عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 06:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (33) ذرّيّةً بعضها من بعضٍ واللّه سميعٌ عليمٌ (34)}
يخبر تعالى أنّه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض، فاصطفى آدم، عليه السّلام، خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلّمه أسماء كلّ شيءٍ، وأسكنه الجنّة ثمّ أهبطه منها، لما له في ذلك من الحكمة.
واصطفى نوحًا، عليه السّلام، وجعله أوّل رسولٍ [بعثه] إلى أهل الأرض، لمّا عبد النّاس الأوثان، وأشركوا في دين اللّه ما لم ينزّل به سلطانا، وانتقم له لمّا طالت مدّته بين ظهراني قومه، يدعوهم إلى اللّه ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا، فلم يزدهم ذلك إلّا فرارًا، فدعا عليهم، فأغرقهم اللّه عن آخرهم، ولم ينج منهم إلّا من اتّبعه على دينه الّذي بعثه اللّه به.
واصطفى آل إبراهيم، ومنهم: سيّد البشر وخاتم الأنبياء على الإطلاق محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، وآل عمران، والمراد بعمران هذا: هو والد مريم بنت عمران، أمّ عيسى ابن مريم، عليهم السّلام. قال محمّد بن إسحاق بن يسار رحمه اللّه: هو عمران بن ياشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن أحريق بن يوثم بن عزاريا ابن أمصيا بن ياوش بن أجريهو بن يازم بن يهفاشاط بن إنشا بن أبيّان بن رخيعم بن سليمان بن داود، عليهما السّلام. فعيسى، عليه السّلام، من ذرّيّة إبراهيم، كما سيأتي بيانه في سورة الأنعام، إن شاء اللّه وبه الثّقة). [تفسير القرآن العظيم: 2/33]


تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ قالت امرأة عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم (35) فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت وليس الذّكر كالأنثى وإنّي سمّيتها مريم وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم (36)}
امرأة عمران هذه أمّ مريم [بنت عمران] عليها السّلام وهي حنّة بنت فاقوذ، قال محمّد بن إسحاق: وكانت امرأةً لا تحمل، فرأت يومًا طائرًا يزقّ فرخه، فاشتهت الولد، فدعت اللّه، عزّ وجلّ، أن يهبها ولدًا، فاستجاب اللّه دعاءها، فواقعها زوجها، فحملت منه، فلما تحقّقت الحمل نذرته أن يكون {محرّرًا} أي: خالصًا مفرّغًا للعبادة، ولخدمة بيت المقدس، فقالت: {ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم} أي: السّميع لدعائي، العليم بنيتي، ولم تكن تعلم ما في بطنها أذكرًا أم أنثى؟). [تفسير القرآن العظيم: 2/33]


تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت} قرئ برفع التّاء على أنّها تاء المتكلّم، وأنّ ذلك من تمام قولها، وقرئ بتسكين التّاء على أنّه من قول اللّه عزّ وجلّ {وليس الذّكر كالأنثى} أي: في القوّة والجلد في العبادة وخدمة المسجد الأقصى {وإنّي سمّيتها مريم} فيه دلالةٌ على جواز التّسمية يوم الولادة كما هو الظّاهر من السياق؛ لأنه شرع من قبلنا، وقد حكي مقرّرًا، وبذلك ثبتت السّنّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حيث قال: "ولد لي اللّيلة ولد سمّيته باسم أبي إبراهيم". أخرجاه وكذلك ثبت فيهما أنّ أنس بن مالكٍ ذهب بأخيه، حين ولدته أمّه، إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فحنّكه وسمّاه عبد اللّه وفي صحيح البخاريّ: أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، ولد لي ولد، فما أسمّيه؟ قال: "اسم ولدك عبد الرّحمن" وثبت في الصّحيح أيضًا: أنّه لمّا جاءه أبو أسيد بابنه ليحنّكه، فذهل عنه، فأمر به أبوه فردّه إلى منزلهم، فلمّا ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المجلس سمّاه المنذر.
فأمّا حديث قتادة، عن الحسن البصريّ، عن سمرة بن جندب؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كلّ غلامٍ رهين بعقيقته، يذبح عنه يوم سابعه، ويسمّى ويحلق رأسه" فقد رواه أحمد وأهل السّنن، وصحّحه التّرمذيّ بهذا اللّفظ، ويروي: "ويدمّى"، وهو أثبت وأحفظ واللّه أعلم. وكذا ما رواه الزّبير بن بكّارٍ في كتاب النّسب: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عقّ عن ولده إبراهيم يوم سابعه وسمّاه إبراهيم. فإسناده لا يثبت، وهو مخالفٌ لما في الصّحيح ولو صحّ لحمل على أنّه أشهر اسمه بذلك يومئذٍ، واللّه أعلم.
وقوله إخبارًا عن أمّ مريم أنّها قالت: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم} أي: عوّذتها باللّه، عزّ وجلّ، من شرّ الشّيطان، وعوّذت ذرّيّتها، وهو ولدها عيسى، عليه السّلام. فاستجاب اللّه لها ذلك كما قال عبد الرزّاق: أنبأنا معمر، عن الزّهريّ، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "ما من مولودٍ يولد إلّا مسّه الشّيطان حين يولد، فيستهلّ صارخًا من مسّه إيّاه، إلّا مريم وابنها". ثمّ يقول أبو هريرة: اقرأوا إن شئتم: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم} أخرجاه من حديث عبد الرّزّاق. ورواه ابن جريرٍ، عن أحمد بن الفرج، عن بقيّة، [عن الزّبيديّ] عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه. وروى من حديث قيسٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما من مولود إلّا وقد عصره الشّيطان عصرةً أو عصرتين إلّا عيسى ابن مريم ومريم". ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}.
ومن حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه مسلمٌ، عن أبي الطّاهر، عن ابن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، عن أبي يونس، عن أبي هريرة. ورواه وهبٌ أيضًا، عن ابن أبي ذئبٍ، عن عجلان مولى المشمعلّ، عن أبي هريرة. ورواه محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأصل الحديث. وهكذا رواه اللّيث بن سعدٍ، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرّحمن بن هرمز، الأعرج قال: قال أبو هريرة: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ بني آدم يطعن الشّيطان في جنبه حين تلده أمّه، إلّا عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب"). [تفسير القرآن العظيم: 2/33-35]

تفسير قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتًا حسنًا وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ (37)}
يخبر ربّنا أنّه تقبّلها من أمّها نذيرة، وأنه {وأنبتها نباتًا حسنًا} أي: جعلها شكلًا مليحًا ومنظرًا بهيجًا، ويسر لها أسباب القبول، وقرنها بالصّالحين من عباده تتعلّم منهم الخير والعلم والدّين. ولهذا قال: {وكفلها زكريّا} وفي قراءةٍ: {وكفّلها زكريّا} بتشديد الفاء ونصب زكريّا على المفعوليّة، أي جعله كافلًا لها.
قال ابن إسحاق: وما ذاك إلّا أنّها كانت يتيمةً. وذكر غيره أنّ بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب، فكفل زكريّا مريم لذلك. ولا منافاة بين القولين. واللّه أعلم.
وإنّما قدّر اللّه كون زكريّا كافلها لسعادتها، لتقتبس منه علمًا جمًّا نافعًا وعملًا صالحًا؛ ولأنّه كان زوج خالتها، على ما ذكره ابن إسحاق وابن جريرٍ [وغيرهما] وقيل: زوج أختها، كما ورد في الصّحيح: "فإذا بيحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة"، وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضًا توسّعا، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها. وقد ثبت في الصّحيحين أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قضى في عمارة بنت حمزة أن تكون في حضانة خالتها امرأة جعفر بن أبي طالبٍ وقال: "الخالة بمنزلة الأمّ".
ثمّ أخبر تعالى عن سيادتها وجلالتها في محلّ عبادتها، فقال: {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا} قال مجاهدٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، وأبو الشّعثاء، وإبراهيم النخعيّ، والضّحّاك، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، وعطيّة العوفي، والسّدّي [والشّعبيّ] يعني وجد عندها فاكهة الصّيف في الشّتاء وفاكهة الشّتاء في الصّيف. وعن مجاهدٍ {وجد عندها رزقًا} أي: علمًا، أو قال: صحفًا فيها علمٌ. رواه ابن أبي حاتمٍ، والأوّل أصحّ، وفيه دلالةٌ على كرامات الأولياء. وفي السّنّة لهذا نظائر كثيرةٌ. فإذا رأى زكريّا هذا عندها {قال يا مريم أنّى لك هذا} أي: يقول من أين لك هذا؟ {قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ}.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا سهل بن زنجلة، حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثنا عبد الله ابن لهيعة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أقام أيّامًا لم يطعم طعامًا، حتّى شقّ ذلك عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدةٍ منهنّ شيئًا، فأتى فاطمة فقال: "يا بنيّة، هل عندك شيء آكله، فإنّي جائع؟ " فقالت: لا واللّه بأبي أنت وأمّي. فلمّا خرج من عندها بعثت إليها جارةٌ لها برغيفين وقطعة لحمٍ، فأخذته منها فوضعته في جفنةٍ لها، وقالت: واللّه لأوثرنّ بهذا رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] على نفسي ومن عندي. وكانوا جميعًا محتاجين إلى شبعة طعامٍ، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرجع إليها فقالت له: بأبي وأمّي قد أتى اللّه بشيءٍ فخبّأته لك. قال: "هلمّي يا بنيّة" قالت: فأتيته بالجفنة. فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءةٌ خبزًا ولحمًا، فلمّا نظرت إليها بهتت وعرفت أنّها بركةٌ من اللّه، فحمدت اللّه وصلّت على نبيّه، وقدّمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلمّا رآه حمد اللّه وقال: "من أين لك هذا يا بنية؟ " فقالت يا أبت، {هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ} فحمد اللّه وقال: "الحمد لله الّذي جعلك -يا بنيّة-شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل، فإنّها كانت إذا رزقها الله شيئًا فسئلت عنه قالت: {هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ} فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى علي ثمّ أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأكل عليٌّ، وفاطمة، وحسنٌ، وحسينٌ، وجميع أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأهل بيته جميعًا حتّى شبعوا. قالت: وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت ببقيّتها على جميع الجيران، وجعل اللّه فيها بركة وخيرا كثيرا). [تفسير القرآن العظيم: 2/35-36]

رد مع اقتباس