عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 ذو القعدة 1439هـ/24-07-2018م, 03:34 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلما ذهبوا به} الآية. أسند الطبري إلى السدي قال: ذهبوا بيوسف وبه عليهم كرامة، فلما برزوا في البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيما، فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه، يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بنو الإماء، فقال لهم يهوذا: ألم تعطوني موثقا أن لا تقتلوه؟ فانطلقوا به إلى الجب، فجعلوا يدلونه فيتعلق بالشفير، فربطوا يديه ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في الجب، فقالوا: ادع الشمس والقمر والكواكب تؤنسك، فدلوه حتى إذا بلغ نصف الجب ألقوه إرادة أن يموت، فكان في الجب ماء فسقط فيه ثم قام على صخرة يبكي، فنادوه فظن أنهم رحموه فأجابهم: فأرادوا أن يرضخوه بصخرة، فمنعهم يهوذا، وكان يأتيه بالطعام.
وجواب "لما" محذوف تقديره: فلما ذهبوا به وأجمعوا أجمعوا، هذا مذهب الخليل وسيبويه وهو نص لهما، ومن ذلك قول امرئ القيس:
[المحرر الوجيز: 5/51]
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ... ... ... ... ...
ومثل هذا قول الله تعالى: {فلما أسلما وتله للجبين}، وقال بعض النحاة في مثل هذا: إن الواو زائدة، وقوله {مردود} لأنه ليس في القرآن شيء زائد لغير معنى.
"وأجمعوا" معناه: عزموا واتفق رأيهم عليه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسافر: "ما لم يجمع مكثا"، على أن إجماع الواحد قد ينفرد بمعنى العزم والشروع، ويتصور ذلك في إجماع إخوة يوسف وفي سائر الجماعات، وقد يجيء إجماع الجماعة فيما لا عزم فيه ولا شروع، ولا يتصور ذلك في إجماع الواحد.
والضمير في "إليه" عائد إلى يوسف، وقيل: على يعقوب، والأول أصح وأكثر، ويحتمل أن يكون الوحي حينئذ إلى يوسف برسول، ويحتمل أن يكون بإلهام أو بنوم، وكل ذلك قد قيل، وقال الحسن: أعطاه الله النبوءة وهو في الجب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا بعيد.
[المحرر الوجيز: 5/52]
وقرأ الجمهور: "لتنبئنهم" بالتاء، وفي بعض مصاحف البصرة بالياء، وقرأ سلام بالنون، وهذا كله في العلامة التي تلي اللام.
وقوله تعالى: {وهم لا يشعرون} قال ابن جريج: "وقت التنبيه أنك يوسف "، وقال قتادة: "لا يشعرون بوحينا إليه".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فيكون قوله تعالى: {وهم لا يشعرون} -على التأويل الأول- مما أوحي إليه، وعلى التأويل الثاني - خبرا لمحمد صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 5/53]

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}
قرأت فرقة: "عشاء"، أي: وقت العشاء. وقرأ الحسن: "عشى" على مثال دجى، أي جمع "عاش"، قال أبو الفتح: عشاة كماش ومشاة، ولكن حذفت الهاء تخفيفا كما حذفت من "مألكة"، وقال عدي:
أبلغ النعمان عني مألكا ... أنه قد طال حبسي وانتظاري
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومعنى ذلك أصابهم عشا من البكاء أو شبه العشا إذ كذلك هي هيئة عين الباكي لأنه يتعاشى، ومثل شريح في امرأة بكت وهي مبطلة ببكاء هؤلاء وقرأ الآية، وروي أن
[المحرر الوجيز: 5/53]
يعقوب لما سمع بكاءهم قال: ما بالكم؟ أجرى في الغنم شيء؟ قالوا: لا، قال: فأين يوسف؟ قالوا: ذهبنا نستبق.. فبكى وصاح وقال: أين قميصه؟ وسيأتي قصص ذلك). [المحرر الوجيز: 5/54]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و{نستبق} معناه: على الأقدام، أي: نجري غلابا، وقيل: بالرمي، أي: ننتصل، وهو نوع من المسابقة، قاله الزجاج.
وقولهم: {وما أنت بمؤمن} أي: بمصدق، ومعنى الكلام: أي: لو كنا موصوفين بالصدق وقيل: المعنى: ولو كنت تعتقد ذلك فينا في جميع أقوالنا قديما لما صدقتنا في هذه النازلة خاصة لما لحقك فيها من الحزن ونالك من المشقة ولما تقدم من تهمتك لنا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول ذكره الزجاج وغيره، ويحتمل أن يكون قولهم: {ولو كنا صادقين} بمعنى: وإن كنا صادقين، وقاله المبرد، كأنهم أخبروا عن أنفسهم أنهم صادقون في هذه النازلة، فهو تماد منهم في الكذب، ويكون بمنزلة قوله تعالى: {أولو كنا كارهين}. بمعنى: أو إن كنا كارهين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا المثال عندي نظر، وتخبط الرماني في هذا الموضع، وقال: "ألزموا أباهم عنادا" ونحو هذا مما لا يلزم لأنهم لم يقولوا: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين في معتقدك. بل قالوا: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين فيما نعتقد نحن، وأما أنت فقد غلب عليك سوء الظن بنا، ولا ينكر أن يعتقد الأنبياء عليهم السلام صدق الكاذب وكذب الصادق ما لم يوح إليهم، فإنما هو بشر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه.." الحديث، فهذا يقتضي أنه جوز على نفسه أن يصدق
[المحرر الوجيز: 5/54]
الكاذب، وكذلك قد صدق عليه السلام عبد الله بن أبي حين حلف على مقالة زيد بن أرقم وكذب زيدا، حتى نزل الوحي فظهر الحق، فكلام إخوة يوسف إنما هو مغالطة ومحاجة لا إلزام عناد). [المحرر الوجيز: 5/55]

تفسير قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وجاءوا على قميصه بدم كذب} الآية. روي أنهم أخذوا سخلة أو جديا فذبحوه ولطخوا به قميص يوسف، وقالوا ليعقوب: هذا قميصه، فأخذه ولطخ به وجهه وبكى، ثم تأمله فلم ير خرقا ولا أثر ناب. فاستدل بذلك على كذبهم، وقال لهم: متى كان الذئب حليما يأكل يوسف ولا يخرق قميصه؟ قص هذا القصص ابن عباس وغيره، وأجمعوا على أنه استدل على كذبهم لصحة القميص، واستند الفقهاء إلى هذا في إعمال الأمارات في مسائل كالقسامة وغيرها في قول مالك، إلى غير ذلك، قال الشعبي: كان في القميص ثلاث آيات: دلالته على كذبهم، وشهادته في قده، ورد بصر يعقوب به، وروي أنهم ذهبوا فأخذوا ذئبا فلطخوا فاه بالدم وساقوه وقالوا ليعقوب: هذا أكل يوسف، فدعاه يعقوب فأقعى وتكلم بتكذيبهم.
ووصف الدم بـ "كذب" إما على معنى: بدم ذي كذب، وإما أن يكون بمعنى: مكذوب عليه، كما قد جاء (المعقول) بدل (العقل) في قول الشاعر:
حتى إذا لم يتركوا لعظامه ... لحما ولا لفؤاده معقولا
[المحرر الوجيز: 5/55]
فكذلك يجيء (التكذيب) مكان (المكذوب).
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
هذا كلام الطبري، ولا شاهد له فيه عندي، لأن نفي (المعقول) يقتضي نفي (العقل) ولا يحتاج إلى بدل، وإنما الدم الكذب عندي وصف بالمصدر على جهة المبالغة. وقرأ الحسن: "بدم كدب" بدال غير معجمة، ومعناه: الطري ونحوه، وليست هذه القراءة قوية.
ثم قال لهم يعقوب لما بان كذبهم: {بل سولت لكم أنفسكم أمرا} أي: رضيت وجعلت سؤلا ومرادا. "أمرا" أي: صنعا قبيحا بيوسف، وقوله: {فصبر جميل} رفع إما على حذف الابتداء وإما على حذف الخبر، إما على تقدير: فشأني صبر جميل، وإما على تقدير: فصبر جميل أمثل. وذكر أن الأشهب، وعيسى بن عمر قرئا بالنصب: "فصبرا جميلا" على إضمار فعل، وكذلك هي في مصحف أبي ومصحف أنس بن مالك وهي قراءة ضعيفة عند سيبويه، ولا يصلح النصب في مثل هذا إلا مع الأمر، ولذا يحسن النصب في قول الشاعر:
... ... ... ... .... صبرا جميلا فكلانا مبتلى
وينشد أيضا بالرفع، ويروى: "صبر جميل" على نداء الجمل المذكور في قوله:
شكا إلي جملي طول السرى ... يا جملي ليس إلي المشتكى
صبر جميل فكلانا مبتلى
وإنما تصح قراءة النصب على أن يقدر أن يعقوب عليه السلام رجع إلى مخاطبة
[المحرر الوجيز: 5/56]
نفسه أثناء مخاطبة بنيه، وجميل الصبر ألا تقع شكوى إلى بشر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بث لم يصبر صبرا جميلا". وقوله: {والله المستعان على ما تصفون} تسليم لأمر الله تعالى وتوكل عليه، والتقدير: على احتمال ما تصفون). [المحرر الوجيز: 5/57]

رد مع اقتباس