عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 ذو القعدة 1439هـ/30-07-2018م, 02:38 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلمّا ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجبّ وأوحينا إليه لتنبّئنّهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (15)}
يقول تعالى: فلمّا ذهب به إخوته من عند أبيه بعد مراجعتهم له في ذلك، {وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجبّ} هذا فيه تعظيمٌ لما فعلوه أنّهم اتّفقوا كلّهم على إلقائه في أسفل ذلك الجبّ، وقد أخذوه من عند أبيه فيما يظهرونه له إكرامًا له، وبسطًا وشرحًا لصدره، وإدخالًا للسّرور عليه، فيقال: إنّ يعقوب عليه السّلام، لمّا بعثه معهم ضمّه إليه، وقبّله ودعا له.
وقال السّدّيّ وغيره: إنّه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار الأذى له، إلّا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه، ثمّ شرعوا يؤذونه بالقول، من شتمٍ ونحوه، والفعل من ضرب ونحوه، ثمّ جاءوا به إلى ذلك الجبّ الّذي اتّفقوا على رميه فيه فربطوه بحبلٍ ودلّوه فيه، فجعل إذا لجأ إلى واحدٍ منهم لطمه وشتمه، وإذا تشبّث بحافات البئر ضربوا على يديه، ثمّ قطعوا به الحبل من نصف المسافة، فسقط في الماء فغمره، فصعد إلى صخرةٍ تكون في وسطه، يقال لها: "الرّاغوفة" فقام فوقها.
قال الله تعال: {وأوحينا إليه لتنبّئنّهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون} يقول تعالى ذاكرًا لطفه ورحمته وعائدته وإنزاله اليسر في حال العسر: إنّه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضّيّق، تطييبًا لقلبه، وتثبيتًا له: إنّك لا تحزن ممّا أنت فيه، فإنّ لك من ذلك فرجًا ومخرجًا حسنًا، وسينصرك اللّه عليهم، ويعليك ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصّنيع.
وقوله: {وهم لا يشعرون} -قال [مجاهدٌ و] قتادة: {وهم لا يشعرون} بإيحاء اللّه إليه.
وقال ابن عبّاسٍ: ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقّك، وهم لا يعرفونك، ولا يستشعرون بك، كما قال ابن جريرٍ:
حدّثني الحارث، حدّثنا عبد العزيز، حدّثنا صدقة بن عبادة الأسديّ، عن أبيه، سمعت ابن عبّاسٍ يقول: لمّا دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون، قال: جيء بالصّواع، فوضعه على يده، ثمّ نقره فطنّ، فقال: إنّه ليخبرني هذا الجام: أنّه كان لكم أخٌ من أبيكم يقال له "يوسف"، يدنيه دونكم، وأنّكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجبّ -قال: ثمّ نقره فطنّ -فأتيتم أباكم فقلتم: إنّ الذّئب أكله، وجئتم على قميصه بدمٍ كذب -قال: فقال بعضهم لبعضٍ: إنّ هذا الجام ليخبره بخبركم. قال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: لا نرى هذه الآية نزلت إلّا فيهم: {لتنبّئنّهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 373-374]

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 ه) : ({وجاءوا أباهم عشاءً يبكون (16) قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذّئب وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين (17) وجاءوا على قميصه بدمٍ كذبٍ قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ واللّه المستعان على ما تصفون (18)}
يقول تعالى مخبرًا عن الّذي اعتمده إخوة يوسف بعدما ألقوه في غيابة الجبّ: أنّهم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة اللّيل يبكون، ويظهرون الأسف والجزع على يوسف ويتغمّمون لأبيهم، وقالوا معتذرين عمّا وقع فيما زعموا: {إنّا ذهبنا نستبق} أي: نترامى، {وتركنا يوسف عند متاعنا} أي: ثيابنا وأمتعتنا، {فأكله الذّئب} وهو الّذي كان [قد] جزع منه، وحذر عليه.
وقولهم: {وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنّا صادقين} تلّطفٌ عظيمٌ في تقرير ما يحاولونه، يقولون: ونحن نعلم أنّك لا تصدّقنا -والحالة هذه -لو كنّا عندك صادقين، فكيف وأنت تتّهمنا في ذلك، لأنّك خشيت أن يأكله الذّئب، فأكله الذّئب، فأنت معذورٌ في تكذيبك لنا؛ لغرابة ما وقع، وعجيب ما اتّفق لنا في أمرنا هذا).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 374-375]

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 ه) : ({وجاءوا على قميصه بدمٍ كذبٍ} أي: مكذوبٍ مفترى. وهذا من الأفعال الّتي يؤكّدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة، وهو أنّهم عمدوا إلى سخلة -فيما ذكره مجاهدٌ، والسّدّيّ، وغير واحدٍ -فذبحوها، ولطّخوا ثوب يوسف بدمها، موهمين أنّ هذا قميصه الّذي أكله فيه الذّئب، وقد أصابه من دمه، ولكنّهم نسوا أنّ يخرقوه، فلهذا لم يرج هذا الصّنيع على نبيّ اللّه يعقوب، بل قال لهم معرضًا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه: {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبرٌ جميلٌ} أي: فسأصبر صبرًا جميلًا على هذا الأمر الّذي قد اتّفقتم عليه، حتّى يفرّجه اللّه بعونه ولطفه، {واللّه المستعان على ما تصفون} أي: على ما تذكرون من الكذب والمحال.
وقال الثّوريّ، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: {وجاءوا على قميصه بدمٍ كذبٍ} قال: لو أكله السّبع لخرق القميص. وكذا قال الشّعبيّ، والحسن، وقتادة، وغير واحدٍ.
وقال مجاهدٌ: الصّبر الجميل: الّذي لا جزع فيه.
وروى هشيم، عن عبد الرّحمن بن يحيى، عن حبّان بن أبي جبلة قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن قوله: {فصبرٌ جميلٌ} فقال: "صبرٌ لا شكوى فيه" وهذا مرسلٌ.
وقال عبد الرّزّاق: قال الثّوريّ عن بعض أصحابه أنّه قال: ثلاثٌ من الصّبر: ألّا تحدّث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكّي نفسك.
وذكر البخاريّ هاهنا حديث عائشة، رضي اللّه عنها، في الإفك حتّى ذكر قولها: واللّه لا أجد لي ولكم مثلًا إلّا أبا يوسف، {فصبرٌ جميلٌ واللّه المستعان على ما تصفون}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 375]

رد مع اقتباس