عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 11:00 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجلّ: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خيرٌ مّن ألف شهرٍ * تنزّل الملائكة والرّوح فيها بإذن ربّهم مّن كلّ أمرٍ * سلامٌ هي حتّى مطلع الفجر}
الضمير في {أنزلناه} للقرآن، وإن لم يتقدّم ذكره؛ لدلالة المعنى عليه، فقال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وغيره: «أنزله اللّه تعالى ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملةً، ثمّ نجّمه على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في عشرين سنةً
».
وقال الشّعبيّ وغيره: المعنى:
«إنّا ابتدأنا إنزال هذا القرآن إليك ليلة القدر». وقد روي أن نزول الملك في حراء كان في العشر الأواخر من رمضان، فيستقيم هذا التأويل، وقد روي أن نزول الملك كان في الرابع عشر من رمضان، فلا يستقيم هذا التأويل إلا على قول من يقول: إنّ ليلة القدر تستدير الشهر كلّه، ولا تختصّ بالعشر الأواخر من رمضان.
وقال قومٌ: معنى قوله تعالى: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر}: إنا أنزلنا هذه السورة في شأن ليلة القدر وفي فضلها، ولمّا كانت السورة من القرآن جاء الضمير للقرآن تفخيمًا وتحسينًا.
وقوله تعالى: {في ليلة} هو على نحو قول عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه:
«لقد خشيت أن ينزل فيّ قرآنٌ ليلة نزول سورة الفتح»، ونحو قول عائشة رضي اللّه عنها في حديث الإفك: «لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل فيّ قرآنٌ».
وليلة القدر هي ليلةٌ خصّها اللّه تعالى بفضلٍ عظيمٍ، وجعلها أفضل من ألف شهرٍ، لا ليلة قدرٍ فيها. قاله مجاهدٌ وغيره، وخصّت هذه الأمة بهذه الفضيلة لمّا رأى محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم أعمار أمّته فتقاصرها). [المحرر الوجيز: 8/ 657-658]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وما أدراك ما ليلة القدر} عبارة تفخيمٍ لها.
ثمّ أدراه تعالى بعد بقوله: {ليلة القدر خيرٌ من ألف شهرٍ}.
قال ابن عيينة في صحيح البخاريّ: ما كان في القرآن: {وما أدراك} فقد أعلمه اللّه تعالى، وما كان فيه: {وما يدريك} فإنه لم يعلم.
وذكر ابن عبّاسٍ وقتادة وغيرهما أنها سمّيت ليلة القدر لأنّ اللّه تعالى يقدّر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العام كلّها، ويدفع ذلك إلى الملائكة لتمتثله، وقد روي هذا في ليلة النصف من شعبان، ولهذا ظواهر من كتاب اللّه عزّ وجلّ؛ نحو قوله تعالى: {فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيمٍ}.
وأمّا الصّحّة المقطوع بها فغير موجودةٍ، وقال الزّهريّ: معناها:
«ليلة القدر العظيم والشرف وعظم الشأن»، من قولك: رجلٌ له قدرٌ.
وقال أبو بكرٍ الورّاق:
«سمّيت ليلة القدر؛ لأنها تكسب من أحياها قدرًا عظيمًا لم يكن له قبل، وتردّه عظيمًا عند اللّه تعالى». وقيل: سمّيت بذلك لأنّ كلّ العمل فيها له قدرٌ خطيرٌ.
وليلة القدر مستديرةٌ في أوتار العشر الأواخر من رمضان، هذا هو الصحيح المعوّل عليه، وهي في الأوتار بحسب الكمال والنّقصان في الشهر، فينبغي لمرتقبها أن يرتقبها من ليلة عشرين في كلّ ليلةٍ إلى آخر الشهر؛ لأنّ الأوتار مع كمال الشهر ليست الأوتار، مع نقصانه، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«لثالثةٍ تبقى، لخامسةٍ تبقى، لسابعةٍ تبقى»، وقال عليه الصلاة والسلام: «التمسوها في الثّالثة والخامسة والسّابعة والتّاسعة».
وقال مالكٌ:
«بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين». وقال ابن حبيبٍ: «يريد مالكٌ: إذا كان الشهر ناقصًا فظاهر هذا أنه عليه السلام احتاط في كمال الشهر ونقصانه، وهذا لا تتحصّل معه الليلة إلا بعمارة العشر كلّه».
وروي عن أبي حنيفة وقومٍ
«أنّ ليلة القدر رفعت». وهذا قولٌ مردودٌ، وإنما رفع تعيينها. وقال ابن مسعودٍ: «من يقم السنة كلّها يصبها». وقال أبو رزينٍ: «هي أول ليلةٍ من شهر رمضان». وقال الحسن: «هي ليلة سبع عشرة، وهي التي كانت في صبيحتها وقعة بدرٍ».
وقال كثيرٌ من العلماء:
«هي ليلة ثلاثٍ وعشرين، وهي ليلة عبد اللّه بن أنيسٍ الجهنيّ». وقاله ابن عبّاسٍ، وقال أيضًا هو وجماعةٌ من الصحابة: «هي ليلة سبعٍ وعشرين». واستدلّ ابن عبّاسٍ على قوله بأنّ الإنسان خلق من سبعٍ، وجعل رزقه في سبعٍ، واستحسن ذلك عمر رضي اللّه عنهم أجمعين.
وقال زيد بن ثابتٍ، وبلالٌ:
«هي ليلة أربعٍ وعشرين». وقال بعض العلماء: «أخفاها اللّه تعالى عن عباده ليجدّوا في العمل ولا يتّكلوا على فضلها ويقصّروا في غيرها».
ثم عظّم اللّه تعالى أمر ليلة القدر، على نحو قوله تعالى: {وما أدراك ما الحاقّة}؟ وغير ذلك.
ثمّ أخبر تعالى أنها أفضل لمن عمل فيها عملًا من ألف شهرٍ، وهي ثمانون سنةً وثلاثة أعوامٍ وثلث عامٍ، وروي عن الحسن بن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنهما، أنه قال حين عوتب في تسليمه الأمر لمعاوية رضي اللّه عنه:
«إنّ اللّه تعالى أرى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المنام بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة، فاهتمّ بذلك، فأعطاه اللّه تعالى ليلة القدر، وهي خيرٌ من مدّة ملك بني أميّة، وأعلمه أنهم يملكون هذا القدر من الزمان».
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه:
ثمّ كشف الغيب أن كان من سنّة الجماعة إلى قتل مروان الجعديّ هذا القدر من الزمان بعينه، ثمّ إنّ القول يعارضه أنه قد ملك بنو أميّة في غرب الأرض مدّةً غير هذه، وفي الصحيح عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه» ). [المحرر الوجيز: 8/ 658-660]

تفسير قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(الرّوح) هو جبريل عليه السلام، وقيل: هو صنف حفظةٍ للملائكة عليهم السلام.
وقوله تعالى: {بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ} اختلف الناس في معناه؛ فمن قال: إنّ في هذه اللّيلة تقدّر الأمور للملائكة. قال: إنّ هذا التّنزّل لذلك، و{من} لابتداء الغاية، أي: نزولهم من أجل هذه الأمور المقدّرة وبسببها.
ويجيء {سلامٌ} خبر ابتداءٍ مستأنفًا، أي: سلامٌ هي هذه الليلة إلى أول يومها. وهذا قول نافعٍ المقبريّ، والفرّاء، وأبي العالية.
وقال بعضهم: {من} بمعنى الباء، أي: بكلّ أمرٍ، ومن لم يقل: تقدّر الأمور في تلك الليلة. قال: معنى الآية: تنزّل الملائكة والرّوح فيها بإذن ربّهم بالرحمة والغفران والفواضل.
ثمّ جعل قوله تعالى: {من كلّ أمرٍ} متعلّقًا بقوله سبحانه: {سلامٌ هي} أي: من كلّ أمرٍ مخوفٍ ينبغي أن يسلّم منه، فهي سلامٌ.
وقال مجاهدٌ:
«لا يصيب أحدًا فيها داءٌ». وقال الشّعبيّ ومنصورٌ: {سلامٌ} «بمعنى التحية، أي: تسلّم الملائكة على المؤمنين».
وقرأ ابن عبّاسٍ، وعكرمة، والكلبيّ: (من كلّ امرئٍ) أي: يسلّم فيها من كلّ امرئ سوءٍ. فهذا على أنّ {سلامٌ} بمعنى (سلامةٍ).
وروي عنه أن (سلامًا) بمعنى: (تحيةً)، و(كلّ امرئٍ) يراد بهم الملائكة، أي: من كلّ ملكٍ تحيّةٌ على المؤمنين، وهذا للعاملين بالعبادة فيها، وذهب من يقول بانتهاء الكلام في قوله تعالى: {سلامٌ} إلى أنّ قوله تعالى: {هي} إنما هو إشارةٌ إلى أنها ليلة سبعٍ وعشرين من الشهر؛ إذ هذه الكلمة هي السابعة والعشرون من كلمات السورة، وذكر هذا الغرض ابن بكيرٍ، وأبو بكرٍ الورّاق، والنّقّاش عن ابن عبّاسٍ.
وقرأ جمهور السبعة: {حتّى مطلع} بفتح اللام، وقرأ الكسائيّ، والأعمش، وأبو رجاءٍ، وابن محيصنٍ، وطلحة: (حتّى مطلع) ـ بكسر اللام ـ فقيل: هما مصدران بمعنًى واحدٍ في لغة بني تميمٍ. وقيل: بالفتح مصدرٌ، وبالكسر موضع الطلوع عند أهل الحجاز.
والقراءة بالفتح أوجه على هذا القول، والأخرى تتخرّج على تجوّزٍ، كأنّ الوقت ينحصر في ذلك الموضع ويتمّ فيه، ويتّجه الكسر على وجهٍ آخر، وهو أنه قد شذّ من هذه المصادر ما كسر، كالمعجزة، وقولهم: علاه المكبر- بفتح الميم وكسر الباء- ومنه المحيض، فيجري (المطلع) مصدرًا مجرى ما شذّ.
وفي حرف أبيّ بن كعبٍ: (سلامٌ هي إلى مطلع الفجر) ). [المحرر الوجيز: 8/ 660-661]


رد مع اقتباس