عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 06:36 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({الحمد للّه ربّ العالمين}
قال أبو جعفرٍ: معنى {الحمد للّه} الشّكر خالصًا للّه جلّ ثناؤه دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كلّ ما برأ من خلقه، بما أنعم على عباده من النّعم الّتي لا يحصيها العدد ولا يحيط بعددها غيره أحدٌ، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلّفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرّزق وغذّاهم به من نعيم العيش من غير استحقاقٍ منهم ذلك عليه، ومع ما نبّههم عليه ودعاهم إليه من الأسباب المؤدّية إلى دوام الخلود في دار المقام في النّعيم المقيم. فلربّنا الحمد على ذلك كلّه أوّلاً وآخرًا.
وبما ذكرنا من تأويل قول ربّنا جلّ ذكره وتقدّست أسماؤه: {الحمد للّه} جاء الخبر عن ابن عبّاسٍ وغيره.
- حدّثنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال:
«قال جبريل لمحمّدٍ: قل يا محمّد: الحمد للّه» قال ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه: هو الشّكر للّه، والاستخذاء للّه، والإقرار بنعمته وهدايته وابتدائه»، وغير ذلك.
- وحدّثني سعيد بن عمرٍو السّكونيّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، قال: حدّثني عيسى بن إبراهيم، عن موسى بن أبي حبيبٍ، عن الحكم بن عميرٍ، وكانت له صحبةٌ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «
إذا قلت الحمد للّه ربّ العالمين، فقد شكرت اللّه فزادك».
قال وقد قيل إنّ قول القائل: {الحمد للّه} ثناءٌ على اللّه بأسمائه وصفاته الحسنى، وقوله: الشّكر للّه ثناءٌ عليه بنعمه وأياديه.
وقد روي عن كعب الأحبار أنّه قال: «الحمد للّه ثناءٌ اللّه ولم يبيّن في الرّواية عنه من أيّ معنيي الثّناء اللّذين ذكرنا ذلك».
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى الصّدفيّ، قال: أنبأنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني عمر بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، قال: أخبرني السّلوليّ، عن كعبٍ قال: «من قال: الحمد للّه فذلك ثناءٌ على اللّه».
- وحدّثني عليّ بن الحسن الخرّاز، قال: حدّثنا مسلم بن عبد الرّحمن الجرميّ، قال: حدّثنا محمّد بن مصعبٍ القرقسانيّ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأسود بن سريعٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليس شيءٌ أحبّ إليه الحمد من اللّه تعالى»، ولذلك أثنى على نفسه فقال: الحمد للّه.
قال أبو جعفرٍ: ولا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب من الحكم لقول القائل: الحمد للّه شكرًا بالصّحّة. فقد تبيّن إذ كان ذلك عند جميعهم صحيحًا، أنّ الحمد للّه قد ينطق به في موضع الشّكر، وأنّ الشّكر قد يوضع موضع الحمد، لأنّ ذلك لو لم يكن كذلك لما جاز أن يقال الحمد للّه شكرًا، فيخرج من قول القائل: الحمد للّه مصدر أشكر، لأنّ الشّكر لو لم يكن بمعنى الحمد، كان خطأً أن يصدر من الحمد غير معناه وغير لفظه.
فإن قال لنا قائلٌ: وما وجه إدخال الألف واللاّم في الحمد؟ وهلاّ قيل: حمدًا للّه ربّ العالمين.
قيل: إنّ لدخول الألف واللاّم في الحمد معنًى لا يؤدّيه قول القائل حمدًا لله، بإسقاط الألف واللاّم؛ وذلك أنّ دخولهما في الحمد منبئٌّ عن أنّ معناه: جميع المحامد والشّكر الكامل للّه. ولو أسقطتا منه لما دلّ إلاّ على أن حمد قائل ذلك للّه، دون المحامد كلّها. إذ كان معنى قول القائل: حمدًا للّه أو حمدٌ للّه: أحمد اللّه حمدًا، وليس التّأويل في قول القائل: {الحمد للّه ربّ العالمين} تاليًا سورةً أم القرآن أحمد اللّه، بل التّأويل في ذلك ما وصفنا قبل من أنّ جميع المحامد للّه بألوهيّته وإنعامه على خلقه، بما أنعم به عليهم من النّعم الّتي لا كفاء لها في الدّين والدّنيا والعاجل والآجل.
ولذلك من المعنى، تتابعت قراءة القرّاء وعلماء الأمّة على رفع الحمد من: {الحمد للّه ربّ العالمين} دون نصبها، الّذي يؤدّي إلى الدّلالة على أنّ معنى تاليه كذلك: أحمد اللّه حمدًا. ولو قرأ قارئٌ ذلك بالنّصب، لكان عندي محيلاً معناه ومستحقًّا العقوبة على قراءته إيّاه كذلك إذا تعمّد قراءته كذلك وهو عالمٌ بخطئه وفساد تأويله.
فإن قال لنا قائلٌ: وما معنى قوله: الحمد للّه؟ أحمد اللّه نفسه جلّ ثناؤه فأثنى عليها، ثمّ علّمناه لنقول ذلك كما قال ووصف به نفسه؟ فإن كان ذلك كذلك، فما وجه قوله تعالى ذكره إذًا: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} وهو عزّ ذكره معبودٌ لا عابدٌ؟ أم ذلك من قيل جبريل أو محمّدٍ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقد بطل أن يكون ذلك للّه كلامًا.
قيل: بل ذلك كلّه كلام اللّه جلّ ثناؤه؛ ولكنّه جلّ ذكره حمد نفسه وأثنى عليها بما هو له أهلٌ، ثمّ علّم ذلك عباده وفرض عليهم تلاوته، اختبارًا منه لهم وابتلاءً، فقال لهم: قولوا: الحمد للّه ربّ العالمين وقولوا: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين؛ فقوله: {إيّاك نعبد} ممّا علّمهم جلّ ذكره أن يقولوه ويدينوا له بمعناه. وذلك موصولٌ بقوله {الحمد للّه ربّ العالمين} وكأنّه قال: قولوا هذا وهذا.
فإن قال: وأين قوله: قولوا فيكون تأويل ذلك ما ادّعيت؟
قيل: قد دللنا فيما مضى على أنّ العرب من شأنها إذا عرفت مكان الكلمة ولم تشكّ أنّ سامعها يعرف بما أظهرت من منطقها ما حذفت حذف ما كفى منه الظّاهر من منطقها، ولا سيّما إن كانت تلك الكلمة الّتي حذفت قولاً أو بتأويل قولٍ، كما قال الشّاعر:

وأعلم أنّني سأكون رمسًا.......إذا سار النّواعج لا يسير.
فقال السّائلون لمن حفرتم
.......فقال المخبرون لهم وزير
قال أبو جعفرٍ: يريد بذلك: فقال المخبرون لهم: الميّت وزيرٌ، فأسقط الميّت، إذ كان قد أتى من الكلام بما يدلّ على ذلك. وكذلك قول الآخر:

ورأيت زوجك في الوغى.......متقلّدًا سيفًا ورمحا
وقد علم أنّ الرّمح لا يتقلّد، وأنه إنّما أراد: وحاملاً رمحًا. ولكن لمّا كان معلومًا معناه اكتفى بما قد ظهر من كلامه عن إظهار ما حذف منه. وقد يقولون للمسافر إذا ودّعوه: مصاحبًا معافًى، يعنى بذالك: سر مصاحبًا معافًى. يحذفون سر واخرج؛ إذ كان معلومًا معناه وإن أسقط ذكره.
فكذلك ما حذف من قول اللّه تعالى ذكره: {الحمد للّه ربّ العالمين} لمّا علم بقوله جلّ وعزّ: {إيّاك نعبد} ما أراد بقوله: {الحمد للّه ربّ العالمين} من معنى أمره عباده، أغنت دلالة ما ظهر عليه من القول عن إبداء ما حذف.
وقد روّينا الخبر الّذي قدّمنا ذكره مبتدأً في تأويل قول اللّه: {الحمد للّه ربّ العالمين} عن ابن عبّاسٍ، وأنّه كان يقول: إنّ جبريل قال لمحمّدٍ: قل يا محمّد: {الحمد للّه ربّ العالمين} وبيّنا أنّ جبريل إنّما علّم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم ما أمر بتعليمه إيّاه. وهذا الخبر ينبئ عن صحّة ما قلنا في تأويل ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {ربّ}
قال أبو جعفرٍ: قد مضى البيان عن تأويل اسم اللّه الّذي هو اللّه في {بسم اللّه}، فلا حاجة بنا إلى تكراره في هذا الموضع.
وأمّا تأويل قوله {ربّ}، فإنّ الرّبّ في كلام العرب منصرّفٌ على معانٍ: فالسّيّد المطاع فيهم يدعى ربًّا، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة:

وأهلكن يومًا ربّ كندة وابنه.......وربّ معدٍّ بين خبتٍ وعرعر
يعني بربّ كندة: سيّد كندة. ومنه قول نابغة بني ذبيان:

تخبّ إلى النّعمان حتّى تناله.......فدًى لك من ربٍّ طريفي وتالدي
والرّجل المصلح للشّيء يدعى ربًّا. ومنه قول الفرزدق بن غالبٍ:
كانوا كسالئةٍ حمقاء إذ حقنت.......سلاءها في أديمٍ غير مربوب
يعني بذلك: في أديمٍ غير مصلحٍ. ومن ذلك قيل: إنّ فلانًا يربّ صنيعته عند فلانٍ، إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها. ومن ذلك قول علقمة بن عبدة:
فكنت امرأً أفضت إليك ربابتي.......وقبلك ربّتني فضعت ربوب
يعني بقوله: (أفضت إليك) أي: وصلت إليك ربابتي، فصرت أنت الّذي تربّ أمري فتصلحه لمّا خرجت من ربابة غيرك من الملوك الّذين كانوا قبلك عليّ، فضيّعوا أمري وتركوا تفقّده. وهم الرّبوب واحدهم ربٌّ؛ والمالك للشّيء يدعى ربّه.
وقد يتصرّف أيضًا معنى الرّبّ في وجوه غير ذلك، غير أنّها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثّلاثة.
فربّنا جلّ ثناؤه السّيّد الّذي لا شبه له، ولا مثل في مثل سؤدّده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الّذي له الخلق والأمر.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله جلّ ثناؤه {ربّ العالمين} جاءت الرّواية عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال جبريل لمحمّدٍ: يا محمّد، قل {الحمد للّه ربّ العالمين}» قال ابن عبّاسٍ: «يقول: قل: الحمد للّه الّذي له الخلق كلّه، السّموات كلّهنّ ومن فيهنّ، والأرضون كلّهنّ ومن فيهنّ وما بينهنّ، ممّا يعلم وممّا لا يعلم. يقول: اعلم يا محمّد أنّ ربّك هذا لا يشبهه شيءٌ».
القول في تأويل قوله تعالى: {العالمين}.
قال أبو جعفرٍ: والعالمون جمع عالمٍ، والعالم جمعٌ لا واحد له من لفظه، كالأنام والرّهط والجيش ونحو ذلك من الأسماء الّتي هي موضوعاتٌ على جماعٍ لا واحد له من لفظه.
والعالم اسمٌ لأصناف الأمم، وكلّ صنفٍ منها عالمٌ، وأهل كلّ قرنٍ من كلّ صنفٍ منها عالم ذلك القرن وذلك الزّمان، فالإنس عالمٌ وكلّ أهل زمانٍ منهم عالم ذلك الزّمان. والجنّ عالمٌ، وكذلك سائر أجناس الخلق، كلّ جنسٍ منها عالم زمانه. ولذلك جمع فقيل: عالمون، وواحده جمعٌ لكون عالم كلّ زمانٍ من ذلك عالم ذلك الزّمان. ومن ذلك قول العجّاج:

فخندفٌ هامة هذا العالم
فجعلهم عالم زمانه.
وهذا القول الّذي قلناه قول ابن عبّاسٍ وسعيد بن جبيرٍ، وهو معنى قول عامّة المفسّرين.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{الحمد للّه ربّ العالمين} الحمد للّه الّذي له الخلق كلّه، السّموات والأرضون ومن فيهنّ وما بينهنّ، ممّا يعلم ومثل لا يعلم».
- وحدّثني محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال حدّثنا أبو عاصمٍ، عن شبيبٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: «{ربّ العالمين}: الجنّ والإنس».
- وحدّثني عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا مسلم بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا محمد بن مصعبٌ، عن قيس بن الرّبيع، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه جلّ وعزّ: {ربّ العالمين} قال: «ربّ الجنّ والإنس».
- وحدّثنا أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا قيسٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ربّ العالمين} قال:
«الجنّ والإنس».
- وحدّثني أحمد بن عبد الرّحيم البرقيّ، قال: حدّثني ابن أبي مريم، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ربّ العالمين} قال:
«ابن آدم، والجنّ والإنس كلّ أمّةٍ منهم عالمٌ على حدته».
- وحدّثني محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهدٍ: {الحمد للّه ربّ العالمين} قال:
«الإنس والجنّ».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ: بمثله.
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ العقديّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: {ربّ العالمين} قال:
«كلّ صنفٍ: عالمٌ».
- وحدّثني أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفرٍ، عن ربيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: {ربّ العالمين} قال:
«الإنس عالمٌ، والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ -وهو يشكّ- من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ وخمسمائة عالمٍ، خلقهم لعبادته» .
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {ربّ العالمين} قال:
«الجنّ والإنس»). [جامع البيان: 1/ 135-147]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله عزّ وجلّ: {الحمد لله}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ المنقريّ ثنا عبد الوارث، ثنا عليّ بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران قال: قال ابن عبّاسٍ:
«الحمد للّه كلمة الشّكر، وإذا قال العبد: الحمد للّه، قال: [شكرني عبدي]».
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ- ثنا عثمان بن سعيدٍ -يعني الزّيّات- ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه هو الشّكر للّه، الاستجداء للّه، والإقرار له بنعمه وابتدائه وغير ذلك».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهبٌ ثنا سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه عن السّلوليّ عن كعبٍ قال: «الحمد للّه ثناءٌ على اللّه»
.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحيم الفارسيّ، ثنا بزيعٌ أبو حازمٍ، عن يحيى بن عبد الرّحمن- يعني أبا بسطامٍ- عن الضّحّاك قال: «الحمد رداء الرّحمن».
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ القطيعيّ ثنا حفصٌ عن حجّاجٍ، عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاسٍ، قال: قال عمر: «قد علمنا سبحان اللّه، ولا إله إلا اللّه، فما الحمد للّه؟» فقال عليٌّ: «كلمةٌ رضيها اللّه لنفسه». قال أبو محمّدٍ: كذا رواه أبو معمرٍ القطيعيّ، عن حفصٍ.
- وحدّثنا به الأشجّ فقال: ثنا حفصٌ. وخالفه فيه، فقال فيه:
قال عمر لعليٍّ رضي اللّه عنهما وأصحابه عنده: «لا إله إلا اللّه، والحمد للّه، واللّه أكبر، قد عرفناها، فما سبحان اللّه؟» فقال عليٌّ: «كلمةٌ أحبّها لنفسه، ورضيها لنفسه، وأحبّ أن تقال».
قوله تعالى: {ربّ العالمين}
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلا -يعني- أبا كريب- ثنا عثمان ابن سعيدٍ -يعني الزّيّات- ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال:
«ثمّ قال جبريل عليه السّلام: قال: {الحمد للّه ربّ العالمين}، قال: يا محمّد، له الخلق كلّه، السّماوات كلّهنّ ومن فيهنّ، والأرضون كلّهنّ ومن فيهنّ، وما بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: ربّ العالمين. قال: «الإنس عالمٌ، والجنّ عالمٌ، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالمٍ، أو أربعة عشر ألف عالمٍ، من الملائكة على الأرض. والأرض أربع زوايا، ففي كلّ زاويةٍ ثلاثة آلاف عالمٍ، وخمسمائة عالمٍ خلقهم لعبادته»
.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا الفرات بن الوليد، عن معتب بن سميٍّ، عن تبيعٍ، في قوله: {ربّ العالمين}، قال: «العالمين ألف أمّةٍ، فستّمائةٍ في البحر، وأربعمائةٍ في البرّ».
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقدٍ عن مطرٍ الورّاق، عن قتادة في قول اللّه: {ربّ العالمين} قال: «ما وصف من خلقه».
الوجه الثّالث:
أن العالمين: الجنّ والإنس. فقط.
- حدّثنا، أبي، ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا قيسٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس» -وروي عن عليّ بن أبي طالبٍ بإسنادٍ لا يعتمد عليه مثله- وروي عن مجاهدٍ مثله).
[تفسير القرآن العظيم: 1 /26-28]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {الحمد للّه ربّ العالمين} قال: «الجنّ والإنس» قال الحاكم: «ليعلم طالب هذا العلم أنّ تفسير الصّحابيّ الّذي شهد الوحي والتّنزيل عند الشّيخين حديثٌ مسندٌ»). [المستدرك: 2/ 283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}.
-أخرج عبد الرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابي في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس والثعلبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {الحمد} رأس الشكر فما شكر الله عبد لا يحمده.
-وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال: سرقت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لئن ردها الله لأشكرن ربي» فوقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة فوقع في خلدها أن تهرب عليها، فرأت من القوم غفلة فقعدت عليها ثم حركتها فصبحت بها المدينة، فلما رآها المسلمون فرحوا بها ومشوا بمجئها حتى أتوا رسول الله فلما رآها قال: «{الحمد لله}» فانتظروا هل يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم صوما أو صلاة، فظنوا أنه نسي، فقالوا: يا رسول الله قد كنت قلت: «لئن ردها الله لأشكرن ربي»، قال: «ألم أقل {الحمد لله}».
-وأخرج ابن جرير والحاكم في تاريخ نيسابور والديلمي بسند ضعيف عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت {الحمد لله رب العالمين} فقد شكرت الله فزادك».
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال: «{الحمد لله} كلمة الشكر إذا قال العبد: {الحمد لله} قال الله: [شكرني عبدي]»
.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «{الحمد} هو الشكر والاستحذاء لله والإقرار بنعمه وهدايته وابتدائه، وغير ذلك».

-وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال عمر: «قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله فما الحمد؟» قال علي: «كلمة رضيها الله لنفسه وأحب أن تقال».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن كعب قال: «{الحمد لله} ثناء على الله».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك
قال: «{الحمد} رداء الرحمن».
-وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي عبد الرحمن الجبائي قال: «الصلاة شكر والصيام شكر وكل خير تفعله لله شكر وأفضل الشكر {الحمد}».
-وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء {الحمد لله}».
-وأخرج ابن ماجه والبيهقي بسند صحيح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
ما أنعم الله على عبده نعمة فقال: {الحمد لله} إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذه».
-وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
ما من عبد ينعم عليه بنعمة إلا كان {الحمد} أفضل منها».
-وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
ما أنعم الله على عبد نعمة يحمد الله عليها إلا كان حمد الله أعظم منها كائنة ما كانت».
-وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال {الحمد لله} لكان الحمد أفضل من ذلك».
-وأخرج أحمد ومسلم والنسائي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
الطهور شطر الإيمان و{الحمد لله} تملأ الميزان وسبحان الله تملآن -أو تملأ- مابين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها».
-وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه، وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«سبحان الله نصف الميزان والحمد لله تملأ الميزان والله أكبر يملأ مابين السماء والأرض والطهور نصف الميزان والصوم نصف الصبر».
-وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه».
-وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي والحاكم وصححه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن الأسود بن سريع التميمي قال قلت: يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى؟ قال: «
أما أن ربك يحب الحمد».
-وأخرج ابن جرير عن الأسود بن سريع أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «
ليس شيء أحب إليه الحمد من الله ولذلك أثنى على نفسه فقال {الحمد لله}».
-وأخرج البيهقي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
التأني من الله والعجلة من الشيطان وما شيء أكثر معاذير من الله وما شيء أحب إلى الله من الحمد».
-وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي من طريق أبان عن أنس قال: قال رسول الله: «
التوحيد ثمن الجنة و{الحمد لله} ثمن كل قطعة ويتقاسمون الجنة بأعمالهم».
-وأخرج الخطيب في تالي التلخيص من طريق ثابت عن أنس مرفوعا: «التوحيد ثمن الجنة والحمد وفاء شكر كل نعمة
».
-وأخرج أبو داود والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع».
-وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس قال: «
إذا عطس أحدكم فقال {الحمد لله} قال الملك: رب العالمين، فإذا قال: رب العالمين، قال الملك: يرحمك الله».
-وأخرج البخاري في الأدب، وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي عن علي ابن أبي طالب قال: «
من قال عند كل عطسة سمعها {الحمد لله رب العالمين} على كل حال ما كان، لم يجد وجع الضرس والأذن أبدا».
-وأخرج الحكيم الترمذي عن واثله بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«من بادر العاطس بالحمد لم يضره شيء من داء البطن».
-وأخرج الحكيم الترمذي عن موسى بن طلحة قال: «أوحى الله إلى سليمان: إن عطس عاطس من وراء سبعة أبحر فاذكرني».
-وأخرج البيهقي، عن علي، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أهله فقال: «اللهم لك علي إن رددتهم سالمين أن أشكرك حق شكرك»، فما لبثوا أن جاؤا سالمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{الحمد لله} على سابغ نعم الله»، فقلت: يا رسول الله ألم تقل: «إن ردهم الله أن أشكره حق شكره؟» فقال: «أو لم أفعل».
-وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، وابن مردويه والبيهقي من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا من الأنصار وقال: «إن سلمهم الله وأغنهم فإن لله علي في ذلك شكرا»، فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه: سمعناك تقول: «إن سلمهم الله وأغنهم فإن لله علي في ذلك شكرا» قال: «
قد فعلت، قلت: اللهم شكرا ولك الفضل المن فضلا».
-وأخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي عن جعفر بن محمد قال:
فقد أبي بغلته فقال: «لئن ردها الله علي لأحمدنه بمحامد يرضاها» فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها رفع رأسه إلى السماء فقال: {الحمد لله} لم يزد عليها، فقيل له في ذلك، فقال: «وهل تركت شيئا أو أبقيت شيئا؟ جعلت الحمد كله لله عز وجل».
-وأخرج البيهقي من طريق منصور بن إبراهيم قال: «يقال: إن {الحمد لله} أكثر الكلام تضعيفا».
-وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن محمد بن حرب قال: قال سفيان الثوري: «
{الحمد لله} ذكر وشكر وليس شيء يكون ذكرا وشكرا غيره».
-وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «
إن العبد إذا قال: سبحان الله فهي صلاة الخلائق وإذا قال {الحمد لله} فهي كلمة الشكر التي لم يشكر عبد قط حتى يقولها وإذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لم يقبل الله من عبد قط عملا حتى يقولها وإذا قال: الله أكبر ملأ مابين السماء والأرض وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله: أسلم واستسلم».
قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين}.
-أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله {رب العالمين} قال: «الجن والإنس».
-وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {رب العالمين} قال: «
الجن والإنس».
-وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير مثله.
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {رب العالمين} قال: «
إله الخلق كله، السموات كلهن ومن فيهن والأرضون كلهن ومن فيهن ومن بينهن مما يعلم ومما لا يعلم».
-وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى في مسنده، وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب في التاريخ بسند ضعيف، عن جابر بن عبد الله قال: قل الجراد في سنة من سني عمر التي ولي فيها فسأل عنه فلم يخبر بشيء فاغتم لذلك فأرسل راكبا يضرب إلى كداء وآخر إلى الشام وآخر إلى العراق يسأل هل رؤي من الجراد شيء أو لا فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد فألقاها بين يديه، فلما رآها كبر ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «خلق الله ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة في البر فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد فإذا أهلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه».
-وأخرج ابن جريج عن قتادة في قوله {رب العالمين} قال:
«كل صنف عالم».
-وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن تتبع الجهري قال: «العالمون ألف أمة، فستمائة في البحر وأربعمائة في البر».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {رب العالمين} قال: «
الإنس عالم والجن عالم وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم من الملائكة وللأرض أربع زوايا في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم وخمسمائة عالم خلقهم لعبادته».
-وأخرج الثعلبي من طريق شهر بن حوشب عن أبي كعب قال: «
العالمون الملائكة وهم ثمانون ثمانية عشر ألف ملك منهم أربعمائة أو خمسمائة ملك بالمشرق ومثلها بالمغرب ومثلها بالكتف الثالث من الدنيا ومثلها بالكتف الرابع من الدنيا مع كل ملك من الأعوان ما لا يعلم عددهم إلا الله».
-وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن وهب قال:
«إن لله عز وجل ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا منها عالم واحد»). [الدر المنثور: 1 /54-66]

تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الرّحمن الرّحيم}
قال أبو جعفرٍ: قد مضى البيان عن تأويل قوله {الرّحمن الرّحيم}، في تأويل {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع.
ولم يحتجّ إلى الإبانة عن وجه تكرير اللّه ذلك في هذا الموضع، إذ كنّا لا نرى أنّ {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} من فاتحة الكتاب آيةٌ، فيكون علينا لسائل مسألةٍ بأن يقول: ما وجه تكرير ذلك في هذا الموضع، وقد مضى وصف اللّه عزّ وجلّ به نفسه في قوله {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، مع قرب مكان إحدى الآيتين من الأخرى ومجاورتها لصاحبتها؟ بل ذلك لنا حجّةٌ على خطأ دعوى من ادّعى أنّ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من فاتحة الكتاب آيةٌ، إذ لو كان ذلك كذلك لكان ذلك إعادة آيةٍ بمعنًى واحدٍ ولفظٍ واحدٍ مرّتين من غير فصلٍ يفصل بينهما. وغير موجودٌ في شيءٍ من كتاب اللّه آيتان متجاورتان مكرّرتان بلفظٍ واحدٍ ومعنًى واحدٍ، لا فصل بينهما من كلامٍ يخالف معناه معناهما، وإنّما يأتي بتكرير آيةٍ بكمالها في السّورة الواحدة، مع فصولٍ تفصل بين ذلك، وكلامٍ يعترض به بغير معنى الآيات المكرّرات أو غير ألفاظها، ولا فاصل بين قول اللّه تبارك وتعالى اسمه {الرّحمن الرّحيم} من {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، وقول اللّه: {الرّحمن الرّحيم}، من {الحمد للّه ربّ العالمين}.
فإن قال: فإنّ {الحمد للّه ربّ العالمين} فاصلٌ بين ذلك.
قيل: قد أنكر ذلك جماعةٌ من أهل التّأويل، وقالوا: إنّ ذلك من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، وإنّما هو: الحمد للّه الرّحمن الرّحيم ربّ العالمين ملك يوم الدّين. واستشهدوا على صحّة ما ادّعوا من ذلك بقوله: (ملك يوم الدّين) فقالوا: إنّ قوله: (ملك يوم الدّين) تعليمٌ من اللّه عبده أن يصفه بالملك في قراءة من قرأ (ملك)، وبالملك في قراءة من قرأ {مالك}. قالوا: فالّذي هو أولى أن يكون مجاور وصفه بالملك أو الملك ما كان نظير ذلك من الوصف، وذلك هو قوله {ربّ العالمين}، الّذي هو خبرٌ عن ملكه جميع أجناس الخلق، وأن يكون مجاور وصفه بالعظمة والألوهة ما كان له نظيرًا في المعنيّ من الثّناء عليه، وذلك قوله: {الرّحمن الرّحيم} فزعموا أنّ ذلك لهم دليلٌ على أنّ قوله {الرّحمن الرّحيم} بمعنى التّقديم قبل {ربّ العالمين} ، وإن كان في الظّاهر مؤخّرًا. وقالوا: نظائر ذلك من التّقديم الّذي هو بمعنى التّأخير والمؤخّر الّذي هو بمعنى التّقديم في كلام العرب أفشى وفي منطقها أكثر من أن يحصى، من ذلك قول جرير بن عطيّة:

طاف الخيال وأين منك لماما.......فارجع لزورك بالسّلام سلاما
بمعنى طاف الخيال لمامًا وأين هو منك. وكما قال جلّ ثناؤه في كتابه: {الحمد للّه الّذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا قيّمًا} المعنى: الحمد للّه الّذي أنزل على عبده الكتاب قيّمًا ولم يجعل له عوجًا، وما أشبه ذلك. ففي ذلك دليلٌ شاهدٌ على صحّة قول من أنكر أن تكون {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} من فاتحة الكتاب آيةً). [جامع البيان: 1 /147-149]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله {الرحمن}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن الحباب، عن عنبسة قاضي الرّيّ، عن مطرّفٍ، عن سعد بن إسحاق، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يقول اللّه: [قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال: {الحمد للّه ربّ العالمين}، قال: [مدحني عبدي]، وإذا قال: {الرّحمن الرّحيم} قال: [أثنى عليّ عبدي]».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ، ثنا أبي، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {الرّحمن الرّحيم} قال: «
الرّحمن بجميع خلقه، والرّحيم بالمؤمنين خاصّةً».
الوجه الثّالث:
- حدّثت عن كثير بن شهابٍ، عن الحكم بن هشامٍ، حدّثني خالد بن صفوان التّميميّ في قوله: {الرّحمن الرّحيم} قال: «هما رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر»
.
الوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب، حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن قال:
«الرّحمن اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 28]

تفسير قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: {مالك يوم الدين} قال: «يوم يدين الله العباد بأعمالهم»). [تفسير عبد الرزاق: 1 /37]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا هشيمٌ، قال: نا مخبر، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن أبيه : أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكرٍ، وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يقرأون: {مالك يوم الدين}.
-نا هشيمٌ، عن الحجّاج، عن عبد الرّحمن بن الأسود، عن أبيه : أنّه سمع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقرأ كذلك). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 515-521]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا هشيمٌ، قال: نا خالدٌ، عن أبي قلابة : أنّ أبيّ بن كعبٍ كان يقرأ: {مالك يوم الدّين}).
[سنن سعيد بن منصور: 2/ 523]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا مروان بن معاوية، قال: نا الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يقرأ: {مالك يوم الدّين}، وكان علقمة والأسود يقرآن: {مالك يوم الدّين}).
[سنن سعيد بن منصور: 2/ 523]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن يحيى بن وثّاب أنّه كان يقرأ: {مالك يوم الدّين}). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 524]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (والدّين: الجزاء في الخير والشّرّ، "كما تدين تدان"، وقال مجاهدٌ: {بالدّين} [الانفطار: 9] : «بالحساب»، {مدينين} [الواقعة: 86] : «محاسبين»).
[صحيح البخاري: 6/ 17]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: (الدّين: الجزاء في الخير والشّرّ " كما تدين تدان")،
هو كلام أبي عبيدة ، أيضًا قال: «الدّين : الحساب والجزاء، يقال في المثل: كما تدين تدان». انتهى ،
وقد ورد هذا في حديثٍ مرفوعٍ أخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بهذا وهو مرسلٌ رجاله ثقاتٌ ورواه عبد الرّزّاق بهذا الإسناد أيضًا، عن أبي قلابة، عن أبي الدّرداء موقوفًا وأبو قلابة لم يدرك أبا الدّرداء وله شاهدٌ موصولٌ من حديث ابن عمر أخرجه بن عديّ وضعّفه.
قوله: (وقال مجاهدٌ: «{بالدّين} بالحساب، {مدينين} محاسبين») وصله عبد بن حميدٍ في التّفسير من طريق منصورٍ عن مجاهدٍ في قوله تعالى : {كلا بل تكذبون بالدّين} قال: «بالحساب» . ومن طريق ورقاء بن عمر عن بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {فلولا أن كنتم غير مدينين}: «غير محاسبين».
والأثر الأوّل جاء موقوفًا عن ناسٍ من الصّحابة أخرجه الحاكم من طريق السّديّ، عن مرّة الهمداني، عن ابن مسعودٍ وناسٍ من الصّحابة في قوله تعالى: {مالك يوم الدّين} قال: «هو يوم الحساب ويوم الجزاء».
وللدّين معان أخرى منها: العادة والعمل والحكم والحال والخلق والطّاعة والقهر والملّة والشّريعة والورع والسّياسة وشواهد ذلك يطول ذكرها). [فتح الباري: 8/ 156]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله: (وقال مجاهد: «{بالدّين}: بالحساب {مدينين}: محاسبين»).
قال عبد بن حميد: ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، ثنا منصور، عن مجاهد في قوله تعالى:
{بالدّين} قال: «بالحساب»،
وقال أيضا أخبرني شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {فلولا إن كنتم غير مدينين} [الواقعة: 86] قال: «غير محاسبين» .
وقال إبراهيم الحربيّ في غريب الحديث: ثنا أبو بكر، ثنا ابن نمير، عن حميد ابن سليمان، عن مجاهد: «{لمدينون} [الصافات: 53] : لمحاسبون»).
[تغليق التعليق: 4 /171]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (والدّين: الجزاء في الخير والشّرّ،"كما تدين تدان" ، وقال مجاهدٌ: «{بالدّين}: بالحساب {مدينين}: محاسبين»).

أشار به إلى تفسير الدّين في قوله: {مالك يوم الدّين} وهو كلام أبي عبيدة حيث قال: «الدّين: الجزاء والحساب، يقال في المثل: كما تدين تجازي، أي: كما تفعل تجازى به»، وروي هذا حديثا مرسلا، رواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن النّبي صلى الله عليه وسلم، وروي أيضا بهذا الإسناد عن أبي، قلابة عن أبي الدّرداء، موقوفا، وأبو قلابة: عبد الله بن زيد لم يدرك أبا الدّرداء.
قوله: (وقال مجاهد: «{بالدّين}: بالحساب»). هو تفسير قوله تعالى: {أرأيت الّذي يكذب بالدّين} [الماعون: 1] ، ووصله عبد بن حميد في التّفسير من طريق منصور، عن مجاهد في قوله: {كلا بل تكذبون بالدّين} [الانفطار: 9] ، قال: «الحساب» ،
والدّين يأتي لمعان كثيرة: العادة، والعمل، الحكم، والحال، والحق والطّاعة، والقهر، والملّة، والشريعة، والورع، والسياسة،
قوله: «{مدينين}: محاسبين»، أشار به إلى ما في قوله تعالى: {فلولا أن كنتم غير مدينين} [الواقعة: 86] ، وفسّر {مدينين} بقوله: «محاسبين» ، بفتح السّين). [عمدة القاري: 18 /80]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (والدين: الجزاء في الخير والشر) وسقطت الواو لأبي ذر، وهذا رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهو مرسل رجاله ثقات. ورواه عبد الرزاق بهذا الإسناد أيضًا عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء موقوفًا، وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء، لكن له شاهد موصول من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي وضعفه.
وفي المثل: كما تدين تدان، الكاف في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أي: تدين دينًا مثل دينك. وهذا من كلام أبي عبيدة أيضًا كسابقه وهو حديث مرفوع أخرجه ابن عدي في الكامل بسند ضعيف من حديث ابن عمر مرفوعًا، وله شاهد من مرسل أبي قلابة قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «البر لا يبلى والإثم لا ينسى، والديان لا يموت، فكن كما شئت كما تدين تدان». رواه عبد الرزاق في مصنفه. وأخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات من طريقه، ومعناه: كما تعمل تجازى، وفي الزهد للإمام أحمد، عن مالك بن دينار موقوفًا مكتوب في التوراة: «
كما تدين تدان وكما تزرع تحصد».
(وقال مجاهد): فيما وصله عبد بن حميد من طريق منصور عنه في قوله: {كلا بل تكذبون بالدين} أي: «بالحساب». ومن طريق ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أيضًا في قوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير مدينين} [الواقعة: 86] بفتح الميم أي: «محاسبين»). [إرشاد الساري: 7/4]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ملك يوم الدّين}.
قال أبو جعفرٍ: القرّاء مختلفون في تلاوة (ملك يوم الدّين)، فبعضهم يتلوه: (ملك يوم الدّين) وبعضهم يتلوه: {مالك يوم الدّين} وبعضهم يتلوه: (مالك يوم الدّين) بنصب الكاف.
وقد استقصينا حكاية الرّواية عمّن روي عنه في ذلك قراءةً في كتاب القراءات، وأخبرنا بالّذي نختار من القراءة فيه، والعلّة الموجبة صحّة ما اخترنا من القراءة فيه، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع، إذ كان الّذي قصدنا له في كتابنا هذا البيان عن وجوه تأويل آي القرآن دون وجوه قراءتها.
ولا خلاف بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب، أنّ الملك من الملك مشتقٌّ، وأنّ المالك من الملك مأخوذٌ. فتأويل قراءة من قرأ ذلك: (ملك يوم الدّين) أنّ للّه الملك يوم الدّين خالصًا دون جميع خلقه الّذين كانوا قبل ذلك في الدّنيا ملوكًا جبابرةً ينازعونه الملك ويدافعونه الانفراد بالكبرياء والعظمة والسّلطان والجبريّة. فأيقنوا بلقاء اللّه يوم الدّين أنّهم الصّغرة الأذلّة، وأنّ له من دونهم ودون غيرهم الملك والكبرياء والعزّة والبهاء، كما قال جلّ ذكره وتقدّست أسماؤه في تنزيله: {يوم هم بارزون لا يخفى على اللّه منهم شيءٌ لمن الملك اليوم للّه الواحد القهّار} فأخبر تعالى، أنّه المنفرد يومئذٍ بالملك دون ملوك الدّنيا الّذين صاروا يوم الدّين من ملكهم إلى ذلّةٍ وصغارٍ، ومن دنياهم في المعاد إلى خسارٍ.
وأمّا تأويل قراءة من قرأ: {مالك يوم الدّين} فما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، عن بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ:
«{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا كملكهم في الدّنيا». ثمّ قال: «{لا يتكلّمون إلاّ من أذن له الرّحمن وقال صوابًا}» وقال: «{وخشعت الأصوات للرّحمن}»، وقال: «{ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى}».
قال أبو جعفرٍ: وأولى التّأويلين بالآية وأصحّ القراءتين في التّلاوة عندي التّأويل الأوّل وقراءة من قرأ ملك بمعنى الملك؛ لأنّ في الإقرار له بالانفراد بالملك إيجابًا لانفراده بالملك وفضيلة زيادة الملك على المالك، إذ كان معلومًا أنّ لا ملك إلاّ وهو مالكٌ، وقد يكون المالك لا ملكًا.
وبعد: فإنّ اللّه جلّ ذكره قد أخبر عباده في الآية الّتي قبل قوله: {مالك يوم الدّين} أنّه مالك جميع العالمين وسيّدهم، ومصلحهم والنّاظر لهم، والرّحيم بهم في الدّنيا والآخرة؛ بقوله: {الحمد للّه ربّ العالمين}، {الرّحمن الرّحيم}. فإذ كان جلّ ذكره قد أنبأهم عن ملكه إيّاهم كذلك بقوله: {ربّ العالمين} فأولى الصّفات من صفاته جلّ ذكره، أن يتبع ذلك ما لم يحوه قوله: {ربّ العالمين * الرّحمن الرّحيم} مع قرب ما بين الآيتين من المواصلة والمجاورة، إذ كانت حكمته الحكمة الّتي لا تشبهها حكمةٌ. وكان في إعادة وصفه جلّ ذكره بأنّه مالك يوم الدّين إعادة ما قد مضى من وصفه به في قوله: {ربّ العالمين} مع تقارب الآيتين وتجاور الصّفتين. وكان في إعادة ذلك تكرار ألفاظٍ مختلفةٍ بمعانٍ متّفقةٍ، لا تفيد سامع ما كرّر منه فائدةً به إليها حاجةٌ. والّذي لم يحوه من صفاته جلّ ذكره ما قبل قوله: {مالك يوم الدّين} المعنى الّذي في قوله: ملك يوم الدّين، وهو وصفه بأنّه الملك.
فبيّن إذًا أنّ أولى القراءتين بالصّواب وأحقّ التّأويلين بالكتاب: قراءة من قرأه: (ملك يوم الدّين)، بمعنى إخلاص الملك له يوم الدّين، دون قراءة من قرأ: {مالك يوم الدّين} بمعنى: أنّه يملك الحكم بينهم وفصل القضاء متفرّدًا به دون سائر خلقه.
فإن ظنّ ظانٍ أنّ قوله: {ربّ العالمين} نبأٌ عن ملكه إيّاهم في الدّنيا دون الآخرة فوجب وصل ذلك بالنّبأ عن نفسه أنّه من قد ملكهم في الآخرة على نحو ملكه إيّاهم في الدّنيا بقوله: {مالك يوم الدّين} فقد أغفل وظنّ خطأً؛ وذلك أنّه لو جاز لظانٍ أن يظنّ أنّ قوله: {ربّ العالمين} محصورٌ معناه على الخبر عن ربوبيّتة عالم الدّنيا دون عالم الآخرة مع عدم الدّلالة على أنّ معنى ذلك كذلك في ظاهر التّنزيل، أو في خبرٍ عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم به منقولٌ، أو بحجّةٍ موجودةٍ في المعقول، جاز لآخر أن يظنّ أنّ ذلك محصورٌ على عالم الزّمان الّذي فيه نزل قوله: {ربّ العالمين} دون سائر ما يحدث بعده في الأزمنة الحادثة من العالمين، إذ كان صحيحًا بما قدّمنا من البيان أنّ عالم كلّ زمانٍ غير عالم الزّمان الّذي بعده.
فإن غبي عن علم صحّة ذلك بما قد قدّمنا ذو غباءٍ، فإنّ في قول اللّه جلّ ثناؤه: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنّبوّة ورزقناهم من الطّيّبات وفضّلناهم على العالمين} دلالةً واضحةً على أنّ عالم كلّ زمانٍ غير عالم الزّمان الّذي كان قبله وعالم الزّمان الّذي بعده. إذ كان اللّه جلّ ثناؤه قد فضّل أمّة نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على سائر الأمم الخالية، وأخبرهم بذلك في قوله: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} الآية. فمعلومٌ بذلك أنّ بني إسرائيل في عصر نبيّنا، لم يكونوا مع تكذيبهم به صلّى اللّه عليه وسلّم أفضل العالمين، بل كان أفضل العالمين في ذلك العصر وبعده إلى قيام السّاعة المؤمنون به المتّبعون منهاجه، دون من سواهم من الأمم المكذّبة الضّالّة عن منهاجه.
وإذ كان بيّنًا فساد تأويل متأوّلٍ لو تأوّل قوله: {ربّ العالمين} أنّه معنيٌّ به: أنّ اللّه ربّ عالمي زمن نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم دون عالمي سائر الأزمنة غيره، كان واضحًا فساد قول من زعم أن تأويله: ربّ عالم الدّنيا دون عالم الآخرة، وأنّ {مالك يوم الدّين} استحقّ الوصل به ليعلم أنّه في الآخرة من ملكهم وربوبيّتهم بمثل الّذي كان عليه في الدّنيا.
ويسأل زاعم ذلك الفرق بينه وبين متحكّمٍ مثله في تأويل قوله: {ربّ العالمين} تحكّم، فقال: أنّه إنّما عني بذلك أنّه ربّ عالمي زمان محمّدٍ دون عالمي غيره من الأزمان الماضية قبله والحادثة بعده، كالّذي زعم قائل هذا القول أنّه عنى به عالمى الدّنيا دون عالمى الآخرة من أصلٍ أو دلالةٍ. فلن يقول في أحدهما شيئًا إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وأمّا الزّاعم أن تأويل قوله: {مالك يوم الدّين} أنّه الّذي يملك إقامة يوم الدّين، فإنّ الّذي ألزمنا قائل هذا القول الّذي قبله له لازمٌ، إذ كانت إقامة القيامة إنّما هي إعادة الخلق الّذين قد بادوا لهيئاتهم الّتي كانوا عليها قبل الهلاك في الدّار الّتي أعدّ اللّه لهم فيها ما أعدّ، وهم العالمون الّذين قد أخبر جلّ ذكره عنهم أنّه ربّهم في قوله: {ربّ العالمين} .
وأمّا تأويل ذلك في قراءة من قرأ: (مالك يوم الدّين) فإنّه أراد: يا مالك يوم الدّين، فنصبه بنيّة النّداء والدّعاء، كما قال جلّ ثناؤه: {يوسف أعرض عن هذا} بتأويل: يا يوسف أعرض عن هذا، وكما قال الشّاعر من بني أسدٍ، وهو شعرٌ فيما يقال جاهليٌّ:

إن كنت أزننتني بها كذبًا.......جزء، فلاقيت مثلها عجلا
يريد: يا جزء. وكما قال الآخر:

كذبتم وبيت اللّه لا تنكحونها.......بني شاب قرناها تصرّ وتحلب
ويريد: يا بني شاب قرناها.
وإنّما أورطه في قراءة ذلك بنصب الكاف من (مالك) على المعنى الّذي وصفت حيرته في توجيه قوله: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} وجهته مع جرّه: {مالك يوم الدّين} وخفضه، فظنّ أنّه لا يصحّ معنى ذلك بعد جرّه: {مالك يوم الدّين} فنصب: {مالك يوم الدّين} ليكون {إيّاك نعبد} له خطابًا، كأنّه أراد: يا مالك يوم الدّين، إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين. ولو كان علم تأويل أوّل السّورة وأنّ {الحمد للّه ربّ العالمين}، أمرٌ من اللّه عبده بقيل ذلك كما ذكرنا قبل من الخبر عن ابن عبّاسٍ: أنّ جبريل قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عن اللّه: قل يا محمّد: {الحمد للّه ربّ العالمين}، {الرّحمن الرّحيم}، {مالك يوم الدّين}، وقل أيضًا يا محمّد: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}، وكان عقل عن العرب أنّ من شأنها إذا حكت أو أمرت بحكاية خبرٍ يتلو القول، أن تخاطب ثمّ تخبر عن غائبٍ، وتخبر عن الغائب ثمّ تعود إلى الخطّاب؛ لما في الحكاية بالقول من معنى الغائب والمخاطب، كقولهم للرّجل: قد قلت لأخيك: لو قمت لقمت، وقد قلت لأخيك: لو قام لقمت؛ لسهل عليه مخرج ما استصعب عليه وجهته من جرّ: {مالك يوم الدّين}.
ومن نظير {مالك يوم الدّين} مجرورًا، ثمّ عوده إلى الخطّاب بـ{إيّاك نعبد} كما ذكرنا قبل، البيت السّائر من شعر أبي كبيرٍ الهذليّ:

يا لهف نفسي كان جدّة خالدٍ.......وبياض وجهك للتّراب الأعفر
فرجع إلى الخطّاب بقوله: وبياض وجهك، بعد ما قد قضى الخبر عن خالدٍ على معنى الخبر عن الغائب.
ومنه قول لبيد بن ربيعة:


باتت تشكّى إليّ النّفس مجهشةً.......وقد حملتك سبعًا بعد سبعينا
فرجع إلى مخاطبة نفسه، وقد تقدّم الخبر عنها على وجه الخبر عن الغائب.
ومنه قول اللّه وهو أصدق قيلٍ وأثبت حجّةٍ: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيبةٍ} فخاطب ثمّ رجع إلى الخبر عن الغائب، ولم يقل: وجرين بكم. والشّواهد من الشّعر وكلام العرب في ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا كفايةٌ لمن وفّق لفهمه.
فقراءة: {مالك يوم الدّين} محظورةٌ غير جائزةٍ، لإجماع جميع الحجّة من القرّاء وعلماء الأمّة على رفض القراءة بها.
القول في تأويل قوله تعالى: {يوم الدّين}
قال أبو جعفرٍ: والدّين في هذا الموضع بتأويل الحساب والمجازاة بالأعمال، كما قال كعب بن جعيلٍ:


إذا ما رمونا رميناهم.......ودنّاهم مثل ما يقرضونا
وكما قال الآخر:

واعلم وأيقن أنّ ملكك زائلٌ.......واعلم بأنّك ما تدين تدان
يعني ما تجزي تجازى.
ومن ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: {كلاّ بل تكذّبون بالدّين} يعني: بالجزاء، {وإنّ عليكم لحافظين} يحصون ما تعملون من الأعمال. وقوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير مدينين} يعني: غير مجزيّين بأعمالكم ولا محاسبين.
وللدّين معانٍ في كلام العرب غير معنى الحساب والجزاء سنذكرها في أماكنها إن شاء اللّه.
وبما قلنا في تأويل قوله: {يوم الدّين} جاءت الآثار عن السّلف من المفسّرين، مع تصحيح الشّواهد لتأويلهم الّذي تأوّلوه في ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {يوم الدّين} قال: «يوم حساب الخلائق هو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ وإنّ شرًّا فشرٌّ، إلاّ من عفا عنه، فالأمر أمره». ثمّ قال: «{ألا له الخلق والأمر}».
- وحدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ القنّاد، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ الهمدانيّ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «{مالك يوم الدّين}: هو يوم الحساب».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {مالك يوم الدّين} قال: «يوم يدين اللّه العباد بأعمالهم»
.
- وحدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {مالك يوم الدّين} قال: «يوم يدان النّاس بالحساب»).
[جامع البيان: 1/ 149-159]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (
{مالك يوم الدّين (4) إيّاك نعبد وإيّاك نستعين (5)}
قوله: {مالك يوم الدّين}
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان عن العلاء، عن أبيه أو غيره، عن أبي هريرة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «قال اللّه تعالى: [كتبت الصّلاة بيني وبين عبدي]، فإذا قال العبد: {مالك يوم الدّين} قال: [فوّض عبدي وأثنى عليّ]».
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ-، ثنا عثمان بن سعيدٍ الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا كملكهم في الدّنيا».
قوله:
{يوم الدّين}
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ به، عن ابن عبّاسٍ في قوله: { يوم الدّين} قال:
«الدّين يوم حساب الخلائق، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ، وإن شر شرا إلا من عفا عنه».
- حدّثنا أبي، ثنا محمود بن غيلان، ثنا سفيان بن عيينة، عن حميدٍ الأعرج في قول اللّه {مالك يوم الدّين} قال: «يوم الجزاء»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /29]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو أحمد محمّد بن إسحاق الصّفّار العدل، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ، عن مرّة الهمدانيّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، وعن أناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {مالك يوم الدّين} قال: «هو يوم الحساب» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2 /284]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (وعن عبد اللّه -يعني ابن مسعودٍ- أنّه قرأ على رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {مالك يوم الدّين} -بالألف-، {غير المغضوب عليهم} خفضٍ، رواه الطّبرانيّ، وفيه الفيّاض بن غزوان وهو ضعيفٌ، وجماعةٌ لم أعرفهم). [مجمع الزوائد: 6 /311]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ملك يوم الدين} وفي قراءة: {مالك يوم الدين}
-أخرج الترمذي، وابن أبي الدنيا، وابن الأنباري كلاهما في كتاب المصاحف عن أم سلمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {مالك يوم الدين} بغير ألف.
-وأخرج ابن الأنباري عن أنس قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل {مالك يوم الدين} بغير ألف».
-وأخرج أحمد في الزهد والترمذي، وابن أبي داود، وابن الأنباري عن أنس: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرؤون {مالك يوم الدين}
بالألف .
-وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي داود في المصاحف من طريق سالم عن أبيه: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرؤون {مالك يوم الدين}
.
-وأخرج وكيع في تفسيره، وعبد بن حميد وأبو داود وابنه "في المصاحف" عن الزهري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقرؤونها {مالك يوم الدين}
وأول من قرأها (ملك يوم الدين) بغير ألف مروان.
-وأخرج ابن أبي داود والخطيب من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والبراء بن عازب قالا: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر
{مالك يوم الدين}».
-وأخرج ابن أبي داود عن ابن شهاب، أنه بلغه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد كانوا يقرؤون {مالك يوم الدين}، قال ابن شهاب: وأول من أحدث (ملك) مروان.
-وأخرج ابن أبي داود، وابن الأنباري عن الزهري، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {مالك يوم الدين} وأبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير، وابن مسعود ومعاذ بن جبل.
-وأخرج ابن أبي داود، وابن الأنباري عن أنس قال:
«صليت خلف النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي كلهم كان يقرأ (ملك يوم الدين)».
-وأخرج ابن أبي داود، وابن أبي مليكة عن بعص أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ
{مالك يوم الدين}.
-وأخرج ابن أبي داود، وابن الأنباري والدارقطني في الأفراد، وابن جميع في معجمه عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ (ملك يوم الدين).
-وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {مالك يوم الدين}.
-وأخرج الطبراني في معجمه الكبير عن ابن مسعود، أنه قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {مالك يوم الدين} بالألف {غير المغضوب عليهم} خفض.
-وأخرج وكيع والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر من طرق عن عمر بن الخطاب، أنه كان يقرأ {مالك يوم الدين} بالألف.
-وأخرج وكيع وسعيد بن منصور عن أبي قلابة أن أبي بن كعب كان يقرأ {مالك يوم الدين}.
-وأخرج وكيع والفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي داود عن أبي هريرة أنه كان يقرؤها {مالك يوم الدين} بالألف.
-وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبيدة أن عبد الله قرأها {مالك يوم الدين}.
-وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود وأناس من الصحابة في قوله {مالك يوم الدين} قال: «هو يوم الحساب».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مالك يوم الدين}:
«يقول: لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكما كملكهم في الدنيا»، وفي قوله {يوم الدين} قال: «يوم حساب الخلائق وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر إلا من عفا عنه».
-وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله {مالك يوم الدين} قال:
«يوم يدين اله العباد بأعمالهم».
-وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضعه في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن أبان زمنه عنكم وقد أمركم الله أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال: {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين} لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزل قوة وبلاغا إلى حين»، قال أبو داود: «حديث غريب إسناده جيد»، أهل المدينة يقرؤون (ملك يوم الدين) وهذا الحديث حجة لهم). [الدر المنثور: 1 /67-73]


رد مع اقتباس