" و"الدهاقين" و"المساكين"؛ لأن "الشياطين" و"الدهاقين" و"المساكين" نونها من الأصل ألا ترى أنك تقول: "شيطان" و"شييطين"، و"دهقان" و"دهيقين"، و"مسكين" و"مسيكين" فلا تسقط النون.
فأما "الذين" : فنونها مفتوحة، لأنك تقول: "الذي" فتسقط النون لأنها زائدة، ولأنك تقول في رفعها: "اللذون" لأن هذا اسم ليس بمتمكن مثل "الذي"، ألا ترى أن "الذي" على حال واحدة.
إلا أن ناساً من العرب يقولون: "هم اللذون يقولون كذا وكذا"، جعلوا له في الجمع علامة للرفع، لأن الجمع لا بد له من علامة، واو في الرفع، وياء في النصب والجرّ وهي ساكنة، فأذهبت الياء الساكنة التي كانت في "الذي"؛ لأنه لا يجتمع ساكنان، كذهاب ياء "الذي" إذا أدخلت الياء التي للنصب، ولأنهما علامتان للإعراب، والياء في قول من قال : "هم الذين" مثل: حرف مفتوح، أو مكسور بني عليه الاسم، وليس فيه إعراب، ولكن يدلك على إنه المفتوح أو المكسور في الرفع، والنصب والجر الياء التي للنصب والجرّ؛ لأنها علامة للإعراب.
وقد قال ناس من العرب "الشياطون"؛ لأنهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في "شياطين" إذا كانت بعدها نون، وكانت في "جميعٍ"، وقبلها كسرة، بياء الإعراب التي في الجمع، فلما صاروا إلى الرفع: أدخلوا الواو، وهذا يشبه "هذا جحر ضبٍّ خربٍ" فافهم). [معاني القرآن: 1/ 7-10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({العالمين}: الخلق، واحدهم عالم). [غرائب القرآن وتفسيره: 61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( و(العالمون): أصناف الخلق الرّوحانيّين، وهم الإنس والجن والملائكة، كلّ صنف منهم عالم). [تفسير غريب القرآن: 38]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الحمد للّه ربّ العالمين (2)}: معنى الحمد : الشّكر والثناء على الله تعالى، الحمد رفع بالابتداء، وقوله: {للّه}: إخبار عن الحمد، والاختيار في الكلام: الرفع، فأمّا القرآن فلا يقرأ فيه :{الحمد} إلا بالرفع، لأن السّنة تتبع في القرآن، ولا يلتفت فيه إلى غير الرّواية الصحيحة التي قد قرأ بها القراء المشهورون بالضبط والثّقة، والرفع القراءة، ويجوز في الكلام أن تقول " الحمد " تريد: أحمد الله الحمد، فاستغنيت عن ذكر " أحمد "؛ لأن حال الحمد يجب أن يكون عليها الخلق، إلا أنّ الرفع أحسن وأبلغ في الثناء على الله عزّ وجلّ، وقد روي عن قوم من العرب: " الحمدَ للّه "و" الحمدِ للّه "، وهذه لغة من لا يلتفت إليه، ولا يتشاغل بالرواية عنه. وإنما تشاغلنا نحن برواية هذا الحرف لنحذّر الناس من أن يستعملوه، أو يظن جاهل أنه يجوز في كتاب الله عزّ وجلّ، أو في كلام، ولم يأت لهذا نظير في كلام العرب، ولا وجه له.
وقوله عزّ وجلّ: {ربّ العالمين}: قد فسرنا أنه لا يجوز في القرآن إلا {ربّ العالمين * الرحمن الرحيم} وإن كان الرفع والنصب جائزين في الكلام، ولا يتخير لكتاب الله عزّ وجلّ إلا اللفظ الأفضل الأجزل.
وقوله عزّ وجلّ: {العالمين}: معناه كل ما خلق اللّه، كما قال: {وهو ربّ كل شيء}، وهو جمع عالم، تقول: هؤلاء عالمون، ورأيت عالمين، ولا واحد لعالم من لفظه لأن عالماً جمع لأشياء مختلفة، وأن جعل " عالم "، لواحد منها صار جمعاً لأشياء متفقة.
والنون فتحت في العالمين؛ لأنّها نون الجماعة، وزعم سيبويه أنّها فتحت ليفرق بينها وبين نون الاثنين، تقول: "هذان عالمان يا هذا"، فتكسر نون الاثنين لالتقاء السّاكنين، وهذا يشرح في موضعه إن شاء اللّه، وكذلك نون الجماعة فتحت لالتقاء السّاكنين، ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو والياء؛ ألا ترى أنك تقول " سوف أفعل" فتفتح الفاء من " سوف " لالتقاء السّاكنين، ولم تكسر لثقل الكسرة بعد الواو، وكذلك تقول: "أين زيد ؟" فتفتح النون لالتقاء السّاكنين بعد الياء). [معاني القرآن: 1 /45-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {الحمد لله} الفرق بين الحمد والشكر: أن الحمد أعم؛ لأنه يقع على الثناء، وعلى التحميد، وعلى الشكر، والجزاء .
والشكر مخصوص بما يكون مكافأة لمن أولاك معروفاً، فصار الحمد أثبت في الآية؛ لأنه يزيد على الشكر.
ويقال: الحمد خبر، وسبيل الخبر أن يفيد، فما الفائدة في هذا ؟
والجواب عن هذا: أن سيبويه قال: إذا قال الرجل "الحمد لله" بالرفع؛ ففيه من المعنى مثل ما في قوله: "حمدت الله حمداً" إلا أن الذي يرفع الحمد يخبر أن الحمد منه ومن جميع الخلق لله تعالى، والذي ينصب الحمد يخبر أن الحمد منه وحده لله تعالى.
قال ابن كيسان: وهذا كلام حسن جدا ً، لأن قولك "الحمد لله" مخرجة في الإعراب مخرج قولك: "المال لزيد"، ومعناه أنك أخبرت به، وأنت تعتمد أن تكون حامدا ً، لا مخبرا ًبشيء، ففي إخبار المخبر بهذا: إقراراً منه بأن الله تعالى مستوجبه على خلقه، فهو أحمد من يحمده إذا أقر بأن الحمد له، فقد آل المعنى المرفوع إلى مثل المعنى المنصوب وزاد عليها بأن جعل الحمد الذي يكون عن فعله وفعل غيره لله تعالى .
وقال غير سيبويه: إنما يتكلم بهذا تعرضاً لعفو الله تعالى، ومغفرته، وتعظيماً له، وتمجيدا ً، فهو خلاف معنى الخبر، وفيه معنى السؤال.
وفي الحديث: «من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين».
وقيل: إن مدحه نفسه جل وعز وثناءه عليه؛ ليعلم ذلك عباده، فالمعنى على هذا: "قولوا: الحمد لله".
وإنما عيب مدح الآدمي نفسه؛ لأنه ناقص، وإن قال: "أنا جواد" فثم بخل، وإن قال "أنا شجاع" فثم جبن، والله تعالى منزه من ذلك، فإن الآدمي إنما يمدح نفسه: ليجتلب منفعة ويدفع مضرة، والله تعالى غني عن هذا .
وقوله جل وعز: {رب العالمين}، قال أهل اللغة: الرب: المالك، وأنشدوا:
وهو الرب والشهيد على يو.......م الحيارين والبلاء بلاء
وأصل هذا: أنه يقال: ربه يربه ربا، وهو راب ورب إذا قام بصلاحه، ويقال على التكثير: رباه ورببه وربته.
وروى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {رب العالمين} قال: «الجن والإنس» .
وروى الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: الجن عالم، والإنسان عالم، وسوى ذلك للأرض أربع زوايا، في كل زاوية ألف وخمس مائة عالم، خلقهم الله لعبادته .
وقال أبو عبيدة : {رب العالمين}أي: المخلوقين.
وأنشد العجاج:
فخندف هامة هذا العالم
والقول الأول: أجل هذه الأقوال، وأعرفها في اللغة؛ لأن هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل خاصة، و(عالم) مشتق من العلامة .
وقال الخليل: العلم والعلامة والمعلم: ما دل على شيء، فالعالم دال على أن له خالقاً مدبراً). [معاني القرآن: 1/ 57-62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْحَمْدُ}: الشكر. {الْعَالَمِينَ}: الخلق). [العمدة في غريب القرآن: 67]

تفسير قوله تعالى:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}

تفسير قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({مالك يوم الدّين} نصب على النّداء، وقد تحذف ياء النداء، مجازه: يا مالك يوم الدين، لأنه يخاطب شاهداً، ألا تراه يقول:{إيّاك نعبد}، فهذه حجة لمن نصب، ومن جره قال: هما كلامان.
{الدّين}: الحساب والجزاء، يقال في المثل: (كما تدين تدان)، وقال ابن نفيل:

واعلم وأيقن أنّ ملكك زائل.......واعلم بأنّ كما تدين تدان
ومجاز من جرّ {مالك يوم الدّين}؛ أنه حدّث عن مخاطبة غائب، ثم رجع فخاطب شاهداً فقال: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين * اهدنا}، قال عنترة بن شدّاد العبسيّ:
شطّت مزار العاشقين فأصبحت......عسراً علىّ طلابك ابنة مخرم
وقال أبو كبير الهذليّ:
يا لهف نفسي كان جدّة خالد.......وبياض وجهك للتّراب الأعفر
). [مجاز القرآن: 1/ 22-24]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({مالك يوم الدّين}
وأما قوله: {مالك يوم الدّين}، فإنه يجرّ لأنه من صفة "اللّه" عز وجل.
وقد قرأها قوم: {مالك} نصب على الدعاء، وذلك جائز، يجوز فيه النصب والجرّ، وقرأها قوم: {ملك}، إلا أن "الملك" اسم ليس بمشتق من فعل نحو قولك: "ملك وملوك"، وأما "المالك" فهو الفاعل كما تقول: "ملك فهو مالكٌ" مثل "قهر فهو قاهر"). [معاني القرآن: 1 /10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يوم الدين}: يوم الجزاء من ذلك قولهم: (كما تدين تدان) ).
[غريب القرآن وتفسيره: 61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و{يوم الدّين}: يوم القيامة، سمّى بذلك؛ لأنه يوم الجزاء والحساب، ومنه يقال: "دنته بما صنع" أي : جازيته، ويقال في مثل: «كما تدين تدان» يراد : كما تصنع يصنع بك، وكما تجازي تجازى). [تفسير غريب القرآن: 38]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الدّين}
الدّين: الجزاء. ومنه قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} أي: يوم الجزاء والقصاص. ومنه يقال: "دنته بما صنع" أي: جزيته بما صنع. و(كما تدين تدان).
والدّين: الملك والسّلطان. ومنه قول الشاعر:
لئن حللت بجوٍّ في بني أسد.......في دين عمرو وحالت دوننا فدك
أي: في سلطانه. ويقال من هذا: "دنت القوم أدينهم" أي: قهرتهم وأذللتهم، "فدانوا" أي: ذلّوا وخضعوا. و"الدّين لله" إنما هو من هذا. ومنه قول القطاميّ:
كانت نوار تدينك الأديانا
أي: تذلّك. ومنه قول الله تعالى: {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29]، أي: لا يطيعونه.
والدّين: الحساب، من قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36]. ومنه قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: 25]، أي: حسابهم). [تأويل مشكل القرآن: 453-454]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ: {مالك يوم الدّين (4)}
القراءة: الخفض على مجرى: الحمد للّه مالك يوم الدّين.
وإن نصب – في الكلام - على ما نصب عليه: رب العالمين والرحمن الرحيم، جاز في الكلام.
فأما في القراءة: فلا أستحسنه فيها، وقد يجوز أن تنصب {رب العالمين} و{مالك يوم الدّين} على النداء في الكلام كما تقول: الحمد للّه يا ربّ العالمين، ويا مالك يوم الدّين، كأنك بعد أن قلت: " الحمد لله "، قلت: لك الحمد يا ربّ العالمين، ويا مالك يوم الدين.
وقرئ: {ملك يوم الدّين}، {ومالك يوم الدّين}.
وإنما خصّ يوم الدّين، واللّه عزّ وجلّ يملك كل شيء؛ لأنه اليوم الذي يضطر فيه المخلوقون إلى أن يعرفوا أن الأمر كلّه للّه، ألا تراه يقول: {لمن الملك اليوم} وقوله: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً}، فهو اليوم الذي لا يملك فيه أحد لنفسه لا لغيره نفعاً ولا ضراً.
ومن قرأ: { مالك يوم الدّين}، فعلى قوله :{لمن الملك اليوم} وهو بمنزلة من المالك اليوم.
ومن قرأ: {ملك يوم الدّين}، فعلى معنى " ذو المملكة " في يوم الدين، وقيل : إنها قراءة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله عزّ وجلّ: {يوم الدّين}: الدين في اللغة: الجزاء، يقال: "كما تدين تدان"، المعنى : كما تعمل تعطى وتجازى، قال الشاعر:
واعلم وأيقن أن ملكك زائل.......واعلم بأن كما تدين تدان
أي : تجازى بما تعمل، والدّين أيضاً في اللغة: العادة، تقول العرب: "ما زال ذلك ديني"، أي: عادتي.
قال الشاعر:
تقول إذا درأت لها وضيني.......أهذا دينه أبدا وديني
). [معاني القرآن: 1/ 46-48]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله تعالى: {ملك يوم الدين}، ويقرأ: {مالك يوم الدين}.
واختار أبو حاتم: مالك، قال: وهو أجمع من ملك؛ لأنك تقول: أن الله مالك الناس، ومالك الطير، ومالك الريح، ومالك كل شيء من الأشياء، ونوع من الأنواع، ولا يقال: الله ملك الطير، ولا ملك الريح، ونحو ذلك، وإنما يحسن ملك الناس وحدهم.
وخالفه في ذلك جلة أهل اللغة، منهم: أبو عبيد، وأبو العباس محمد بن يزيد، واحتجوا بقوله تعالى: {لمن الملك اليوم}، والمُلْكُ: مصدر المَلِكِ، ومصدر المَالِكِ: مِلْكٌ بالكسر، وهذا احتجاج حسن.
وأيضاً، فإن حجة أبي حاتم لا تلزم؛ لأنه إنما لم يستعمل ملك الطير والرياح؛ لأنه ليس فيه معنى مدح .
-وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد، عن أبي داود بن الأنباري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عمرو بن أسباط عند السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي مالك، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن أبي مسعود، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مالك يوم الدين}: «يوم الدين: هو يوم الحساب».
وقال مجاهد: "الدين: الجزاء" والمعنيان واحد؛ لأن يوم القيامة: يوم الحساب، ويوم الجزاء.
والدين في غير هذه: الطاعة، والدين أيضاً: العادة، كما قال:
أهذا دينه أبداً وديني
والمعاني متقاربة؛ لأنه إذا أطاع: فقد دان. والعادة تجري مجرى الدين، و"فلان في دين فلان" أي: في سلطانه وطاعته.
فإن قيل: لم خصت القيامة بهذا؟ فالجواب: أن يوم القيامة: يوم يضطر فيه الخلائق إلى أن يعرفوا أن الأمر كله لله تعالى،
قيل: خصه؛ لأن في الدنيا ملوكاً وجبارين، ويوم القيامة يرجع الأمر كله إلى الله تعالى). [معاني القرآن: 1/ 61-63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يوم الدين}: يوم الجزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 21]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مَلِك}: معناه : السلطان الباقي في ملكه، {مَالِكِ}: القادر الحاكم بما يرى، {يَوْمِ الدِّينِ}: يوم الجزاء). [العمدة في غريب القرآن: 67-68]



(1) استدراك من نسخة أخرى.


رد مع اقتباس