عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:02 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قولة تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العلمين قال ذكر الله تعالى أهل بيتين صالحين ورجلين صالحين ففضلهما الله على العالمين فكان محمد من آل إبراهيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/118]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إنّ اللّه اجتبى آدم ونوحًا، واختارهما لدينهما، وآل إبراهيم وآل عمران لدينهم الّذي كانوا عليه؛ لأنّهم كانوا أهل الإسلام. فأخبر اللّه عزّ وجلّ أنّه اختار دين من ذكرنا على سائر الأديان الّتي خالفته، وإنّما عنى بآل إبراهيم وآل عمران المؤمنين.
وقد دلّلنا على أنّ آل الرّجل أتباعه وقومه ومن هو على دينه.
وبالّذي قلنا في ذلك روي القول عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقوله.
- حدّثني المثنّى، قال حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمّدٍ، يقول اللّه عزّ وجلّ: إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه، وهم المؤمنون.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} رجلان نبيّان اصّطفاهما اللّه على العالمين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال. أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} قال: ذكر اللّه أهل بيتين صالحين ورجلين صالحين ففضّلهم على العالمين. فكان محمّدٌ من آل إبراهيم.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن الحسن، في قوله: {إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم} إلى قوله: {واللّه سميعٌ عليمٌ} قال: فضّلهم اللّه على العالمين بالنّبوّة على النّاس كلّهم كانوا هم الأنبياء الأتقياء المصطفين لربّهم). [جامع البيان: 5/328-329]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (33)
قوله تعالى: إنّ اللّه اصطفى
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: اصطفى يعني: اختار.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا قال:
فضّلهم اللّه على العالمين بالنّبوّة على النّاس كلّهم، كانوا هم الأنبياء والأتقياء المطيعين لربّهم.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المرّوذيّ، ثنا النّضر بن شميلٍ، أنبأ أبو نعامة السّعديّ، ثنا أبو هنيدة البراء بن نوفلٍ، عن والان العدويّ، عن حذيفة بن اليمان، عن أبي بكرٍ الصّدّيق قال: أصبح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات يومٍ فصلّى الغداة، فقال: عرض عليّ ما هو كائنٌ من أمر الدّنيا والآخرة، يجمع الأوّلون والآخرون في صعيدٍ واحدٍ، فقطع النّاس كذلك، حتّى انقطعوا إلى آدم، فقالوا: يا آدم أنت أبو البشر، وأنت اصطفاك اللّه، اشفع لنا إلى ربّك، قال: قد لقيت مثل الّذي لقيتم، ف إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، وذكر الحديث بطوله.
قوله تعالى: وآل إبراهيم
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ عن قتادة:
إنّ اللّه اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين قال: ذكر اللّه أهل بيتين صالحين، ورجلين صالحين، ففضّلهما اللّه على العالمين، وكان محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم من آل إبراهيم.
قوله تعالى: وآل عمران على العالمين
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: على العالمين
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: على العالمين قال: على النّاس كلّهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/634-635]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 33-34 - 35 - 36.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {وآل إبراهيم وآل عمران} قال: هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وان جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: ذكر الله أهل بيتين صالحين ورجلين صالحين ففضلهم على العالمين فكان محمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: فضلهم الله على العالمين بالنبوة على الناس كلهم كانوا هم الأنبياء الأتقياء المطيعين لربهم). [الدر المنثور: 3/512-521]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله {إن الله اصطفى} يعني اختار من الناس لرسالته {آدم ونوحا وآل إبراهيم} يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط {وآل عمران على العالمين} يعني اختارهم للنبوة والرسالة على عالمي ذلك الزمان، فهم ذرية بعضها من بعض فكل هؤلاء من ذرية آدم ثم ذرية نوح ثم من ذرية إبراهيم {إذ قالت امرأة عمران} بن ماثان واسمها حنة بنت فاقوذ وهي أم مريم {رب إني نذرت لك ما في بطني محررا} وذلك أن أم مريم حنة كانت جلست عن الولد والمحيض فبينما هي ذات يوم في ظل شجرة إذ نظرت إلى طير يزق فرخا له فتحركت نفسها للولد فدعت الله أن يهب لها ولدا فحاضت من ساعتها فلما طهرت أتاها زوجها فلما أيقنت بالود قالت: لئن نجاني الله ووضعت ما في بطني لأجعلنه محررا، وبنو ماثان من ملوك بني إسرائيل من نسل داود، والمحرر لا يعمل للدنيا ولا يتزوج ويتفرغ لعمل الآخرة، يعبد الله تعالى ويكون في خدمة الكنيسة ولم يكن محررا في ذلك الزمان إلا الغلمان، فقالت لزوجها: ليس جنس من جنس الأنبياء إلا وفيهم محرر غيرنا وإني جعلت ما في بطني نذيرة تقول: نذرت أن أجعله لله فهو المحرر، فقال زوجها: أرأيت إن كان الذي في بطنك أنثى - والأنثى عورة - فكيف تصنعين فاغتمت لذلك فقالت عند ذلك {رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم} يعني تقبل مني ما نذرت لك، {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} والأنثى عورة ثم قالت {وإني سميتها مريم} وكذلك كان اسمها عند الله {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} يعني الملعون فاستجاب الله لها فلم يقربها الشيطان ولا ذريتها عيسى، قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ولد آدم ينال منه الشيطان يطعنه حين يقع بالأرض بأصبعه لما يستهل لا ما كان من مريم وابنها لم يصل إبليس إليهما قال ابن عباس: لما وضعتها خشيت حنة أم مريم أن لا تقبل أنثى محررة فلفتها في الخرقة ووضعتها في بيت المقدس عند القراء فتساهم القراء عليها لأنها كانت بنت إمامهم وكان إمام القراء من ولد هارون، أيهم يأخذها فقال زكريا - وهو رأس الأحبار - أنا آخذها وأنا أحقهم بها لأن خالتها عندي - يعني أم يحيى - فقال القراء: وإن كان في القوم من هو أفقر إليها منك ولو تركت لأحق الناس بها تركت لأبيها ولكنها محررة غير أن نتساهم عليها فمن خرج سهمه فهو أحق بها فقرعوا ثلاث مرات بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي {أيهم يكفل مريم} يعني أيهم يقبضها فقرعهم زكريا، وكانت قرعة أقلامهم أنهم جمعوها في موضع ثم غطوها فقالوا لبعض خدم بيت المقدس من الغلمان الذين لم يبلغوا الحلم: أدخل يدك فأخرج قلما منها فأدخل يده فأخرج قلم زكريا فقالوا: لا نرضى ولكن نلقي الأقلام في الماء فمن خرج قلمه في جرية الماء ثم ارتفع فهو يكفلها، فألقوا أقلامهم في نهر الأردن فارتفع قلم زكريا في جرية الماء فقالوا: نقترع الثالثة فمن جرى قلمه مع الماء فهو يكفلها، فألقوا أقلامهم فجرى قلم زكريا مع الماء وارتفعت أقلامهم في جرية الماء وقبضها عند ذلك زكريا، فذلك قوله {وكفلها زكريا} يعني قبضها ثم قال {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا} يعني رباها تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها حتى ترعرعت وبنى لها زكريا محرابا في بيت المقدس وجعل بابه في وسط الحائط لا يصعد إليها إلا بسلم.
و كان استأجر لها ظئرا فلما تم لها حولان فطمت وتحركت فكان يغلق عليها الباب والمفتاح معه لا يأمن عليه أحدا لا يأتيها بما يصلحها أحد غيره حتى بلغت). [الدر المنثور: 3/512-521]

تفسير قوله تعالى: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذرّيّةً بعضها من بعضٍ واللّه سميعٌ عليمٌ}
يعني بذلك أنّ اللّه اصطفى آل إبراهيم وآل عمران {ذرّيّةً بعضها من بعضٍ} فالذّريّة منصوبةٌ على القطع من آل إبراهيم وآل عمران؛ لأنّ الذّرّيّة نكرةٌ، وآل عمران معرّفةٌ.
ولو قيل نصبت على تكرير الاصطفاء لكان صوابًا؛ لأنّ المعنى: اصطفى ذرّيّةً بعضها من بعضٍ وإنّما جعل بعضهم من بعضٍ في الموالاة في الدّين والموازرة على الإسلام والحقّ، كما قال جلّ ثناؤه: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ} وقال في موضعٍ آخر: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعضٍ} يعني أنّ دينهم واحدٌ وطريقتهم واحدةٌ، فكذلك قوله: {ذرّيّةً بعضها من بعضٍ} إنّما معناه: ذرّيّةٌ دين بعضها دين بعضٍ، وكلمتهم واحدةٌ، وملّتهم واحدةٌ في توحيد اللّه وطاعته.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ذرّيّةً بعضها من بعضٍ} يقول: في النّيّة والعمل والإخلاص والتّوحيد له
وقوله: {واللّه سميعٌ عليمٌ} يعني بذلك: واللّه ذو سمعٍ لقول امرأة عمران، وذو علمٍ بما تضمره في نفسها، إذ نذرت له ما في بطنها محرّرًا). [جامع البيان: 5/329-330]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ذرّيّةً بعضها من بعضٍ واللّه سميعٌ عليمٌ (34)
قوله تعالى: ذرّيّةً بعضها من بعض واللّه سميعٌ عليمٌ
- 1، 2 حدّثنا أبو زرعة، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا معمرٌ يعني ابن يحيى بن سامٍ قال:
سمعت أبا جعفرٍ قال: قال عليّ: قم يا حسن فاخطب النّاس. قال: أبي، أهابك أن أخطب وأنا أراك، فتغيّب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه، فقام الحسن فحمد اللّه وأثنى عليه، وتكلّم، ثمّ نزل، فقال عليٌّ: ذرّيّةً بعضها من بعضٍ واللّه سميعٌ عليمٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا عبّاد بن يعقوب، ثنا عليّ بن هاشم بن البريد، عن أبيه، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جدّه أنّ عليًّا قال للحسن، فذكر نحوه.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: ذرّيّةً بعضها من بعضٍ قال: في النّيّة، والعمل والإخلاص، والتوحيد.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق ذرّيّةً بعضها من بعضٍ واللّه سميعٌ عليمٌ فمن تلك الذّرّيّة كان ينسب عيسى إذ لم يكن له أبٌ من غيرهم، فدعي إلى نسبه.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، ثنا ابن إسحاق: واللّه سميعٌ عليمٌ أي: سميعٌ لما يقولون.
وبه قوله: عليمٌ أي عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 2/635-636]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ذرية بعضها من بعض} قال: في النية والعمل والإخلاص والتوحيد.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عليا قال للحسن قم فاخطب الناس قال: إني أهابك أن أخطب وأنا أراك، فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه وتكلم، ثم نزل فقال علي رضي الله عنه {ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم} ). [الدر المنثور: 3/512-521]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله إني نذرت لك ما في بطني محررا قال نذرت ولدها للكنيسة فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى وإنما كانوا يحررون الغلمان قالت
[تفسير عبد الرزاق: 1/118]
وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/119]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ قالت امرأة عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم}
يعني بذلك بقوله جلّ ثناؤه والله سميع عليم: {إذ قالت امرأة عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا فتقبّل منّي} ف إذ من صلة سميعٌ وأمّا امرأة عمران فهي أمّ مريم ابنة عمران أمّ عيسى ابن مريم صلوات اللّه عليه، وكان اسمها فيما ذكر لنا حنّة ابنة فاقوذ ابن قبيلٍ.
- كذلك: حدّثنا به محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في نسبه، وقال غير ابن حميدٍ: ابنة فاقود - بالدّال - ابن قتيلٍ.
فأمّا زوجها فإنّه عمران بن ياشهم بن آمون بن منشا بن حزقيا بن أحزيق بن يوثم بن عزاريا بن أمصيا بن ياوش بن احزيهو بن يارم بن يهفاشاط بن اشا بن ابيا بن رحبعم بن سليمان بن داود بن إيشا كذلك:
حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في نسبه.
وأمّا قوله: {ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} فإنّ معناه: إنّي جعلت لك يا ربّ نذرًا أنّ لك الّذي في بطني محرّرًا لعبادتك، يعني بذلك: حبسته على خدمتك وخدمة قدسك في الكنيسة عتيقةً من خدمة كلّ شيءٍ سواك، مفرّغةً لك خاصّةً.
ونصب محرّرًا على الحال مما في الصفه من ذكرالّذي {فتقبّل منّي} أي فتقبّل منّي ما نذرت لك يا ربّ {إنّك أنت السّميع العليم} يعني: إنّك أنت يا ربّ، السّميع لما أقول وأدعو، العليم لما أنوي في نفسي وأريد، لا يخفى عليك سرّ أمري وعلانيته.
وكان سبب نذر حنّة ابنة فاقوذ امرأة عمران الّذي ذكره اللّه في هذه الآية فيما بلغنا.
- ما: حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: تزوّج زكريّا وعمران أختين، فكانت أمّ يحيى عند زكريّا، وكانت أمّ مريم عند عمران، فهلك عمران وأمّ مريم حاملٌ بمريم، فهي جنينٌ في بطنها، قال: وكانت فيما يزعمون قد أمسك عنها الولد حتّى أسنّت، وكانوا أهل بيتٍ من اللّه جلّ ثناؤه بمكانٍ، فبينا هي في ظلّ شجرةٍ نظرت إلى طائرٍ يطعم فرخًا له، فتحرّكت نفسها للولد، فدعت اللّه أن يهب لها ولدًا، فحملت بمريم وهلك عمران، فلمّا عرفت أنّ في بطنها جنينًا، جعلته للّه نذيرةً؛ والنّذيرة أن تعبّده للّه، فتجعله حبسًا في الكنيسة، لا ينتفع به بشيءٍ من أمور الدّنيا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير، قال: ثمّ ذكر امرأة عمران، وقولها: {ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} أي نذرته، تقول: جعلته عتيقًا لعبادة اللّه لا ينتفع به بشيءٍ من أمور الدّنيا {فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم}.
- حدّثني عبد الرّحمن بن الأسود الطّفاويّ، قال: حدّثنا محمّد بن ربيعة، قال: حدّثنا النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ، في قوله: {محرّرًا} قال: خادمًا للبيعة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ، قال: خادمًا للكنيسة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، قال: أخبرنا إسماعيل، عن الشّعبيّ، في قوله: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} قال: فرّغته للعبادة.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ في قوله: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} قال: جعلته في الكنيسة، وفرّغته للعبادة
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، نحوه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} قال: للكنيسة يخدمها
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} قال: خالصًا لا يخالطه شيءٌ من أمر الدّنيا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} قال: للبيعة والكنيسة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} قال: محرّرٌ للعبادة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إذ قالت امرأة عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} الآية، كانت امرأة عمران حرّرت للّه ما في بطنها، وكانوا إنّما يحرّرون الذّكور، وكان المحرّر إذا حرّر جعل في الكنيسة لا يبرحها، يقوم عليها ويكنسها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} قال: نذرت ولدها للكنيسة.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إذ قالت امرأة عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم} قال: وذلك أنّ امرأة عمران حملت، فظنّت أنّ ما في بطنها غلامٌ، فوهبته للّه محرّرًا لا يعمل في الدّنيا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: كانت امرأة عمران حرّرت للّه ما في بطنها، قال: وكانوا إنّما يحرّرون الذّكور، فكان المحرّر إذا حرّر جعل في الكنيسة لا يبرحها، يقوم عليها ويكنسها.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، في قوله: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} قال: جعلت ولدها للّه وللّذين يدرسون الكتاب ويتعلّمونه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن القاسم بن أبي بزّة، أنّه أخبره عن عكرمة، وأبي بكرٍ، عن عكرمة: أنّ امرأة عمران كانت عجوزًا عاقرًا تسمّى حنّة، وكانت لا تلد، فجعلت تغبط النّساء لأولادهنّ، فقالت: اللّهمّ إنّ عليّ نذرًا شكرًا إن رزقتني ولدًا أن أتصدّق به على بيت المقدس، فيكون من سدنته وخدّامه. قال: وقوله: {نذرت لك ما في بطني محرّرًا} إنّها للحرّة ابنة الحرائر محرّرٌ للكنيسة يخدمها.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {إذ قالت امرأة عمران} الآية كلّها، قال: نذرت ما في بطنها ثمّ سيّبتها). [جامع البيان: 5/330-335]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ قالت امرأة عمران ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا فتقبّل منّي إنّك أنت السّميع العليم (35) فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت وليس الذّكر كالأنثى وإنّي سمّيتها مريم وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم (36)
قوله تعالى: إذ قالت امرأت عمران ربّ إنّي نذرت لك إلى قوله: العليم
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسين بن السّكن البصريّ، ثنا أبو زيدٍ النّحويّ، ثنا قيسٌ عن ابن أبي ليلى عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى:
إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا قال: كانت نذرت أن يجعله في الكنيسة يتعبّد فيها.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن خصيفٍ عن مجاهد نذرت لك ما في بطني محرّرًا قال: للعبادة لا يخالطه شيءٌ من أمر الدّنيا. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عامرٍ الشّعبيّ، وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة والضّحّاك، وقتادة والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو سلمة أبو أسامة ووكيعٌ، عن النّضر بن عربيٍّ عن مجاهدٍ في قوله: إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا قال: خادمًا للبيعة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ وشرحبيل بن سعدٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/636-638]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ " {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} [آل عمران: 35] تلا إلى قوله {وجد عندها رزقًا} [آل عمران: 37] قال: كفلها زكريّا فدخل عليها المحراب، فوجد عندها عنبًا في مكتلٍ في غير حينه، قال زكريّا: {أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ} [آل عمران: 37] قال: إنّ الّذي يرزقك العنب في غير حينه لقادرٌ أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدًا، {هنالك دعا زكريّا ربّه} [آل عمران: 38] فلمّا بشّر بيحيى قال: {ربّ اجعل لي آيةً قال: آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاث ليالٍ سويًّا} [مريم: 10] ، قال: يعتقل لسانك من غير مرضٍ وأنت سويٌّ «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/319]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: تفسير قول المرأة الصّالحة {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّراً} [آل عمران: 35] أي: خالصاً للمسجد يخدمه. أخرجه البخاري في ترجمة بابٍ). [جامع الأصول: 2/67]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن عساكر عن عكرمة قال: اسم أم مريم حنة.
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة قال: حنة ولدت مريم أم عيسى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {نذرت لك ما في بطني محررا} قال: كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد بها وكانت ترجو أن يكون ذكرا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: نذرت أن تجعله محررا للعبادة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {محررا} قال: خادما للبيعة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد في قوله {محررا} قال: خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها وكانوا إنما يحررون الذكور وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة لا يبرحها يقوم عليها ويكنسها وكانت المرأة لا تستطيع أن تصنع بها ذلك لما يصيبها من الأذى فعند ذلك قالت {وليس الذكر كالأنثى}.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {محررا} قال: جعلته لله والكنيسة فلا يحال بينه وبين العبادة.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: كانت المرأة في زمان بني إسرائيل إذا ولدت غلاما أرضعته حتى إذا أطاق الخدمة دفعته إلى الذين يدرسون الكتب فقالت: هذا محرر لكم يخدمكم). [الدر المنثور: 3/512-521]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهراوي عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي ما من مولود يولد إلا الشيطان يمسه فيستهل صارخا من مسه الشيطان إياه إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/119]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا المنذر بن النعمان الأفطس أنه سمع وهب بن منبه يقول لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها فقال هذا حادث حدث مكانكم وطار حتى جاء خافقي الأرض قلم يجد شيئا ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء ثم طار أيضا فوجد عيسى قد ولد عند مذود حمار فإذا الملائكة قد حفت حوله فرجع إليهم فقال إن نبيا قد ولد البارحة وما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذه فايأسوا من أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة). [تفسير عبد الرزاق: 1/119]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن عمارة بن عميرٍ أنّ يحيى بن وثّابٍ سأل الأسود عن قول اللّه: {والله أعلم بما وضعت} فقرأها الأسود {بما وضعَت} [الآية: 36]). [تفسير الثوري: 76]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {والله أعلم بما وضعت} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عيسى بن يونس، قال: أنا الأعمش، عن عمارة بن عميرٍ، قال: كنّا جلوسًا مع يحيى بن وثّابٍ، فذكرنا هذه الآية: {والله أعلم بما وضعت}، (وجاء) الأسود بن يزيد في إزارٍ ورداءٍ وعمامةٍ، فقام يصلّي في إزاره وردائه ونعليه، فقلنا: أيّكم يقوم إليه فيسأله؟ فقال يحيى: أنا، فأتاه، فسأله، ثمّ أقبل إلينا، وقال: {والله أعلم بما وضعت}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عميرٍ، عن الأسود أنّه كان يقرأ: {والله أعلم بما وضعت}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا حصين، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ: {واللّه أعلم بما وضعت}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة وهشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم أنّه كان يقرأ: (بما وضعت) - مرفوعٌ -). [سنن سعيد بن منصور: 3/1040-1042]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم} [آل عمران: 36]
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من مولودٍ يولد إلّا والشّيطان يمسّه حين يولد، فيستهلّ صارخًا من مسّ الشّيطان إيّاه، إلّا مريم وابنها» ، ثمّ يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم} [آل عمران: 36]). [صحيح البخاري: 6/34]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم)
أورد فيه حديث أبي هريرة ما من مولودٍ يولد إلّا والشّيطان يمسّه الحديث وقد تقدّم الكلام على شرحه واختلاف ألفاظه في أحاديث الأنبياء وقد طعن صاحب الكشّاف في معنى هذا الحديث وتوقّف في صحّته فقال إن صحّ هذا الحديث فمعناه أنّ كلّ مولودٍ يطمع الشّيطان في إغوائه إلّا مريم وابنها فإنّهما كانا معصومين وكذلك من كان في صفتهما لقوله تعالى إلّا عبادك منهم المخلصين قال واستهلال الصّبيّ صارخًا من مسّ الشّيطان تخييلٌ لطمعه فيه كأنّه يمسّه ويضرب بيده عليه ويقول هذا ممّن أغويه وأمّا صفة النّخس كما يتوهّمه أهل الحشو فلا ولو ملك إبليس على النّاس نخسهم لامتلأت الدّنيا صراخًا انتهى وكلامه متعقّبٌ من وجوهٍ والّذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه ولا مخالفة لما ثبت من عصمة الأنبياء بل ظاهر الخبر أنّ إبليس ممكّنٌ من مسّ كلّ مولودٍ عند ولادته لكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضرّه ذلك المسّ أصلًا واستثنى من المخلصين مريم وابنها فإنّه ذهب يمس علىعادته فحيل بينه وبين ذلك فهذا وجه الاختصاص ولا يلزم منه تسلّطه على غيرهما من المخلصين وأمّا قوله لو ملك إبليس إلخ فلا يلزم من كونه جعل له ذلك عند ابتداء الوضع أن يستمرّ ذلك في حقّ كلّ أحدٍ وقد أورد الفخر الرّازيّ هذا الإشكال وبالغ في تقريره على عادته وأجمل الجواب فما زاد على تقريره أنّ الحديث خبرٌ واحدٌ ورد على خلاف الدّليل لأنّ الشّيطان إنّما يغوي من يعرف الخير والشّرّ والمولود بخلاف ذلك وأنّه لو مكّن من هذا القدر لفعل أكثر من ذلك من إهلاكٍ وإفسادٍ وأنّه لا اختصاص لمريم وعيسى بذلك دون غيرهما إلى آخر كلام الكشّاف ثمّ أجاب بأنّ هذه الوجوه محتملةٌ ومع الاحتمال لا يجوز دفع الخبر انتهى وقد فتح اللّه تعالى بالجواب كما تقدّم والجواب عن إشكال الإغواء يعرف ممّا تقدّم أيضًا وحاصله أنّ ذلك جعل علامةً في الابتداء على من يتمكّن من إغوائه واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/212]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (2 - (بابٌ: {وإنّي أعيذها بك وذرّيتها من الشّيطان الرّجيم} (آل عمران: 36)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {إنّي أعيذها} الآية هذا إخبار من الله عز وجل عن امرأة عمران أم مريم، عليها السّلام، وهي حنة بنت فاقوذا أنّها قالت: إنّي أعيذها. أي: عوذتها باللّه عز وجل وعوذت ذريتها وهو ولدها عيسى، عليه السّلام، فاستجاب الله لها ذلك، كما يأتي الآن في حديث الباب.

- حدّثني عبد الله بن محمّدٍ حدّثنا عبد الرزّاق أخبرنا معمرٌ عن الزّهريّ عن سعيد ابن المسيّب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ما من مولودٍ يولد إلاّ والشّيطان يمّسّه حين يولد فيستهلّ صارخا من مسّ الشّيطان إيّا إلاّ مريم وابنها ثمّ يقول أبو هريرة وافرؤا إن شئتم {وإنّي أعيذها بك وذرّيتها من الشّيطان الرّجيم} .

عبد الله بن محمّد المعروف بالمسندي. والحديث قد مر في أحاديث الأنبياء، عليهم السّلام في: باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم} فإنّه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزّهريّ إلى آخره، ومر الكلام فيه هناك). [عمدة القاري: 18/139-140]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (2 - باب {وإنّى أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وإني أعيذها}) أي أجيرها ({بك وذريتها من الشيطان الرجيم}). [آل عمران: 36].
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ حدّثنا عبد الرّزّاق أخبرنا معمرٌ عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما من مولودٍ يولد إلاّ والشّيطان يمسّه حين يولد فيستهلّ صارخًا من مسّ الشّيطان إيّاه إلاّ مريم وابنها» ثمّ يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال):
(ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه) ابتداء للتسليط عليه وفي صفة إبليس وجنوده من بدء الخلق كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه (حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه) صارخًا نصب على المصدر كقوله قم قائمًا (إلا مريم وابنها) عيسى فحفظهما الله تعالى ببركة دعوة أمها حيث قالت: إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، ولم يكن لمريم ذري غير عيسى عليه الصلاة والسلام، وزاد في باب صفة إبليس ذهب يطعن فطعن في الحجاب، والمراد به
الجلدة التي يكون فيها الجنين وهي المشيمة. ونقل العيني أن القاضي عياضًا أشار إلى أن جميع الأنبياء يشاركون عيسى عليه الصلاة والسلام في ذلك. قال القرطبي: وهو قول مجاهد وقد طعن الزمخشري في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته فقال: إن صح فمعناه إن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما معصومان وكذلك كل من كان في صفتهما لقوله تعالى {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 40] واستهلاله صارخًا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه، ويقول هذا ممن أغويه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها = يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخًا وعياطًا اهـ.
قال المولى سعد الدين: طعن أوّلًا في الحديث بمجرّد أنه لم يوافق هواه وإلاّ فأي امتناع من أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما ترى وتسمع ولا يكون ذلك في جميع الأوقات حتى يلزم امتلاء الدنيا بالصراخ ولا تلك المسة للإغواء، وكفى بصحة هذا الحديث رواية التفات وتصحيح الشيخين له من غير قدح من غيرهما، وقال غيره: الحمل على طمع الشيطان في الإغواء صرف للكلام عن ظاهره وتكذيب لظاهر الخبر مع أنه لا مانع في العقل منه، وكيف تكون المحافظة عنده على قول ابن الرومي أولى من رعاية ظاهر كتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو هذيان ما أنزل الله به من سلطان.
وقال في الانتصاف: الحديث مدوّن في الصحاح فلا يعطله الميل إلى ترهات الفلاسفة والانتصار بقول ابن الرومي سوء أدب يجب أن يجتنب عنه. وقال الطيبي قوله: ما من مولود إلا والشيطان يمسه كقوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} [الحج: 4] في أن الواو داخلة بين الصفة والموصوف لتأكد اللصوق فتفيد الحصر مع التأكيد فإذن لا معنى لقوله كل من كان في صفتهما ولا يبعد اختصاصهما بهذه الفضيلة من دون الأنبياء. وأما قوله تعالى: {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 40] فجوابه أي بعد أن يمكنه الله تعالى من المس مع أن الله تعالى يعصمهم من الإغواء، وأما الشعر فهو من باب حسن التعليل فلا يصلح للاستشهاد.
(ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا) بالواو ولأبي ذر اقرؤوا (إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}) وهذا فيه شيء من حيث إن سياق الآية يدل على أن دعاء حنة أم مريم بإعاذتها وذريتها من الشيطان المفسر في الحديث بأن يعصما من مس الشيطان عند ولادتهما متأخر عن وضعها مريم، ولم أر من نبه على هذا والذي يظهر لي أن تكون حنة علمت أنوثة مريم قبل تمام وضعها عند بروزها إلى ما يعلم منه ذلك فقالت حينئذٍ إني وضعتها أنثى وإني أعيذها فاستجيب لها، ثم تكامل وضعها فأراد الشيطان التمكن من مريم فمنعه الله تعالى منها ببركة دعاء أمها والتعبير بالبعض عن الكل سائغ شائع وليس في الآية دليل على أنه تعالى استجاب دعاءها بل
الضمير في قوله تعالى: {فتقبلها ربها} [آل عمران: 37] لمريم أي فرضي بها ربها في النذر مكان الذكر نعم الحديث يدل على الإجابة فتأمل.
وهذا الحديث قد سبق في أحاديث الأنبياء في باب: {واذكر في الكتاب مريم} [مريم: 16] ). [إرشاد الساري: 7/52-53]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت وليس الذّكر كالأنثى وإنّي سمّيتها مريم وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فلمّا وضعتها} فلمّا وضعت حنّة النّذيرة، ولذلك أنّث ولو كانت الهاء عائدةً على ما الّتي في قوله: {إنّي نذرت لك ما في بطني محرّرًا} لكان الكلام: فلمّا وضعته قالت: ربّ إنّي وضعته أنثى.
ومعنى قوله: {وضعتها} ولدتها، يقال منه: وضعت المرأة تضع وضعًا. {قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى} أي ولدت النّذيرة أنثى {واللّه أعلم بما وضعت}.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة القرّاء: {وضعت} خبرًا من اللّه عزّ وجلّ عن نفسه أنّه العالم بما وضعت من غير قيلها: {ربّ إنّي وضعتها أنثى}.
وقرأ ذلك بعض المتقدّمين: {واللّه أعلم بما وضعت} على وجه الخبر بذلك عن أمّ مريم أنّها هي القائلة، واللّه أعلم بما ولدت منّي.
وأولى القراءتين بالصّواب ما نقلته الحجّة مستفيضةً فيها قراءته بينها لا يتدافعون صحّتها وذلك قراءة من قرأ: {واللّه أعلم بما وضعت} ولا يعترض بالشّاذّ عنها عليها.
فتأويل الكلام إذًا: واللّه أعلم من كلّ خلقه بما وضعت، ثمّ رجع جلّ ذكره إلى الخبر عن قولها، وأنّها قالت اعتذارًا إلى ربّها ممّا كانت نذرت في حملها فحرّرته لخدمة ربّها: {وليس الذّكر كالأنثى} لأنّ الذّكر أقوى على الخدمة وأقوم بها وأنّ الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدس والقيام بخدمة الكنيسة لما يعتريها من الحيض والنّفاس {وإنّي سمّيتها مريم}.
- كما: حدّثني ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى واللّه أعلم بما وضعت وليس الذّكر كالأنثى} أي لمّا جعلتها له محرّرةً نذيرةً.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق: {وليس الذّكر كالأنثى} لأنّ الذّكر هو أقوى على ذلك من الأنثى.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وليس الذّكر كالأنثى} كانت المرأة لا تستطيع أن يصنع بها ذلك، يعني أن تحرّر للكنيسة فتجعل فيها تقوم عليها وتكنسها فلا تبرحها ممّا يصيبها من الحيض والأذى، فعند ذلك قالت: {وليس الذّكر كالأنثى}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى} وإنّما كانوا يحرّرون الغلمان، قال: {وليس الذّكر كالأنثى وإنّي سمّيتها مريم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: كانت امرأة عمران حرّرت للّه ما في بطنها، وكانت على رجاءٍ أن يهب لها غلامًا؛ لأنّ المرأة لا تستطيع ذلك - يعني القيام على الكنيسة لا تبرحها وتكنسها - لما يصيبها من الأذى.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أنّ امرأة عمران ظنّت أنّ ما في بطنها غلامٌ، فوهبته للّه، فلمّا وضعت إذا هي جاريةٌ، فقالت تعتذر إلى اللّه: {ربّ إنّي وضعتها أنثى}.. {وليس الذّكر كالأنثى} تقول: إنّما يحرّر الغلمان، يقول اللّه: {واللّه أعلم بما وضعت} فقالت: {إنّي سمّيتها مريم}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن القاسم بن أبي بزّة، أنّه أخبره عن عكرمة، وأبي بكرٍ، عن عكرمة: فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى وليس الذّكر كالأنثى يعني في المحيض، ولا ينبغي لامرأةٍ أن تكون مع الرّجال؛ أمّها تقول ذلك). [جامع البيان: 5/336-338]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}
تعني بقولها: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها} وإنّي أجعل معاذها ومعاذ ذريّتها من الشّيطان الرّجيم بك.
وأصل المعاذ الموئل والملجأ والمعقل.
فاستجاب اللّه لها فأعاذها اللّه وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم، فلم يجعل له عليها سبيلا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من نفس مولودٍ يولد إلا والشّيطان ينال منه تلك الطّعنة، وبها يستهلّ الصّبيّ؛ إلاّ ما كان من مريم ابنة عمران فإنّها لمّا وضعتها قالت: ربّ إنّي أعيذها وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم، فضرب دونها حجابٌ، فطعن فيه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كلّ مولودٍ من ولد آدم له طعنةٌ من الشّيطان، وبها يستهلّ الصّبيّ؛ إلاّ ما كان من مريم ابنة عمران وولدها، فإنّ أمّها قالت حين وضعتها: {إنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم} فضرب دونهما حجابٌ فطعن في الحجاب
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيطٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عمرٍو، عن شعيب بن خالدٍ، عن الزّهرى، عن سعيد بن المسيّب، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ما من بني آدم مولودٌ إلاّ قد مسّه الشّيطان حين يولد، فيستهلّ صارخًا بمسّه إيّاه؛ غير مريم وابنها قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {إنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن أبي ذئبٍ، عن عجلان، مولى المشمعلّ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كلّ مولودٍ يولد من بني آدم يمسّه الشّيطان بأصبعه، إلاّ مريم وابنها.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: حدّثني عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أنّ أبا يونس سليمًا مولى أبي هريرة حدّثه، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كلّ بني آدم يمسّه الشّيطان يوم ولدته أمّه، إلاّ مريم وابنها
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو أنّ أبا يونس حدّثه، عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، مثله.
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من مولودٍ يولد إلاّ يمسّه الشّيطان فيستهلّ صارخًا من مسّة الشّيطان إلاّ مريم وابنها ثمّ يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا قيسٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من مولودٍ يولد إلاّ وقد عصره الشّيطان عصرةً أو عصرتين؛ إلاّ عيسى ابن مريم ومريم ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عمرو بن أبي قيسٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: ما ولد مولودٌ إلاّ وقد استهلّ غير المسيح ابن مريم لم يسلّط عليه الشّيطان ولم ينهزه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا المنذر بن النّعمان الأفطس، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: لمّا ولد عيسى أتت الشّياطين إبليس، فقالوا: أصبحت الأصنام قد نكّست رءوسها، فقال: هذا في حادثٍ حدث وقال: مكانكم فطار حتّى جاء خافقي الأرض، فلم يجد شيئًا، ثمّ جاء البحار فلم يجد شيئًا، ثمّ طار أيضًا فوجد عيسى قد ولد عند مذود حمارٍ، وإذا الملائكة قد حفّت حوله؛ فرجع إليهم فقال: إنّ نبيًّا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قطّ ولا وضعت إلاّ أنا بحضرتها إلاّ هذه، فآيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه اللّيلة، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفّة والعجلة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم} وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: كلّ بني آدم طعن الشّيطان في جنبه إلاّ عيسى ابن مريم وأمّه، جعل بينهما وبينه حجابٌ، فأصابت الطّعنة الحجاب ولم ينفذ إليهما شيءٌ وذكر لنا أنّهما كانا لا يصيبان الذّنوب كما يصيبها سائر بني آدم وذكر لنا أنّ عيسى كان يمشي على البحر كما يمشي على البرّ ممّا أعطاه اللّه تعالى من اليقين والإخلاص.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم} قال: إنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كلّ آدميٍّ طعن الشّيطان في جنبه غير عيسى وأمّه، كانا لا يصيبان الذّنوب كما يصيبها بنو آدم، قال: وقال عيسى صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يثني على ربّه: وأعاذني وأمّي من الشّيطان الرّجيم فلم يكن له علينا سبيلٌ.
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان، قال: حدّثنا شعيب بن اللّيث، قال: حدّثنا اللّيث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرّحمن بن هرمز، أنّه قال: قال أبو هريرة: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كلّ بني آدم يطعن الشّيطان في جنبه حين تلده أمّه، إلاّ عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب.
- حدّثنا الرّبيع، قال: حدّثنا شعيبٌ، قال: أخبرنا اللّيث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرّحمن بن هرمز، أنّه قال: قال أبو هريرة: أرأيت هذه الصّرخة الّتي يصرخها الصّبيّ، حين تلده أمّه؟ فإنّها منها.
- حدّثني أحمد بن الفرج، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، قال: حدّثنا الزّبيديّ، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما من بني آدم مولودٌ إلاّ يمسّه الشّيطان حين يولد يستهلّ صارخًا). [جامع البيان: 5/339-344]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فلمّا وضعتها
- ذكره أحمد بن محمّد بن أسلم الرّازيّ، ثنا إسحاق بن راهويه، ثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: فلمّا وضعتها أنثى ضنّت بها، قالت: ربّ إنّي وضعتها أنثى.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فلمّا وضعتها قال: فلما وضعت إذا هي جارية، ف قالت تعتذر إلى اللّه: ربّ إنّي وضعتها أنثى
- حدّثنا الحسن بن السّكن البصريّ، ثنا أبو زيدٍ النّحويّ، ثنا قيسٌ، عن ابن أبي ليلى عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى:
فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى وكانت ترجو أن يكون ذكرًا.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قالت: ربّ إنّي وضعتها أنثى يعني أنّ المرأة لا تستطيع ذلك
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ، أخبرني القاسم بن أبي بزّة، أنّ عكرمة قال: فلمّا وضعتها قالت ربّ إنّي وضعتها أنثى قالت: ليس في الكنيسة إلا الرّجل، فلا ينبغي لإمرأةٍ أن تكون مع الرّجال، أمّها تقوله، فذلك الذي منعها أن يجعلها في الكنيسة وينفذ نذرها بتحريرها في الكنيسة.
قوله تعالى: واللّه أعلم بما وضعت
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ يقول اللّه: واللّه أعلم بما وضعت
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا موسى بن هارون، ثنا مروانٌ عن جويبرٍ، عن الضّحّاك فلمّا وضعتها فرأتها أنثى قالت: إنّي وضعتها أنثى وأنت أعلم بما وضعت يعني: برفع التّاء.
قوله تعالى: وليس الذّكر كالأنثى وإنّي سمّيتها مريم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا موسى بن هارون، ثنا مروانٌ، عن جويبرٍ عن الضّحّاك وليس الذّكر كالأنثى أي لما جعلها له نذيرةً، والنّذيرة أن تعبد اللّه لأنّ الذّكر هو أقوى على ذلك من الأنثى.
قوله تعالى: وإنّي أعيذها بك
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ، عن ابن المسيب و، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من مولودٍ يولد إلا مسّه الشّيطان، فيستهلّ صارخًا من مسّة الشّيطان إيّاه إلا مريم وابنها، ثمّ يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: وإنّي أعيذها بك وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم
قوله تعالى: وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: وذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم إنّ عيسى من تلك الذّرّيّة قد عرفوا أنّه لم يكن لمريم ولدٌ فيما شبّه عليهم.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: الرّجيم يعني: ملعونٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/636-638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال: إن امرأة عمران كانت عجوزا عاقرا تسمى حنة وكانت لا تلد فجعلت تغبط النساء لأولادهن فقالت: اللهم إن علي نذرا شكرا إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته وخدامه {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} يعني في المحيض ولا ينبغي لامرأة أن تكون مع الرجال ثم خرجت أم مريم تحملها في خرقتها إلى بني الكاهن ابن هارون أخي موسى قال: وهم يومئذ يلون من بيت
المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فإني حررتها وهي ابنتي ولا يدخل الكنيسة حائض وأنا لا أردها إلى بيتي فقالوا: هذه ابنة إمامنا - وكان عمران يؤمهم في الصلاة - فقال زكريا: ادفعوها إلي فإن خالتها تحتي فقالوا: لا تطيب أنفسنا بذلك، فذلك حين اقترعوا عليها بالأقلام التي يكتبون بها التوراة فقرعهم زكريا فكفلها.
وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس أنه كان يقرأ {والله أعلم بما وضعت}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ {بما وضعت} برفع التاء.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه كان يقرؤها برفع التاء.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سفيان بن حسين {والله أعلم بما وضعت} قال: على وجه الشكاية إلى الرب تبارك وتعالى.
وأخرج عبد بن حميد عن الأسود أنه كان يقرؤها {والله أعلم بما وضعت} بنصب العين.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم أنه كان يقرؤها {والله أعلم بما وضعت} بنصب العين
أما قوله تعالى {وإني أعيذها} الآية.
أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها ثم قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود من ولد آدم له طعنة من الشيطان وبها يستهل الصبي إلا ما كان من مريم بنت عمران وولدها فإن أمها قالت حين وضعتها {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} فضرب بينهما حجاب فطعن في الحجاب.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مولود يولد إلا وقد عصره الشيطان عصرة أو عصرتين إلا عيسى بن مريم ومريم ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: ما ولد مولود إلا قد استهل غير المسيح ابن مريم لم يسلط عليه الشيطان ولم ينهزه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن عساكر عن وهب بن منبه قال: لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا: أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها فقال: هذا حدث مكانكم فطار حتى جاب خافقي الأرض فلم يجد شيئا ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء ثم طار أيضا فوجد عيسى عليه السلام قد ولد عند مدود حمار وإذا الملائكة قد حفت حوله فرجع إليهم فقال: ان نبيا قد ولد البارحة ما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذا، فأيسوا أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} قال: ذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كل بني آدم طعن الشيطان في جنبه إلا عيسى بن مريم وأمه جعل بينهما وبينه حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ اليهما شيء، وذكر لنا أنهما كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبه سائر بني آدم، وذكر لنا أن عيسى عليه السلام كان يمشي على البحر كما يمشي على البر مما أعطاه الله من اليقين والإخلاص
وأخرج ابن جرير عن الربيع {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} قال: إن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كل آدمي طعن الشيطان في جنبه غير عيسى وأمه كانا لا يصيبان الذنوب كما يصيبها بنو آدم، قال: وقال عيسى صلى الله عليه وسلم فيما يثني على ربه: وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم فلم يكن له علينا سبيل.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: لولا أنها قالت {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} إذن لم تكن لها ذرية). [الدر المنثور: 3/512-521]

تفسير قوله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وجد عندها رزقا قال وجد عندها ثمرة في غير زمانها قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/120]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى إذ يلقون أقلمهم قال تساهموا على مريم أيهم يكفلها فقرعهم زكريا). [تفسير عبد الرزاق: 1/121]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وكفّلها زكريّا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، قال: قلت: للأعمش: إنّ حميدًا يقرأ: {يا زكريا} - جزمًا -، فأعجبه). [سنن سعيد بن منصور: 3/1042]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {وكفلها زكريا} قال: سهمهم بقلمه). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 73]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً} قال: عنب وجدها زكريّا عند مريم في غير زمانه). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 74]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :
(القول في تأويل قوله تعالى: {فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتًا حسنًا وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ}
يعني بذلك ان الله جلّ ثناؤه: تقبّل مريم من أمّها حنّة تحريرها إيّاها للكنيسة وخدمتها، وخدمة ربّها بقبولٍ حسنٍ.
والقبول: مصدرٌ من قبلها ربّها، فأخرج المصدر على غير لفظ الفعل، ولو كان على لفظه لكان: فتقبّلها ربّها تقبّلاً حسنًا، وقد تفعل العرب ذلك كثيرًا أن يأتوا بالمصادر على أصول الأفعال وإن اختلفت ألفاظها في الأفعال بالزّيادة، وذلك كقولهم: تكلّم فلانٌ كلامًا، ولو أخرج المصدر على الفعل لقيل: تكلّم فلانٌ تكلّمًا، ومنه قوله: {وأنبتها نباتًا حسنًا} ولم يقل: إنباتًا حسنًا.
وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنّه قال: لم نسمع العرب تضمّ القاف في قبولٍ، وكان القياس الضّمّ؛ لأنّه مصدرٌ مثل الدّخول والخروج، قال: ولم أسمع بحرفٍ آخر في كلام العرب يشبهه
حدّثت بذلك، عن أبي عبيدٍ، قال: أخبرني اليزيديّ، عن أبي عمرٍو وأمّا، قوله: {وأنبتها نباتًا حسنًا} فإنّ معناه: وأنبتها ربّها في غذائه ورزقه نباتًا حسنًا حتّى تمّت فكملت امرأةً بالغةً تامّةً.
- كما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال اللّه عزّ وجلّ: {فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ} قال: تقبّل من أمّها ما أرادت بها للكنيسة وآجرها فيها {وأنبتها} قال: نبتت في غذاء اللّه). [جامع البيان: 5/344-345]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكفّلها زكريّا}
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وكفّلها} فقرأته عامّة قرّاء أهل الحجاز والمدينة والبصرة: (وكفلها) مخفّفة الفاء بمعنى: ضمّها زكريّا إليه، اعتبارًا بقول اللّه عزّ وجلّ: {يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم}
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {وكفّلها زكريّا} بمعنى: وكفّلها اللّه زكريّا.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندي قراءة من قرأ: {وكفّلها} مشدّدة الفاء بمعنى: وكفّلها اللّه زكريّا، بمعنى: وضمّها اللّه إليه؛ لأنّ زكريّا أيضًا ضمّها إليها بإيجاب اللّه له ضمّها إليه بالقرعة الّتي أخرجها اللّه له، والآية الّتي أظهرها لخصومه فيها، فجعله بها أولى منهم، إذ قرع فيها من شاحّه فيها. وذلك أنّه بلغنا أنّ زكريّا وخصومه في مريم إذ تنازعوا فيها أيّهم تكون عنده، تساهموا بقداحهم فرموا بها في نهر الأردنّ، فقال بعض أهل العلم: رتز قدح زكريّا، فقام فلم يجر به الماء وجرى بقداح الآخرين الماء، فجعل اللّه ذلك لزكريّا علما أنّه أحقّ المتنازعين فيها بها.
وقال آخرون: بل صعد قدح زكريّا في النّهر، وانحدرت قداح الآخرين مع جرية الماء وذهبت، فكان ذلك له علمًا من اللّه في أنّه أولى القوم بها.
وأيّ الأمرين كان من ذلك فلا شكّ أنّ ذلك كان قضاءً من اللّه بها لزكريّا على خصومه بأنّه أولاهم بها، وإذا كان ذلك كذلك، فإنّما ضمّها زكريّا إلى نفسه بضمّ اللّه إيّاها إليه بقضائه له بها على خصومه عند تشاحهم فيها واختصامهم في أولاهم بها.
وإذا كان ذلك كذلك كان بيّنًا أنّ أولى القراءتين بالصّواب ما اخترنا من تشديد كفّلها
وأمّا ما اعتلّ به القارئون ذلك بتخفيف الفاء من قول اللّه: {أيّهم يكفل مريم} وأنّ ذلك موجبٌ صحّة اختيارهم التّخفيف في قوله: (وكفلها) فحجّةٌ دالّةٌ على ضعف احتيال المحتجّ بها، وذلك أنّه غير ممتنعٍ ذو عقلٍ من أن يقول قائلٌ: كفّل فلانٌ فلانًا فكفله فلانٌ، فكذلك القول في ذلك: ألقى القوم أقلامهم أيّهم يكفل مريم، بتكفيل اللّه إيّاه بقضائه الّذي يقضي بينهم فيها عند إلقائهم الأقلام.
وكذلك اختلفت القرّاء في قراءة {زكريّا}، فقرأته عامّة قرّاء المدينة بالمدّ، وقرأته عامّة قرّاء الكوفة بالقصر، وهما لغتان معروفتان وقراءتان مستفيضتان في قراءة المسلمين، وليس في القراءة بإحداهما خلافٌ لمعنى القراءة الأخرى، فبأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ.
غير أنّ الصّواب عندنا إذا مدّ {زكريّا}، أن ينصب بغير تنوينٍ؛ لأنّه اسمٌ من أسماء العجم لا يجرى، ولأنّ قراءتنا في {كفّلها} بالتّشديد وتثقيل الفاء، فزكريّاء منصوبٌ بالفعل الواقع عليه.
وفي زكريّا لغةٌ ثالثةٌ لا تجوز القراءة بها لخلافها مصاحف المسلمين وهو زكريٌّ، بحذف المدّة والياء السّاكنة، تشبّهه العرب بالمنسوب من الأسماء فتنوّنه، وتجريه في أنواع الإعراب مجاري ياء النّسبة.
فتأويل الكلام: وضمّها اللّه إلى زكريّا، من قول الشّاعر:
فهو لضلاّل الهوام كافل
يراد بّه لمّا ضلّ من متفرّق النّعم ومنتشره ضامٌّ إلى نفسه وجامعٌ
وقد روي:
فهو لضلال الهوافي كافل
بمعنى أنّه لمّا ندّ فهرب من النّعم ضامٌّ، من قولهم: هفا الظّليم: إذا أسرع الطّيران،
يقال منه للرّجل: ما لك تكفل كلّ ضالّةٍ؟ يعني به: تضمّها إليك وتأخذها.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد الرّحمن بن الأسود الطّفاويّ، قال: حدّثنا محمّد بن ربيعة، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، في قوله: {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم} قال: ألقوا أقلامهم فجرت بها الجرية إلاّ قلم زكريّا صاعدًا، فكفلها زكريّا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {وكفّلها زكريّا} قال: ضمّها إليه، قال: ألقوا أقلامهم، يقول عصيّهم، قال: فألقوها تلقاء جرية الماء، فاستقبلت عصا زكريّا جرية الماء فقرعهم.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال اللّه عزّ وجلّ: {فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتًا حسنًا} فانطلقت بها أمّها في خرقها - يعني أمّ مريم - بمريم حين ولدتها إلى المحراب - وقال بعضهم: انطلقت حين بلغت إلى المحراب - وكان الّذين يكتبون التّوراة إذا جاءوا إليهم بإنسانٍ يحرّرونه اقترعوا عليه أيّهم يأخذه فيعلّمه، وكان زكريّا أفضلهم يومئذٍ وكان نبيهم، وكانت خالة مريم تحته، فلمّا أتوا بها اقترعوا عليها، وقال لهم زكريّا: أنا أحقّكم بها تحتي اختها، فأبوا، فخرجوا إلى نهر الأردنّ، فألقوا أقلامهم الّتي يكتبون بها، أيّهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام وقام قلم زكريّا على قرنته كأنّه في طينٍ، فأخذ الجارية؛ وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {وكفّلها زكريّا} فجعلها زكريّا معه في بيته، وهو المحراب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وكفّلها زكريّا} يقول: ضمّها إليه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {وكفّلها زكريّا} قال: سهمهم بقلمه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، قال: كانت مريم ابنة سيّدهم وإمامهم، قال: فتشاحّ عليها أحبارهم، فاقترعوا فيها بسهامهم أيّهم يكفلها قال قتادة: وكان زكريّا زوج أختها فكفلها، وكانت عنده وحضنها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن القاسم بن أبي بزّة، أنّه أخبره، عن عكرمة، وأبي بكرٍ، عن عكرمة، قال: ثمّ خرجت بها يعني أمّ مريم بمريم في خرقها تحملها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى بن عمران، قال: وهم يومئذٍ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة، فقالت لهم: دونكم هذه النّذيرة فإنّي حرّرتها وهي ابنتي، ولا يدخل الكنيسة حائضٌ، وأنا لا أردّها إلى بيتي، فقالوا: هذه ابنة إمامنا وكان عمران يؤمّهم في الصّلاة، وصاحب قربانهم، فقال زكريّا: ادفعوها إليّ فإنّ خالتها عندي، قالوا: لا تطيب أنفسنا هي ابنة إمامنا، فذلك حين اقترعوا فاقترعوا بأقلامهم عليها، بالأقلام الّتي يكتبون بها التّوراة، فقرعهم زكريّا فكفلها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: جعلها زكريّا معه في محرابه، قال اللّه عزّ وجلّ: {وكفّلها زكريّا} قال حجّاجٌ: قال ابن جريجٍ: الكاهن في كلامهم: العالم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {وكفّلها زكريّا} بعد أبيها وأمّها، يذكرها باليتم، ثمّ قصّ خبرها وخبر زكريّا.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {وكفّلها زكريّا} قال: كانت عنده.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: {وكفّلها زكريّا} قال: جعلها زكريّا معه في محرابه.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتًا حسنًا} وتقارعها القوم، فقرع زكريّا، فكفلها زكريّا.
وقال آخرون: بل كان زكريّا بعد ولادة حنّة ابنتها مريم كفلها بغير اقتراعٍ ولا استهامٍ عليها ولا منازعة أحدٍ إيّاه فيها، وإنّما كفلها لأنّ أمّها ماتت بعد موت أبيها وهي طفلةٌ، وعند زكريّا خالتها إيشاع ابنة فاقوذ؛ وقد قيل: إنّ اسم أمّ يحيى خالة عيسى: أشيع.
- حدّثنا بذلك القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيبٍ الجبئيّ، أنّ اسم أمّ يحيى: أشيع
فضمّها إلى خالتها أمّ يحيى، فكانت إليهم ومعهم، حتّى إذا بلغت أدخلوها الكنيسة لنذر أمّها الّتي نذرت فيها.
قالوا: والاقتراع فيها بالأقلام، إنّما كان بعد ذلك بمدّةٍ طويلةٍ لشدّةٍ أصابتهم ضعف زكريّا عن حمل مؤنتها، فتدافعوا حمل مؤنتها، لا رغبةً منهم، ولا تنافسًا عليها وعلى احتمال مؤنتها
وسنذكر قصّتها على قول من قال ذلك إذا بلغنا إليها إن شاء اللّه تعالى.
- حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق.
فعلى هذا التّأويل تصحّ قراءة من قرأ: (وكفلها زكريّاء) بتخفيف الفاء لو صحّ التّأويل، غير أنّ القول متظاهرٌ من أهل التّأويل بالقول الأوّل أنّ استهام القوم فيها كان قبل كفالة زكريّا إيّاها، وأنّ زكريّا إنّما كفلها بإخراج سهمه منها فالجًا على سهام خصومه فيها، فلذلك كانت قراءته بالتّشديد عندنا أولى من قراءته بالتّخفيف). [جامع البيان: 5/345-353]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه أنّ زكريّا كان كلّما دخل عليها المحراب بعد إدخاله إيّاها المحراب وجد عندها رزقًا من اللّه لغذائها.
فقيل: إنّ ذلك الرّزق الّذي كان يجده زكريّا عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف، وفاكهة الصّيف في الشّتاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الحسن بن عطيّة، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وجد عندها رزقًا} قال: وجد عندها عنبًا في مكتلٍ في غير حينه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، في قوله: {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا} قال: العنب في غير حينه.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {وجد عندها رزقًا} قال: فاكهةً في غير حينها.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا أبو إسحاق الكوفيّ، عن الضّحّاك، أنّه كان يجد عندها فاكهة الصّيف في الشّتاء وفاكهة الشّتاء في الصّيف، يعني في قوله: {وجد عندها رزقًا}
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن بعض أشياخه، عن الضّحّاك، مثله
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، مثله.
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا من، سمع الحكم بن عتيبة، يحدّث عن مجاهدٍ، قال: كان يجد عندها العنب في غير حينه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {وجد عندها رزقًا} قال: عنبًا وجده زكريّا عند مريم في غير زمانه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وجد عندها رزقًا} قال: فاكهة الصّيف في الشّتاء، وفاكهة الشّتاء في الصّيف.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا} قال: كنّا نحدّث أنّها كانت تؤتى بفاكهة الشّتاء في الصّيف، وفاكهة الصّيف في الشّتاء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وجد عندها رزقًا} قال: وجد عندها ثمرةً في غير زمانها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: جعل زكريّا دونها عليها سبعة أبوابٍ، فكان يدخلها عليها، فيجد عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف، وفاكهة الصّيف في الشّتاء.
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: جعلها زكريّا معه في بيتٍ وهو المحراب، فكان يدخل عليها في الشّتاء، فيجد عندها فاكهة الصّيف، ويدخل في الصّيف فيجد عندها فاكهة الشّتاء.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {وجد عندها رزقًا} قال: كان يجد عندها فاكهة الصّيف في الشّتاء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا} قال: وجد عندها ثمار الجنّة، فاكهة الصّيف في الشّتاء وفاكهة الشّتاء في الصّيف.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني بعض أهل العلم أنّ زكريّا كان يجد عندها ثمرة الشّتاء في الصّيف، وثمرة الصّيف في الشّتاء.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، قال: كان زكريّا إذا دخل عليها - يعني على مريم - المحراب وجد عندها رزقًا من السّماء من اللّه، ليس من عند النّاس وقالوا: لو أنّ زكريّا كان يعلم أنّ ذلك الرّزق من عنده لم يسألها عنه
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنّ زكريّا كان إذا دخل إليها المحراب وجد عندها من الرّزق فضلاً عمّا كان يأتيها به الّذي كان يموّنها في تلك الأيّام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: كفلها زكريا بعد هلاك أمّها، فضمّها إلى خالتها أمّ يحيى، حتّى إذا بلغت أدخلوها الكنيسة لنذر أمّها الّذي نذرت فيها، فجعلت تنبت وتزيد، قال ثمّ أصابت بني إسرائيل أزمةٌ وهي على ذلك من حالها حتّى ضعف زكريّا عن حملها، فخرج على بني إسرائيل، فقال: يا بني إسرائيل أتعلمون واللّه لقد ضعفت عن حمل ابنة عمران فقالوا: ونحن لقد جهدنا وأصابنا من هذه السّنة ما أصابكم. فتدافعوها بينهم، وهم لا يرون لهم من حملها بدًّا. حتّى تقارعوا بالأقلام فخرج السّهم بحملها على رجلٍ من بني إسرائيل نجّارٍ يقال له جريجٌ،
قال: فعرفت مريم في وجهه شدّة مؤنة ذلك عليه، فكانت تقول له: يا جريج، أحسن باللّه الظّنّ، فإنّ اللّه سيرزقنا فجعل جريجٌ يرزق بمكانها، فيأتيها كلّ يومٍ من كسبه بما يصلحها، فإذا أدخله عليها وهي في الكنيسة أنماه اللّه وكثّره، فيدخل عليها زكريّا فيرى عندها فضلاً من الرّزق وليس بقدر ما يأتيها به جريجٌ، فيقول: يا مريم، أنّى لك هذا؟ فتقول: هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ
وأمّا المحراب فهو مقدّم كلّ مجلسٍ ومصلًّى، وهو سيّد المجالس وأشرفها وأكرمها، وكذلك هو من المساجد، ومنه قول عديّ بن زيدٍ:
كدمى العاج في المحاريب أو كال = بيض في الرّوض زهره مستنير
والمحاريب جمع محرابٍ، وقد يجمع على محارب). [جامع البيان: 5/353-358]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قال زكريّا يا مريم: أنّى لك هذا؟ من أي وجهٍ لك هذا الّذي أرى عندك من الرّزق، قالت مريم مجيبةً له: هو من عند اللّه، تعني أنّ اللّه هو الّذي رزقها ذلك فساقه إليها وأعطاها.
وإنّما كان زكريّا يقول ذلك لها.لأنّه كان فيما ذكر لنا يغلق عليها سبعة أبوابٍ، ويخرج ثمّ يدخل عليها، فيجد عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف، وفاكهة الصّيف في الشّتاء، فكان يعجب ممّا يرى من ذلك، ويقول لها تعجّبًا ممّا يرى: أنّى لك هذا؟ فتقول: من عند اللّه
- حدّثني بذلك المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني بعض أهل العلم، فذكر نحوه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه} قال: فإنّه وجد عندها الفاكهة الغضّة حين لا توجد الفاكهة عند أحدٍ، فكان زكريّا يقول: يا مريم أنّى لك هذا؟
وأمّا قوله: {إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ} فخبرٌ من اللّه أنّه يسوق إلى من يشاء من خلقه رزقه بغير إحصاءٍ ولا عددٍ يحاسب عليه عبده؛ لأنّه جلّ ثناؤه لا ينقص سوقه ذلك إليه كذلك خزائنه، ولا يزيد إعطاؤه إيّاه، ومحاسبته عليه في ملكه، وفيما لديه شيئًا، ولا يعزب عنه علم ما يرزقه، وإنّما يحاسب من يعطي ما يعطيه من يخشى النّقصان من ملكه، بخروج ما خرج من عنده بغير حسابٍ معروفٍ ومن كان جاهلاً بما يعطي على غير حسابٍ). [جامع البيان: 5/358-359]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتًا حسنًا وكفّلها زكريّا كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حسابٍ (37)
قوله تعالى: فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ
- حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي، ثنا يونس بن محمّدٍ، ثنا الحكم بن الصّلت قال: سألت شرحبيل بن سعدٍ عن قوله: فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ فقال: وقبل اللّه أنثاهم أن يجعلوها في البيعة.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا حسينٌ المرّوذيّ ثنا شيبان، عن قتادة فتقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ وأنبتها نباتًا حسنًا قال: حدّثنا أنّهما كانا لا يصيبان الذّنوب كما يصيبها بنو آدم، وأنّ نبيّ اللّه عيسى عليه السّلام كان يمشي على الماء كما كان يمشي على البرّ ممّا أعطاه اللّه من اليقين والإخلاص.
قوله تعالى: وأنبتها نباتًا حسنًا
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، أنبأ عبد الكبير، حدّثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن فقال: تقبّلها ربّها بقبولٍ حسنٍ، وأنبتها نباتًا حسنًا، وتقارعها القوم فقرع زكريا.
قوله تعالى: وكفلها زكريا
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: وكفّلها زكريّا قال: ساهمهم بقلمه.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة قال: تساهموا على مريم أيّهم يكفلها.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: وكفّلها زكريّا يقول: ضمّها إليه.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن أبي طلحة، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: وكان زكريّا أفضلهم يومئذٍ، وكان نبيّهم، وكانت أخت مريم تحته، فلمّا أتوا بها اقترعوا عليها، وقال لهم زكريّا: أنا أحقّكم بها تحتي أختها، فأبوا فخرجوا إلى نهر الأردنّ، فألقوا أقلامهم الّتي يكتبون بها، أيّهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام وقام قلم زكريّا على هيئته كأنّه في طينٍ، وأخذ الجارية فذلك قوله تعالى:
وكفّلها زكريّا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق قوله: وكفّلها زكريّا بعد أبيها وأمّها يذكّرها اليتم.
قوله تعالى: كلّما دخل عليها زكريّا المحراب
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: كلّما دخل عليها زكريّا المحراب قال: فجعلها زكريّا معه في بيته وهو في المحراب.
قوله تعالى: وجد عندها رزقًا
- حدّثنا محمّد بن موسى بن سالمٍ القاشاني المقرئ، ثنا زهير بن عبّادٍ ثنا أبو سليمان النّصيبيّ يعني داود، عن مالك بن مغولٍ، عن إبراهيم بن المهاجر قوله:
وجد عندها رزقًا يعني: مريم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا شريك، عن عطاء ابن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ وجد عندها رزقًا قال: وجد عندها عنبًا في مكتلٍ في غير حينه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة عن النّضر عن عكرمة وجد عندها رزقًا قال: فاكهة الشّتاء في الصّيف، وفاكهة الصّيف في الشّتاء.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الطّاهر أحمد بن عمرٍو، ثنا خالد بن عبد الرّحمن عن مالك بن مغولٍ، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ وجد عندها رزقًا قال: الرّمّان والعنب في غير حينه. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ في أحد قوليه، وسعيد بن جبيرٍ وجابر بن زيدٍ، والضّحّاك وإبراهيم النّخعيّ، وقتادة والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ، وعطيّة العوفيّ نحو ذلك.
وروي عن مجاهدٍ وجهٌ آخر: حدّثنا أحمد بن الفضل العسقلانيّ، ثنا عليّ بن الحسن المروزيّ، ثنا إبراهيم بن رستم، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في هذه الآية وجد عندها رزقًا قال: علمًا أو صحفًا فيها علمٌ.
قوله تعالى: قال يا مريم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا موسى بن هارون، ثنا مروانٌ، عن جويبرٍ عن الضّحّاك أنّى لك هذا يقول: من أتاك بهذا؟.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: أنّى يعني: من أين؟
قوله تعالى: هو من عند اللّه
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: يا مريم أنّى لك هذا قالت: هو من عند اللّه فإنّه وجد عندها الفاكهة الغضّة حين لا توجد الفاكهة عند أحدٍ، وكان زكريّا يقول: يا مريم أنّى لك هذا؟ قالت: هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب). [تفسير القرآن العظيم: 2/638-640]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وكفلها زكريا يقول ساهمهم بقلمه فسهمهم فكان كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يعني ثمرا في غير زمانه). [تفسير مجاهد: 125]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير في قوله وجد عندها رزقا قال وجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه فهنالك دعا ربه أي عند ذلك دعا ربه فقال إن الذي رزق مريم هذا في غير حينه لقادر على أن يرزقني ولدا من امرأتي العاقر). [تفسير مجاهد: 126]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 37
أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {فتقبلها ربها بقبول حسن} قال: تقبل من أمها ما أرادت بها الكنيسة فأجرها فيه {وأنبتها نباتا حسنا} قال: نبتت في غذاء الله.
وأخرج ابن جرير عن الربيع وكفلها زكريا قال: ضمها إليه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها رزقا عنبا في مكتل في غير حينه {قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} قال: إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدا {هنالك دعا زكريا ربه} فلما بشر بيحيى قال {رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس} قال: يعتقل لسانك من غير مرض وأنت سوي.
وأخرج عبد بن حميد وآدم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن مجاهد في قوله {وكفلها زكريا} قال: سهمهم بقلمه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها وكان زكريا زوج خالتها فكفلها وكانت عنده وحضنتها.
وأخرج البيهقي في "سننه" عن ابن مسعود، وابن عباس وناس من الصحابة أن الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاؤوا إليهم بإنسان محرر واقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه وكان زكريا أفضلهم يومئذ وكان معهم وكانت أخت أم مريم تحته فلما أتوا بها قال لهم زكريا: أنا أحقكم بها تحتي أختها، قال: فخرجوا إلى نهر الأردن فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها فجرت الأقلام وقام قلم زكريا على قرنيه كأنه في طين فأخذ الجارية.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وكفلها زكريا} قال: جعلها معه في محرابه.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم بن أبي النجود أنه قرأها {وكفلها} مشددة {زكريا} ممدودة مهموز منصوب.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس {وجد عندها رزقا} قال: مكتلا فيه عنب في غير حينه.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن جرير عن مجاهد {وجد عندها رزقا} قال: عنبا في غير زمانه.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر عن مجاهد {وجد عندها رزقا} قال: فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن مجاهد {وجد عندها رزقا} قال: علما.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وجد عندها رزقا} قال: وجد عندها ثمار الجنة، فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وجد عندها رزقا} قال: الفاكهة الغضة حين لا توجد الفاكهة عند أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك {إني} يعني من أين.
وأخرج عن الضحاك {أنى لك هذا} يقول من أتاك بهذا.
وأخرج أبو يعلى، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئا فأتى فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فاني جائع فقالت: لا والله، فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت: والله لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: - بأبي أنت وأمي - قد أتى الله بشيء قد خبأته لك فقال: هلمي يا بنية بالجفنة فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلما رآه حمد الله وقال: من أين لك هذا يا بنية قالت: يا أبت {هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}). [الدر المنثور: 3/521-525]


رد مع اقتباس