عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:06 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قول الله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتب وحكمة قال أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا ثم قال ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم أن يؤمنوا لمحمد ويصدقوه). [تفسير عبد الرزاق: 1/124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واذكروا يا أهل الكتاب إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين، يعني حين أخذ اللّه ميثاق النّبيّين، وميثاقهم: ما وثّقوا به على أنفسهم طاعة اللّه فيما أمرهم ونهاهم.
وقد بيّنّا أصل الميثاق باختلاف أهل التّأويل فيه بما فيه الكفاية.
{لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق؛ {لما آتيتكم} بفتح اللاّم من لما، إلاّ أنّهم اختلفوا في قراءة آتيتكم فقرأه بعضهم {آتيتكم} على التّوحيد، وقرأه آخرون: (آتيناكم) على الجمع.
ثمّ اختلف أهل العربيّة إذا قرئ ذلك كذلك فقال بعض نحويّي البصرة: اللاّم الّتي مع ما في أوّل الكلام لام الابتداء، نحو قول القائل: لزيدٌ أفضل منك، لأنّ ما اسمٌ، والّذي بعدها صلةٌ لها، واللاّم الّتي في: {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} لام القسم، كأنّه قال: واللّه لتؤمننّ به يؤكّد في أوّل الكلام وفي آخره، كما يقال: أما واللّه أن لو جئتني لكان كذا وكذا، وقد يستغنى عنها فيؤكّد في لتؤمننّ به باللاّم في آخر الكلام، وقد يستغنى عنها، ويجعل خبر ما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ، لتؤمننّ به، مثل: لعبد اللّه واللّه لا آتينّه، قال: وإن شئت جعلت خبر ما من كتابٍ يريد: لما آتيتكم كتابًا وحكمةً، وتكون من زائدةً.
وخطّأ بعض نحويّي الكوفيّين ذلك كلّه، وقال: اللاّم الّتي تدخل في أوائل الجزاء تجاب بما ولا لا فلا يقال لمن قام: لا تتبعه، ولا لمن قام: ما أحسن، فإذا وقع في جوابها ما ولا علم أنّ اللاّم ليست بتوكيدٍ للأولى؛ لأنّه يوضع موضعها ما ولا، فتكون كالأولى، وهي جوابٌ للأولى، قال: وأمّا قوله: {لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} بمعنى إسقاط من غلطٌ؛ لأنّ من الّتي تدخل وتخرج لا تقع مواقع الأسماء، قال: ولا تقع في الخبر أيضًا، إنّما تقع في الجحد والاستفهام والجزاء.
وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية على قراءة من قرأ ذلك بفتح اللاّم بالصّواب أن يكون قوله: {لما} بمعنى: لمهما، وأن تكون ما حرف جزاءٍ أدخلت عليها اللاّم، وصيّر الفعل معها على فعل ثمّ أجيبت بما تجاب به الأيمان، فصارت اللاّم الأولى يمينًا إذ تلقّيت بجواب اليمين.
وقرأ ذلك آخرون: (لما آتيتكم) بكسر اللام من لما، وذلك قراءة جماعةٍ من أهل الكوفة
ثمّ اختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله، فقال بعضهم: معناه إذا قرئ كذلك: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين للّذي آتيتكم، فما على هذه القراءة بمعنى: الّذي عندهم. وكان تأويل الكلام: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين من أجل الّذي آتاهم من كتابٍ وحكمةٍ، ثمّ جاءكم رسولٌ: يعني: ثمّ إن جاءكم رسولٌ، يعني ذكر محمّدٍ في التّوراة، لتؤمننّ به، أي ليكوننّ إيمانكم به للّذي عندكم في التّوراة من ذكره.
وقال آخرون منهم: تأويل ذلك إذا قرئ بكسر اللاّم من لما، وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين للّذي آتاهم من الحكمة، ثمّ جعل قوله: لتؤمننّ به من الأخذ، أخذ الميثاق، كما يقال في الكلام: أخذت ميثاقك لتفعلنّ لأنّ أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف، فكان تأويل الكلام عند قائل هذا القول: وإذا استحلف اللّه النّبيّين للّذي آتاهم من كتابٍ وحكمةٍ، متى جاءهم رسولٌ مصدّقٌ لما معهم ليؤمننّ به ولينصرنّه.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب قراءة من قرأ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم} بفتح اللاّم، لأنّ اللّه عزّ وجلّ أخذ ميثاق جميع الأنبياء بتصديق كلّ رسولٍ له ابتعثه إلى خلقه فيما ابتعثه به إليهم، كان ممّن آتاه كتابًا، أو من لم يؤته كتابًا، وذلك أنّه غير جائزٍ وصف أحدٍ من أنبياء اللّه عزّ وجلّ ورسله، بأنّه كان ممّن أبيح له التّكذيب بأحدٍ من رسله، فإذا كان ذلك كذلك، وكان معلومًا أنّ منهم من أنزل عليه الكتاب، وأنّ منهم من لم ينزل عليه الكتاب، كان بيّنًّا أنّ قراءة من قرأ ذلك: (لما آتيتكم) بكسر اللاّم، بمعنى: من أجل الّذي آتيتكم من كتابٍ، لا وجه له مفهومٌ إلاّ على تأويلٍ بعيدٍ، وانتزاعٍ عميقٍ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رسل اللّه مصدّقًا لما معه، فقال بعضهم: إنّما أخذ اللّه بذلك ميثاق أهل الكتاب، دون أنبيائهم، واستشهدوا لصحّة قولهم بذلك بقوله: {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} قالوا: فإنّما أمر الّذين أرسلت إليهم الرّسل من الأمم بالإيمان برسل اللّه، ونصرتها على من خالفها، وأمّا الرّسل فإنّه لا وجه لأمرها بنصرة أحدٍ؛ لأنّها المحتاجة إلى المعونة على من خالفها من كفرة بني آدم، فأمّا هي فإنّها لا تعين الكفرة على كفرها ولا تنصرها، قالوا: وإذا لم يكن غيرها وغير الأمم الكافرة، فمن الّذي ينصر النّبيّ، فيؤخذ ميثاقه بنصرته؟.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} قال: هي خطأٌ من الكاتب، وهي في قراءة ابن مسعودٍ: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين} يقول: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب، وكذلك كان يقرؤها الرّبيع: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب، إنّما هي أهل الكتاب، قال: وكذلك كان يقرؤها أبيّ بن كعبٍ، قال الرّبيع: ألا ترى أنّه يقول: {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه} يقول.: لتؤمننّ بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولتنصرنّه، قال: هم أهل الكتاب
وقال آخرون: بل الّذين أخذ ميثاقهم بذلك الأنبياء دون أممها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، وأحمد بن حازمٍ، قالا: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن حبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّما أخذ اللّه ميثاق النّبيّين على قومهم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين} أن يصدّق بعضهم بعضًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم} الآية، قال: أخذ اللّه ميثاق الأوّل من الأنبياء ليصدّقنّ وليؤمننّ بما جاء به الآخر منهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: لم يبعث اللّه عزّ وجلّ نبيًّا، آدم فمن بعده، إلاّ أخذ عليه العهد في محمّدٍ: لئن بعث وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنّه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، فقال: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ} الآية، هذا ميثاقٌ أخذه اللّه على النّبيّين أن يصدّق بعضهم بعضًا، وأن يبلّغوا كتاب اللّه ورسالاته، فبلّغت الأنبياء كتاب اللّه ورسالاته إلى قومهم، وأخذ عليهم فيما بلّغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ويصدّقوه وينصروه.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} الآية قال: لم يبعث اللّه عزّ وجلّ نبيًّا قطّ من لدن نوحٍ إلاّ أخذ ميثاقه: ليؤمننّ بمحمّدٍ، ولينصرنّه إن خرج وهو حيّ، وإلاّ أخذ على قومه أن يؤمنوا به، ولينصرنّه إن خرج وهم أحياءٌ.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا عبد الكبير بن عبد المجيد أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن، عن قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} الآية كلّها، قال: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين: ليبلغنّ آخركم أوّلكم ولا تختلفوا
وقال آخرون: معنى ذلك أنّه ميثاق النّبيّين وأممهم، فاجتزأ بذكر الأنبياء عن ذكر أممها؛ لأنّ في ذكر أخذ الميثاق على المتبوع دلالةً على أخذه على التّبّاع؛ لأنّ الأمم هم تبّاع الأنبياء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ثمّ ذكر ما أخذ عليهم، يعني على أهل الكتاب، وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه، يعني بتصديق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا جاءهم، وإقرارهم به على أنفسهم، فقال: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} إلى آخر الآية.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٌ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ مثله.
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: الخبر عن أخذ اللّه الميثاق من أنبيائه بتصديق بعضهم بعضًا، وأخذ الأنبياء على أممها، وتبّاعها الميثاق بنحو الّذي أخذ عليها ربّها من تصديق أنبياء اللّه ورسله بما جاءتها به؛ لأنّ الأنبياء عليهم السّلام بذلك أرسلت إلى أممها، ولم يدّع أحدٌ ممّن صدّق المرسلين أنّ نبيًّا أرسل إلى أمّةٍ بتكذيب أحدٍ من أنبياء اللّه عزّ وجلّ، وحججه في عباده، بل كلّها وإن كذّب بعض الأمم بعض أنبياء اللّه بجحودها نبوّته مقرٌّ بأنّ من ثبتت صحّة نبوّته، فعليها الدّينونة بتصديقه فذلك ميثاقٌ مقرٌّ به جميعهم، ولا معنى لقول من زعم أنّ الميثاق إنّما أخذ على الأمم دون الأنبياء، لأنّ اللّه عزّ وجلّ، قد أخبر أنّه أخذ ذلك من النّبيّين، فسواءٌ قال قائلٌ: لم يأخذ ذلك منها ربّها، أو قال: لم يأمرها ببلاغ ما أرسلت، وقد نصّ اللّه عزّ وجلّ أنّه أمرها بتبليغه؛ لأنّهما جميعًا خبران من اللّه عنها، أحدهما أنّه أخذ منها، والآخر منهما أنّه أمرها، فإن جاز الشّكّ في أحدهما جاز في الآخر. وأمّا ما استشهد به الرّبيع بن أنسٍ على أنّ المعنيّ بذلك أهل الكتاب من قوله: {لتؤمننّ به ولتنصرنّه} فإنّ ذلك غير شاهدٍ على صحّة ما قال؛ لأنّ الأنبياء قد أمر بعضها بتصديق بعضٍ، وتصديق بعضها بعضًا، نصرةٌ من بعضها بعضًا.
تمّ اختلفوا في الّذين عنوا بقوله: {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه} فقال بعضهم: الّذين عنوا بذلك هم الأنبياء، أخذت مواثيقهم أن يصدّق بعضهم بعضًا وأن ينصروه، وقد ذكرنا الرّواية بذلك عمّن قاله.
وقال آخرون: هم أهل الكتاب أمروا بتصديق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعثه اللّه وبنصرته، وأخذ ميثاقهم في كتبهم بذلك، وقد ذكرنا الرّواية بذلك أيضًا عمّن قاله.
وقال آخرون ممّن قال الّذين عنوا بأخذ اللّه ميثاقهم منهم في هذه الآية هم الأنبياء، قوله: {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم} معنيّ به أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرنا ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ} قال: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين: أن يصدّق بعضهم بعضًا، ثمّ قال: {ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه} قال: فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ اللّه ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمّدٍ ويصدّقوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثني ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قال: قال قتادة: أخذ اللّه على النّبيّين ميثاقهم أن يصدّق بعضهم بعضًا، وأن يبلّغوا كتاب اللّه ورسالته إلى عباده، فبلّغت الأنبياء كتاب اللّه ورسالاته إلى قومهم، وأخذوا مواثيق أهل الكتاب في كتابهم، فيما بلّغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ويصدّقوه وينصروه
وأولى الأقوال بالصّواب عندنا في تأويل هذه الآية: أنّ جميع ذلك خبرٌ من اللّه عزّ وجلّ عن أنبيائه أنّه أخذ ميثاقهم به، وألزمهم دعاء أممهم إليه والإقرار به؛ لأنّ ابتداء الآية خبرٌ من اللّه عزّ وجلّ عن أنبيائه أنّه أخذ ميثاقهم، ثمّ وصف الّذي أخذ به ميثاقهم، فقال: هو كذا وهو كذا.
وإنّما قلنا إنّ ما أخبر اللّه أنّه أخذ به مواثيق أنبيائه من ذلك، قد أخذت الأنبياء مواثيق أممها به؛ لأنّها أرسلت لتدعو عباد اللّه إلى الدّينونة، بما أمرت بالدّينونة به في أنفسها من تصديق رسل اللّه على ما قدّمنا البيان قبل.
فتأويل الآية: واذكروا يا معشر أهل الكتاب إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لمهما آتيتكم أيّها النّبيّون من كتابٍ وحكمةٍ، ثمّ جاءكم رسولٌ من عندي مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به، يقول: لتصدّقنّه ولتنصرنّه.
وقد قال السّدّيّ في ذلك بما:
- حدّثنا به محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {لما آتيتكم} يقول لليهود: أخذت ميثاق النّبيّين بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو الّذي ذكر في الكتاب عندكم.
فتأويل ذلك على قول السّدّيّ الّذي ذكرناه: واذكروا يا معشر أهل الكتاب، إذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم أيّها اليهود من كتابٍ وحكمةٍ، وهذا الّذي قاله السّدّيّ كان تأويلاً لا وجه غيره لو كان التّنزيل بما آتيتكم، ولكنّ التّنزيل باللاّم لما آتيتكم وغير جائزٍ في لغة أحدٍ من العرب أن يقال: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم، بمعنى: بما آتيتكم). [جامع البيان: 5/535-545]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين بما ذكر، فقال لهم تعالى ذكره: أأقررتم بالميثاق الّذي واثقتموني عليه من أنّكم مهما أتاكم رسولٌ من عندي، مصدّقٌ لما معكم، لتؤمننّ به ولتنصرنّه {وأخذتم على ذلكم إصري} يقول: وأخذتم على ما واثقتموني عليه من الإيمان بالرّسل الّتي تأتيكم بتصديق ما معكم من عندي، والقيام بنصرتهم إصري، يعني عهدي ووصيّتي، وقبلتم في ذلك منّي ورضيتموه.
والأخذ: هو القبول في هذا الموضع، والرّضا من قولهم: أخذ الوالي عليه البيعة، بمعنى: بايعه، وقبل ولايته، ورضي بها.
وقد بيّنّا معنى الإصر باختلاف المختلفين فيه، والصّحيح من القول في ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وحذفت الفاء من قوله: {قال أأقررتم} لأنّه ابتداء كلامٍ على نحو ما قد بيّنّا في نظائره فيما مضى.
وأمّا قوله: {قالوا أقررنا} فإنّه يعني به: قال النّبيّون الّذين أخذ اللّه ميثاقهم بما ذكر في هذه الآية: أقررنا بما ألزمتنا من الإيمان برسلك الّذين ترسلهم مصدّقين لما معنا من كتبك وبنصرتهم). [جامع البيان: 5/545-546]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه، قال اللّه: فاشهدوا أيّها النّبيّون بما أخذت به ميثاقكم من الإيمان بتصديق رسلي الّتي تأتيكم بتصديق ما معكم من الكتاب والحكمة، ونصرتهم على أنفسكم، وعلى أتباعكم من الأمم إذ أنتم أخذتم ميثاقهم على ذلك، وأنا معكم من الشّاهدين عليكم وعليهم بذلك.
- كما: حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليّ بن أبي طالبٍ، في قوله: {قال فاشهدوا} يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك {وأنا معكم من الشّاهدين} عليكم وعليهم). [جامع البيان: 5/546]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين قال: إنّما أخذ ميثاق النّبيّين على قومهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين قال: أخذ اللّه ميثاق النّبيّين أن يصدّق بعضهم بعضًا.
قوله تعالى: لما آتيتكم من كتاب وحكمة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ قال: ما آتيتكم فيقول اليهود: أخذت ميثاق النّاس لمحمّدٍ وهو الّذي ذكر في الكتاب عندكم.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ، أخبرنا محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه يعني قوله: ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم قال: أخذ ميثاق أهل الكتاب لئن جاءهم رسولٌ مصدّقٌ بكتبهم الّتي عندهم الّتي جاء بها الأنبياء ليؤمننّ به ولينصرنّه، فأقرّوا بذلك، وأشهدوا اللّه على أنفسهم فلمّا جاءهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم صدّق بكتبهم الأنبياء الّتي كانت قبله فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون
قوله تعالى: ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال: لم يبعث نبيٌّ قطّ من لدن نوحٍ إلا أخذ اللّه ميثاقه ليؤمننّ بمحمّدٍ ولينصرنّه إن خرج وهو حيٌّ والأخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصرونه إن خرج وهم أحياءٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن ابن طاوسٍ عن أبيه: ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال: فهذه الآية لأهل الكتاب أخذ اللّه ميثاقهم أن يؤمنوا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ويصدّقوه.
قوله تعالى: قال أأقررتم
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الربيع قال أأقررتم قال: هم أهل الكتاب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق قال: قال محمّد بن أبي محمّدٍ قال: ثمّ ذكر ما أخذ عليهم وعلى أنبيائهم الميثاق بتصديقه إذا هو جاءهم وإقرارهم على أنفسهم فقال: وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، حدّثني أبي، عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: وأخذتم على ذلكم إصري عهدي.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة، حدّثني محمّد بن إسحاق قوله: أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري أي ثقل ما حمّلتم من عهدي.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ وقتادة قالوا: عهدي.
قوله تعالى: أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قوله: قالوا أقررنا. قال: فاشهدوا وأنا معكم من الشّاهدين قال: هم أهل الكتاب). [تفسير القرآن العظيم: 2/693-695]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة قال هذا خطأ من الكتاب وهي في قراءة ابن مسعود وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم). [تفسير مجاهد: 130]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 81 - 82.
أخرج عبد بن حميد والفريابي، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} قال: هي خطأ من الكتاب، وهي قراءة ابن مسعود {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب}.
وأخرج ابن جرير عن الربيع أنه قرأ {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} قال: وكذلك كان يقرؤها أبي كعب بن كعب، قال الربيع: ألا ترى أنه يقول {ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} يقول: لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولتنصرنه، قال: هم أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن أصحاب عبد الله يقرؤون (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لما آتيتكم من كتاب وحكمة) ونحن نقرأ {ميثاق النبيين} فقال ابن عباس: إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن طاووس في الآية قال: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من وجه آخر، عن طاووس في الآية قال: أخذ الله ميثاق الأول من الأنبياء ليصدقن وليؤمنن بما جاء به الآخر منهم.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لم يبعث الله نبيا
آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأمره فيأخذ العهد على قومه، ثم تلا {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: هذا ميثاق أخذه الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضا وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته فبلغت الأنبياء كتاب الله ورسالاته إلى قومهم وأخذ عليهم فيما بلغتهم رسلهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: لم يبعث الله نبيا قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه، ليؤمنن بمحمد ولينصرنه إن خرج وهو حي وإلا أخذ على قومه أن يؤمنوا به وينصروه إن خرج وهم أحياء.
وأخرج ابن جريج عن الحسن في الآية قال: أخذ الله ميثاق النبيين ليبلغن آخركم أولكم ولا تختلفوا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: ثم ذكر ما أخذ عليهم - يعني على أهل الكتاب - وعلى أنبيائهم من الميثاق بتصديقه - يعني بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم - إذ جاءهم وإقرارهم به على أنفسهم، واخرج أحمد عن عبد الله بن ثابت قال: جاء عمر إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين
وأخرج أبو يعلى، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إنكم إما أن تصدقوا بباطل وإما أن تكذبوا بحق وإنه - والله - لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ {لما آتيتكم} ثقل لما.
وأخرج عن عاصم أنه قرأ {لما} مخففة {آتيتكم} بالتاء على واحدة يعني أعطيتكم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {إصري} قال: عهدي.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {قال فاشهدوا} يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك {وأنا معكم من الشاهدين} عليكم وعليهم {فمن تولى} عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم {فأولئك هم الفاسقون} هم العاصون في الكفر). [الدر المنثور: 3/646-649]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فمن أعرض عن الإيمان برسلي الّذين أرسلتهم بتصديق ما كان مع أنبيائي من الكتب والحكمة، وعن نصرتهم، فأدبر ولم يؤمن بذلك ولم ينصر، ونكث عهده وميثاقه بعد ذلك، يعني بعد العهد والميثاق الّذي أخذه اللّه عليه، فأولئك هم الفاسقون: يعني بذلك أنّ المتولّين عن الإيمان بالرّسل الّذين وصف الله أمرهم ونصرتهم بعد العهد والميثاق اللّذين أخذا عليهم بذلك، هم الفاسقون، يعني بذلك الخارجين من دين اللّه، وطاعة ربّهم.
- كما: حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن أبي روقٍ، عن أبي أيّوب، عن عليّ بن أبي طالبٍ: فمن تولّى عنك يا محمّد بعد هذا العهد من جميع الأمم، فأولئك هم الفاسقون، هم العاصون في الكفر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، قال أبو جعفرٍ يعني الرّازيّ: {فمن تولّى بعد ذلك} يقول: بعد العهد والميثاق الّذي أخذ عليهم، فأولئك هم الفاسقون
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
وهاتان الآيتان وإن كان مخرج الخبر فيهما من اللّه عزّ وجلّ بما أخبر أنّه شهد، وأخذ به ميثاق من أخذ ميثاقه به عن أنبيائه ورسله، فإنّه مقصودٌ به إخبار من كان حوالي مهاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من يهود بني إسرائيل أيّام حياته صلّى اللّه عليه وسلّم، عمّا للّه عليهم من العهد في الإيمان بنبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعنى تذكيرهم ما كان اللّه آخذًا على آبائهم وأسلافهم من المواثيق والعهود، وما كانت أنبياء اللّه عرّفتهم وتقدّمت إليهم في تصديقه واتّباعه ونصرته على من خالفه وكذّبه، وتعريفهم ما في كتب اللّه الّتي أنزلها إلى أنبيائه الّتي ابتعثهم إليهم من صفته وعلامته). [جامع البيان: 5/546-547]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (82) أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون (83)
قوله تعالى: فمن تولّى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: فمن تولّى بعد ذلك يقول هذا الميثاق الّذي أخذ عليهم فأولئك هم الفاسقون). [تفسير القرآن العظيم: 2/695-697]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 81 - 82.
...
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله {قال فاشهدوا} يقول: فاشهدوا على أممكم بذلك {وأنا معكم من الشاهدين} عليكم وعليهم {فمن تولى} عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم {فأولئك هم الفاسقون} هم العاصون في الكفر). [الدر المنثور: 3/646-649] (م)

تفسير قوله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (قال لي يعقوب: وسألت زيد بن أسلم عن قول الله: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها}، قال: أطاعوه فيما أحبوا أو كرهوا كما قال للسماء والأرض: {ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين). [الجامع في علوم القرآن: 2/124]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها قال أما المؤمن فأسلم طوعا وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله قال فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا). [تفسير عبد الرزاق: 1/125]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ وغيره عن مجاهدٍ في قوله: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها} قال: هي كقوله: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الآية: 83]). [تفسير الثوري: 78]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: كان طاوسٌ إذا سئل عن الرّجل يفضّل بعض ولده، قرأ: {أفحكم الجاهليّة يبغون} ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1062]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا معتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله تعالى: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع المؤمن). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 434]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً} قال: سجود المسلم ظلّه وروحه طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ. ومن يبتغ غير الإسلام ديناً). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 75]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز من مكّة والمدينة وقرّاء الكوفة: (أفغير دين اللّه تبغون)، (وإليه ترجعون)، على وجه الخطّاب. وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز: {أفغير دين اللّه يبغون}، {وإليه يرجعون} بالياء كلتيهما على وجه الخبر عن الغائب، وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: {أفغير دين اللّه يبغون} على وجه الخبر عن الغائب، وإليه ترجعون بالتّاء على وجه المخاطبة.
وأولى ذلك بالصّواب قراءة من قرأ: (أفغير دين اللّه تبغون) على وجه الخطّاب (وإليه ترجعون) بالتّاء، لأنّ الآية الّتي قبلها خطابٌ لهم، فإتباع الخطّاب نظيره أولى من صرف الكلام إلى غير نظيره، وإن كان الوجه الآخر جائزًا لما قد ذكرنا فيما مضى قبل من أنّ الحكاية يخرج الكلام معها أحيانًا على الخطاب كلّه، وأحيانًا على وجه الخبر عن الغائب، وأحيانًا بعضه على الخطاب، وبعضه على الغيبة، فقوله: (تبغون)، (وإليه ترجعون) في هذه الآية من ذلك.
وتأويل الكلام: يا معشر أهل الكتاب: (أفغير دين اللّه تبغون) يقول: أفغير طاعة اللّه تلتمسون وتريدون {وله أسلم من في السّموات والأرض} يقول: وله خشع من في السّموات والأرض، فخضع له بالعبوديّة وأقرّ له بإفراد الرّبوبيّة، وانقاد له بإخلاص التّوحيد والألوهيّة {طوعًا وكرهًا} يقول: أسلم للّه طائعًا من كان إسلامه منهم له طائعًا، وذلك كالملائكة والأنبياء والمرسلين، فإنّهم أسلموا للّه طائعين، وكرهًا من كان منهم كارهًا.
واختلف أهل التّأويل في معنى إسلام الكاره الإسلام. وصفته، فقال بعضهم: إسلامه: إقراره بأنّ اللّه خالقه وربّه، وإن أشرك معه في العبادة غيره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض} قال: هو كقوله: {ولئن سألتهم من خلق السّموات والأرض ليقولنّ اللّه}
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} قال: كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله العبوديّة فهو الّذي أسلم طوعًا.
وقال آخرون: بل إسلام الكاره منهم كان حين أخذ منه الميثاق، فأقرّ به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: حين أخذ الميثاق
وقال آخرون: عنى بإسلام الكاره منهم سجود ظلّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: الطّائع: المؤمن، وكرهًا: ظلّ الكافر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {طوعًا وكرهًا} قال: سجود المؤمن طائعًا، وسجود الكافر وهو كارهٌ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كرهًا} قال: سجود المؤمن طائعًا، وسجود ظلّ الكافر وهو كارهٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: سجود وجهه وظلّه طائعًا
وقال آخرون: بل إسلامه بقلبه في مشيئة اللّه واستقادته لأمره، وإن أنكر ألوهته بلسانه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عامرٍ: {وله أسلم من في السّموات والأرض} قال: استقاد كلّهم له
وقال آخرون: عنى بذلك إسلام من أسلم من النّاس كرهًا حذر السّيف على نفسه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} الآية كلّها، فقال: أكره أقوامٌ على الإسلام، وجاء أقوامٌ طائعين.
- حدّثني الحسن بن قزعة الباهليّ، قال: حدّثنا روح بن عطاءٍ، عن مطرٍ الورّاق، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون} قال: الملائكة طوعًا، والأنصار طوعًا، وبنو سليمٍ وعبد القيس طوعًا، والنّاس كلّهم كرهًا.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّ أهل الإيمان أسلموا طوعًا، وأنّ الكافر أسلم في حال المعاينة حين لا ينفعه إسلامٌ كرهًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (أفغير دين اللّه تبغون) الآية، فأمّا المؤمن فأسلم طائعًا، فنفعه ذلك، وقبل منه؛ وأمّا الكافر فأسلم كارهًا، حين لا ينفعه ذلك، ولا يقبل منه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: أمّا المؤمن فأسلم طائعًا، وأمّا الكافر فأسلم حين رأى بأس اللّه {فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا}.
وقال آخرون: معنى ذلك: أن عبادة الخلق للّه عزّ وجلّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} قال: عبادتهم لي أجمعين طوعًا وكرهًا.
وهو قوله: {وللّه يسجد من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} وأمّا قوله: {وإليه يرجعون} فإنّه يعني: وإليه يا معشر من يبتغي غير الإسلام دينًا من اليهود والنّصارى، وسائر النّاس (ترجعون) يقول: إليه تصيرون بعد مماتكم، فمجازيكم بأعمالكم، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته.
وهذا من اللّه عزّ وجلّ تحذير خلقه أن يرجع إليه أحدٌ منهم، فيصير إليه بعد وفاته على غير ملّة الإسلام). [جامع البيان: 5/548-553]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا مبشّر بن إسماعيل الحلبيّ عن العلاء بن هلالٍ عن الحسن في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا قال:
أهل السّموات، والمهاجرون، والأنصار، وأهل البحرين.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو يحيى الزّعفرانيّ، ثنا أبو بكر بن أبان يعني الوكيعيّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن سعيد بن المرزبان، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى:
وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا (قال: هذه مفصولةٌ ومن في الأرض طوعًا)
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا عثمان بن الهيثم، ثنا يحيى بن عبد الرّحمن العصريّ عن الحسن في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض قال: في السّماء الملائكة طوعًا، وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعًا.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ عن عامرٍ وله أسلم من في السماوات قال: استقادتهم له.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل، أخبرني أبى، ثنا أبى سنانٍ في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: المعرفة ليس أحدٌ سأله إلا عرفه.
قوله تعالى: طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون
[الوجه الأول]
- أخبرنا سعيد بن عمرو بن سعيدٍ السّكونيّ فيما كتب إليّ، ثنا بقيّة حدّثني معاوية بن يحيى، عن أبي سنانٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: المعرفة.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: عبادتهم لي أجمعين طوعًا وكرهًا.
- حدّثنا كثير بن شهابٍ، ثنا محمّدٌ يعني ابن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قوله: وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون كلّ آدميٍّ قد أقرّ على نفسه بأنّ اللّه ربّي وأنا أعبده، فهذا أشرك في عبادته فهذا الّذي أسلم كرهًا، ومنهم من شهد أنّ اللّه ربّي وأنا عبده ثمّ أخلص له العبوديّة فهذا الّذي أسلم له طوعًا.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: طوعًا وكرهًا قال: سجود المؤمن طائعًا وسجود الكافر وهو كارهٌ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: وله أسلم من في السماوات والأرض طوعًا وكرهًا قال: أمّا المؤمن فأسلم طائعًا، وأمّا الكافر فأسلم حين رأى بأس اللّه فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا
الوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا عمر بن عليٍّ، عن سعيد بن المرزبان، عن عكرمة وله أسلم من في السماوات والأرض قال: أسلم من في السّموات والأرض ثمّ استأنف طوعًا وكرهًا، فمن أسلم منهم كرهًا: مشركوا العرب والسّبايا، ومن دخل الإسلام كرهًا.
قوله تعالى: وإليه يرجعون
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية وإليه يرجعون قال: يرجعون إليه بعد الحياة). [تفسير القرآن العظيم: 2/695-697]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله طوعا وكرها قال سجود المؤمن طائعا وسجود ظل الكافر وهو كاره). [تفسير مجاهد: 130]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} [آل عمران: 83].
- عن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - «{وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا} [آل عمران: 83] " أمّا من في السّماوات فالملائكة، وأمّا من في الأرض فمن ولد على الإسلام، وأمّا كرهًا فمن أتي به من سبايا الأمم في السّلاسل والأغلال، يقادون إلى الجنّة وهم كارهون».
رواه الطّبرانيّ، وفيه محمّد بن محصّنٍ العكّاشيّ، وهو متروكٌ). [مجمع الزوائد: 6/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 83 - 84
أخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} أما من في السموات فالملائكة وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام وأما كرها فمن أتي به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون.
وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال: الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض.
وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال: حين أخذ الميثاق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في الآية قال: عبادتهم لي أجمعين {طوعا وكرها} وهو قوله (ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها) (الرعد الآية 15)، واخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس {وله أسلم من في السماوات} قال: هذه مفصولة {من في السماوات والأرض طوعا وكرها}.
واخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {وله أسلم} قال: المعرفة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: هو كقوله (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) (لقمان الآية 25) فذلك إسلامهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: كل آدمي أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرها ومن أخلص لله العبودية فهو الذي أسلم طوعا.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: أكره أقوام على الإسلام وجاء أقوام طائعين.
وأخرج عن مطر الوراق في الآية قال: الملائكة طوعا والأنصار طوعا وبنو سليم وعبد القيس طوعا والناس كلهم كرها
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك وقبل منه وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله فلم ينفعه ذلك ولم يقبل منهم (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) (غافر الآية 85).
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: في السماء الملائكة طوعا وفي الأرض الأنصار وعبد القيس طوعا.
وأخرج عن الشعبي {وله أسلم من في السماوات} قال: استقادتهم له.
وأخرج عن أبي سنان {وله أسلم من في السماوات والأرض} قال: المعرفة، ليس أحد تسأله إلا عرفه.
وأخرج عن عكرمة في قوله {وكرها} قال: من أسلم من مشركي العرب والسبايا: ومن دخل في الإسلام كرها، واخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرأوا في أذنه {أفغير دين الله يبغون}.
وأخرج ابن السني في عمل يوم وليلة عن يونس بن عبيد قال: ليس رجل
يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها {أفغير دين الله يبغون وله أسلم} الآية، إلا ذلت له بإذن الله عز وجل). [الدر المنثور: 3/649-653]


رد مع اقتباس