عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (114) إلى الآية (119) ]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}


قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): ( (قالوا اتّخذ اللّه ولدًا... (116).
بغير واوٍ ابن عامر.
والباقون بالواو.
قال أبو منصور: المعنى واحد في إثبات الواو ها هنا. وحذفها، غير أن القراءة بالواو أعجب إليّ لأنه زيادة حرف يستوجب به القارئ عشر حسناتٍ.
والواو تعطف بها جملة على جملة). [معاني القراءات وعللها: 1/170]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن عامر وحده قالوا اتّخذ اللّه ولداً سبحانه [البقرة/ 116] بغير واوٍ. وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون بواو.
قال أبو علي: حذف الواو في ذلك يجوز من وجهين:
أحدهما أن الجملة التي هي قالوا اتّخذ اللّه ولداً ملابسة بما قبلها، من قوله: ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها [البقرة/ 114] ومن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه: جميع المتظاهرين على الإسلام من صنوف الكفار، لأنهم بقتالهم المسلمين وإرادتهم غلبتهم والظهور عليهم مانعون لهم من مواضع متعبداتهم، والمساجد
[الحجة للقراء السبعة: 2/202]
هي جميع المواضع التي يتعبد فيها.
وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا».
وإذا كان التأويل على هذا، فالذين قالوا: اتخذ الله، من جملة هؤلاء الذين تقدم ذكرهم، فيستغنى عن الواو لالتباس الجملة بما قبلها كما استغني عنها في نحو قوله: والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون [البقرة/ 39] ولو كان وهم فيها خالدون، كان حسنا إلا أن التباس إحداهما بالأخرى وارتباطها بها أغنى عن الواو. ومثل ذلك قوله: سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] ولم يقل: ورابعهم، كما جاء: ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] ولو حذفت الواو منها كما
حذفت من التي قبلها واستغني عن الواو بالملابسة التي بينها كان حسنا.
والوجه الآخر أن تستأنف الجملة فلا تعطفها على ما تقدم). [الحجة للقراء السبعة: 2/203]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ( {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} 116
وقرأ ابن عامر {قالوا اتخذ الله} بغير واو كذا مكتوب
[حجة القراءات: 110]
مصاحف أهل الشّام وحجته أن ذلك قصّة مستانفة غير متعلقة بما قبلها كما قال {وإذ قال موسى لقومه} ثمّ قال {قالوا أتتخذنا هزوا} وقرأ الباقون {وقالوا} بالواو لأنّه مثبتة في مصاحفهم وهي عطف جملة على جملة). [حجة القراءات: 111]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (63- قوله: {وقالوا اتخذ الله ولدا} قرأه ابن عامر بغير واو، جعله مستأنفًا غير معطوف على ما قبله، وقد علم أن المخبر عنه بهذا القول هو المخبر عنه، بمنع ذكر الله في المساجد، والسعي في خرابها، وكذلك هي في مصاحب أهل الشام بغير واو، وقرأ الباقون: «وقالوا» بالواو على العطف على ما قبله؛ لأن الذين أخبر الله عنهم بمنع ذلك في المساجد، والسعي في خرابها هم الذين قالوا: اتخذا الله ولدا، فوجب عطف آخر الكلام على أوله، لأنه كله إخبار عن النصارى، وكذلك هي في جميع المصاحف بالواو إلا في مصحف أهل الشام، وإثبات الواو هو الاختيار، لثباتها في أكثر المصاحف، ولأن الكلام عليه كله قصة واحدة، ولإجماع القراء عليه سوى ابن عامر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/260]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الله وَلَدًا} [آية/ 116]:-
بغير واو عطف، قرأها ابن عامر وحده.
ووجه ذلك أنه استأنف الجملة، ولم يجعلها معطوفة على ما قبلها.
ويجوز أن يكون لما وجد بين الجملتين هي والتي قبلها ملابسة، وتلك أن الذين قالوا اتخذ الله ولدًا هم الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، استغني بهذه الملابسة عن الواو، كما في قوله تعالى {ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ} للملابسة، ولو ألحقها بهذه لكان حسنًا، كما لو حذفها من تلك لكان حسنًا.
وقرأ الباقون {وَقَالُوا} بالواو.
ووجهه واضح، وذلك أنه عطف جملة على جملة بالواو، فهو الأظهر جوازًا، مع أن المعنى في القراءتين لا يتغير). [الموضح: 296]

قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كن فيكون (117)
اتفق القراء على رفع النون عن قوله: (فيكون) في جميع القرآن، إلا ابن عامر فإنه قرأ: (فيكون) بالنصب في جميع القرآن إلا في ثلاثة مواضع: موضعين في آل عمران، قوله: (فيكون طيرًا) بالرفع،
وقوله: (فيكون (59) الحقّ من ربّك)، والثالث في الأنعام، قوله: (ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ) بالرفع.
[معاني القراءات وعللها: 1/172]
وتابع الكسائي ابن عامر على نصب النون في موضعين؛ رأس أربعين من النحل (فيكون)، وآخر يس: (يكون).
قال أبو منصور: من قرأ: (فيكون) بالرفع فمعناه: فهو يكون، أو: فإنه يكون.
وقال الزجاج: من قرأ: (فيكون) فإن شئت عطفته على (يقول)، وإن شئت فعلى الإيناف، المعنى: فهو يكون.
قال: ومعنى قوله: (إنما يقول له كن فيكون): إنما يريد فيحدث كما أراد.
وقيل معناه: إنما يقول له (كن فيكون) يقول هل وإن لم يكن حاضرا: (كن) لأن ما هو معلوم عند الله كونه بمنزلة الحاضر.
وقال بعض النحويين: (إنّما يقول له): من أجله.
فكأنه إنما يقول من أجل إرادته إياه: (كن)، أي: احدث فيحدث.
ومن قرأ: (فيكون) بالنصب فهو على جواب الأمر بالفاء، كما تقول: زرني فأزورك.
وهذا عند القراء ضعيف، والقراءة بالرفع هو المختار). [معاني القراءات وعللها: 1/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عز وجل: كن فيكون [البقرة/ 117] في فتح النون وضمّها، فقرأ ابن عامر وحده: كن فيكون بنصب النون.
وقرأ الباقون: فيكون رفعا.
قال أبو علي: لا يخلو قوله: يقول [البقرة/ 117] من أن يكون المراد به القول الذي هو كلام ونطق، أو يكون
[الحجة للقراء السبعة: 2/203]
الذي يتّسع فيه فلا يراد به النطق ولا الكلام، ولا الظنّ ولا الرأي ولا الاعتقاد، ولكن نحو قول الشاعر:
قد قالت الانساع للبطن الحق ونحو قول العجاج في صفة ثور:
فكّر ثمّ قال في التفكير إنّ الحياة اليوم في الكرور وقول الآخر:
امتلأ الحوض وقال قطني فلا يكون على القول الذي هو خطاب ونطق، لأن المنتفي الذي ليس بكائن لا يخاطب كما لا يؤمر، فإذا لم يجز ذلك حملته على نحو ما جاء في الأبيات التي قدمت ونحوها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/204]
وأما قوله: كن فإنه وإن كان على لفظ الأمر فليس بأمر، ولكن المراد به الخبر، كأن التقدير يكوّن فيكون وقد قالوا: أكرم بزيد، فاللفظ لفظ الأمر، والمعنى والمراد: الخبر، ألا ترى أنه بمنزلة: ما أكرم زيدا، فالجار والمجرور في موضع رفع بالفعل. وفي التنزيل: قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدًّا [مريم/ 75] فالتقدير: مدّه الرحمن. وإذا لم يكن قوله: كن أمرا في المعنى، وإن كان على لفظه؛ لم يجز أن تنصب الفعل بعد الفاء بأنه جوابه، كما لم يجز النصب في الفعل الذي تدخله الفاء بعد الإيجاب نحو: آتيك فأحدّثك، إلّا أن يكون في شعر نحو قوله:
ويأوي إليه المستجير فيعصما ومما يدل على امتناع النصب في قوله: فيكون أن الجواب بالفاء مضارع للجزاء. يدلّ على ذلك أنه يؤول في المعنى إليه. ألا ترى أن: اذهب فأعطيك معناه: إن تذهب أعطيتك [والأجود إن ذهبت أعطيتك] فلا يجوز: اذهب فتذهب. لأن المعنى يصير: إن ذهبت ذهبت، وهذا كلام لا يفيد، كما يفيد إذا اختلف الفاعلان والفعلان، نحو: قم فأعطيك، لأن المعنى: إن قمت
[الحجة للقراء السبعة: 2/205]
أعطيتك، ولو جعلت الفاعل في الفعل الثاني فاعل الفعل الأول، فقلت: قم فتقوم، أو: أعطني فتعطيني، على قياس قراءة ابن عامر لكان المعنى: إن قمت تقم، وإن تعطني تعطني، وهذا كلام في قلة الفائدة على ما تراه، وإذا كان الأمر على هذا لم يكن ما روي عنه من نصبه فيكون متجها.
وقد يمكن أن تقول في قول ابن عامر: إنّ اللفظ لما كان على لفظ الأمر وإن لم يكن المعنى عليه حملته على صورة اللفظ، فقد حمل أبو الحسن نحو قوله: قل لعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة [إبراهيم/ 31] ونحو ذلك من الآي، على أنه أجري مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن جوابا له في الحقيقة. فكذلك على قول ابن عامر: يكون قوله: فيكون بمنزلة جواب الأمر نحو: ايتني فأحدّثك، لما كان على لفظه، وقد يكون اللفظ على شيء والمعنى على غيره، ألا ترى أنهم قد قالوا: ما أنت وزيدا؟ والمعنى: لم تؤذيه؟ وليس ذلك في اللفظ.
ومثل قوله: كن فيكون في أن المعطوف ليس محمولا على لفظ الأمر وإن كان قد وليه، قوله: فلا تكفر فيتعلّمون [البقرة/ 102] ليس قوله: فيتعلّمون بجواب لقوله: فلا تكفر ولكنه محمول على قوله: يعلمون فيتعلمون، أو يعلّمان فيتعلمون منهما، إلا أن قوله: فلا تكفر في هذه الآية نهي عن الكفر، وليس قوله: كن من قوله: كن فيكون أمرا.
ومن ثمّ أجمع الناس على رفع يكون، ورفضوا فيه النصب،
[الحجة للقراء السبعة: 2/206]
إلا ما روي عن ابن عامر وهو من الضعف بحيث رأيت، فالوجه في يكون الرفع. فإن قلت: فهلا قلت: إن العطف في قوله:
فيكون على يقول دون ما قلت من أنه معطوف على كن، ألا ترى أنه عطف على الفعل الذي قبل كن في قوله: إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [النحل/ 40] حمل النصب في فيكون على الفعل المنتصب ب (أن). فكما جاز عطفه على الفعل المنتصب بأن الذي قبل قوله: كن فكذلك يجوز أن يحمل المرتفع عليه، كأنه قال: فإنما يقول فيكون.
قيل: ما ذكرناه أسوغ مما قلت، وأشدّ اطّرادا، ألا ترى أن قوله: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون [آل عمران/ 60] لا يستقيم هذا المذهب فيه، لأن قال ماض، وفيكون مضارع فلا يحسن عطفه عليه لاختلافهما. فإن قلت: فلم لا يجوز عطف المضارع على الماضي، كما جاز عطف الماضي على المضارع في قوله:
ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني... فمضيت ..........
[الحجة للقراء السبعة: 2/207]
ألا ترى أنه مضارع ومضيت ماض، فكما جاز عطف الماضي على المضارع كذلك يجوز عطف فيكون على خلقه. قيل: لا يكون هذا بمنزلة البيت، لأن المضارع فيه في معنى المضي، والمراد به: ولقد مررت فمضيت، فجاز عطف الماضي على المضارع، من حيث أريد بالمضارع المضيّ وليس المراد بقوله: فيكون في الآية المضيّ، فيعطف فيها على الماضي. فإذا كان كذلك تبينت بامتناع العطف في قوله: ثمّ قال له كن فيكون. على أن العطف في قوله:
فإنّما يقول له كن فيكون إنما هو على كن، الذي يراد به يكوّن، فيكون خبر مبتدأ محذوف كأنه: فهو يكون.
فإن قلت؛ فهلا قلت: إن العطف على كن إذا كان المراد به يكوّنه غير سهل، لأنّ قوله فيكون حينئذ قليل الفائدة، ألا ترى أن يكوّنه يدل على أنه يكون. قيل له: ليس بقليل الفائدة، لأن المعنى: فيكون بتكوينه، أي بإحداثه، لا يكون حدوثه ووجوده على خلاف هذا الوجه، فإذا كان كذلك كان مفيدا، كما أن قولهم: لأضربنّه كائن ما كان، بالرفع في كائن كلام قد استعملوه وحسن عندهم، وإن كان قد علم أنّ ما يكون فهو كائن، ولكن لما دخله من المعنى أي لا أبالي بذلك، حسن، فاستعمل، ولم يكن عندهم بمنزلة ما لا يفيد
[الحجة للقراء السبعة: 2/208]
فيطرح فكذلك لمّا كان المعنى في الآية يكون بإحداثه جاز وحسن، ولم يكن بمنزلة ما لا يفيد.
...). [الحجة للقراء السبعة: 2/209]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون}
قرأ ابن عامر {فيكون} نصب كأنّه ذهب إلى أنه الأمر تقول أكرم زيدا فيكرمك
وقرأ الباقون بالرّفع قال الزّجاج رفعه من جهتين إن شئت على العطف على يقول وإن شئت على الاستئناف المعنى فهو يكون). [حجة القراءات: 111]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (64- قوله: {كن فيكون} قرأه ابن عامر بالنصب ومثله في آل عمران {فيكون، ويعلمه}«47، 48» وفي النحل: {فيكون. والذين هاجروا} «40، 41»، وفي مريم: {فيكون. وإن الله} «35، 36» وف ياسين: {فيكون. فسبحان} «82، 83» وفي المؤمن: {فيكون. ألم تر} «68، 69» ووافقه الكسائي على النصب في النحل وياسين، وقرأ ذلك الباقون بالرفع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/260]
65- فوجه النصب مشكل ضعيف، وذلك أنه جعله جوابًا بالفاء للفظ «كن» إذا كان لفظه لفظ الأمر، وإن كان معناه غير الأمر فهو ضعيف، لأن «كن» ليس بأمر، إنما معناه الخبر، إذ ليس ثم مأمور، يكون «كن» أمرًا له، والمعنى: فإنما يقول له: كن فيكون فهو يكون، ويدل على أن «فيكون» ليس بجواب لـ «كن» أن الجواب بالفاء، مضارع به الشرط، وإلى معناه يؤول في التقدير، فإذا قلت: اذهب فأكرمك، فمعناه: إن تهذب فأكرمك، ولا يجوز أن تقول: اذهب فتذهب؛ لأن المعنى يصير: إن تذهب تذهب، وهذا لا معنى له، وكذلك «كن فيكون» يؤول معناه، إذا جعلت «فيكون» جوابًا أن تقول له: أن يكون فيكون، ولا معنى لهذا؛ لأنه قد اتفق فيه الفاعلان؛ لأن الضمير الذي في «كن» وفي «يكون» الشيء ولو اختلفا لجاز كقولك: اخرج فأحسن إليك، أي: إن تخرج أحسنت إليك، ولو قلت: قم فتقوم، لم يحسن، إذ لا فائدة فيه؛ لأن الفاعلين واحد، ويصير التقدير: إن تقم تقم، فالنصب في هذا على الجواب بعيد في المعنى.
66- ووجه قراءة من رفع «فيكون» في ذلك أنه جعل «فيكون» منقطعًا مما قبله مستأنفًا؛ لما امتنع أن يكون جوابًا في المعنى، رفعه على الابتداء، فتقديره: فهو يكون، وهو وجه الكلام، والاختيار، وعليه جماعة القراء وبه يتم المعنى، فأما اختصاص الكسائي للنصب في النحل وياسين فهو حسن قوي، لأن فيه «أن يقول» فعطف «فيكون» على «يقول»، وكذلك آخر «يس» فيه «أن يقول» فعطف على «يقول» وهو حسن، لكن الرفع عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/261]
الجماعة، وهو على الاستئناف والقطع والابتداء كالأول). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/262]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {كُنْ فَيَكُون} [آية/ 117]:-
بالنصب، قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في جميع القرآن إذا كان قبله {كُنْ}، إلا في موضعين في آل عمرن {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} بالرفع،
[الموضح: 296]
وفي الأنعام {كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} بالرفع.
ووجه النصب ههنا أنه لما وقع قبله لفظ أمر أجراه مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن جوابًا للأمر؛ لأنه ليس المعنى في هذا الموضع على الجواب، ألا ترى أنك إذا قلت: إئتني فأحدثك، كان جوابًا؛ لأن الحديث سببه الإتيان، والمعنى: إن تأتني أحدثك، ولا يستقيم ذلك ههنا، فبطل أن يكون جوابًا، إلا أنه شبهه بالجواب لفظًا فنصبه.
وقرأ الباقون {فَيَكُونُ} بالرفع.
عطفًا على قوله {يَقُولُ}.
ويجوز أن يحمل على جملة مستأنفة، والتقدير: فهو يكون). [الموضح: 297]

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}

قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (119).
حدثنا السعدي قال: حدثنا على بن خشرم عن عيسى عن يونس عن موسى عن عبيدة عن محمد بن كعب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ليت شعري: ما فعل أبواي.
فأنزل الله: (إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (119).
قرأ نافع ويعقوب: (ولا تسأل) بفتح التاء وجزم اللام.
وقرأ الباقون: (ولا تسأل) بضم التاء واللام.
[معاني القراءات وعللها: 1/170]
قال أبو منصور: من قرأ: (ولا تسأل) - بالجزم - جزمه بـ (لا) النهي، وله معنيان: أحدهما: أن الله أمره بترك المسألة عنهم.
والآخر: أن في النهي تفخيما مما أعدّ الله لهم من العقاب، كما يقول لك القائل الذي يعلم أنك تحب أن يكون من تسأله عنه في حالٍ جميلة أو قبيحة فيقول: لا تسأل عن فلان، أي: قد صار إلى أكثر مما تريد، والله أعلم بما أراد.
وفيه وجهٌ آخر: أن يكون الله أمره بترك المسألة عنه.
ومن قرأ: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم)
فإنه بمعني: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم). [معاني القراءات وعللها: 1/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم التاء ورفع اللام، وفتحها وجزم اللام من قوله جل وعز: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم [البقرة/ 119] فقرأ نافع وحده: ولا تسئل مفتوحة التاء مجزومة اللام.
وقرأ الباقون ولا تسئل مضمومة التاء، مرفوعة اللام.
قال أبو علي: القول في سألت إنه فعل يتعدى إلى مفعولين مثل أعطيت قال:
سالتاني الطّلاق أن رأتاني... قلّ مالي قد جئتماني بنكر
وقال:
سألناها الشفاء فما شفتنا... ومنّتنا المواعد والخلابا
[الحجة للقراء السبعة: 2/209]
وأنشد أحمد بن يحيى:
سألت عمرا بعد بكر خفّا والدلو قد تسمع كي تخفّا ويجوز أن يقتصر فيه على مفعول واحد، فإذا اقتصرته في التعدي على مفعول واحد كان على ضربين:
أحدهما: أن يتعدى بغير حرف، والآخر: أن يتعدى بحرفٍ.
فأما تعديه بغير حرف فقوله: وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا [الممتحنة/ 10]. وقال: فسئلوا أهل الذّكر [النحل/ 43].
وأما تعديه بحرف؛ فالحرف الذي يتعدي به حرفان:
أحدهما الباء كقوله: سأل سائلٌ بعذابٍ [المعارج/ 1].
وقال:
وسائلة بثعلبة بن سير... وقد أودت بثعلبة العلوق
[الحجة للقراء السبعة: 2/210]
والآخر: عن كقولك: سل عن زيد.
فإذا تعدى إلى مفعولين كان على ثلاثة أضرب: أحدها:
أن يكون بمنزلة أعطيت، وذلك كقوله:
سألت زيداً بعد بكر خفّا فمعنى هذا: استعطيته، أي: سألته أن يفعل ذلك.
والآخر: أن يكون بمنزلة: اخترت الرجال زيداً، وذلك قوله:
ولا يسئل حميمٌ حميماً [المعارج/ 10] فالمعنى هنا: ولا يسأل حميم عن حميمه، لذهوله عنه واشتغاله بنفسه، كما قال:
لكلّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه [عبس/ 37]. فهذا على هذه القراءة كقوله: وسئلهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر [الأعراف/ 162].
والثالث: أن يتعدّى إلى مفعولين، فيقع موقع المفعول الثاني منهما استفهام، وذلك كقوله: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آيةٍ بيّنةٍ [البقرة/ 211] وقوله: وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون [الزخرف/ 45].
فأما قول الأخطل:
[الحجة للقراء السبعة: 2/211]
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعلا فما: استفهام، وموضعه نصب بفعل، ولا يكون جراً على البدل من مصقلة على تقدير: سل بفعل مصقلة، ولكن تجعله مثل الآيتين اللتين تلوناهما، وإن شئت جعلته بدلًا، فكان بمنزلة قوله: فسئلوا أهل الذّكر [النحل/ 43] ولو جعلت المفعول مراداً محذوفاً من قوله: واسأل بمصقلة، فأردت:
واسأل الناس بمصقلة ما فعل؟ لم يسهل أن يكون ما استفهاماً، لأنه لا يتصل بالفعل، ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه فلا تقع الجملة التي هي استفهام موقع أحدهما كما تقع موقعه في قوله: سل بني إسرائيل كم آتيناهم [البقرة/ 211]. فإن جعلت ما موصولة، وقدرت فيها البدل من مصقلة لم يمتنع.
وإن قلت: أجعل قوله: ما فعل، استفهاماً وأضمر يقول، لأني إذا قلت: اسأل الناس بمصقلة، فإنه يدل على قل، لأن السؤال قول، فأحمله على هذا الفعل، لا على أنه في موضع المفعول، لاستغناء الفعل بمفعولين؛ فهو قول.
يدل على ذلك قوله: يسئلونك عن السّاعة أيّان مرساها [النازعات/ 42] ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه أحدهما:
الكاف، والآخر: قد تعدى إليه الفعل بعن؛ فلا يتعلق به أيّان إلا على الحدّ الذي ذكرنا.
ومن ذلك قول سيبويه: «اذهب فاسأل: زيد أبو من
[الحجة للقراء السبعة: 2/212]
هو؟» فزيد داخل في حيز الاستفهام، وليس المعنى: سل زيداً، ولكن التقدير: سل الناس: أأبو بشر زيد أم أبو عمرو؟
ولو قلت: سل زيداً على هذا الحد، لم يجز؛ لأن زيداً ليس بمسئول، إنما هو مسئول عنه، وإنما يأمر المخاطب أن يسأل غيره عنه، فلهذا قال: لو قلت: سل زيداً على هذا الحد لم يجز، وذلك لما ذكرناه من انقلاب المعنى. وهذا مما يقوي قول يونس: قد علمت زيداً أبو من هو. ألا ترى أن هذا من المواضع التي ليس يجوز فيها أن يعمل الفعل في الاسم الداخل في حيز الاستفهام، فإذا أتت مواضع ليس يجوز فيها ذلك، جاز أن لا يعمل الفعل في المفعول الذي يجوز أن يعمل فيه نحو: علمت زيداً أبو من هو.
فالمفعول في هذا الموضع محذوف، لأن المعنى: اسأل إنساناً زيد أبو من هو؟ وكذلك قوله: سأل سائلٌ بعذابٍ...
[المعارج/ 1] كأن المعنى: سأل سائل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو المسلمين بعذاب واقع، فلم يذكر المفعول الأول. وسؤالهم عن العذاب، إنما هو استعجالهم له لاستبعادهم لوقوعه، ولردهم ما يوعدون به منه، وعلى هذا قال: ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده [الحج/ 47] يستعجلونك بالعذاب وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين [العنكبوت/ 54] ويستعجلونك بالسّيّئة قبل الحسنة، وقد خلت من قبلهم المثلات [الرعد/ 6]
[الحجة للقراء السبعة: 2/213]
ويدلك على ذلك قوله: فاصبر صبراً جميلًا، إنّهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً [المعارج/ 5] وقال: قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون
[يونس/ 50]. وقال: أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه [النحل/ 1].
فأما قوله: وسئلوا اللّه من فضله [النساء/ 32] فيجوز أن يكون من فيه في موضع المفعول الثاني على قياس قول أبي الحسن، ويكون المفعول محذوفاً في قياس قول سيبويه، والصفة قائمة مقامه.
وأما قوله: كأنّك حفيٌّ عنها [الأعراف/ 187] فإنه يحتمل أمرين، أحدهما: أن تجعل عنها متعلقاً بالسؤال، كأنه: يسألونك عنها، كأنك حفي بها، فحذف الجارّ والمجرور. وحسن ذلك لطول الكلام بعنها التي من صلة السؤال. ويجوز أن يكون عنها بمنزلة بها وتصل الحفاوة مرّة بالباء ومرة بعن. كما أن السؤال يعمل مرة بالباء ومرة بعن فيما ذكرنا. ويدلك على أنه يصل بالباء قوله: إنّه كان بي حفيًّا [مريم/ 47]. وقال: ثمّ استوى على العرش الرّحمن فسئل به خبيراً [الفرقان/ 59] فقوله: فسئل به مثل: اسأل عنه خبيراً.
فأما خبيراً فلا يخلو انتصابه من أن يكون على أنه حال، أو مفعول به، فإن كان حالًا لم يخل أن يكون حالًا من
[الحجة للقراء السبعة: 2/214]
الفاعل أو من المفعول، فلو جعلته حالا من الفاعل السائل لم يسهل لأن الخبير لا يكاد يسأل إنما يسأل، ولا يسهل الحال من المفعول أيضاً لأن المسئول عنه خبير أبداً فليس للحال كبير فائدة. فإن قلت: يكون حالًا مؤكدة فغير هذا الوجه إذا احتمل أولى، فيكون خبيراً إذا مفعولًا به كأنه: قال فاسأل عنه خبيراً أي مسئولًا خبيراً. وكأن معنى سل: تبيّن بسؤالك وبحثك من تستخبره ليتقرر عندك ما اقتصّ عليك من خلقه ما خلق وقدرته على ذلك، وتعلمه بالفحص عنه والتبيّن له. ومما يقوي أن السؤال إنما أريد به ما وصفنا قول أمية:
واسأل ولا بأس إن كنت امرأ عمها... إنّ السؤال شفا من كان حيرانا
فيشبه أن يكون أراد باسأل: اسأل حتى تتبيّن بسؤالك، ألا ترى أنه قال:
إن السؤال شفا من كان حيرانا والسؤال إذا خلا من العلم لم يكن شفاء لمن كان حيران، إنما يكون شفاء إذا اقترن به العلم والتبيّن، فكذلك المراد في قوله: فسئل به خبيراً [الفرقان/ 59]: اسأل سؤالًا تبحث به لتتبين.
[الحجة للقراء السبعة: 2/215]
فالحجة لمن قرأ: ولا تسئل بالرفع أن الرفع يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون حالًا فيكون مثل ما عطف عليه من قوله: بشيراً ونذيراً [البقرة/ 119] وغير مسئول. ويكون ذكر تسئل- وهو فعل بعد المفرد الذي هو قوله: بشيراً- كذكر الفعل في قوله: ويكلّم النّاس في المهد [آل عمران/ 46] بعد ما تقدم من المفرد. وكذلك قوله: ومن المقرّبين [آل عمران/ 45] وهو قد يجري مجرى الجمل.
والآخر: أن يكون منقطعاً من الأول مستأنفاً به، ويقوي هذا الوجه ما روي من أن عبد الله أو أبيّا قرأ أحدهما: وما تسأل، والآخر: ولن تسأل، فكل واحدة من هاتين القراءتين يؤكد حمله على الاستئناف. ويؤكّد وجهي الرفع قوله: ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء [البقرة/ 171] وقوله: ما على الرّسول إلّا البلاغ [المائدة/ 99].
ومما يجعل للفظ الخبر مزية على النهي أن الكلام الذي قبله وبعده خبر فإذا كان أشكل بما قبله وما بعده كان أولى.
ووجه قراءة نافع بالجزم للنهي: ما روي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم
[الحجة للقراء السبعة: 2/216]
سأل: أيّ أبويه كان أحدث موتاً، وأراد أن يستغفر له، فأنزل الله: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم [البقرة/ 119] وهذا إذا ثبت معنى صحيح. ويذكر أن في إسناد
الحديث شيئاً.
فأما قوله من قال: إنه لو كان نهياً لكانت الفاء في قوله:
فلا تسأل أسهل من الواو. فالقول فيه: إن هذا النحو إنما يكون بالفاء، إذا كانت الرسالة بالبشارة والنّذارة علّة لأن لا يسأل عن أصحاب الجحيم، كما يقول الرجل: قد حملتك على فرس فلا تسألني غيره. فيكون حمله على الفرس علة لأن لا يسأل غيره. وليس البشارة والنذارة علة لأن لا يسأل.
وقد جوز أبو الحسن في قراءة من جزم أن يكون على تعظيم الأمر كما تقول: لا تسلني عن كذا، إذا أردت تعظيم الأمر فيه. فالمعنى أنهم في أمر عظيم، وإن كان اللفظ لفظ الأمر). [الحجة للقراء السبعة: 2/217]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
قرأ نافع {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} بفتح التّاء والجزم على النّهي وحجته ما روي في التّفسير أن النّبي صلى الله عليه قال ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} فنهاه الله عن المسألة قيل إنّه ما ذكرهما حتّى توفاه الله
وقرأ الباقون {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} برفع التّاء
[حجة القراءات: 111]
واللّام وحجتهم أن في قراءة ابن مسعود (ولن تسأل) ورفعه من وجهين أحدهما أن يكون {ولا تسأل} استئنافا كأنّه قيل ولست تسأل عن أصحاب الجحيم كما قال {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} والوجه الثّاني على الحال فيكون المعنى وأرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم). [حجة القراءات: 112]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (67- قوله: {ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم} قرأه نافع بفتح التاء والجزم، على النهي من السؤال عن ذلك، وفي النهي معنى التعظيم لما هم فيه من العذاب، أي: لا تسأل يا محمد عنهم، فقد بلغوا غاية العذاب التي ليس بعدها مستزاد، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل: أي أبويه أحدث موتًا ليستغفر له، فنزلت الآية على النهي، عن السؤال، عن أصحاب الجحيم، وروي أنه قال: ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزل النهي عن السؤال عنهما، فدل النهي على الصحة الجزم، وبذلك قرأ ابن عباس، وقرأه الباقون بضم التاء، والرفع على النفي والعطف على {بشيرًا ونذيرًا} فهو في موضع الحال تقديره: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا، وغير سائل عن أصحاب الجحيم، ويجوز أن يرفع على الاستئناف، والرفع هو الاختيار، لأن عليه جماعة القراء، ولأن ابن مسعود قرأه: «وما تسأل» فهذا يُبين معنى الرفع ويقويه، وأيضًا فإن في قراءة أبي: {وإن تسأل}، فهذا أيضًا يبين معنى الرفع والاستئناف، ويقوي الرفع أن قبله خبرًا، وبعده خبر، فيجب أن يكون هذا خبرًا ليطابق ما قبله وما بعده ويدل على قوة الرفع قوله: {ليس عليك هداهم} «البقرة 272» وقوله: {ما على الرسول إلا البلاغ} «المائدة 99» ويقوي الرفع أيضًا أنه لو كان نهيًا لكان بالفاء، كما تقول: أعطيتك مالا فلا تسألني غيره، وبالرفع قرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وابن أبي إسحاق والجحدري وعيسى بن عمر وغيرهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/262]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [آية/ 119]:-
مفتوحة التاء، مجزومة اللام، قرأها نافع ويعقوب.
ووجه ذلك أنه وإن خرج مخرج النهي، فإنه إخبار عن تعظيم العقوبة لأهل النار، كما تقول: لا تسل عن فلانٍ، إذا أردت تعظيم ما هو فيه، وقيل:
[الموضح: 297]
إنه صلى الله عليه وسلم سأل أي أبويه كان أحدث موتًا، وأراد الاستغفار لهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونهى عن المسألة عنهما.
وقرأ الباقون {وَلا تُسْأَلُ} مضمومة التاء واللام.
والرفع فيه إما أن يكون لكونه في موضع حالٍ، عطفًا على ما قبله، كأنه قال: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا وغير مسؤولٍ.
وإما أن يكون منقطعًا عن الأول على سبيل الاستئناف، والمعنى في هذه القراءة: انك لا تسأل عن ذنوبهم، وإنما هم يسألون عنها). [الموضح: 298]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس