عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 5 ربيع الأول 1440هـ/13-11-2018م, 12:23 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والطّور (1) وكتابٍ مسطورٍ (2) في رقٍّ منشورٍ (3) والبيت المعمور (4) والسّقف المرفوع (5) والبحر المسجور (6) إنّ عذاب ربّك لواقعٌ (7) ما له من دافعٍ (8) يوم تمور السّماء مورًا (9) وتسير الجبال سيرًا (10) فويلٌ يومئذٍ للمكذّبين (11) الّذين هم في خوضٍ يلعبون (12) يوم يدعّون إلى نار جهنّم دعًّا (13) هذه النّار الّتي كنتم بها تكذّبون (14) أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون (15) اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواءٌ عليكم إنّما تجزون ما كنتم تعملون (16) }
يقسم تعالى بمخلوقاته الدّالة على قدرته العظيمة: أنّ عذابه واقعٌ بأعدائه، وأنّه لا دافع له عنهم. فالطّور هو: الجبل الّذي يكون فيه أشجارٌ، مثل الّذي كلّم اللّه عليه موسى، وأرسل منه عيسى، وما لم يكن فيه شجرٌ لا يسمّى طورًا، إنّما يقال له: جبلٌ.
{وكتابٍ مّسطورٍ} قيل: هو اللّوح المحفوظ. وقيل: الكتب المنزّلة المكتوبة الّتي تقرأ على النّاس جهارًا؛ ولهذا قال: {في رقٍّ منشورٍ والبيت المعمور}. ثبت في الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في حديث الإسراء -بعد مجاوزته إلى السّماء السّابعة-: "ثمّ رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله في كلّ يومٍ سبعون ألفًا لا يعودون إليه آخر ما عليهم" يعني: يتعبّدون فيه ويطوفون، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت، هو كعبة أهل السّماء السّابعة؛ ولهذا وجد إبراهيم الخليل، عليه السّلام، مسندًا ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنّه باني الكعبة الأرضيّة، والجزاء من جنس العمل، وهو بحيال الكعبة، وفي كلّ سماءٍ بيتٌ يتعبّد فيه أهلها، ويصلّون إليه، والّذي في السّماء الدّنيا يقال له: بيت العزّة. واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا روح بن جناحٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "في السّماء السّابعة بيتٌ يقال له: "المعمور"؛ بحيال الكعبة، وفي السّماء الرّابعة نهرٌ يقال له: "الحيوان" يدخله جبريل كلّ يومٍ، فينغمس فيه انغماسةً، ثمّ يخرج فينتفض انتفاضةً يخرّ عنه سبعون ألف قطرةٍ، يخلق اللّه من كلّ قطرةٍ ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور، فيصلّوا فيه فيفعلون، ثمّ يخرجون فلا يعودون إليه أبدًا، ويولّي عليهم أحدهم، يؤمر أن يقف بهم من السّماء موقفًا يسبّحون اللّه فيه إلى أن تقوم السّاعة".
هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا، تفرّد به روح بن جناحٍ هذا، وهو القرشيّ الأمويّ مولاهم أبو سعدٍ الدّمشقيّ، وقد أنكر هذا الحديث عليه جماعةٌ من الحفّاظ منهم: الجوزجانيّ، والعقيليّ، والحاكم أبو عبد اللّه النّيسابوريّ، وغيرهم.
قال الحاكم: لا أصل له من حديث أبي هريرة، ولا سعيدٍ، ولا الزّهريّ
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا هنّاد بن السّريّ، حدّثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حربٍ، عن خالد بن عرعرة؛ أنّ رجلًا قال لعليٍّ: ما البيت المعمور؟ قال: بيتٌ في السّماء يقال له: "الضّراح" وهو بحيال الكعبة من فوقها، حرمته في السّماء كحرمة البيت في الأرض، يصلّي فيه كلّ يومٍ سبعون ألفًا من الملائكة، لا يعودون فيه أبدًا
وكذا رواه شعبة وسفيان الثّوريّ، عن سماك وعندهما أنّ ابن الكوّاء هو السّائل عن ذلك، ثمّ رواه ابن جريرٍ عن أبي كريب، عن طلق بن غنّامٍ، عن زائدة، عن عاصمٍ، عن عليّ بن ربيعة قال: سأل ابن الكوّاء عليًّا عن البيت المعمور، قال: مسجدٌ في السّماء يقال له: "الضّراح"، يدخله كلّ يومٍ سبعون ألفًا من الملائكة، ثمّ لا يعودون فيه أبدًا. ورواه من حديث أبي الطّفيل، عن عليٍّ بمثله.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: هو بيتٌ حذاء العرش، تعمّره الملائكة، يصلّي فيه كلّ يومٍ سبعون ألفًا من الملائكة ثمّ لا يعودون إليه، وكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، وغير واحدٍ من السّلف.
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال يومًا لأصحابه: "هل تدرون ما البيت المعمور؟ " قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: "فإنّه مسجدٌ في السّماء بحيال الكعبة، لو خرّ لخرّ عليها، يصلّى فيه كلّ يومٍ سبعون ألف ملكٍ، إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم".
وزعم الضّحّاك أنّه يعمّره طائفةٌ من الملائكة يقال لهم: الحن، من قبيلة إبليس، فاللّه أعلم.
وقوله: {والسّقف المرفوع}: قال سفيان الثّوريّ، وشعبة، وأبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن عليٍّ: {والسّقف المرفوع} يعني: السّماء، قال سفيان: ثمّ تلا {وجعلنا السّماء سقفًا محفوظًا وهم عن آياتها معرضون} [الأنبياء: 32]. وكذا قال مجاهدٌ، وقتادة، والسّدّيّ، وابن جريج، وابن زيدٍ، واختاره ابن جريرٍ.
وقال الرّبيع بن أنسٍ: هو العرش يعني: أنّه سقفٌ لجميع المخلوقات، وله اتّجاهٌ، وهو يراد مع غيره كما قاله الجمهور.
وقوله: {والبحر المسجور}: قال الرّبيع بن أنسٍ: هو الماء الّذي تحت العرش، الّذي ينزل [اللّه] منه المطر الّذي يحيي به الأجساد في قبورها يوم معادها. وقال الجمهور: هو هذا البحر. واختلف في معنى قوله: {المسجور}، فقال بعضهم: المراد أنّه يوقد يوم القيامة نارًا كقوله: {وإذا البحار سجّرت} [التّكوير: 6] أي: أضرمت فتصير نارًا تتأجّج، محيطةً بأهل الموقف. رواه سعيد بن المسيّب’ عن عليّ بن أبي طالبٍ، وروي عن ابن عبّاسٍ. وبه يقول سعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٌ، وعبد اللّه بن عبيد بن عمير وغيرهم.
وقال العلاء بن بدرٍ: إنّما سمّي البحر المسجور لأنّه لا يشرب منه ماءٌ، ولا يسقى به زرعٌ، وكذلك البحار يوم القيامة. كذا رواه عنه ابن أبي حاتمٍ.
وعن سعيد بن جبير: {والبحر المسجور} يعني: المرسل. وقال قتادة: {[والبحر] المسجور} المملوء. واختاره ابن جريرٍ ووجّهه بأنّه ليس موقدًا اليوم فهو مملوءٌ.
وقيل: المراد به الفارغ، قال الأصمعيّ عن أبي عمرو بن العلاء، عن ذي الرّمّة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {والبحر المسجور} قال: الفارغ؛ خرجت أمّةٌ تستسقي فرجعت فقالت: "إنّ الحوض مسجورٌ"، تعني: فارغًا. رواه ابن مردويه في مسانيد الشعراء.
وقيل: المراد بالمسجور: الممنوع المكفوف عن الأرض؛ لئلّا يغمرها فيغرق أهلها. قاله عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، وبه يقول السّدّيّ وغيره، وعليه يدلّ الحديث الّذي رواه الإمام أحمد، رحمه اللّه، في مسنده، فإنّه قال:
حدّثنا يزيد، حدّثنا العوّام، حدّثني شيخٌ كان مرابطًا بالسّاحل قال: لقيت أبا صالحٍ مولى عمر بن الخطّاب فقال: حدّثنا عمر بن الخطّاب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ليس من ليلةٍ إلّا والبحر يشرف فيها ثلاث مرّاتٍ، يستأذن اللّه أن ينفضخ عليهم، فيكفّه اللّه عزّ وجلّ".
وقال الحافظ أبو بكرٍ الإسماعيليّ: حدّثنا الحسن بن سفيان، عن إسحاق بن راهويه، عن يزيد -وهو ابن هارون-عن العوّام بن حوشبٍ، حدّثني شيخٌ مرابطٌ قال: خرجت ليلةً لحرسي لم يخرج أحدٌ من الحرس غيري، فأتيت الميناء فصعدت، فجعل يخيّل إليّ أنّ البحر يشرف يحاذي رءوس الجبال، فعل ذلك مرارًا وأنا مستيقظٌ، فلقيت أبا صالحٍ فقال: حدّثنا عمر بن الخطّاب: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من ليلةٍ إلّا والبحر يشرف ثلاث مرّاتٍ، يستأذن اللّه أن ينفضخ عليهم، فيكفّه اللّه عزّ وجلّ". فيه رجلٌ مبهمٌ لم يسمّ.
وقوله: {إنّ عذاب ربّك لواقعٌ}: هذا هو المقسم عليه، أي: الواقع بالكافرين، كما قال في الآية الأخرى: {ما له من دافعٍ} أي: ليس له دافعٌ يدفعه عنهم إذا أراد اللّه بهم ذلك.
قال الحافظ أبو بكرٍ بن أبي الدّنيا: حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن داود، عن صالحٌ المريّ، عن جعفر بن زيدٍ العبديّ قال: خرج عمر يعسّ المدينة ذات ليلةٍ، فمرّ بدار رجلٍ من المسلمين، فوافقه قائمًا يصلّي، فوقف يستمع قراءته فقرأ: {والطّور} حتّى بلغ {إنّ عذاب ربّك لواقعٌ ما له من دافعٍ} قال: قسمٌ -وربّ الكعبة-حقٌّ. فنزل عن حماره واستند إلى حائطٍ، فمكث مليًّا، ثمّ رجع إلى منزله، فمكث شهرًا يعوده النّاس لا يدرون ما مرضه، رضي اللّه عنه.
وقال الإمام أبو عبيدٍ في "فضائل القرآن": حدّثنا محمّد بن صالحٍ، حدّثنا هشام بن حسّان، عن الحسن: أنّ عمر قرأ: {إنّ عذاب ربّك لواقعٌ ما له من دافعٍ}، فربا لها ربوةً عيد منها عشرين يومًا). [تفسير ابن كثير: 7/ 427-430]

رد مع اقتباس