عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 07:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خيرٌ له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور (30) حنفاء للّه غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ (31)}.
يقول تعالى: هذا الّذي أمرنا به من الطّاعات في أداء المناسك، وما لفاعلها من الثّواب الجزيل.
{ومن يعظّم حرمات اللّه} أي: ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها عظيمًا في نفسه، {فهو خيرٌ له عند ربّه} أي: فله على ذلك خيرٌ كثيرٌ وثوابٌ جزيلٌ، فكما على فعل الطّاعات ثوابٌ جزيلٌ وأجرٌ كبيرٌ، وكذلك على ترك المحرّمات و [اجتناب] المحظورات.
قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ في قوله: {ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه} قال: الحرمة: مكّة والحجّ والعمرة، وما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها. وكذا قال ابن زيدٍ.
وقوله: {وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم} أي: أحللنا لكم جميع الأنعام، وما جعل اللّه من بحيرةٍ، ولا سائبةٍ، ولا وصيلةٍ، ولا حامٍ.
وقوله: {إلا ما يتلى عليكم} أي: من تحريم {الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع [إلا ما ذكّيتم]} الآية [المائدة: 3]، قال ذلك ابن جريرٍ، وحكاه عن قتادة.
وقوله: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}: "من" هاهنا لبيان الجنس، أي: اجتنبوا الرّجس الّذي هو الأوثان. وقرن الشّرك باللّه بقول الزّور، كقوله: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تشركوا باللّه ما لم ينزل به سلطانًا وأن تقولوا على اللّه ما لا تعلمون} [الأعراف: 33]، ومنه شهادة الزّور. وفي الصّحيحين عن أبي بكرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قلنا: بلى، يا رسول اللّه. قال: "الإشراك باللّه وعقوق الوالدين -وكان متّكئًا فجلس، فقال:-ألا وقول الزّور، ألا وشهادة الزّور". فما زال يكرّرها، حتّى قلنا: ليته سكت.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا مروان بن معاوية الفزاريّ، أنبأنا سفيان بن زيادٍ، عن فاتك بن فضالة، عن أيمن بن خريمٍ قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطيبًا فقال: "يا أيّها النّاس، عدلت شهادة الزّور إشراكًا باللّه" ثلاثًا، ثمّ قرأ: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور}
وهكذا رواه التّرمذيّ، عن أحمد بن منيعٍ، عن مروان بن معاوية، به ثمّ قال: "غريبٌ، إنّما نعرفه من حديث سفيان بن زيادٍ. وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث، ولا نعرف لأيمن بن خريمٍ سماعًا من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم".
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، حدّثنا سفيان العصفريّ، عن أبيه، عن حبيب ابن النّعمان الأسديّ، عن خريم بن فاتكٍ الأسديّ قال: صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الصّبح، فلمّا انصرف قام قائمًا فقال: "عدلت شهادة الزّور الإشراك باللّه، عزّ وجلّ"، ثمّ تلا هذه الآية: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور حنفاء للّه غير مشركين به}.
وقال سفيان الثّوريّ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن وائل بن ربيعة، عن ابن مسعودٍ أنّه قال: تعدل شهادة الزّور بالشّرك باللّه، ثمّ قرأ هذه الآية). [تفسير ابن كثير: 5/ 419-420]

تفسير قوله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {حنفاء للّه} أي: مخلصين له الدّين، منحرفين عن الباطل قصدًا إلى الحقّ؛ ولهذا قال {غير مشركين به}
ثمّ ضرب للمشرك مثلًا في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى فقال: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} أي: سقط منها، {فتخطفه الطّير}، أي: تقطعه الطّيور في الهواء، {أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ} أي: بعيدٍ مهلكٍ لمن هوى فيه؛ ولهذا جاء في حديث البراء: "إنّ الكافر إذا توفّته ملائكة الموت، وصعدوا بروحه إلى السّماء، فلا تفتح له أبواب السّماء، بل تطرح روحه طرحًا من هناك". ثمّ قرأ هذه الآية، وقد تقدّم الحديث في سورة "إبراهيم" بحروفه وألفاظه وطرقه.
وقد ضرب [اللّه] تعالى للمشرك مثلًا آخر في سورة "الأنعام"، وهو قوله: {قل أندعو من دون اللّه ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه كالّذي استهوته الشّياطين في الأرض حيران له أصحابٌ يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إنّ هدى اللّه هو الهدى [وأمرنا لنسلم لربّ العالمين]} [الأنعام: 71] ). [تفسير ابن كثير: 5/ 420]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب (32) لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق (33)}.
يقول تعالى: هذا {ومن يعظّم شعائر اللّه} أي: أوامره، {فإنّها من تقوى القلوب} ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ: تعظيمها: استسمانها واستحسانها.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيد الأشج، حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن ابن أبي ليلى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه} قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام.
وقال أبو أمامة بن سهلٍ: كنّا نسمّن الأضحيّة بالمدينة، وكان المسلمون يسمّنون. رواه البخاريّ.
وعن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "دم عفراء أحبّ إلى اللّه من دم سوداوين". رواه أحمد، وابن ماجه.
قالوا: والعفراء هي البيضاء بياضًا ليس بناصعٍ، فالبيضاء أفضل من غيرها، وغيرها يجزئ أيضًا؛ لما ثبت في صحيح البخاريّ، عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحّى بكبشين أملحين أقرنين.
وعن أبي سعيدٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحّى بكبشٍ أقرن فحيل يأكل في سوادٍ، وينظر في سوادٍ، ويمشي في سوادٍ.
رواه أهل السّنن، وصحّحه التّرمذيّ، أي: بكبشٍ أسود في هذه الأماكن.
وفي سنن ابن ماجه، عن أبي رافعٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضحّى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين. قيل: هما الخصيان. وقيل: اللّذان رضّ خصياهما، ولم يقطعهما، واللّه أعلم.
وكذا روى أبو داود وابن ماجه عن جابرٍ: ضحّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بكبشين أقرنين أملحين موجوءين [والموجوءين قيل: هما الخصيين] .
وعن عليٍّ رضي اللّه عنه، قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن نستشرف العين والأذن، وألّا نضحّي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء.
رواه أحمد، وأهل السّنن، وصحّحه التّرمذيّ.
ولهم عنه، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن نضحي بأعضب القرن والأذن.
وقال سعيد بن المسيّب: العضب: النصف فأكثر.
وقال بعض أهل اللّغة: إن كسر قرنها الأعلى فهي قصماء، فأمّا العضب فهو كسر الأسفل، وعضب الأذن قطع بعضها.
وعند الشّافعيّ أنّ التّضحية بذلك مجزئةٌ، لكن تكره.
وقال [الإمام] أحمد: لا تجزئ الأضحيّة بأعضب القرن والأذن؛ لهذا الحديث.
وقال مالكٌ: إن كان الدّم يسيل من القرن لم يجزئ، وإلّا أجزأ، واللّه أعلم.
وأمّا المقابلة: فهي الّتي قطع مقدّم أذنها، والمدابرة: من مؤخّر أذنها. والشّرقاء: هي الّتي قطعت أذنها طولًا قاله الشّافعيّ. والخرقاء: هي الّتي خرقت السّمة أذنها خرقًا مدوّرًا، واللّه أعلم.
وعن البراء قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ظلعها، والكسيرة الّتي لا تنقي".
رواه أحمد، وأهل السّنن، وصحّحه التّرمذيّ.
وهذه العيوب تنقص اللّحم، لضعفها وعجزها عن استكمال الرّعي؛ لأنّ الشّاء يسبقونها إلى المرعى، فلهذا لا تجزئ التّضحية بها عند الشّافعيّ وغيره من الأئمّة، كما هو ظاهر الحديث.
واختلف قول الشّافعيّ في المريضة مرضًا يسيرًا، على قولين.
وروى أبو داود، عن عتبة بن عبدٍ السّلمي؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء، والمشيّعة، والكسراء .
فالمصفرّة قيل: الهزيلة. وقيل: المستأصلة الأذن. والمستأصلة: المكسورة القرن. والبخقاء: هي العوراء. والمشيّعة: هي الّتي لا تزال تشيّع خلف الغنم، ولا تتبع لضعفها. والكسراء: العرجاء.
فهذه العيوب كلّها مانعةٌ [من الإجزاء، فإن طرأ العيب] بعد تعيين الأضحيّة فإنّه لا يضرّ عيبه عند الشّافعيّ خلافًا لأبي حنيفة.
وقد روى الإمام أحمد، عن أبي سعيدٍ قال: اشتريت كبشًا أضحّي به، فعدا الذّئب فأخذ الألية. فسألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: "ضحّ به" ولهذا [جاء] في الحديث: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نستشرف العين والأذن. أي: أن تكون الهدية أو الأضحيّة سمينةً حسنةً ثمينةً، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود، عن عبد اللّه بن عمر قال: أهدى عمر نجيبًا، فأعطي بها ثلاثمائة دينارٍ، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّي أهديت نجيبًا، فأعطيت بها ثلاثمائة دينارٍ، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنًا؟ قال: "لا انحرها إيّاها".
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: البدن من شعائر اللّه.
وقال محمّد بن أبي موسى: الوقوف ومزدلفة والجمار والرّمي والبدن والحلق: من شعائر اللّه.
وقال ابن عمر: أعظم الشّعائر البيت). [تفسير ابن كثير: 5/ 420-423]

تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قوله: {لكم فيها منافع} أي: لكم في البدن منافع، من لبنها، وصوفها وأوبارها وأشعارها، وركوبها.
{إلى أجلٍ مسمًّى}: قال مقسم، عن ابن عبّاسٍ [في قوله]: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى} قال: ما لم يسمّ بدنًا.
وقال مجاهدٌ في قوله: {لكم فيها منافع إلى أجلٍ مسمًّى}، قال: الرّكوب واللّبن والولد، فإذا سمّيت بدنةً أو هديًا، ذهب ذلك كلّه. وكذا قال عطاءٌ، والضّحّاك، وقتادة، [ومقاتلٌ] وعطاءٌ الخراسانيّ، وغيرهم.
وقال آخرون: بل له أن ينتفع بها وإن كانت هديًا، إذا احتاج إلى ذلك، كما ثبت في الصّحيحين عن أنسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا يسوق بدنةً، قال: "اركبها". قال: إنّها بدنة. قال: "اركبها، ويحك"، في الثّانية أو الثّالثة.
وفي روايةٍ لمسلمٍ، عن جابرٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها".
وقال شعبة، عن زهير بن أبي ثابتٍ الأعمى، عن المغيرة بن حذف، عن عليٍّ؛ أنّه رأى رجلًا يسوق بدنةً ومعها ولدها، فقال: لا تشرب من لبنها إلّا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم النّحر فاذبحها وولدها.
وقوله: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} أي: محل الهدي وانتهاؤه إلى البيت العتيق، وهو الكعبة، كما قال تعالى: {هديًا بالغ الكعبة} [المائدة: 95]، وقال {والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه} [الفتح: 25].
وقد تقدّم الكلام على معنى "البيت العتيق" قريبًا، وللّه الحمد.
وقال ابن جريج، عن عطاءٍ: كان ابن عبّاسٍ يقول: كلّ من طاف بالبيت، فقد حلّ، قال اللّه تعالى: {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} ). [تفسير ابن كثير: 5/ 423]

رد مع اقتباس