عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1431هـ/31-10-2010م, 11:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 15 إلى 24]

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) }

تفسير قوله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ...}.
أخبرني حبّان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
مثل الجنة، أمثال الجنة، صفات الجنة. قال ابن عباس: وكذلك قرأها علي بن أبي طالب: أمثال.
وقوله: {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ...} غير متغير، غير آجن.
وقوله: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ...} لم يخرج من ضروع الإبل ولا الغنم برغوته.
وقوله: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ...} اللذة مخفوضة، وهي الخمر بعينها، وإن شئت جعلتها تابعة للأنهار، وأنهارٌ لذةٌ، وإن شئت نصبتها على يتلذذ بها لذة، كما تقول: هذا لك هبةً وشبهه،
ثم قال: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ} لم يقل: أمن كان في هذا كمن هو خالد في النار؟ ولكنه فيه ذلك المعنى فبنى عليه). [معاني القرآن: 3/60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "{مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ}" الآسن المتغير الريح يقال: قد أسن ماء ركيّتك). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {غير آسن}: أي متغير الريح). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ} أي غير متغير الريح والطعم و«الآجن» نحوه.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} أي: لذيذة. يقال: شراب لذّ، إذا كان طبيبا). [تفسير غريب القرآن: 410]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمثل: الصّورة والصّفة، كقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ}[محمد: 15] أي صفة الجنة). [تأويل مشكل القرآن: 496]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)}
({مثل الجنّة}).
تفسير لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، ففسر تلك الأنهار فقال: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي مما عرفتموه من الدنيا من جناتها وأنهارها جنّة {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ}.
ويقرأ من ماء غير أسن، ويجوز في العربية أسن، يقال أسن الماء يأسن فهو آسن، ويقال: أسن الماء فهو أسن إذا تغيرت رائحته، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن أنهار الجنة لا تتغير رائحة مائها، ولا يأسن.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} أي لا يدخله ما يدخل ألبان الدنيا من التغير.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} ليس فيها غول أي لا تسكر ولا تفنى.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} معناه مصفى لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع.
{وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}.
كما قال: ({إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ})، وصف تلك الجنات فقال: مثل الجنّة جنّة كما وصف.
وقيل إن المعنى صفة الجنّة، وهو نحو مما فسّرنا.
ثم قال: {وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي لهم فيها من كل الثمرات ولهم مغفرة من ربهم، يغفر ذنوبهم ولا يجازون بالسيئات، ولا يوبّخون في الجنّة، فيكون الفوز العظيم والعطاء الجزيل.
ثم قال: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}.
المعنى أفمن كان على بينة من ربّه وأعطى هذه الأشياء، كمن زيّن له سوء عمله وهو خالد في النّار.
(وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) واحد الأمعاء معى، مثل ضلع وأضلاع). [معاني القرآن: 5/9-10]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ} [آية: 15]
ولم يأت بالمماثل ، في معناه ثلاثة أقوال :
أ - منها أن مثلا بمعنى صفة قال ذلك النضر بن شميل والفراء
وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قرأ أمثال الجنة التي وعد المتقون
قال أبو جعفر فهذا قول ويكون على هذا مثل على معنى مثل ويكون فيه خلاف معناه كما أن في عدل خلاف معنى عدل
ب - وقيل المعنى مثل الجنة التي وعد المتقون فيما تعرفون في الدنيا جنة فيها أنهار
ج - والقول الثالث أن المعنى على التوبيخ والتقرير أي مثل الجنة التي وعد المتقون كمن هو خالد في النار أي مثل المطيع عندكم كمثل العاصي
وروى معمر عن قتادة من ماء غير آسن قال غير منتن
قال قتادة الآسن المتغير الآجن
قال أبو جعفر قول قتادة أصح لأنه يقال أسن الماء يأسن ويأسن فهو آسن وأسن إذا أنتن فلم يقدر أحد على شربه وأجن يأجن وهو آجن إذا تغير وإن كان شرب على كره
وقوله جل وعز: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [آية: 15] يقال شراب لذيذ ولذ
{وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} أي ليس كعسل الدنيا الذي فيه الشمع وغيره
( وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي ولهم مغفرة من ربهم
ثم قال تعالى: {مَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ} قال أبو جعفر قد تقدم القول فيها
وفيه قول آخر وهو أن المعنى أمن يخلد في الجنة وفي هذا النعيم المذكور كمن هو خالد في النار ثم حذف هذا لعلم السامع كما قال تعالى: {أمّن هُو قانِتٌ آناءَ الليلِ ساجدًا وقائماً} وإن كان قد قيل إن المعنى يا من هو قانت). [معاني القرآن: 6/471-475]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {آَسِنٍ} وآجن، أي: متغير). [ياقوتة الصراط: 469]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غَيْرِ آَسِنٍ}: غير متغير الريح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آَسِنٍ}: متغير). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ...}.
يعني خطبتك في الجمعة فلا يستمعون ولا يعون [حتى] إذا انصرفوا، وخرج الناس قالوا للمسلمين: ماذا قال آنفا، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاءً منهم.
قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ). [معاني القرآن: 3/60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ " من هاهنا في موضع جميع). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)}يعني المنافقين.
({حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا}).
كانوا يسمعون خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا خرجوا سألوا أصحاب رسول الله استهزاء وإعلاما أنهم لم يلتفتوا إلى ما قال، فقالوا: ماذا قال آنفا، أي ماذا قال الساعة، ومعنى آنفا من قولك استأنفت الشيء إذا ابتدأته، وروضة أنف، إذا لم ترع بعد، أي لها أول يرعى، فالمعنى ماذا قال من أول وقت يقرب منّا). [معاني القرآن: 5/10]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [آية: 16] قال قتادة هم المنافقون
ثم قال تعالى: {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا} [آية: 16]
أي إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ثم خرجوا قالوا للمسلمين استهزاء ماذا قال آنفا أي لم نلتفت إلى ما قال
والمعنى ماذا قال الساعة أي في أقرب الأوقات إلينا من قولهم استأنفت الشيء وروضة أنف لم ترع). [معاني القرآن: 6/475]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( ({مَاذَا قَالَ آَنِفًا}) أي: ماذا قال مذ ساعة ؟). [ياقوتة الصراط: 469]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى...}.
زادهم استهزاؤهم هدى، وآتاهم الله تقواهم، يقال: أثابهم ثواب تقواهم، ويقال: ألهمهم تقواهم، ويقال: آتاهم تقواهم من المنسوخ إذا نزل الناسخ). [معاني القرآن: 3/61]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)} الضمير الذي في {زادَهُم} يجوز أن يكون فيه أحد ثلاثة أوجه:
فأجودها - واللّه أعلم - أن يكون فيه ذكر الله، فيكون المعنى مردودا على قوله: ({أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} )
ويجوز أن يكون الضمير في {زادَهُم} قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيكون المعنى والّذين اهتدوا زادهم ما قال رسول اللّه هدى.
ويجوز أن يكون زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى.
قوله: {وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ }يجوز أن يكون وألهمهم تقواهم، كما قال عزّ وجلّ: {وألزمهم كلمة التّقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها}.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - وآتاهم ثواب تقواهم). [معاني القرآن: 5/10-11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [آية: 17]
المعنى زادهم الله هدى فيكون الضمير يعود على قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}
ويجوز أن يكون المعنى وزادهم قول النبي صلى الله عليه وسلم هدى
ويجوز أن يكون المعنى وزادهم استهزاء المنافقين هدى
ثم قال تعالى: {وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} أي ألهمهم ، ويجوز أن يكون المعنى ثواب تقواهم). [معاني القرآن: 6/476]

تفسير قوله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا...}.
{أن} مفتوحة في القراءة كلها. حدثنا الفراء قال: وحدثني أبو جعفر الرؤاسي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: ما هذه الفاء التي في قوله: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}؟ قال: جواب للجزاء. قال: قلت: إنها {أَنْ تَأْتِيَهُمْ} مفتوحة؟ قال: فقال: معاذ الله إنما هي (إن تأتهم). قال الفراء: فظننت أنه أخذها عن أهل مكة؛ لأنه عليهم قرأ، وهي أيضاً في بعض مصاحف الكوفيين: تأتهم بسينة واحدة، ولم يقرأ بها أحد منهم، وهو من المكرّر: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. والدليل على ذلك أن التي في الزخرف في قراءة عبد الله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ}، ومثله: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ} لولا أن تطئوهم فإن في موضع رفع عند الفتح، وأن في الزخرف ـ وههنا نصب مردودة على الساعة، والجزم جائز تجعل: هل ينظرون إلا الساعة مكتفيا، ثم تبتدئ: إن تأتهم، وتجيئها بالفاء على الجزاء، والجزم جائز.
وقوله: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ...}.
"ذكراهم" في موضع رفع بلهم، والمعنى: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة؟ ومثله: {يومئذٍ يتذكّر الإنسان وأنّى له الذّكرى} أي: ليس ينفعه ذكره، ولا ندامته). [معاني القرآن: 3/61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا" أعلامها وإنما سمي الشرط فيما نرى لأنهم أعلموا أنفسهم وأشراط المال صغار الغنم وشراره قال جرير:
تساق من المعزى مهور نسائهم... وفي شرط المعزى لهنّ مهور). [مجاز القرآن: 2/215]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}
قال: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} يقول: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة). [معاني القرآن: 4/17]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أشراطها} أعلامها، واحدها شرط وإنما هو مقدماتها). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي هل ينظرون؟! {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } أي علاماتها.
{فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}؟ فكيف لهم منفعة الذكرى إذا جاءت، والتوبة - حينئذ - لا تقبل؟!). [تفسير غريب القرآن:410-411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ - ({فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)}
ويقرأ " {إلّا السّاعة إن تأتهم} " بغير ياء، والأولى أجود لموافقة المصحف.
وموضع " {أن} " نصب البدل من السّاعة.
المعنى فهل ينظرون إلا أن تأتيهم السّاعة بغتة.
وهذا البدل المشتمل على الأول في المعنى وهو نحو قوله: {ولَوْلا رِجالٌ مؤمِنون ونِساءٌ مُؤمِنات لم تعلَمُوهم أنْ تطئوهُم}
المعنى لولا أن تطؤوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات.
ومعنى {هَلْ يَنْظُرُونَ} هل ينتظرون واحد.
ومن قرأ: إن تأتهم " { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} فعلى الشرط والجزاء.
وأشراطها أعلامها.
{فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} المعنى فمن أين لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة، و {ذكراهم} في موضع رفع بقوله {فأنّى} ). [معاني القرآن: 5/11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [آية: 18]
أي فهل ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة فجأة فقد جاء أشراطها
قال الفراء أي علامتها الواحد شرط
ثم قال جل وعز: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [آية: 18]
قال قتادة أي فأنى لهم أن يتذكروا
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا فمن أين لهم منفعة الذكرى إذا جاءت الساعة وانقطعت التوبة). [معاني القرآن: 6/477]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَشْرَاطُهَا}: أعلامها). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}
هذه الفاء جاءت للجزاء، المعنى قد بيّنا ما يدل على أنّ الله واحد فأعلم اللّه أنه لا إله إلا اللّه، والنبي عليه السلام قد علم ذلك ولكنه خطاب يدخل الناس فيه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}، والمعنى من علم فليقم على ذلك العلم، كما قال: {اهدنا الصراط المستقيم} أي ثبتنا على الهداية.
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) أي يعلم متصرفاتكم ويعلم مثواكم، أي يعلم أين مقامكم في الدنيا والآخرة). [معاني القرآن: 5/12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [آية: 19] والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته ؛ أي اثبتوا على هذا). [معاني القرآن: 6/478]

تفسير قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ...}.
وفي قراءة عبد الله: سورةٌ محدثةٌ. كان المسلمون إذا نزلت الآية فيها القتال وذكره شق عليهم وتواقعوا أن تنسخ، فذلك قوله: {"لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ"} أي هلاّ أنزلت سوى هذه، فإذا نزلت وقد أمروا فيها بالقتال كرهوها، قال الله: {فَأَوْلَى لَهُمْ} لمن كرهها، ثم وصف قولهم قبل أن تنزّل: سمع وطاعة، قد يقولون: سمع وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوه، فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم، فالطاعة مرفوعة في كلام العرب إذا قيل لهم: افعلوا كذا وكذا، فثقل عليهم أو لم يثقل قالوا: سمع وطاعة.
أخبرني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
قال الله عزّ وجل: {فَأَوْلَى} ثم قال لهم للّذين آمنوا منهم طاعةٌ وقولٌ معروف، فصارت: فأولى وعيدا لمن كرهها، واستأنف الطاعة لهم، والأول عندنا كلام العرب، وقول الكلبي هذا غير مردود). [معاني القرآن: 3/62]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ}. هذا مفسر في كتاب «تأويل المشكل».
{فَأَوْلَى لَهُمْ} وعيد وتهدد، تقول للرجل - إذا أردت به سوءا، ففاتك -: أولى لك). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 20، 22].
كان المسلمون إذا بطل الوحي يقولون: هلّا نزل شيء، تأميلا أن تنزل عليهم بشرى من الله وفتح وخير وتخفيف فإذا أنزلت سورةٌ محكمةٌ أي محدثة. وسميت المحدثة: محكمة، لأنها حين تنزل تكون كذلك حتى ينسخ منها شيء. وهي في حرف عبد الله فإذا أنزلت سورة محدثة وذكر فيها القتال، أي فرض فيها الجهاد رأيت الّذين في قلوبهم مرضٌ أي شك ونفاق ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت، يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم، وينظرون نظرا شديدا بتحديق، وتحديد، كما ينظر الشّاخص ببصره عند الموت، من شدّة العداوة. والعرب تقول: رأيته لمحا باصرا أي نظرا صلبا بتحديق. ونحوه قوله: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51]، أي يسقطونك بشدة نظرهم،
[تأويل مشكل القرآن: 420]
وقد تقدم ذكر هذا.
ثم قال: {فَأَوْلَى لَهُمْ} تهدّد ووعيد. وتمّ الكلام). [تأويل مشكل القرآن: 421]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أولى
أولى: تهدّد ووعيد، قال الله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34-35]، وقال: {فَأَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 20]. ثم ابتدأ فقال: {طاعةٌ وقولٌ معروفٌ} [محمد: 21].
وقال الشاعر لمنهزم:

أُلْفِيَتَا عَيْنَاكَ عِندَ القَفَا = أَوْلَى فَأَوْلَى لَكَ ذَا وَاقِيَهْ
). [تأويل مشكل القرآن: 549] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ: ({وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)}
كان المؤمنون - رحمهم اللّه - يأنسون بالوحي ويستوحشون لإبطائه فلذلك قالوا: (لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ).
{فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ}.
ومعنى {مُحْكَمَةٌ}، غير منسوخة، فإذا ذكر فيها فرض القتال {رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} يعنى المنافقين.
{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} لأنهم منافقون يكرهون القتال، لأنهم إذا قعدوا عنه ظهر نفاقهم، فخافوا على أنفسهم القتل.
{أَوْلَى لَهُمْ} وعيد وتهدد، المعنى وليهم المكروه). [معاني القرآن: 5/12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ } [آية: 20]
قال قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة
قال أبو جعفر وهذه آية مشكلة وفي قراءة عبد الله {وإذا أنزلت سورة محدثة}
والمعنى واحد أي لم يقع عليها النسخ وذكر فيها القتال وإنما كان المسلمون يقولون هذا لأنهم كانوا يأنسون بنزول الوحي
({رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}) أي ريب وشك ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت أي نظر مغتاظين مغمومين كما قال تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} وإنما كانوا يكرهون ذكر القتال لأنهم إذا تأخروا عنه تبين نفاقهم فخافوا القتل
ثم قال تعالى: {فَأَوْلَى لَهُمْ} على التهديد
وحقيقته وليهم المكروه أي أولى لهم المكروه والعرب تقول لكل من قارب الهلكة ثم افلت أولى لك أي كدت تهلك
كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي الصيد فيفلت منه فيقول أولى لك رمى صيدا فقاربه ثم افلت منه فقال:
فلو كان أولى يطعم القوم صدتهم = ولكن أولى تترك الناس جوعا
). [معاني القرآن: 6/478-480]

تفسير قوله تعالى: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ثم ابتدأ، فقال: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}... قال قتادة: «يقول: لطاعة اللّه، وقول بالمعروف - عند حقائق الأمور - خير لهم»). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} وهذا مختصر، يريد قولهم قبل نزول الفرض: سمع لك وطاعة.
فإذا عزم الأمر، أي جاء الجدّ كرهوا ذلك، فحذف الجواب على ما بينت في باب الاختصار.
ثم ابتدأ فقال: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 421]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: ({طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)}
[معاني القرآن: 5/12]
قال سيبويه والخليل: المعنى طاعة وقول معروف أمثل، وقيل إنهم كان قولهم أولا طاعة وقول معروف.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون المعنى فإذا أنزلت سورة ذات طاعة أي يؤمر فيها بالطاعة، وقول معروف، فيكون المعنى فإذا أنزلت سورة ذات طاعة وقول معروف.
{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}.
المعنى فإذا جدّ الامر ولزم فرض القتال، فلو صدقوا اللّه فآمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعملوا بما نزل عليه وما أمروا به من فرض القتال لكان خيرا لهم.
المعنى لكان صدقهم اللّه بإيمانهم خيرا لهم). [معاني القرآن: 5/13]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم} [آية: 21]
قال قتادة أي طاعة الله وقول بالمعروف في حقائق الأمور أي سمع وطاعة خير لهم
وقال الخليل وسيبويه أي طاعة وقول معروف أمثل وفي المعنى قول آخر وهو انه حكى ما كانوا يقولون قبل نزول القتال وقبل الفرض
فالمعنى على هذا يقولون منا طاعة وقول معروف ، ويدل على صحة هذا القول ( فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ ) قال مجاهد أي جد الأمر
قال أبو جعفر فالتقدير على هذا فإذا جد الأمر بفرض القتال كرهوا ذلك ثم حذف
25 - ثم قال جل وعز: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [آية: 21] قال قتادة فلو صدقوا الله في الإيمان والجهاد). [معاني القرآن: 6/480-481]

تفسير قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ ...}.
قرأها العوام بنصب السين، وقرأها نافع المدني: فهل عسيتم، بكسر السين، ولو كانت كذلك لقال: عسي {في موضع عسى}. ولعلها لغة بادرة، وربما اجترأت العرب على تغيير بعض اللغة إذا كان الفعل لا يناله قد. قالوا: لستم يريدون لستم، ثم يقولون: ليس وليسوا سواء، لأنه فعل لا يتصرف ليس له يفعل وكذلك عسى ليس له يفعل فلعله اجترى عليه كما اجترى على لستم.
وقوله: "هَلْ عَسَيْتُمْ" . . . إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا في الأرض، وتقطعوا أرحامكم، ويقال: ولعلكم إن انصرفتم عن محمد صلى الله عليه وسلم، وتوليتم عنه أن تصيروا إلى أمركم الأول من قطيعة الرحم والكفر والفساد). [معاني القرآن: 3/62-63]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }
وقال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} فإن الأول للمجازاة وأوقعت {عَسَيْتُمْ} على {أَنْ تُفْسِدُوا} لأنه اسم، ولا يكون أن تعمل فيه {عَسَيْتُمْ} ولا "عسيت" إلاّ وفيه "أن" لا تقول "عسيتم الفعل" كما أن قولك "لو أن زيدا جاء كان خيرا له" فقولك "أنّ زيداً جاء" اسم وأنت لا تقول "لو ذاك" لأنه ليس كل الأسماء تقع في كل موضع. وليس كل الأفعال يقع على كل الأسماء. ألا ترى أنهم يقولون "يدع" ولا يقولون "ودع" [ويقولون "يذر"] ولا يقولون: "وذر"). [معاني القرآن: 4/18]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}، أي انصرفتم عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، وما يأمركم به {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، يريد فهل تريدون إذا أنتم تركتم محمدا، صلّى الله عليه وسلم، وما يأمركم به- أن تعودوا إلى مثل ما كنتم عليه من الكفر، والإفساد في الأرض وقطع الأرحام؟). [تأويل مشكل القرآن: 421]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}
وقرأ نافع " فهل عسيتم " واللغة الجيدة البالغة عسيتم - بفتح السين ولو جاز عسيتم لجاز أن تقول: عسي ربّكم أن يرحمكم.
ويقرأ {إن تولّيتم} و {إن تولّيتم} - بضم التاء وفتحها.
{أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}.
فمن قرأ {تولّيتم} - بالفتح - ففيها وجهان:
أحدهما أن يكون المعنى لعلكم إن توليتم عما جاءكم به النبي أن تعودوا إلى أمر الجاهلية، فتفسدوا ويقتل بعضكم بعضا.
{وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، أي تئدوا البنات، أي تدفنوهن أحياء.
ويجوز أن يكون فلعلكم إن توليتم الأمر أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، ويقتل قريش بني هاشم، وبنو هاشم قريشا، وكذلك إن توليتم). [معاني القرآن: 5/13]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } [آية: 22]
قال بكر بن عبد الله المزني هؤلاء الحرورية
قال محمد بن كعب أي فهل عسيتم إن توليتم الأمور أن يقتل بعضكم بعضا كقتل قريش بني هاشم وكقتل بني هاشم قريشا
وفي المعنى قول آخر وهو فهل تريدون إن توليتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وكفرتم بما جاءكم به على أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه من الكفر فتفسدوا في الأرض بالكفر وتقطعوا أرحامكم بأن تئدوا بناتكم
وقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ } أي ولي عليكم). [معاني القرآن: 6/481-483]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) )

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) )


رد مع اقتباس