عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأوحي إلى نوحٍ أنّه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون (36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الّذين ظلموا إنّهم مغرقون (37) ويصنع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون (38) فسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلّ عليه عذابٌ مقيمٌ (39)}
يخبر تعالى أنّه أوحى إلى نوح لمّا استعجل قومه نقمة اللّه بهم وعذابه لهم، فدعا عليهم نوح دعوته الّتي قال اللّه تعالى مخبرًا عنه أنّه قال: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا} [نوح: 26]، {فدعا ربّه أنّي مغلوبٌ فانتصر} [القمر: 10]، فعند ذلك أوحى اللّه تعالى إليه: {أنّه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} فلا تحزن عليهم ولا يهمّنك أمرهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 319]

تفسير قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واصنع الفلك} يعني: السّفينة {بأعيننا} أي: بمرأى منّا، {ووحينا} أي: وتعليمنا لك ماذا تصنعه، {ولا تخاطبني في الّذين ظلموا إنّهم مغرقون}.
فقال بعض السّلف: أمره اللّه تعالى أن يغرز الخشب ويقطّعه وييبّسه، فكان ذلك في مائة سنةٍ، ونجرها في مائة سنةٍ أخرى، وقيل: في أربعين سنةً، فاللّه أعلم.
وذكر محمّد بن إسحاق عن التّوراة: أنّ اللّه أمره أن يصنعها من خشب السّاج، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعًا وعرضها خمسين ذراعًا.
وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤًا أزور يشقّ الماء. وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراعٍ، في عرض خمسين.
وعن الحسن: طولها ستّمائة ذراعٍ وعرضها ثلاثمائة ذراعٍ.
وعنه مع ابن عبّاسٍ: طولها ألفٌ ومائتا ذراعٍ، في عرض ستّمائةٍ.
وقيل: طولها ألفا ذراعٍ، وعرضها مائة ذراعٍ، فاللّه أعلم.
قالوا كلّهم: وكان ارتفاعها في السّماء ثلاثين ذراعًا، ثلاث طبقاتٍ، كلّ طبقةٍ عشرة أذرعٍ، فالسّفلى للدّوابّ والوحوش: والوسطى للإنس: والعليا للطّيور. وكان بابها في عرضها، ولها غطاءٌ من فوقها مطبقٌ عليها.
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جريرٍ أثرًا غريبًا، من حديث عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ؛ أنّه قال: قال الحواريّون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلًا شهد السّفينة فحدّثنا عنها. قال: فانطلق بهم حتّى أتى إلى كثيب من ترابٍ، فأخذ كفًّا من ذلك التّراب بكفّه، قال أتدرون ما هذا؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: هذا كعب حام بن نوحٍ. قال: وضرب الكثيب بعصاه، قال: قم بإذن اللّه فإذا هو قائمٌ ينفض التّراب عن رأسه، قد شاب. قال له عيسى، عليه السّلام: هكذا هلكت؟ قال: لا. ولكنّي متّ وأنا شابٌّ، ولكنّني ظننت أنّها السّاعة، فمن ثمّ شبت. قال: حدّثنا عن سفينة نوحٍ؟ قال: كان طولها ألف ذراعٍ ومائتي ذراعٍ، وعرضها ستّمائة ذراعٍ، وكانت ثلاث طبقاتٍ، فطبقةٌ فيها الدّوابّ والوحوش، وطبقةٌ فيها الإنس، وطبقةٌ فيها الطّير، فلمّا كثر أرواث الدّوابّ، أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى نوحٍ، عليه السّلام، أن اغمز ذنب الفيل، فغمزه، فوقع منه خنزيرٌ وخنزيرةٌ، فأقبلا على الرّوث، فلمّا وقع الفأر بخرز السّفينة يقرضه وحبالها، أوحى إلى نوحٍ؛ أن اضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخره سنّور وسنّورةٌ، فأقبلا على الفأر. فقال له عيسى، عليه السّلام: كيف علم نوحٌ أنّ البلاد قد غرقت؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر، فوجد جيفةً فوقع عليها، فدعا عليه بالخوف، فلذلك لا يألف البيوت قال: ثمّ بعث الحمامة، فجاءت بورق زيتونٍ بمنقارها، وطينٍ برجليها، فعلم أنّ البلاد قد غرقت. قال: فطوّقها الخضرة الّتي في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنسٍ وأمانٍ، فمن ثمّ تألف البيوت. قال: فقلنا: يا رسول اللّه، ألّا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدّثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن اللّه، فعاد ترابًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 319-320]

تفسير قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقوله: {ويصنع الفلك وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه} أي: يطنزون به ويكذّبون بما يتوعّدهم به من الغرق، {قال إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 320]

تفسير قوله تعالى: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): ({فسوف تعلمون} وعيدٌ شديدٌ، وتهديدٌ أكيدٌ، {من يأتيه عذابٌ يخزيه} أي: يهنه في الدّنيا، {ويحلّ عليه عذابٌ مقيمٌ} أي: دائمٌ مستمرٌّ أبدًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 320]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({حتّى إذا جاء أمرنا وفار التّنّور قلنا احمل فيها من كلٍّ زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليلٌ (40)}
هذه مواعدة من اللّه تعالى لنوحٍ، عليه السّلام، إذا جاء أمر اللّه من الأمطار المتتابعة، والهتّان الّذي لا يقلع ولا يفتر، بل هو كما قال تعالى: {ففتحنا أبواب السّماء بماءٍ منهمرٍ وفجّرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمرٍ قد قدر وحملناه على ذات ألواحٍ ودسرٍ تجري بأعيننا جزاءً لمن كان كفر} [القمر:11 -14].
وأمّا قوله: {وفار التّنّور} فعن ابن عبّاسٍ: التّنّور: وجه الأرض، أي: صارت الأرض عيونًا تفور، حتّى فار الماء من التّنانير الّتي هي مكان النّار، صارت تفور ماءً، وهذا قول جمهور السّلف وعلماء الخلف.
وعن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه: التّنّور: فلق الصّبح، وتنوير الفجر، وهو ضياؤه وإشراقه.
والأوّل أظهر.
وقال مجاهدٌ والشّعبيّ: كان هذا التّنّور بالكوفة، وعن ابن عبّاسٍ: عينٌ بالهند. وعن قتادة: عينٌ بالجزيرة، يقال لها: عين الوردة.
وهذه أقوالٌ غريبةٌ.
فحينئذٍ أمر اللّه نوحًا، عليه السّلام، أن يحمل معه في السّفينة من كلّ زوجين -من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح، قيل: وغيرها من النّباتات -اثنين. ذكرًا وأنثى، فقيل: كان أوّل من أدخل من الطّيور الدّرّة، وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار، فدخل إبليس متعلّقًا بذنبه، فدخل بيده، وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلّقٌ بذنبه، فجعل يقول له نوحٌ: مالك؟ ويحك. ادخل. فينهض ولا يقدر، فقال: ادخل وإن كان إبليس معك فدخلا في السّفينة.
وذكر أبو عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد، حتّى ألقيت عليه الحمّى.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني اللّيث، حدّثني هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم. عن أبيه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لمّا حمل نوحٌ في السّفينة من كلّ زوجين اثنين، قال أصحابه: وكيف يطمئنّ أو: تطمئنّ -المواشي ومعها الأسد؟ فسلّط اللّه عليه الحمّى، فكانت أوّل حمّى نزلت الأرض، ثمّ شكوا الفأرة فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا. فأوحى اللّه إلى الأسد، فعطس، فخرجت الهرّة منه، فتخبّأت الفأرة منها.
وقوله: {وأهلك إلا من سبق عليه القول} أي: "واحمل فيها أهلك، وهم أهل بيته وقرابته" إلّا من سبق عليه القول منهم، ممّن لمّ يؤمن باللّه، فكان منهم ابنه "يامٌ" الّذي انعزل وحده، وامرأة نوحٍ وكانت كافرةً باللّه ورسوله.
وقوله: {ومن آمن} أي: من قومك، {وما آمن معه إلا قليلٌ} أي: نزرٌ يسيرٌ مع طول المدّة والمقام بين أظهرهم ألف سنةٍ إلّا خمسين عامًا، فعن ابن عبّاسٍ: كانوا ثمانين نفسًا منهم نساؤهم. وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفسًا. وقيل: كانوا عشرةً. وقيل: إنّما كانوا نوحٌ وبنوه الثّلاثة سامٌ، وحامٌ، ويافث، وكنائنه الأربع نساءٍ هؤلاء الثّلاثة وامرأة يام. وقيل: بل امرأة نوح كانت معهم في السّفينة، وهذا فيه نظرٌ، بل الظّاهر أنّها هلكت؛ لأنّها كانت على دين قومها، فأصابها ما أصابهم، كما أصاب امرأة لوطٍ ما أصاب قومها، واللّه أعلم وأحكم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 320-322]


رد مع اقتباس